ين شتات المعارضة ومعارضة الشتات نسب قريب ورحم واشجة!!

وبعد فهذا ما يدور بين أفراد المعارضة السورية في الشتات. وكنت منذ أربعين سنة أشبه حالنا بعد أن أُخرجنا أو خرجنا من بلادنا تحت عنوان "ثورة" لا أريد أن أشتت موضوعي اليوم بمناقشته، كنت أكثر من تشبيه وضعنا، بالصورة التالية: نحن أشبه بمصارع قذف به خصمه خارج الحلبة فوقف من بعيد يتهدده ويتوعده مع كثير من تعبيرات الجسد، المقترنة بالسين وسوف...

في المشهد العام كل السوريين محقون. كل السوريين وقع عليهم أشكال متمادية من الظلم؛ وفي الواقع هذا كل ما لدينا اليوم. ومن فهم مني أني أزعم أنني من دون الناس جميعا على صواب، وأنني الذي ألهم الحكمة، وأوتي فصل الخطاب؛ فقد أعظم عليّ الفرية!! وما أنا إلا رجل من الناس، أعبر عما أحس به كما يعبر من غيري الكثيرون...

"كلٌ في بيدائه" عنوان لمسرحية ألفها كاتبها "درويس ليسنج" في ستينات القرن الماضي، تعبيرا عن حالة الجيل الأوربي الخارج من الحرب العالمية الثانية. جميلة منشورة على الشبكة لمن يحب أن يقرأها...

تذكير : وحالنا نحن السوريين لم يصر بعد إلى أيدي الجيل الذي كان عمره في 2011 عشر سنوات...ونسأل الله اللطف والعافية، وأن يجعل على أيدي هؤلاء الخير والبر...

ومع ذلك فشتاتنا كما نرى. لا أريد أن أزكي أحدا ولا أن أدين أحدا؛ ولكنني أظل أتساءل هل بالإمكان -مثلا - أن أطرح سؤالا سياسيا من واقعة يومية على عشرة سوريين ،فأتلقى جوابا متقاربا، ولا أقول واحد !! أطرح سؤالا واحدا على طريقة السبر التي يمارسها علماء التربية لأعرف كم نحن مشتركون في الفهم أو في التقدير؟؟ وأجمح أحيانا فأقول وليكن السؤال في أمر الدين لأهل الدين، أو في أمر الدنيا لأهلها !! وبتنا اليوم فيهما أكثر اختلافا..

في عالم الشتات الذي نعيش لا يقول أحدٌ قول إلا ويرد عليه ممن حوله تسعة...

وفي عالم الشتات أو في حالة الشتات يزداد الوضع يوما بعد يوم تشظيا. بل بدأ ينتقل من حالة التشظي إلى حالة التفتت، ومنه إلى واقع تذرو كلّ ما فيه الرياح..

أعتقد أن العيش في الشتات هو سبب من أسباب تشتت المعارضة. وأضيف وأن الشعور بالأمن النسبي في عالم الشتات سبب آخر، وأن الاكتفاء في ظل أي شكل من أشكال الاستغناء هو سبب ثالث، ثم تصاعد الرغبات على القاعدة الشعبية "ما حدا أحسن من حدا" هو سبب رابع وربما يكون وراء كل سبب أسباب وأسباب...

المعارضون على درجات مختلفة في مقامهم تحت ظل القمع، يشعرون أنهم أحوج لبعضهم، ويقدرون أكثر معنى تعاونهم، ومعنى تقاربهم، ومعنى تجاوزهم أيضا، ومن هنا يصبح التعويل على بقية كل جذوة "في خلية النحل مشروعا ومطلبا" ...

عشنا في بلدنا في ظل الخوف قريبا من عشرين سنة، ما زلنا نعجب لما كان فيها من إخوّة ومحبة وإلفة وإنكار للذات وحدب على المشروع الواحد.. ومن اللحظات الأولى لخروجنا إلى الشتات دب إلى الناس "داء الأمم من قبلهم" لعلكم تعرفونه..

من معالم الشتات الذي أتحدث عنه أنك تجد المئات من السوريين يرابطون في محاريب السوشيال ميديا، ولا يتصدقون على وطنهم بكلمة، ولا يناضلون عدوهم بسهم، ويظلون يدّومون في دوامات الماضي، السحيق أو الأمل فيما بعد الموت,,,

ما أظن بشار الأسد نقم على قوم أحبوا أن يعيدوا كتابة التاريخ، أو أرادوا أن يصفوا للناس ما في الجنة من حور عين!! ولا أظنه نقم على التاس يوما ترنمهم بالبردة، ولا كذا حديثهم عن روسو وعن هوبز ...

ومع كل ذلك نحن اليوم هنا...ولا أريد من هذا المقال مجرد التوصيف. ولا أريد من هذا المقال التنديد ولا الإدانة ..

أريد فقط أن أطرح على الناس فكرة الاجتماع في عناقيد، كل عشر حبات في عنقود، أو في عقد. يوم بيعة العقبة الثانية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسبعين رجلا مع امرأتين من الأنصار ، أخرجوا لي عن كل عشرة منكم عريفا...

فهل نستطيع أن نعود لنظام العرفاء؛ لكل عشرة منا عريف يحاورهم ويشاورهم ثم يحاور عنهم، ثم إذا التقى منا عشرة عرفاء نكون قد التقينا في شتاتنا نحو مائة، وإذا التقى منا مائة عريف، نكون قد التقينا ألفا...

وبعض هذا خير من الممثلين يمثلون على مسرح، لا يوجد تحت منصته نظارة ينظرون...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1052