الغرب يسعى لتجريم ما يرمز لفلسطين
برغم توسع موازين القوى في العالم سواء من خلال تطوير الإمكانات الذاتية للدول أم التحالفات الإقليمية والأيديولوجية ما يزال لـ «الرمزية» موقعها في وجدان الدول والشعوب، فتارة يتم التعبير عن هذه الرمزية من خلال الأزياء الوطنية وأخرى الانتماءات الأيديولوجية وثالثة بالأناشيد الوطنية.
وتزداد أهمية هذه الرمزية في أوقات الصراع السياسي او العسكري. وعندما تنشب الصراعات يقوم بعض أطرافها أحيانا باستهداف مقدسات الطرف الآخر ومنها ما هو رمزي.
ومنذ نشوب العدوان الإسرائيلي على غزة برز للرمزية دور في الصراع، فأصبح الأفراد يعبّرون عن مواقفهم من أطراف الصراع باستخدامات رمزية. ويُفترض أن لا يكون الرمز سببا للاضطهاد او التنكيل أو إنزال العقوبة، ولكن في عالم يزداد استقطابا وتموضعا وأدلجة، أصبح استخدام الرمز لا يقل إثارة لأجهزة الشرطة والأمن عن المواقف الفعلية. فقد تكثف التصدي لكل ما يرمز لفلسطين وقضيتها، ابتداء بمنع الكوفية كرمز للهوية الفلسطينية، وصولا إلى استهداف المتعاطفين مع الفلسطينيين والداعمين لقضيتهم. كما استهدف من روّج رمزا فلسطينيا كخريطة فلسطين أو علمها أو حتى صور الأطفال الذين قتلوا. بل أن عرض الخبر حول فلسطين أصبح رمزا لمدى ارتباط الجهة الإعلامية بالقضية أو بعدها عنها. لذلك عمد الإعلام الغربي بشكل عام لتغييبها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإعطاؤها أولوية يرمز للاهتمام بها لأسباب أيديولوجية. هنا تصبح المهنيّة ثانوية، وأقل في سلّم أولويات الجهة الإعلامية من الانتماء الأيديولوجي.
منذ أن برزت القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا الدولية، بدأت رموزها تتحول إلى أيقونات يستخدمها داعموها لإظهار دعمهم لها وانتمائهم إليها. ومنذ أن برز ياسر عرفات قائدا لحركة فتح بعد إعلانها الكفاح المسلح في العام 1965، أصبحت الكوفية الفلسطينية رمزا مميزا للقضية. وبشكل تدريجي أصبحت مرتبطة بشكل وثيق بها. فهي جزء من اللباس الوطني خصوصا في أوساط الفلاحين والرعاة. وقد أصبحت لها أهميتها الخاصة في السنوات الأخيرة. وبغض النظر عن الموقف إزاء عرفات وسياساته، فقد بقيت كوفيته المتميزة علامة للقضية على مدى أربعين عاما تقريبا حتى وفاته في العام 2004. وازدادت أهمية القضية الفلسطينية إثارة بعد اندلاع قضية غزة واندفاع الكثيرين للتعبير عن دعمهم لها. وأصبح الأجانب يعبّرون عن دعمهم بارتداء الكوفية في الاحتجاجات والمظاهرات. فمن يرتديها فهو داعم لفلسطين ومعارض لـ «إسرائيل». وشيئا فشيئا أصبح استخدام هذه الرمزية أمرا مقلقا للاحتلال وداعميه في الغرب. فبدأ التضييق على مرتديها، وكثيرا ما أوقفت الشرطة البريطانية بعض المشاركين في الاحتجاجات العملاقة بسبب ارتدائهم الكوفية الفلسطينية. فهي في أذهان الكثيرين تعيد إلى الذاكرة صور عرفات ومواقفه: أمام الأمم المتحدة في العام 1974، وبعد سقوط طائرته في الصحراء الليبية في العام 1992 أو في أيامه الأخيرة مريضا. الرمزية هنا ارتبطت بشخص ليس لذاته بل لانتمائه لبلد وشعب وثقافة. وأصبح من الصعب فصل الكوفية عنن قضية فلسطين. كما أن العلم الفلسطيني أصبح هو الآخر رمزا للقضية. وكثيرا ما يشاهد المشاركون في الاحتجاجات وهم يلفّون أجسامهم بالعلم الفلسطيني. وهذا يكفي لتحديد انتمائهم ببلاغة من خلال الرمزية ذات الدلالات الواضحة.
