الحكومة الإسرائيلية و«تقاليد البصق على المسيحيين»!
حسب منسق مجلس الكنائس العالمي في القدس، يوسف ظاهر، فإن أحد رجال الدين من الطائفة الأرمنية في القدس «تعرض للبصق في وجهه 90 مرة خلال عام واحد». إذا أضفنا هذه المعلومة إلى إشارة قناة تلفزيونية عبرية لعلاقة وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير، وعدد من الحاخامات، بالتحريض على هذه الاعتداءات حين قال في لقاء سابق معه «عندما نبصق على جهة الكاهن أو الكنيسة أنا لا أعتقد أن هذا يعبر عن مخالفة ما». وردا على سؤال المذيع الإسرائيلي إن كان يجب «اتباع كل التقاليد اليهودية» أجاب أن «الموضوع هو لماذا نحول هذا لموضوع جنائي؟».
لا يتعلّق الأمر، إذن، بحادثة هامشية حصلت مؤخرا، وتحاول الحكومة الإسرائيلية، حاليا، احتواءها بإعلان القبض على خمسة من اليهود الأرثوذكس بعد انتشار مقطع فيديو يظهرهم وهم يبصقون على زوار مسيحيين في البلدة القديمة للقدس، فالأرقام تشير أنه منذ نهاية العام 2021 ازدادت بشكل كبير الاعتداءات على المسيحيين بحيث اضطرت 12 كنيسة لإصدار بيانات تدين هذه الظاهرة.
ازدادت هذه الاعتداءات بشكل فظيع مع وصول الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى الحكم، وهو ما دفع رئيس الكنيسة الكاثوليكية في الأراضي المقدسة للقول إن صعود حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة للسلطة جعل الحياة أسوأ بالنسبة للمسيحيين في مسقط رأس الديانة المسيحية، كما دفعت بطريرك اللاتين في القدس، للقول إن المجتمع المسيحي يتعرض «لهجوم متنام» وأن هناك مناخا ثقافيا سياسيا يتسامح مع هذه الأفعال ويُشعر المعتدين بأنهم «محميّون».
أحد هؤلاء، إليشا يارد، الذي عمل مع عضو كنيست من حزب «القوة اليهودية» الذي يتزعمه بن غفير، ربط المسألة بسياق تاريخي للعداء اليهودي ـ المسيحي بقوله: «ربما نسينا، تحت تأثير الثقافة الغربية، ما هي المسيحية، لكنني أعتقد أن ملايين اليهود الذين تشتتوا خلال الحروب الصليبية، وتعرضوا للتعذيب في محاكم التفتيش، والمؤامرات الدموية والمذابح الجماعية لن ينسوا أبدا».
يمكننا أن نعتبر يارد، نموذجا معبّرا فعلا عن هذا «المناخ الثقافي السياسي» الذي تشيعه الحكومة الإسرائيلية، والذي تحدث عنه بطريرك اللاتين، فهذا المستوطن المتطرّف يجد مبررا للاعتداءات على الفلسطينيين، في كون «مسيحيي أوروبا» اضطهدوا اليهود عبر الحملات الصليبية، والذين عانوا أيضا من محاكم التفتيش الإسبانية ومن المذابح الجماعية في روسيا وبولندا.
يارد متهم أيضا بالمشاركة في قتل الشاب (المسلم) قصي معطان من قرية برقة قرب رام الله في آب/أغسطس الماضي، والاعتداءات على المسيحيين هي جزء من الصورة الكبيرة لسياسة وثقافة الاستئصال التي قامت عليها إسرائيل، والتي لا يفعل أمثال بن غفير وسموتريتش ويارد غير إظهار الجانب «الناصع» منها.
الاعتداءات على المسيحيين هي جزء من السياسة العامة ضد الفلسطينيين على اختلاف أديانهم التي نرى تفاصيلها حاليا في موجة الاقتحامات التي يقوم المستوطنون بتنفيذها حاليا للمسجد الأقصى، مظهرين أشكال الاحتقار للمسلمين عبر تأديتهم الرقصات والطقوس التلمودية وحمل القرابين والاعتداء على المرابطين والمرابطات واعتقال بعضهم والتنكيل بهم. لا معنى أبدا، ضمن هذا السياق، لتصريحات نتنياهو وبعض المسؤولين الإسرائيليين التي استنكرت ما حصل في الحادثة الأخيرة ضد الحجاج المسيحيين، فنحن نتحدث عن سياسات استئصال وطرد وتهجير وإهانة للبشر وثقافاتهم وأديانهم لا يمكن لتصريحات التهدئة الإعلامية أن تغيرها.
وسوم: العدد 1052