للإسرائيليين: كيف يصدقكم العالم بعد كل جرائمكم.. لا تتهربوا من مسؤولياتكم في غزة

في هذا الوقت الأكثر مصيرية لدولة إسرائيل، لا فكرة لديها عن توجهها. الحكومة والجيش في نوع من “أرض الحرام” من ناحية سياسية واستراتيجية، ولا يستطيعون توفير أهداف قابلة للتحقق في هذه الحرب التي لا نهاية لها. في ظل غياب اتخاذ قرارات جريئة، بالأساس صفقة لتحرير المخطوفين ووقف إطلاق النار، فإن كل الحرب نوع من التجربة والخطأ في أفضل الحالات، ولعبة روليت روسية في أسوأ الحالات.

أفضل مثال على ضياع إسرائيل يتمثل في الرد الذي قدمته الدولة مؤخراً للمحكمة العليا رداً على التماس قدمته “غيشه” ومنظمات حقوق إنسان أخرى، طلب فيه من الدولة القيام بواجبها، وتحويل المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة. وللتملص من هذه المسؤولية، أبلغت الدولة المحكمة العليا بأن حماس الآن هي القوة الحاكمة والقوة العسكرية الناجعة في القطاع.

من ناحية قدرة حماس المدنية، قالت الدولة: “لدى حماس الآن قدرة على ممارسة سلطة حكومية في القطاع”. وأضافت: “هذا الأمر ينعكس على عدد من المستويات، حيث تتمثل المستويات الأساسية فيها بوضع الخطوط العريضة للسياسة، وتفعيل أجهزة الأمن وإقامة هيئات أمن جديدة لمعالجة النظام العام، التي تهدف إلى السيطرة على المساعدات وتوجيهها لاحتياجات الحركة وضخ الأموال إلى القطاع وتوزيع الرواتب والمساعدات”. على الصعيد العسكري، كتب أن “قدرات حماس العسكرية لم تنته حتى الآن، والمواجهات العنيفة تستمر، لا سيما إزاء عودة حماس إلى العمل في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي وإعادة بناء قدراتها في فضاء جديد”.

بعد أشهر كثيرة من الأقوال المتغطرسة عن “الانتصار المطلق” و”على بعد خطوة من الانتصار”، فإن إسرائيل تعترف رسمياً بأنها بعيدة عن هزيمة حماس، بل إن حماس تنجح في إعادة سيطرتها على المناطق التي انتهى فيها القتال. من يجب علينا أن نصدق… عناوين وسائل الإعلام حول تصفية الكتائب وفقدان حماس لقدراتها، أم التقرير المقدم للمحكمة حول منظمة ما زالت تنشط عسكرياً وتضع السياسة وتدفع الرواتب؟

من غير المؤكد وجود جواب صحيح. ولكن المهم فهم مصدر التناقض بين روايتي إسرائيل المختلفتين، وعد الجمهور الواسع من قبل الحكومة والقيادة العسكرية العليا بأن “الضغط العسكري” سيؤدي إلى صفقة التبادل، وأن حماس في طريقها إلى الهزيمة في القطاع. ولكن إذا حدث ذلك ولم تعد قوة تحكم في القطاع، فستسأل إسرائيل من هو المسؤول عن وقف الكارثة الإنسانية. وبعد ذلك، ومع محاولات إسرائيل التملص من المسؤولية عن الكارثة التي أوجدتها، ستقول للمحكمة العليا، لا سيما للمجتمع الدولي والمحكمة في لاهاي، بأن حماس ما زالت الهيئة الحاكمة والناجعة. لذا، ما هدف الحرب في غزة إذا كانت إسرائيل بحاجة إلى حماس في السلطة؟

بسبب ذلك بالضبط، يدور الحديث عن حرب زائدة. إسرائيل تجد نفسها متهمة بارتكاب الجرائم الأخطر، وهي أكثر من مرة كانت على شفا حرب إقليمية كارثية على خلفية قرار استخدام القوة الزائدة بدون أي قيود أو منطق أو خطة للخروج. في موازاة ذلك، يموت المخطوفون ويقتلون في الأنفاق، وتفقد إسرائيل مناطق في البلاد التي يتم قصفها وإحراقها، وقتل المدنيين والجنود أصبح عادة. في هذا الوضع، كلما مر الوقت سنتعرض لأخطار آخذة في الازدياد.

هذه الورطة السياسية والعسكرية التي وجدت إسرائيل نفسها فيها نفهم منها كيف أصبحت حقوق الإنسان والدفاع عنها (أو على الأقل خرقها الشديد) عاملاً مهماً في النزاعات الدولية. وعقب سلوك إسرائيل الوحشي فقد أصبحت أمام ثلاثة إجراءات قانونية في المحاكم في لاهاي: دعوى جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، والرأي الاستشاري لهذه المحكمة في موضوع عدم قانونية سياسة إسرائيل في المناطق المحتلة وبما في ذلك قطاع غزة، وطلب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، كريم خان، إصدار أوامر اعتقال لنتنياهو وغالانت.

هذه الخطوات قد تؤدي إلى فرض عقوبات دولية. ورد الدولة على المحكمة العليا يولد انطباعاً بأن حكومة إسرائيل تدرك ذلك. لذلك، النيابة العامة مضطرة إلى إطلاق ادعاءات سخيفة بهدف التملص من المسؤولية عن الكارثة الإنسانية. ربما ينجح ذلك في الساحة الإسرائيلية، لكنها ادعاءات لن تصدقها الجهات الدولية.

رئيس الحكومة السابق ورئيس حكومة الاستطلاعات الحالية نفتالي بينيت، اقترح “التعايش مع المشكلة الفلسطينية مثل شظية في المؤخرة”. الطريق المسدود الحالي يثبت أنه إضافة إلى الجانب الأخلاقي، فالسيطرة العسكرية على شعب آخر وخروقات حقوق الإنسان الشديدة، لها تداعيات استراتيجية ثقيلة الوزن.

وسوم: العدد 1096