دور الجهات المسؤولة عن غرس العقيدة الصحيحة في الناشئين كالأسرة والمدرسة والجهات الاجتماعية والدولة
نؤكد في هذا المقال ماذكرناه في المقال السابق أنَّ منهج العقيدة الإسلامية هو المنهج الأمثل لتنشئة الطفل وتربيته على العقيدة الصحيحة ، في عملية غرس العقيدة السليمة تبدأ منذ اللحظة الأولى التي يولد فيها الطفل حين يكون الأذان أول ما يقرع أذنه ، وهذا ما أثبتته نصوص المنهج الإسلامي في حثها على العناية بالطفل منذ ولادته ، حيثُ تقع مسؤولية التربية على الوالدين أولا فلا يتحقق المبتغى من التنشئة العقدية إلاّ بتحققها في واقع الحياة ، ثم تجلِّيها في كل جوانب الحياة . وتعد الوسائل التعليمية جزءًا لا يتجزأ في العملية التعليمية لتحقيق الغايات والوصول إلى الأهداف التربوية ، فكلما استخدم المعلم على سبيل المثال الوسيلة المناسبة بأسلوب مشوّق وممتع كلما ساعد على فاعلية التعليم وتقبل المتعلمين للمنهج،ومن هنا نعلم اهتمام السنة النبوية بمثل هذا التوجيه ، وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة كثيرة واضحة نافعة وهي تحث على تربية الأطفال وتعليمهم. وتبين كيفية ذلك، فقد روى أبو داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع ).ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لطفل يعلمه آداب الطعام: (سَمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك). رواه مسلم وغيره. ومنها قوله لآخر:(يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك...) الحديث رواه الترمذي وغيره الكثير من الأحاديث الإرشادية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن هنا جاء استحباب التأذين في أذن المولود، وسر التأذين -والله أعلم- أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند مجيئه إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها. ومن ثم يتولى المربي رعاية هذه النبتة الغضة، لئلا يفسد فطرتها خبيث المؤثرات، ولا يهمل تعليمه العقيدة الصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة ، لأن العقيدة غذاء ضروري للروح كضرورة الطعام للأجسام، والقلب وعاء تنساب إليه العقائد من غير شعور صاحبه، فإذا ترك
الطفل وشأنه كان عرضة لاعتناق العقائد الباطلة والأوهام الضارة، وهذا يقتضينا أن نختار له من العقائد الصحيحة ما يلائم عقله ويسهل عليه إدراكه وتقبله، وكلما نما عقله وقوي إدراكه غذيناه بما يلائمه بالأدلة السهلة المناسبة وبذلك يشب على العقائد الصحيحة، ويكون له منها عند بلوغه ذخر يحول بينه وبين جموح الفكر والتردي في مهاوي الضلال. جوانب البناء العقدي عند الطفل المسلم (طريق الإسلام. (30/يونيو /2014م ) .
المحور الثاني: دور المؤسسات التربوية في غرس العقيدة الإسلامية وآثار إهمال دور المربين .
أولا: دور الأسرة في غرس العقيدة الصحيحة.
لا يستوعب الطفل كل ما نخبره به وما يحدث حوله بالعمق نفسه بل يفهمه بشكله السطحي ، ومن الناس من يعترضون على تعليم الطفل في سن صغيرة، وهذا غير صحيح فالأطفال يحفظون القرآن بشكل جيد رغم أنهم لا يفهمونه، فعقل الطفل كالكمبيوتر نستطيع أن نخزن به ما
نريد وعندما يكبر يتصرف وفق ما خزنا به .وعليه فيجب علينا أن نبدأ بتعليمه نظرياً فأي علم يعتمد في بدايته على الأشياء النظرية، كأن نجعله ينظر إلى السماء والأرض ثم نخبره أن الله خلق السموات والأرض .وحين نجلس على طاولة الطعام نقول له إن هذا الطعام من عند الله، سيبدأ بعدها بالسؤال والاستفسار عن كل شيء يصادفه. إذاً نبدأ أولاً بعملية غرس الجانب النظري ونستغل كل مناسبة لطرح هذا الفكر من خلال حوار الطفل فعندما يبدأ بالأكل نعلمه أن يقول بسم الله ثم نسأله من أتى بهذا الطعام؟ لكي ننجح في مهمتنا علينا استخدام الأسلوب القصصي، المحاكاة، التقليد، إذ أن القصص تلعب دور كبير في تكوين الفكر عند الطفل . ولا ننسى الاهتمام بجانب الاستمرار في تعزيز المعلومات . (طيبه، هبة 2023،ديسمبر1) .
