إسرائيل تفقد قوة ردعها وتدفع ثمن الغطرسة
تناولتُ وحذرت منذ مطلع العام في عدة مقالات وندوات ومحاضرات خطورة تصعيد الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً وفاشية وعنصرية واقتحامات المسجد الأقصى وتدنيسه من قطعان المستوطنين وآخره في عيد العرش وقتل أكثر من 250 فلسطينياً معظمهم مدنيون أبرياء وسط تنكيل دائم وممنهج فأتت الضربة المؤلمة التي صدمت الصهاينة وأنصارهم وحكومة نتنياهو المتصدعة والتي لا يبدو أنها ستنجو من الانتكاسة الكبرى التي واجهتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري التي تصادف الذكرى الخمسين للحرب التي فاجأت بها مصر وسوريا إسرائيل في 10 رمضان 6 أكتوبر 1973.
أكدت قيادات حماس وعلى رأسهم محمد ضيف القائد الميداني لكتائب القسام في رسالة صوتية هدف عملية طوفان الأقصى بالقول: «أطلقنا عملية طوفان الأقصى لردع الاحتلال ووقف جرائمه. وإطلاق آلاف الصواريخ وصلت إلى 5000 آلاف صاروخ وقذيفة. ولوضع حد لجرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون حساب». كما كان لافتاً دعوته لفتح الجبهات ضد إسرائيل: «أدعو إخوتنا في المقاومة في لبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة في فلسطين» وأن المعركة لا تزال في بدايتها.
ردت إسرائيل بإعلان عملية «السيف الحديدي» باستهداف المناطق والأهداف السكنية في غزة ما أدى لارتفاع عدد الشهداء للمئات والجرحى لأكثر من 1000!
ما نشهده وأنا أكتب هذا المقال بعدما استبدلت مقالي الأسبوعي بهذا المقال لأهمية ما يجري في تطورات مرتبطة بما أطلقت عليه كتائب الأقصى الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) طوفان الأقصى لوقف مسلسل الاعتداءات الممنهج وفرض التوقيت المكاني والزماني وتهويد القدس وفرض الأمر الواقع.
الحرب خدعة ومن يزرع الريح وعنجهية القوة والغطرسة يحصد العاصفة أو الطوفان كما شهدنا في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وهو تكرار لمشهد 6 أكتوبر 1973 بمفاجأة مصر وسوريا إسرائيل بالحرب وعبور قناة السويس وأسر جنود إسرائيليين ودخول الجيش السوري إلى القنيطرة في الجولان السوري المحتل.
واللافت هو تحقيق المقاومة الفلسطينية إنجازات ومفاجآت عديدة صدمت النظام الإسرائيلي برمته أبرزها عنصر المفاجأة والمباغتة ونقل الحرب والمواجهة إلى داخل الأراضي المحتلة في غلاف قطاع غزة وقتل وأسر جنود وقوات ومستوطنين وأخذ غنائم عسكرية متنوعة. إحداث شرخ وتآكل في حكومة نتنياهو تستغله المعارضة لتحميل الحكومة المتطرفة مسؤولية الكارثة التي ضربت الاحتلال وممارسته وغطرسته. وسيكون لذلك كلفة وثمن باهظ.
لا يمكن للمتابع والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية والاستراتيجية إلا أن يقف احتراماً للقدرة المميزة لعملية «طوفان الأقصى» بالتخطيط والتنفيذ بشكل منظم ومدروس
لا يمكن للمتابع والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية والاستراتيجية إلا أن يقف احتراماً للقدرة المميزة لعملية «طوفان الأقصى» بالتخطيط والتنفيذ بشكل منظم ومدروس في هجوم بري وقصف صاروخي وبحري، وعنصر المفاجأة التي شنتها كتائب الأقصى وانضمت لها سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وإطلاق آلاف الصواريخ في الساعة الأولى من المعركة التي أصابت إسرائيل قيادة وحكومة وشعباً ومستوطنين بصدمة صاعقة تبعتها بتوغل وكسر الستار والسياج الفاصل والدخول إلى المستوطنات ونقل المعركة للمرة الأولى الى داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل وليس داخل غزة. والقتال في 7 مستوطنات في تآكل لقدرة الردع الإسرائيلي دفع نتنياهو ووزير دفاعه بإعلان أن إسرائيل في حالة حرب وذلك للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 أي قبل 50 عاماً، وإعلان بن غفير وزير الأمن الوطني المتطرف إعلان حالة الطوارئ للمرة الأولى.
