رؤساء عرب في «أعراس» انتخابات… وإسرائيل تتكفّل بالجنائز!
يشبه فوز قيس سعيّد مؤخرا، بولاية رئاسية جديدة، فصلا إلزاميا يصرّ الرؤساء العرب على تلقينه لمواطنيهم، في هدر بائس للطاقة والأكلاف والمنطق حتى، وينتهي درس “الآداب السلطانية” بإعلان ما حصل “انتصارا للديمقراطية” و”عرسا انتخابيا”، يكون فيه الرئيس هو العريس المؤبد على شعبه المطواع، فيما يتعرّض المنافسون، الذين تجرأوا على منافسته، إلى أشكال من القمع المشدّد، فيما يحظى المنافسون الذين شاركوا في المسرحية “حبّا في الفنّ”، إلى أشكال مختلفة من المعاملة تتراوح بين التضييق والتهميش والسخرية وأحيانا المكافأة على دعوة بعضهم الجمهور للتصويت للرئيس لا لهم!
في هذه المباراة التي يملك فيها الرئيس أوراق السلطة والإعلام والتشريع والمحاكم، حظي الخصم الأكثر عنادا في تونس، العياشي زمال، والذي خاض الانتخابات وهو سجين أصلا، بعدد من الأحكام القضائية وصلت إلى أكثر من 20 عاما.
يذكر ذلك بما حصل للمرشح الرئاسي المصري أحمد الطنطاوي، الذي حُكم و20 من مؤيديه بالسجن، مع قرار منعه من الترشح للانتخابات 5 سنوات، وانتهى الأمر بالمرشح عبد المنعم أبو الفتوح، المرشّح لانتخابات الرئاسة عام 2012 فتعرض لهجوم مسلح، واعتقل في عام 2018 لانتقاده الرئيس عبد الفتاح السيسي ثم صدرت عدة أحكام طويلة وهو ما زال سجينا، أما أيمن نور، الذي ترشّح في انتخابات 2012 فاستبعد من الانتخابات (وكان قد سُجن لسنوات بسبب ترشحه لانتخابات رئاسية ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك).
تخلّصت الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي جرت في شهر أيلول/سبتمبر الماضي من جو القمع العنيف للخصمين الرئيسيين لعبد المجيد تبون، الرئيس الذي حصل على ولاية ثانية، بل وشارك الرئيس المنتخب في بيان مع المرشحين الآخرين في انتقاد النتائج التي أعلنتها السلطة المستقلة للانتخابات معتبرين أنها “تميزت بضبابية وتناقض وغموض وتضارب الأرقام”.
أما في انتخابات الرئاسة السورية التي جرت قبل 3 سنوات فكانت جرعة الهزل والسخرية أكبر بكثير، حيث تقوم السلطات نفسها باختبار مرشحين ثانويين، كان أحدهما رئيسا لحزب “معارض” موافق عليه رسميا، والثاني وزير دولة، وقد كتبت “القدس العربي” في افتتاحيتها حينها أن الانتخابات كانت هزيمة للسوريين الحالمين بنظام “لا يعاملهم كرهائن وسجناء ومشاريع خطف وقتل وتعذيب”، وأن ذلك جعل الأسد نموذجا للطغاة “بمن فيهم إسرائيل التي تحلم نخبها العنصرية المتطرفة بتنفيذ عمليات التهجير الجماعي ضد الفلسطينيين”. يؤكّد ما يجري حاليا هذا الاستشراف للعلاقة بين “أعراس الانتخابات” العربية، وجنائز الإبادة الجماعية الإسرائيلية الجارية ضد الفلسطينيين واللبنانيين، فالدولة العبرية هي التجسيد الأكمل لهذا القدر المنصوب على هذه المنطقة، فمن خلالها، وعبر التدخّل الغربيّ المستمر منذ الاستقلالات المنقوصة، تمّ في الوقت نفسه تدشين إسرائيل باعتبارها “واحة الديمقراطية” في الشرق الأوسط، والعمل على وأد التجارب الديمقراطية والوطنية، كما حصل في الانقلاب العسكريّ المرعيّ أمريكيا وبريطانيا عام 1953 ضد زعيم إيران المنتخب ديمقراطيا محمد مصدّق، مما أسس لدولة الشاه القمعية ثم إلى الثورة الشعبية الجذرية عليه، ثم في العمل على إسقاط تجربة جمال عبد الناصر عام 1956، ثم 1967. تكرّر رفض الغرب للنتائج الديمقراطية مع نتائج كارثية هائلة، كما حصل في الجزائر بعد رفض فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992 والانقلاب عليه، وهو ما أدى إلى العشرية السوداء التي ما تزال تلقي بظلالها على البلاد، وكما حصل عند فوز حركة “حماس” في انتخابات عام 2006، وهو ما أدى إلى المسار الذي نشهد تداعياته حاليا.
لقد خلصت الدكتاتوريات العربية إلى نتيجة مؤكدة وهي أن الغرب يؤيدها ويريد توطيد أركانها، وتضمنت الأكلاف الرهيبة التي أدى إليه تمكين الطغاة العرب، شطب شعوب بأكملها، ودخولها في هاوية لم تخرج منها، على ما نراه حاليا في سوريا، واليمن، وليبيا، والسودان، وحتى في الدول العربية الأخرى التي تعتبر القمع أهم مقوّمات الدولة، وليس العدالة ولا التنمية، وهو السيناريو الذي يناسب إسرائيل.
وسوم: العدد 1098