كان لرمزية الكوفية والعلم الفلسطينيين دور في تعميق ظاهرة الاستقطاب الثقافي والسياسي لغير صالح «إسرائيل» ومجموعات الضغط المرتبطة بها
الحكومات الغربية ما تزال ملتزمة بدعم الاحتلال الإسرائيلي، ولا تحمل مشاعر ودّيّة تجاه القضية الفلسطينية. هذه السياسة لم تعد ممثلة للشعوب الغربية التي تتوسع فيها دوائر التعاطف مع تلك القضية. اللوبيات الصهيونية تدرك ذلك جيدا، وتسعى لتحجيم ذلك التعاطف بأساليبها المتعددة. فتارة تثير قضايا الإرهاب وتسعى لربطه بقضية فلسطين أو المجموعات الناشطة في الساحة الفلسطينية، وأخرى من خلال وسائل الإعلام التي تروّج المقولات الغربية غير المؤسسة على الحقائق أو المنطق، وثالثة تنطلق على أسس ثقافية وأيديولوجية لإظهار فلسطين بأنها قضية شرقية لا ترتبط بالغرب. مع ذلك فقد كان للاحتجاجات التي انتشرت مؤخرا على نطاق واسع في الجامعات الأمريكية دور في توسيع نطاق الوعي الشعبي بقضية فلسطين، وهي المرة الأولى من نوعها في أمريكا التي ما فتئت إداراتها المتعاقبة داعمة للاحتلال الإسرائيلي. هنا كان لرمزية الكوفية والعلم الفلسطينيين دور في تعميق ظاهرة الاستقطاب الثقافي والسياسي لغير صالح «إسرائيل» ومجموعات الضغط المرتبطة بها. كما أظهرت فشلا ذريعا لعمل اللوبيات الصهيونية وكذلك توجهات بعض الحكومات العربية التي ترى في تلك الظاهرة توسعا للتوجهات الثورية المطالبة بالتغيير.
البعد الآخر للتشبث بالرمزية المرتبطة بالقضية الفلسطينية أنها مكلفة أحيانا لداعميها، وقد تؤدي إلى السجن (كما حدث لأبي نضال المعتقل في فرنسا) أو التغريم أو فقد الوظيفة. في الأسبوع الماضي قال نائب فرنسي ينتمي إلى اليسار، تم تعليق عضويته في البرلمان (الجمعية الوطنية) بسبب رفعه العلم الفلسطيني، إنه «يفضّل أن يسجله التاريخ متحيزا للخير على الالتزام بقواعد الجمعية الوطنية». إنه موقف نبيل لا يقوم به إلا من تعمّقت في نفسه المشاعر الإنسانية وروح التحرّر والشجاعة لتحدي امبراطوية الشر التي تتنكر للمظلومين. فما أكثر الذين قرروا الانحياز إلى فلسطين، ورفعوا ما يرمز لها.
هذا الانحياز أزعج داعمي الاحتلال واللوبيات الصهيونية وأعمدة المشروع الإمبريالي نظرا لما يمثله صعود القوى التحررية من تحدٍّ لهذه الهيمنة. وإلا فما الذي يضير المسؤولين البريطانيين إذا رفع العلم الفلسطيني على المنازل في شرق لندن؟ لماذا يمارَس الضغط السياسي على البلدية لاتخاذ ما يلزم لإزالة الأعلام؟ بلدية «تاور هاملتز» قالت أن «قرار إزالة الأعلام جاء بعد أن تعرضت لهجمات إعلامية». كما فقد البعض عمله بسبب موقفه. وقالت ستايسي جيلبرت، التي استقالت الأسبوع الماضي من مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية إن تقريرا قدمته الإدارة إلى الكونغرس عجّل من قرارها بعدما أشار، على خلاف الحقيقة، إلى أن إسرائيل لا تعرقل المساعدات الإنسانية لغزة. وورد في التقرير أيضا أنه في الفترة التي تلت السابع من أكتوبر /تشرين الأول «لم تكن إسرائيل تتعاون بشكل كامل» مع الجهود الأمريكية وغيرها من الجهود لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقالت جيلبرت في مقابلة: «من الواضح أن هناك صوابا وخطأ، وما ورد في هذا التقرير خطأ».