ووصلت صواريخ المقاومة الفلسطينية الى تل أبيب والقدس ومستوطنات غلاف غزة وعسقلان وسيدروت وغيرها، وأغلقت المطارات في الشمال والوسط، أبرزها مطار بن غورين الدولي في تل أبيب وإلغاء شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى إسرائيل. وهذا يعني شلل كلي يضرب كيان الاحتلال بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة في المستوطنات والمباني والبنى التحتية. كما تم أسر عشرات الرهائن من الجنود الأحياء والأموات والمصابين.
وبعد 10 ساعات من بدء عملية طوفان الأقصى تؤكد إسرائيل أن القتال لا يزال مستمراً في أكثر من 20 موقعاً داخل المستوطنات الإسرائيلية. ووصف متحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر 2023 بأنه «يوم شديد القسوة» ولحظة فارقة في تاريخ الاحتلال لأن ما قبل 7 أكتوبر هو غير ما بعده بتآكل قدرة الردع الإسرائيلية في الاعتداءات والتصعيد وامتلاك زمام المبادرة في التنكيل والاعتداء دون أن تدفع ثمن التصعيد. ولكن أهم انجاز لعملية طوفان الأقصى هو تفجير الغضب والصدمة نتيجة العملية، وتحميل الجناح المتطرف اليميني وجمهوره المتطرف ونتنياهو مسؤولية الانكسار الإسرائيلي، وهذا كاف للإطاحة بنتنياهو وحكومته وحتى نهايته سياسياً.
لجوء نتنياهو الذي خاطب شعبه والمجتمع الدولي بأن إسرائيل في حالة لخيار هدم المعبد على الفلسطينيين بارتكاب إسرائيل جرائم حرب غير مسبوقة بقصف جنوني لغارات على مناطق وأحياء سكنية في غزة المحاصرة والمكتظة. حتى قبل نهاية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول سقط 200 شهيد وأكثر من 1000 جريح في غزة في رد انتقامي وللتشفي وللتكسب وتهدئة غضب شعبه المصدوم ومستوطنيه التائهين.
تشير الأرقام إلى أكبر حصيلة من القتلى الإسرائيليين، إلى ما لا يقل عن600 وجرح أكثر من 2000 بعضهم في حالة حرجة وأسر العشرات من الجنود وأخذهم رهائن. هذه الأرقام والحرب النفسية وترحيل المستوطنين ستطيح برؤوس كبيرة وكثيرة وعلى رأسهم نتنياهو وحكومته المترنحة. ومساندة وتغطية أمريكا وأوروبا والمجتمع الدولي جرائم إسرائيل دون ردعها وتحميل الفلسطينيين مسؤولية التصعيد يساهم في زيادة التطرف وينسف حل الدولتين!
ستقود عملية طوفان الأقصى الى فرملة التطبيع وإحراج المطبعين العرب. وربما تعزز الشروط السعودية للتطبيع مع إسرائيل والبناء عليها لانتزاع مزيد من التنازلات، وحتى رفع سقف المطالب بإعادة إحياء مفاوضات حل الدولتين ووقف الاستيطان والاعتداءات على القدس والمسجد الأقصى. وحتى اقتناع الناخب الإسرائيلي بالامتناع عن التصويت للأحزاب الدينية المتطرفة، المسؤولة عن التصعيد، وانتخاب كنيست وحكومة أكثر براغماتية توقف ممارسات القمع والتصعيد وتنهي عقلية القلعة والتخندق الأصولي.
وسوم: العدد 1053