استهتار الكيان الصهيوني بإرادة كل العالم بإيعاز وتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الأوروبيات
لقد تأكد بما لا يدع مجالا لأدنى ارتياب أن الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الأوروبيات خصوصا بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، فضلا عن كيانات أخرى كلها ضالعة في مؤامرة ماكرة وخسيسة تتعمد الإجهازعلى حق الشعب الفلسطيني في استرجاع حرية واستقلال وطنه الذي اغتصب منه اغتصابا وهو تحت الاحتلال البريطاني البغيض الذي لم ترحل قواته الغازية عن أرض فلسطين إلا بعدما مهدت للعصابات الإجرامية الصهيونية كي تخلفها كقوة محتلة بديلة عنها ، والتي مارست كل أنواع الإجرام في حق الشعب الفلسطيني تقتيلا ، وتهجيرا ، من أجل استنبات كيانها فوق أرض فلسطين بين عشية وضحاها ، وقد تم الاعتراف به من طرف كل الدول الأوروبية التي كانت لها سابقة احتلال جل أقطار الوطن العربي وقد جعلت منها مناطق نفوذها مستغلة ضعفها وناهبة خيراتها ومقدراتها.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد خرجت منتصرة فيها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الأوروبيات على النازية والفاشية ، استغل هذا الظرف بالذات لتكريس احتلال العصابات الصهيونية لأرض فلسطين من خلال الاعتراف بها كدولة لم يكن لها وجود من قبل فيها ، وإنما سيّرت إليها هجرات يهودية من كل بقاع المعمور، ووطنت في أرض اغتصبت من شعبها بالقوة ، وكانت الذريعة التي تذرعت بها الدول المشجعة على هذا التوطين الجائر هي ما يسمي بمحرقة اليهود في ألمانيا ، وفي دول مجاورة لها كانت تحتلها . ولقد اعتبر توطين اليهود في أرض فلسطين مكافأة أو تعويضا لهم على محرقتهم على حساب شعب لا ناقة له ولا جمل في حكاية المحرقة ، ولا أحد اعترض على قرار قيام دولة إسرائيل فوق أرض الشعب الفلسطيني الذي طرد معظمه منها قسرا وقهرا، بينما أبيد العديد من أهله ، وظل من بقي في وطنه يعيش تحت احتلال صهيوني مقيت حل محل الاحتلال البريطاني البغيض ، وأخذت المستوطنات الصهيونية تتناسل يوميا ، وتحل محل الأحياء والمساكن في المدن والقرى الفلسطينية ، وهي مستوطنات شاهدة من خلال أسلوب عمرانها على عمليات تهجير اليهود إليها .
ومنذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، والدول التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية تتعهدها بالرعاية والدعم اللامحدودين ، وهي تغض الطرف على الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني ، وكلها جرائم إبادة جماعية .
ولقد استغل الكيان الصهيوني الدعم اللامحدود له من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الأوروبيات خلال الحروب التي خاضتها معه الدول العربية من أجل تحرير فلسطين من احتلاله ، وكانت تنتهي بعد أيام قليلة من اندلاعها ،ويعلن فيها عن انتصار الكيان الصهيوني، ويتوسع احتلاله للدول المجاورة لأرض فلسطين ، و يعلن عن اندحار الجيوش العربية .
ومع مرور الوقت صار الاحتلال الصهيوني أمرا واقعا، وقدرا لا مفر منه ، بالنسبة لجل الأنظمة العربية، وبدأت المؤامرات الخبيثة والماكرة تسوق من خلال ما سمي بمسلسلات سلام ، وهي في حقيقة أمرها مسلسلات استسلام مفروض بالقوة على أنظمة عربية كانت مواقفها المتخاذلة من بين أسباب ضياع أرض فلسطين إلى جانب أراض عربية أخرى مجاورة لها .
وأمام تمادي الكيان الصهيوني المحتل في التنكيل بالشعب الفلسطيني، لم يجد هذا الأخير بدا من الثورة التي كانت تأخذ أشكال انتفاضات كلما هدد الكيان الصهيوني بهدم المسجد الأقصى من أجل إقامة هيكله المزعوم مكانه، وهو مستمر في إقامة المستوطنات المحاصرة للأحياء الفلسطينية، فضلا عن إقامة جدار فصل عنصري ، عزل الضفة الغربية عن باقي الأراضي الفلسطينية بجوار ما سماه الخط الأخضر، وهو ما جعل الفلسطينيين محاصرين يعانون يوميا في تنقلاتهم بسبب هذا الجدار .
