قمة المستقبل… تصحيح التاريخ نحو عالم أكثر عدالة

قبل انطلاق أعمال الدورة السنوية العادية التاسعة والسبعين للأمم المتحدة، انعقدت يومي 22 و23 سبتمبر، «قمة المستقبل». ولأنها قمة مهمة تتعلق بمستقبل الأجيال القادمة، رأيت من الحكمة أن أسلط عليها الضوء، لعل الشعوب العربية تتابع ما يجري في هذا العالم من تحديات كبرى تمس حياة كل فرد منا، ونحن ما زلنا في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين.

قمة المستقبل محاولة طموحة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لوضع نوع من الضغط الأخلاقي والمعنوي على الدول الكبرى والغـنية، لتصحيح العطب الكبير الذي ميّز أعمال المنظومة الدولية، منذ إنشائها عام 1945، خاصة مجلس الأمن والنظام المالي المتمثل في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومن ناحية أخرى الاستعداد لمواجهة المخاطر الجديدة مثل، التغير المناخي والفروقات الرقمية والذكاء الاصطناعي. وكي تكون القمة مؤثرة وفعالة دعي إليها، إضافة إلى رؤساء الدول والحكومات والوزراء، ممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص والأكاديميين والفنانين والرياضيين وذوي الاحتياجات الخاصة والسكان الأصليين والخبراء وصناع الرأي وغيرهم.

نحن على مفترق طرق، فإما أن يرتقي المجتمع الدولي لمستوى المسؤولية ويصلح الخلل ويرسم طريقا يضمن للأجيال القادمة مستقبلا أفضل، وإلا فإن العالم مقبل على كوارث قد تؤدي بكوكب الأرض إلى الهاوية

قصور المنظومة الدولية

لقد فشلت الأمم المتحدة بشكل واسع في الالتزام بأعمدتها الثلاثة، التي قامت على أساسها لتجنب الأجيال القادمة ويلات الحروب التي شهدها العالم مرتين في النصف الأول من القرن العشرين: الأمن والسلم وحقوق الإنسان والتنمية.

الأمين العام يريد أن يضغط على ممثلي الدول جميعها لتقصيرهم في المجالات كافة: النزاعات الدولية تتفاقم من غزة إلى أوكرانيا، ومن السودان إلى ميانمار، وعمليات التنمية المستدامة تتعثر من جهة أخرى، وانتهاكات حقوق الإنسان لم تكن في وضع أسوأ مما هي عليه الآن. الأمين العام أراد أن يحدد المسؤوليات عن هذا التراجع ومن يجب أن يتحملها، فمع بقاء ست سنوات فقط لأهداف التنمية المستدامة ـ 2030، التي رفعت شعارا مهما «عدم ترك أحد خلف الركب» – فشلت بشكل مروع، حيث لم يبق سوى 17% من أهداف التنمية المستدامة على المسار الصحيح. فالجوع يتزايد، واستخدام الوقود الأحفوري متواصل، ودرجات الحرارة العالمية ترتفع، والصراعات تنتشر، والنضال من أجل المساواة بين الجنسين يتعثر، والتكنولوجيا الحديثة بقدر ما تقدم من حلول إلا أنها تحمل مخاطر ومجازفات إذا لم يتم تقنينها دوليا. فمثلا، عام 2015، كانت الفروق بين أفقر بلدان العالم وأغنى البلدان أضيق بكثير مما هي عليه الآن، وعدد الفقراء يكاد يزيد عن الضعف، ومن بين أفقر 75 دولة في العالم، أصبح ثلثها اليوم أكثر فقرا مما كانت عليه قبل خمس سنوات. شارك في القمة زعماء العالم وصادقوا على «ميثاق المستقبل»، الذي تفاوضت عليه الوفود منذ أشهر. والغرض من هذا الإعلان غير الملزم، هو أن يكون بمثابة خريطة طريق لمستقبل الأمم المتحدة والتعاون الدولي بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ويتضمن الميثاق لغة حول مركزية حقوق الإنسان والحاجة إلى إصلاحات السياسة الاقتصادية العالمية. ويدعو إلى التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري بطريقة عادلة ومنصفة، ما يُظهر الحاجة إلى اتخاذ إجراءات حكومية عاجلة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري، ومنع أسوأ آثار تغير المناخ.

الحلول المطروحة قياسا للأزمات

وضعت قمة المستقبل أمام الحضور، الذين ملأوا قاعة الجمعية العامة: «ميثاق المستقبل الذي يتضمن الميثاق الرقمي العالمي وإعلان الأجيال المقبلة». ميثاق المستقبل باختصار يدعو إلى إصلاح الخراب القائم، ورسم المسار نحو مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وفتح الطرق أمام الإمكانات الجديدة التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة والعمل على تجنب أخطارها. وتغطي الوثائق إمكانيات الإصلاح ورسم طرق المستقبل في المجالات التالية:

– يدعو الميثاق إلى إجراء إصلاحات رئيسية في تركيبة مجلس الأمن ودوره وأساليب عمله، لجعله أكثر قدرة على تمثيل العالم اليوم، لا كما كان عام 1945، ويؤكد الميثاق على سد هوة النقص في التمثيل التاريخي لافريقيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية.

