تهافت الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وشريكاتها الأوروبيات الخاضعة لهوى الصهيونية المدللة

لم يعد بعد الذي شهدته الجامعات الأمريكية من اعتصامات واحتجاجات ضد الصهيونية العنصرية النازية للإدارة الأمريكية أن تفاخر مدعية أنها حاضنة الديمقراطية في العالم ، والوصية عليها ، والمعاقبة لكل بلد لا يدين بها  بأقسى العقوبات الممكنة .

إن هروات قوات الشرطة أو ما يسمى بقوى مكافحة الشغب المسلطة على أجساد الطلبة والطالبات في أعرق الجامعات الأمريكية ـ يا حسرتاه ـ حيث الفلاسفة والمفكرون الذي ينظرون لما يسمى بالفكر الحر ، وبالديمقراطية ، وبالقيم الإنسانية السامية ... وبعضهم لم ينج مما نال طلبتهم من تعنيف وتصفيد وتنكيل ،  كل ذلك كان  حجة ، وبينة على تهافت الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما صك تباهيها بها آذان شعوب المعمور، خصوصا تلك التي تعيش فيما يسمى بدول العالم الثالث، وهي المحبطة ، واليائسة من  تحقق حلم الديمقراطية في بلدنها يأس من  ينكرون البعث من انبعاث أصحاب القبور.

ومعلوم أن حراك نخبة وطليعة الفكر في الجامعات الأمريكية لم يكن شغبا ، ولا  صلة، ولا رحم ، ولا رابط،  ولانسب بينهما، كما زعمت الإدارة الأمريكية، بل كان حراكا حضاريا بامتياز، تجلى في اعتصامات داخل الحرم الجامعي حيث التحم فيها الطلبة بأساتذتهم معبرين بأساليب راقية عن إدانتهم لجرائم الإبادة الجماعية أو المحرقة التي ترتكبها الصهيونية النازية الفاشية والعنصرية في قطاع غزة ، وفي الضفة الغربية  .

ولما كانت الصهيونية  كيانا مدللا في الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن دلالها قد قلب المفاهيم أو عبث بها حيث صار الحراك الطلابي الأمريكي  عبارة عن شغب ،اقتضى تدخل قوى لمكافحته ، وصارت التنديد بالإبادة الجماعية في غزة تهمة تسمى جريمة معاداة السامية وكراهيتها . ولقد ذهل العالم بهذا الربط المثير للاستغراب بين هذا وتلك . وبكل وقاحة ، وبصفاقة وجه طلع مجرم حرب الإبادة الصهيوني نتنياهو على العالم في وسائل الإعلام منددا بالحراك الطلابي واصفا إياه بالنازية . ومن المثير للسخرية أن يطلع على الإعلام العالمي أيضا متصهين أمريكي، لعله عضوا في الكونجرس الأمريكي أو مسؤولا  في إحدى الجامعات  ليفتري الكذب على  الله عز وجل  مدعيا أنه ـ  تعالى عما يصف علوا كبيرا ـ قال لخليله  إبراهيم عليه السلام : " إذا أعنت إسرائيل رضيت عنك ، وإذا لم تعنها سخطت عليك " ثم عقّب بالقول : " أتريدون أن يسخط الرب على جامعاتها  ؟"  فأجابته  إحداهن  كانت تقف إلى جانبه بقول : لا ،  بهذه العبارة السخيفة برر هذا المتصهين مواجهة إدانة  مرتكبي جرائم الإبادة بالهروات، وبالتنكيل، وبالاعتقالات .