ثانيا: دور المربين والمعلمين في الإرشاد والتوجيه التربوي
نورد فيما يلي معالم تربية الأولاد على عقيدة التوحيد
أولا: تصحيح النية فالنية الصالحة بداية كل خير وسبب كل رشد بعد توفيق الباري .
ثانيا: الاجتهاد في الدعاء بأن يهدي الله الولد إلى صراطه المستقيم وهديه القويم، فيوحد الله ولا يشرك له شيئا .
ثالثا: تلقين الولد مبادئ التوحيد إذا بلغ سن التمييز، بتدريبه على نطق الشهادتين، وإفهامه معناهما بحسب مداركه العقلية وقدراته الفكرية، ويبصر بالأصول الثلاثة وهي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه - صلى الله عليه وسلم - في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب الملائم إلى عقله ونفسه، وتكرار ذلك بغير إملال، كي ينطبع ذلك في فؤاده وينغرس في قلبه الغض فيشب سليم الفطرة قويم العقيدة.
رابعا: العمل التربوي الدائب في تعليم الولد وتلقينه وتبصيره بتوحيد الله تعالى، بمختلف الوسائل والأساليب المشروعة. (نواب،عبد الرب . 2012،نوفمبر4)
كما أن استخدام الوسائل التعليمية لها دور هام وفعّال في تنشئة الطفل السليمة ليكون أكثر استعدادالفهم العقيدة وتقبلها فنعرّف الوسيلة التعليمية هي أجهزة وأدوات ومواد ، يستخدمها المربي لتحسين وتسهيل عملية التعليم والتعلم وتقصير مدتها ، وتوضح المعاني وتشرح الأفكار وتدرب التلاميذ على المهارات وغرس العادات الحسنة في نفوسهم وعرض القيم دون أن يعتمد المربي على الألفاظ والرموز والأرقام وذلك للوصول إلى الهدف بسرعة وقوة وبتكلفة أقل .ولقد أظهرت البحوث التربوية التي أجريت في بلاد مختلفة ان الوسائل التعليمية هي وسائل مساعدة على تدريس المواد الدراسية المختلفة ، وأنها يمكن ان تساعد على تعلم أفضل للدارسين على اختلاف مستوياتهم العقلية وأعمارهم الزمنية ،وتوفر الجهد في التدريس فتخفف العبء عن كاهل المدرس .كما يمكنها ان تساهم إسهامات عديدة في رفع مستوى التعليم في أي مرحلة من المراحل التعليمية إذا توفرت الإمكانات المادية والبشرية . وقد تدرج المربون في تنمية الوسائل السمعية ، البصرية ، ووسائل المساعدة ،والوسائل التعليمية ، ووسائل الاتصال التعليمية .
خصائص وشروط الوسيلة التعليمية الجيدة :
*أن تكون الوسيلة مثيرة للانتباه والاهتمام ، وأن تراعى في إعدادها و إنتاجها أسس التعلم ، ومطابقتها للواقع قدر المستطاع .
*أن تكون محققة للأهداف التربوية .
*أن تكون جزء لا ينفصل عن المنهج .
*أن تكون مراعية لخصائص التلاميذ ومناسبة لعمرهم الزمني والعقلي .
*أن تكون مناسبة مع الوقت والجهد الذي يتطلبه استخدامها من حيث الحصول عليها والاستعداد وكيفية استخدامها .
*أن تتسم بالبساطة والوضوح وعدم التعقيد.
أنواع الوسائل التعليمية :
يصنف خبراء الوسائل التعليمية ، والتربويون الذين يهتمون بها ، وبآثارها على الحواس الخمس عند الدارسين بالمجموعات التالية : ـ
المجموعة الأولى : الوسائل البصرية مثل :
*الصور المعتمة ، والشرائح ، والأفلام الثابتة .
*الأفلام المتحركة والثابتة .
*السبورة .
*الخرائط .
*الكرة الأرضية .
*اللوحات والبطاقات .
*الرسوم البيانية ـ.