– تفتح هذه القمة الطريق أمام إمكانات وفرص جديدة للأجيال القادمة. يؤكد الميثاق على أولوية الحوار والتفاوض وإنهاء الحروب وإصلاح عمل مجلس الأمن، وكذلك الإسراع في إصلاحات النظام المالي العالمي، ووضع مصالح البشرية في جوهر التكنولوجيات الجديدة. وكما قال الأمين العام في كلمته الافتتاحية «نحن بحاجة إلى تعددية أكثر شمولا وفعالية، بعلاقات أقوى بين المؤسسات الدولية. وهذا يعني تمثيلا أكبر للدول النامية».

– وضع الأساس لإنشاء «لجنة بناء السلام» (وليس فقط حفظ السلام) وجعلها أكثر مرونة وفاعلية وإجراء مراجعة شاملة لعمليات حفظ السلام لجعلها أكثر مناسبة للظروف التي يواجهها عالم اليوم.

– وتمثل هذه الاتفاقات أول دعم متعدد الأطراف متفق عليه لنزع السلاح النووي الذي انطلق منذ أكثر من عقد من الزمان.

– كما تقر الوثائق بالطبيعة المتغيرة للصراع، وتلتزم باتخاذ خطوات لمنع سباق التسلح في الفضاء الخارجي، وتنظيم استخدام الأسلحة الفتاكة المستقلة.

– وتتضمن تدابير لوضع استجابة فورية ومنسقة للصدمات العالمية المعقدة.

– وعلى صعيد التنمية المستدامة، تمثل هذه الاتفاقات تقدما كبيرا نحو الإصلاحات الرائدة للهيكل المالي الدولي.

– تدعو الوثائق إلى التعامل بحزم ودون تأخير مع التحديات التي يشكلها التغير المناخي.

مسؤوليات الدول

وضع الميثاق نحو 55 بندا طلب من الدول جميعا أن تلتزم بتنفيذها، إذا أرادت أن ترسم طريقا للمستقبل يضمن حياة سليمة لأجيال المستقبل وأهم تلك المطالب:

– الالتزام باتفاقية باريس للتغير المناخي؛

– التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنصفة؛

– الاستماع إلى الشباب وإشراكهم في صنع القرار، على المستويين الوطني والعالمي؛

– بناء شراكات أقوى مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والسلطات المحلية والإقليمية وغيرها؛

– مضاعفة الجهود لبناء واستدامة مجتمعات سلمية وشاملة وعادلة ومعالجة الأسباب الجذرية للصراعات؛

– حماية جميع المدنيين في النزاعات المسلحة؛

– تسريع تنفيذ الالتزامات بشأن المرأة والسلم والأمن.

– إنشاء بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، حيث تعيش البشرية في وئام مع الطبيعة، والحفاظ عليها من خلال معالجة أسباب وتأثيرات تغير المناخ السلبية على وجه السرعة؛

– تعزيز الاستخدام المسؤول والأخلاقي للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، مسترشدا بمبادئ الإنصاف والتضامن، لتعزيز بيئة منفتحة وعادلة وشاملة للتنمية العلمية والتكنولوجية والتعاون الرقمي مع سد الفجوات العلمية والتكنولوجية والإبداعية، بما في ذلك الفجوات الرقمية، داخل البلدان وبينها،؛

– تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين جميع النساء والفتيات، من التمتع الكامل بحقوقهن الإنسانية وحرياتهن الأساسية، دون تمييز من أي نوع، هي متطلبات ضرورية لمستقبل مستدام؛

– المشاركة الكاملة والمتساوية للأشخاص ذوي الإعاقة من الأجيال الحالية والمستقبلية في المجتمع، بما في ذلك الفرصة لهم للمشاركة بنشاط في عمليات صنع القرار لضمان عدم تخلف أي شخص عن الركب.

نحن على مفترق طرق. فإما أن يرتقي المجتمع الدولي لمستوى المسؤولية ويصلح الخلل ويرسم طريقا سليما يضمن للأجيال القادمة مستقبلا أفضل وأقل عنفا وأكثر احتراما لإنسانية الجميع بعيدا عن الهيمنة وغطرسة القوة، وإلا فإن العالم مقبل على كوارث قد تؤدي بكوكب الأرض إلى الهاوية. فهل ستتحول هذه الطموحات المكتوبة على الورق إلى برامج عمل تتجسد في الميادين؟

وسوم: العدد 1096