 أليس من الانحطاط  إلى أدنى  دركه أن يوجد في القرن الواحد والعشرين ، ومن هو في  مواقع القرار بالولايات المتحدة من يردد  مثل هذا الكلام السخيف  في بلد العلم والمعرفة ، والحضارة الرائدة  في المعمور ؟  أليس من المثير للسخرية أن  يفترى مثل هذا الهراء على نبي كريم بينه وبين إسرائيل النبي قرونا  ؟  وما كان يقصده  في الحقيقة هذا المتصهين هو قوله  : إن نتنياهو قال لبايدن إذا أعنت الصهيونية رضيت عنك ، وإذا لم تعنها سخطت عليك  " وبالفعل خضع بايدن لنتياهو خضوع العبد لسيده  ، ودان له بالسمع والطاعة ، وأعطى أمره المطاع كي تتصدى قوى مكافحة الشغب للحراك الطلابي السلمي والحضاري ، فكان ذلك شهادة سجلها التاريخ بأن الديمقراطية ، وحرية التعبير، وحرية الرأي في الولايات المتحدة، إنما هي محض أوهام  أو سراب بقيعة ،ينخدع بها السذج والعوام  في هذا العالم الذي يمر بفترة من أحلك فترات التاريخ البشري.

ولم يقف أمر نتنياهو لبايدن عند حد المطالبة بالإجهاز على الحراك الطلابي، بل طالبه بإبطال قرار محكمة العدل الدولية الذي قضى باعتقاله هو وعصابته الإجرامية ، وسيفعل بايدن سمعا وطاعة  مخافة سخط الصهيونية عليه ، وسيجعل من محكمة العدل الدولية أضحوكة في نظر الرأي العام العالمي ، وسيؤكد أن  فكرة استقلال القضاء  في هذا العالم محض  وهم ، وخرافة تمرر على السذج والعوام في هذا العالم .

وما وقع في الولايات المتحدة الأمريكية  في الجامعات من مواجهة للحراك الطلابي السلمي المندد بجرائم الإبادة الصهيونية ضد شعب أعزل ، ومحاصر ، ومجوع ، لا يختلف عما وقع في عدة  عواصم أوروبية تصدت فيها قوات مكافحة الشغب لكل حراك مماثل حدث فيها . واليوم فقط  تداولت وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع ما حدث  داخل البرلمان السويدي من إدانة للصهيونية النازية ، وكان رد السلطات هناك اعتقال المنددين بها مخافة سخط الصهيونية التي تتاجر وترتزق بمقولة معاداة وكراهية السامية ، وهي ما يجعلها كيانا مدللا، وفوق كل القوانين الدولية ، وفوق المساءلة والمحاسبة ، الشيء الذي يجعل الغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي مهزلة ، وموضوع سخرية وتندر عند شعوب المعمور. وللتذكير أن السويد الذي دافعت عن حرية التعبير ، وسمحت بإحراق المصحف الشريف ، هي نفسها التي وضعت قيود الشرطة في يد يد فتى وفتاة نددا بالمحرقة داخل البرلمان ، فأي ازدواجية كيل سويدية هذه ؟ ومعلوم أن أسطوانة معاداة وكراهية السامية قد صارت  ممجوجة ، ومتهافتة ، ومثيرة للسخرية، لأن هذه السامية المزعومة  إنما هي الصهيونية  المعادية والكارهة  لكل من يدين جرائمها الوحشية التي ترتكبها في قطاع غزة ، وفي عموم فلسطين ، و حتى خارجها لأن لها اليد الطولى في كل المعمور ، وهي الكيان المدلل الذي صار عبارة عن آلهة معبودة  في بلاد الغرب .

ولا شك أن الحراك الطلابي في الولايات المتحدة  إنما هو منعطف تاريخي قد كشف القناع عن تهافت الديمقراطية ،والعدالة ، وحقوق الإنسان ، وفضح ارتزاق الكيان الصهيوني بمقولة معاداة السامية وكراهيتها التي يتخذ منها بعبعا  يبتز به عموم العالم ليعيث فيه فسادا . ولقد آن الأوان لوضع حد للتهديد والابتزاز والارتزاق بهذا البعبع ، وقد انقلب السحر على الساحر الصهيوني .

وسوم: العدد 1078