المجموعة الثانية : الوسائل السمعية :
وتضم الأدوات التي تعتمد علة حاسة السمع وتشمل : ـ
*الإذاعة المدرسية " .
*أجهزة التسجيل الصوتي .
المجموعة الثالثة : الوسائل السمعية البصرية :
وتضم الأدوات والمواد التي تعتمد على حاستي السمع والبصر معا وتحوي الآتي :
*الأفلام المتحركة والناطقة .
*مسرح العرائس ـ.
المجموعة الرابعة وتتمثل في :
*الرحلات التعليمية .
*المعارض التعليمية .
*المتاحف المدرسية .
(المركز السوداني للبحث العلمي2013،نوفمبر12)
ثالثا: آثار إهمال المربين في عدم غرس العقيدة الإسلامية :
يعد إهمال الطفل, أو تجاهله في الغالب, من أشهر نماذج سوء معاملةالأطفال وغالبية من يمارسون هذا النوع والإهمال يكون الوالدين نفسهماحيث يشكل آباء الضحايا نسبة 79.4% من إجمالي من يمارسون العنف ضد الأطفال ومن بين هذه النسبة هناك 61% يهملون أطفالهم تماما(ويكيبيديا، 2023،أكتوبر17)
( تعرّف المتخصصة النفسية الدكتورة جنا زعبلاوي الإهمال العاطفي للطفل بأنه فشل الوالدين في تلبية حاجات طفلهما العاطفية خلال السنوات الأولى، وتقول إن الإهمال العاطفي "ينطوي على
تفاعلات عاطفية محدودة بين الأبوين والطفل. وهو شكل من أشكال سوء المعاملة النفسية، ويُعد من أكثر أنواع إساءة معاملة الأطفال انتشارا وتشرح أن "هذا يحدث أيضا عندما يعرّض الوالد أو مقدّم الرعاية الأساسي الطفل للعنف المنزلي الشديد، أو يرفض طلب العلاج لمشكلات الطفل
العاطفية، أو لا يوفر له البيئة المناسبة للنمو والتطور السليم".
وأظهرت دراسات عدة أن الإهمال العاطفي قد يكون له تأثير سلبي أكبر على الصحة العقلية،مقارنة بجميع أنواع سوء المعاملة في مرحلة الطفولة، ويرتبط بالنتائج الجسدية والنفسية والتعليمية المضرّة، وفق زعبلاوي، مشيرة إلى أن ذلك يؤدي إلى زيادة اضطراب السلوك الداخلي والخارجي للطفل، فضلا عن تأخر نموه المعرفي والعاطفي. وتضيف "عندما يدرك الطفل أنه يتم إهماله عاطفيا، فمن المرجح أن يصاب باضطرابات نفسية بمقدار الضعف مع بلوغه سن الخامسة عشرة، بما في ذلك تطوّر الاكتئاب والاضطراب وعليه، ترى زعبلاوي أن عواقب الإهمال العاطفي للطفل تكون وخيمة عندما يكبر. وتقول: "كل شخص تجربة وحياة مختلفة، فلا نستطيع أن نحدد المتضررين من الإهمال العاطفي كبالغين الآن بمجموعة واحدة". وبالتالي، يفضَّل مراجعة طبيب نفسي للتقييم الكامل والمساعدة بعد التشخيص. وبحسب التشخيص
يتم وضع خطة علاجية، وعادة ما تكون دوائية ونفسية (جلسات نفسية) للمساعدة على تخطي آثار الإهمال العاطفي منذ الطفولة، لمساعدته في تحسين نوعية حياته وعلاقاته وتحسّن وضعه النفسي والصحي .
إضاءة تربوية نبوية :
*الحديث صحيح رواه الشيخان عن النعمان بن بشير أن أباه أعطاه غلاما فقالت أمه: لا أرضى حتى يشهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فذهب بشير بن سعد إلى النبي ﷺ وأخبره بما فعل فقال: ( أكلُّ ولدِك أعطيتَه مثل ما أعطيتَ النعمان فقال: لا، فقال الرسول: اتقوا الله واعدلوا ... ) .
*حث النبي على التحلي بخلق الرحمة، وبين لنا أنه سبب من أسباب دخول الجنة، فقال: "أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ"، وذكر منهم: ( رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ).
وسوم: العدد 1066