ألا يدرك المسؤولون في واشنطن ولندن أن الحماس الشعبي لدعم ضحايا العدوان الإسرائيلي في تصاعد؟ ألا يعلمون أن المتعاطفين مع فلسطين وشعبها سيلجأون لوسائل التعبير المتاحة ومنها الاحتجاج وجمع التبرعات للضحايا واستخدام أساليب الترميز الممكنة ومنها علم فلسطين والكوفية الفلسطينية؟ فما من تظاهرة تخرج في إحدى العواصم الغربية ألا ويرتدي الكثير من المشاركين فيها الكوفية الفلسطينية كرمز لتحدي التحالف الشرّير ضد فلسطين وأهلها. بل أن هناك جنوحا يزداد توسعا لارتداء ملابس المرأة الفلسطينية التقليدية، تعبيرا عن الارتباط بقضية فلسطين برغم بشاعة الإعلام المضادّ الذي تحركه اللوبيات الصهيونية.
تاريخيا كان هناك تعاطف شعبي عالمي مع قضية فلسطين ولكنه كان في أغلب الاحيان محصورا بالمجموعات النضالية. هذا التعاطف توسع في العقود الأخيرة بعد توسع دوائر الإعلام وظهور الحقائق للرأي العام. وتوازى مع ذلك انتشار ما يرمز للقضية على نطاق واسع. فوجود هذا الترميز يساهم في توسع دوائر الوعي بما يجري في فلسطين. لذلك، برغم ما تمارسه إدارة الاحتلال هذه الأيام من اضطهاد غير مسبوق وقمع لا يوازيه شيء فمن الواضح أن حظوظ الصهاينة من التعاطف الدولي يتضاءل تدريجيا. فالإفراط في قتل الفلسطينيين ساهم في خلق رأي عام غربي لغير صالح قوات الاحتلال.
اللوبي الصهيوني يتابع عن كثب تغيرات المزاج البريطاني لغير صالح الاحتلال، ويمارس ضغوطا على الجهات السياسية والإعلامية للتهويل من خطر التشبث بالرموز الفلسطينية. وبلغ الأمر أن تتحدث وزيرة الداخلية السابقة، سويلا بريفرمان عن ضرورة منع رفع العلم الفلسطيني أو ارتداء الكوفية الفلسطينية. فما عسى ان تكون قوة هذا الترميز؟ وما مدى خواء الاحتلال ماديا ومعنويا وهو يواجه هذه الرموز؟
برغم توسع موازين القوى في العالم سواء من خلال تطوير الإمكانات الذاتية للدول أم التحالفات الإقليمية والأيديولوجية ما يزال لـ «الرمزية» موقعها في وجدان الدول والشعوب، فتارة يتم التعبير عن هذه الرمزية من خلال الأزياء الوطنية وأخرى الانتماءات الأيديولوجية وثالثة بالأناشيد الوطنية.
وتزداد أهمية هذه الرمزية في أوقات الصراع السياسي او العسكري. وعندما تنشب الصراعات يقوم بعض أطرافها أحيانا باستهداف مقدسات الطرف الآخر ومنها ما هو رمزي.
ومنذ نشوب العدوان الإسرائيلي على غزة برز للرمزية دور في الصراع، فأصبح الأفراد يعبّرون عن مواقفهم من أطراف الصراع باستخدامات رمزية. ويُفترض أن لا يكون الرمز سببا للاضطهاد او التنكيل أو إنزال العقوبة، ولكن في عالم يزداد استقطابا وتموضعا وأدلجة، أصبح استخدام الرمز لا يقل إثارة لأجهزة الشرطة والأمن عن المواقف الفعلية. فقد تكثف التصدي لكل ما يرمز لفلسطين وقضيتها، ابتداء بمنع الكوفية كرمز للهوية الفلسطينية، وصولا إلى استهداف المتعاطفين مع الفلسطينيين والداعمين لقضيتهم. كما استهدف من روّج رمزا فلسطينيا كخريطة فلسطين أو علمها أو حتى صور الأطفال الذين قتلوا. بل أن عرض الخبر حول فلسطين أصبح رمزا لمدى ارتباط الجهة الإعلامية بالقضية أو بعدها عنها. لذلك عمد الإعلام الغربي بشكل عام لتغييبها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإعطاؤها أولوية يرمز للاهتمام بها لأسباب أيديولوجية. هنا تصبح المهنيّة ثانوية، وأقل في سلّم أولويات الجهة الإعلامية من الانتماء الأيديولوجي.