وأمام ضغط المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، اضطر الكيان الصهيوني إلى الجلاء عنها مندحرا ، وفرض عليها حصارا بحرا وبرا وجوا لسنوات ، وظل بين الحين والآخر يهاجمها بسلاح الطيران، ويدمر المساكن فوق رؤوس سكانها ، وقد تكرر هذا العدوان عدة مرات ما يزيد عن عقدين من السنين . وأمام تماديه في العدوان ، والحصار ، وفي ظرف طبخ ما سمي بصفقة القرن التي تهدف إلى جر معظم الأنظمة العربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية ، اضطرت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إلى مباغتة هذا الكيان في غلاف القطاع في السابع من أكتوبر، وهو ما أخرجه عن أطواره، فعمد إلى تدمير القطاع بعدما وفرت له الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات كل ما يحتاجه من أسلحة الدمار الشامل التي أتت على العمران والإنسان ،وحولت القطاع إلى دمار، وخراب ، وأرض يباب ، وارتكب أفظع جرائم الإبادة الجماعية التي أدانها الرأي العام العالمي .
وأمام عجز الكيان الصهيوني واندحاره في قطاع غزة بسبب ضربات المقاومة الفلسطينية الصامدة التي أوجعته ، وقد فقد العديد من قواته، فضلا عن فقدان رهائن لا زال أكثرهم أسرى لدى المقاومة ، اضطر إلى التفاوض معها من أجل استرجاعهم. وكان قبوله التفاوض بإيعاز من الكيانات التي تقف معه، وتشاركه جرائمه بطرق مباشرة مكشوفة وأخرى غير مباشرة .
ولقد ظل الكيان الصهيوني يناور من خلال هذه التسويف لتعطيل نهاية التفاوض دون أن يوقف عدوانه ، وقد جعل من هذا التفاوض ذريعة لتمديد جرائم الإبادة الجماعية في القطاع أطول مدة ممكنة، وهو يريد من وراء ذلك القضاء على المقاومة ،بل أكثر من ذلك يحلم بإعادة احتلال القطاع ، وبناء المستوطنات فيه كما هو الحال في الضفة الغربية ، بل يريد ضمهما معا نهائيا إلى ما يسميه الدولة العبرية ، وهو ما يعبر عنه صراحة عناصر من حكومة الحرب الحالية .
ولقد ظلت الإدارة الأمريكية تبطل بالفيتو كل قرار يدعو إلى وقف نهائي للعدوان الصهيوني على قطاع غزة ، وتحت ضغط الشارع الأمريكي، والشارع الأوروبي ، تظاهرت بأنها تسعى مع وسطاء عرب إلى وقف هذا العدوان ، وأنها ترغب في إدخال الطعام والشراب والدواء إلى أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين يموتون تحت القصف ، وبسبب المجاعة . والحقيقة أن الإدارة الأمريكية إنما تريد إعطاء الوقت الكافي للكيان الصهيوني كي ينجز ما خطط له وهو القضاء على المقاومة واحتلال وضم القطاع وهو مستهتر ومستخف بمجلس الأمن الدولي ، وبمحاكمه ، وبما صدر عنها من أحكام ، والإدارة الأمريكية والإدارات الأوروبية معه في ذلك ، وإن تظاهرت بالدفع نحو وقف الحرب . ولقد قدمت الإدارة الأمريكية اقتراحا ملغوما لوقف الصراع في القطاع لا ينص صراحة على الوقف النهائي للحرب، و لا على انسحاب القوات الصهيونية الغازية منه، بل يهدف إلى استرجاع الرهائن المحتجزين لدى المقاومة ثم يستمر العدوان الصهيوني بعد ذلك .
وها هي الإدارة الأمريكية اليوم تحمل المقاومة مسؤولية استمرار الحرب ، لأن هذه الأخيرة تنبهت إلى ما في الاقتراح الأمريكي الملغوم من غدر بات مكشوفا، وهو أمر تعمدته تلك الإدارة من أجل إعطاء الوقت الكافي للكيان الصهيوني كي يواصل جرائم إبادته الجماعية للشعب الفلسطيني ، وكي يحقق ما يهدف إليه من احتلال للقطاع وضمه تمهيدا للإعلان عن دولة عبرية دون وجود دولة فلسطينية تزاحمها ، ومن ثم يحقق كل ما تم التخطيط له قبل استنبات كورم خبيث في قلب الوطن العربي كي يتمدد فيه من خليجه إلى محيطه .
فمتى ستفيق الأمة العربية خصوصا، والأمة الإسلامية عموما من غفلتها التي طالت كثيرا ، فتهب لتخليص أرض الإسراء والمعراج ومقدساتها من الورم الصهيوني الذي تم توطينه فيها بالقوة ؟ ومعلوم أن ما أخذ بالقوة ،لا يسترد إلا بالقوة. ومعلوم أيضا أنه لا دوام لاحتلال مهما طغى وتجبر ، ومهما طال ، وما ضاع حق وراءه طالب ، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين
و وأخيرا نقول يا أمة الإسلام لك في صمود المقاومة في غزة عبرة ، وصدق الشاعر المتنبي إذ يقول :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
وسوم: العدد 1084