مراجعة حول فكرة (قل كلمتك وامش)
1
هل تصلح هذه الكلمة كمنهج لبيان الحق وإصلاح الناس ونهضة الأمة
الجواب بالطبع لا
فالإنسان مفطور على حب المعرفة والسؤال وهو أكثر شيء جدلا كما وصفه العزيز الحكيم والعقول المختلفة لا تنقاد للحق بسهولة ناهيك أن من مسائل العلم ما هو غامض ودقيق ولا ينجلي إلا بالتمحيص والسؤال والحوار الموضوعي والجدل المعرفي..
2
والجدل بالباطل مذموم في الكتاب والسنة وبخاصة في أمور الدين ... وأما الجدل بالحق فمطلوب بأمر إلهي للنبي صلى الله عليه وسلم (وجادلهم بالتي هي أحسن)
وهو شأن الأنبياء والمرسلين من قبله مع أقوامهم كما قال تعالى (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا)...
وهو شأن المؤمنين في حياتهم الخاصة (تجادلك في زوجها)..
3
والبحث العلمي الموضوعي المتميز ليس ذلك البحث الذي يجمع كلام العلماء والفقهاء من هنا وهناك فقط... بل هو الذي يفرز تلك الأفكار ويحللها ويناقشها ويمحصها ويرد بعضها ويرجح بينها بالحجج والبراهين..
4
وقد اشترط الغزالي للجدل أمرين
الأول أن يكون الحوار بالسر أحب للمرء منه علانية خشية الوقوع في الرياء
والثاني أن يحب المجادل لو ظهر الحق على لسان غيره أكثر من لسانه خلوصا من الأنا والرياء..
5
في كل الأحوال فالحوار والجدل مطلوب في كل العلوم ولو أن مدرسا ألقى درسه ومشى ولم يترك فرصة للطلبة للمناقشة لكان عمله مرفوضا تربويا...
6
ولكن بلا شك ينبغي أن يكون الجدل العلمي والحوار ضمن آدابه العامة ولا يتحول إلى مهاترات وحظوظ نفسية
وينبغي على صاحب الحق أن تكون روحه كبيرة ويتحمل الجميع في سبيل الحق الذي يحمله ... وكلما كان الإنسان كبيرا كلما تحكم بنفسه من أن يستفزها خصم أو جاهل ولذلك قيل البحر لا تعكره ساقية
7
كل شيء من قضايا العلم والمعرفة اليوم مطروح للبحث والحوار والنقد والمراجعة بلا استثناء
ولكن ينبغي لمن يتصدى لكل قضية أن يكون من ذوي العلم والإحاطة بها وأن يدلي بدلوه بكل تواضع وثقة.
8
ما ضر أمتنا شيء مثل التلقين فجل المربين من آباء ومشايخ ومدرسين يقولون كلمتهم ويمشون فهم كمذيع نشرة الأخبار... وما على التلميذ سوى السمع والطاعة ...وإذا اعترض انطرد... ويظنون أنفسهم قد أدوا ما عليهم ... وهكذا ضاعت مجتمعاتنا وأجيالنا بأسئلتهم الحائرة فبحثوا عن أجوبتها عند الملاحدة أو أهل البدع..
9
إذا قلت كلمتك ومشيت دون أن تدافع عنها أو تشرحها أو تقبل مراجعتها والحوار حولها فما فعلت شيئا... وأنت من القوالين لا الفعالين ..
10
هنالك جدران من العزلة والفرقة بين الشعوب والجماعات المسلمة لأن كلا منها تصدر كلامها وتمضي..ولا تسمع الآخرين...
يجب أن يكون الشعار هكذا قل كلمتك واسمع كلام الآخرين وتقبل كل شيء صالح منهم وعدل في كلمتك وخطابك إذا وجدت فيه خللا.. ودافع عنه بالحجة والبرهان إذا كان صحيحا ... وتقبل الحوار والآخر...
11
باختصار
سوق العلم ليست سوقا استهلاكية كسوق السلع تأخذ غرضك وتمشي... بل هي سوق معرفية تتجدد كل لحظة ..ومن أحب أن يكون له قدم فيها فعليه أن يكون ذا عقل نقدي ومنهج تحليلي وقلب كبير.. يقول ويسمع ويناقش ويرى...
ينسب للإمام الشافعي قوله: (رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب).
ويقول فولتير: «قد أختلف معك فى الرأى ولكنى مستعد أن أدفع حياتى ثمنا لحقك فى التعبير عن رأيك».
وسوم: العدد 1053