منذ أن برزت القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا الدولية، بدأت رموزها تتحول إلى أيقونات يستخدمها داعموها لإظهار دعمهم لها وانتمائهم إليها. ومنذ أن برز ياسر عرفات قائدا لحركة فتح بعد إعلانها الكفاح المسلح في العام 1965، أصبحت الكوفية الفلسطينية رمزا مميزا للقضية. وبشكل تدريجي أصبحت مرتبطة بشكل وثيق بها. فهي جزء من اللباس الوطني خصوصا في أوساط الفلاحين والرعاة. وقد أصبحت لها أهميتها الخاصة في السنوات الأخيرة. وبغض النظر عن الموقف إزاء عرفات وسياساته، فقد بقيت كوفيته المتميزة علامة للقضية على مدى أربعين عاما تقريبا حتى وفاته في العام 2004. وازدادت أهمية القضية الفلسطينية إثارة بعد اندلاع قضية غزة واندفاع الكثيرين للتعبير عن دعمهم لها. وأصبح الأجانب يعبّرون عن دعمهم بارتداء الكوفية في الاحتجاجات والمظاهرات. فمن يرتديها فهو داعم لفلسطين ومعارض لـ «إسرائيل». وشيئا فشيئا أصبح استخدام هذه الرمزية أمرا مقلقا للاحتلال وداعميه في الغرب. فبدأ التضييق على مرتديها، وكثيرا ما أوقفت الشرطة البريطانية بعض المشاركين في الاحتجاجات العملاقة بسبب ارتدائهم الكوفية الفلسطينية. فهي في أذهان الكثيرين تعيد إلى الذاكرة صور عرفات ومواقفه: أمام الأمم المتحدة في العام 1974، وبعد سقوط طائرته في الصحراء الليبية في العام 1992 أو في أيامه الأخيرة مريضا. الرمزية هنا ارتبطت بشخص ليس لذاته بل لانتمائه لبلد وشعب وثقافة. وأصبح من الصعب فصل الكوفية عنن قضية فلسطين. كما أن العلم الفلسطيني أصبح هو الآخر رمزا للقضية. وكثيرا ما يشاهد المشاركون في الاحتجاجات وهم يلفّون أجسامهم بالعلم الفلسطيني. وهذا يكفي لتحديد انتمائهم ببلاغة من خلال الرمزية ذات الدلالات الواضحة.
كان لرمزية الكوفية والعلم الفلسطينيين دور في تعميق ظاهرة الاستقطاب الثقافي والسياسي لغير صالح «إسرائيل» ومجموعات الضغط المرتبطة بها
الحكومات الغربية ما تزال ملتزمة بدعم الاحتلال الإسرائيلي، ولا تحمل مشاعر ودّيّة تجاه القضية الفلسطينية. هذه السياسة لم تعد ممثلة للشعوب الغربية التي تتوسع فيها دوائر التعاطف مع تلك القضية. اللوبيات الصهيونية تدرك ذلك جيدا، وتسعى لتحجيم ذلك التعاطف بأساليبها المتعددة. فتارة تثير قضايا الإرهاب وتسعى لربطه بقضية فلسطين أو المجموعات الناشطة في الساحة الفلسطينية، وأخرى من خلال وسائل الإعلام التي تروّج المقولات الغربية غير المؤسسة على الحقائق أو المنطق، وثالثة تنطلق على أسس ثقافية وأيديولوجية لإظهار فلسطين بأنها قضية شرقية لا ترتبط بالغرب. مع ذلك فقد كان للاحتجاجات التي انتشرت مؤخرا على نطاق واسع في الجامعات الأمريكية دور في توسيع نطاق الوعي الشعبي بقضية فلسطين، وهي المرة الأولى من نوعها في أمريكا التي ما فتئت إداراتها المتعاقبة داعمة للاحتلال الإسرائيلي. هنا كان لرمزية الكوفية والعلم الفلسطينيين دور في تعميق ظاهرة الاستقطاب الثقافي والسياسي لغير صالح «إسرائيل» ومجموعات الضغط المرتبطة بها. كما أظهرت فشلا ذريعا لعمل اللوبيات الصهيونية وكذلك توجهات بعض الحكومات العربية التي ترى في تلك الظاهرة توسعا للتوجهات الثورية المطالبة بالتغيير.
البعد الآخر للتشبث بالرمزية المرتبطة بالقضية الفلسطينية أنها مكلفة أحيانا لداعميها، وقد تؤدي إلى السجن (كما حدث لأبي نضال المعتقل في فرنسا) أو التغريم أو فقد الوظيفة. في الأسبوع الماضي قال نائب فرنسي ينتمي إلى اليسار، تم تعليق عضويته في البرلمان (الجمعية الوطنية) بسبب رفعه العلم الفلسطيني، إنه «يفضّل أن يسجله التاريخ متحيزا للخير على الالتزام بقواعد الجمعية الوطنية». إنه موقف نبيل لا يقوم به إلا من تعمّقت في نفسه المشاعر الإنسانية وروح التحرّر والشجاعة لتحدي امبراطوية الشر التي تتنكر للمظلومين. فما أكثر الذين قرروا الانحياز إلى فلسطين، ورفعوا ما يرمز لها.
هذا الانحياز أزعج داعمي الاحتلال واللوبيات الصهيونية وأعمدة المشروع الإمبريالي نظرا لما يمثله صعود القوى التحررية من تحدٍّ لهذه الهيمنة. وإلا فما الذي يضير المسؤولين البريطانيين إذا رفع العلم الفلسطيني على المنازل في شرق لندن؟ لماذا يمارَس الضغط السياسي على البلدية لاتخاذ ما يلزم لإزالة الأعلام؟ بلدية «تاور هاملتز» قالت أن «قرار إزالة الأعلام جاء بعد أن تعرضت لهجمات إعلامية». كما فقد البعض عمله بسبب موقفه. وقالت ستايسي جيلبرت، التي استقالت الأسبوع الماضي من مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية إن تقريرا قدمته الإدارة إلى الكونغرس عجّل من قرارها بعدما أشار، على خلاف الحقيقة، إلى أن إسرائيل لا تعرقل المساعدات الإنسانية لغزة. وورد في التقرير أيضا أنه في الفترة التي تلت السابع من أكتوبر /تشرين الأول «لم تكن إسرائيل تتعاون بشكل كامل» مع الجهود الأمريكية وغيرها من الجهود لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقالت جيلبرت في مقابلة: «من الواضح أن هناك صوابا وخطأ، وما ورد في هذا التقرير خطأ».
ألا يدرك المسؤولون في واشنطن ولندن أن الحماس الشعبي لدعم ضحايا العدوان الإسرائيلي في تصاعد؟ ألا يعلمون أن المتعاطفين مع فلسطين وشعبها سيلجأون لوسائل التعبير المتاحة ومنها الاحتجاج وجمع التبرعات للضحايا واستخدام أساليب الترميز الممكنة ومنها علم فلسطين والكوفية الفلسطينية؟ فما من تظاهرة تخرج في إحدى العواصم الغربية ألا ويرتدي الكثير من المشاركين فيها الكوفية الفلسطينية كرمز لتحدي التحالف الشرّير ضد فلسطين وأهلها. بل أن هناك جنوحا يزداد توسعا لارتداء ملابس المرأة الفلسطينية التقليدية، تعبيرا عن الارتباط بقضية فلسطين برغم بشاعة الإعلام المضادّ الذي تحركه اللوبيات الصهيونية.
تاريخيا كان هناك تعاطف شعبي عالمي مع قضية فلسطين ولكنه كان في أغلب الاحيان محصورا بالمجموعات النضالية. هذا التعاطف توسع في العقود الأخيرة بعد توسع دوائر الإعلام وظهور الحقائق للرأي العام. وتوازى مع ذلك انتشار ما يرمز للقضية على نطاق واسع. فوجود هذا الترميز يساهم في توسع دوائر الوعي بما يجري في فلسطين. لذلك، برغم ما تمارسه إدارة الاحتلال هذه الأيام من اضطهاد غير مسبوق وقمع لا يوازيه شيء فمن الواضح أن حظوظ الصهاينة من التعاطف الدولي يتضاءل تدريجيا. فالإفراط في قتل الفلسطينيين ساهم في خلق رأي عام غربي لغير صالح قوات الاحتلال.
اللوبي الصهيوني يتابع عن كثب تغيرات المزاج البريطاني لغير صالح الاحتلال، ويمارس ضغوطا على الجهات السياسية والإعلامية للتهويل من خطر التشبث بالرموز الفلسطينية. وبلغ الأمر أن تتحدث وزيرة الداخلية السابقة، سويلا بريفرمان عن ضرورة منع رفع العلم الفلسطيني أو ارتداء الكوفية الفلسطينية. فما عسى ان تكون قوة هذا الترميز؟ وما مدى خواء الاحتلال ماديا ومعنويا وهو يواجه هذه الرموز؟
وسوم: العدد 1082