العلمانية والدين الإسلامي..
اعزائي القراء ..
يتبين لكل متابع لهذا الموضوع ، من ان تصرفات وطريقة خطاب "العلمانيون العرب" محصورة في مهاجمة ثوابت الدين الإسلامي بطريقة غير مباشرة عبر الدخول في عداء واضح وصريح ومباشر مع الرموز الدينية وتغليف كل نقاشاتهم بغلاف هلامي كاذب من ادعاءات بالصراع ومواجهة الأنظمة الديكتاتورية والقمعية في المنطقة" بينما هم حلفاء وثيقي الصلة بها على أرض الواقع مع الحكام العسكريين الديكتاتوريين كون جميع هؤلاء الانقلابيون هم علمانيون . ويعتبر العلمانيون هم اول من ساند الانقلاب العسكري في مصر ضد ديموقراطية واضحة بصندوق نظيف لم يعطوها المجال من اجل الإصلاحات ، و إذا تابعنا الاقنية التلفزيونية المصرية لوجدنا حوالي عشرين علمانياً يسيطرون على الإعلام المصري ويدعمون نظام السيسي الديكتاتوري الانقلابي؟ اليس هذا تناقض بين ما يظهره العلمانيون وبين ما يخفونه .؟
تعالوا ناخذ مثالاً آخر له علاقة بسقوط الخلافة الإسلامية وقيام النظام العلماني في تركيا على يد "أتاتورك" حيث يعتبر العلمانيون العرب هذا الانقلاب هو قدوة لهم ، ولكن إذا تعمقنا في تحليل هذا الانقلاب ، فإننا نستنتج ببساطة انه لم يكن نتيجة ثورة على الدين الإسلامي لان عز الدولة العثمانية كان في فترة التمسك بالعقيدة الإسلامية بكل مرتكزاتها العلمية والدينية .بل كان بسبب ضعف الحكم والنزاعات الداخلية والضغوط الخارجية وزيادة نفوذ الصهيونية والماسونية في العالم وانتشار هذه الظاهرة حتى في اركان الجيش العثماني .
لذلك اقول ؛ العلمانيون العرب يعيشون بالفعل حالة قريبة من الفصام والازدواجية حيث قادتهم الفتنة بالنموذج العلماني في الغرب لمحاولة نقله للمنطقة العربية والإسلامية كما هو، و نسوا او تناسوا نقطة في غاية الأهمية وهي أن القاعدة الأساسية للعلمانية هي إبعاد السلطة الدينية متمثلةً في الكنيسة عن أمور الحكم وهو الأمر السائد في الغرب وعدم تدخل الدولة في معتقدات الأفراد الدينية مع بعض الاستثناءات عندما يتعلق الأمر بالدين الإسلامي ربما يكون هذا بسبب انتشار ظاهرة"الإسلاموفوبيا"والتي من صدرها وروج لها ورسخها الغرب نفسه، لكن في معظم الدول العربية والإسلامية فالانقلابات العسكرية هي المسيطرة على زمام الأمور وتولي الحكم أو تكون الضامن لاستمرار نظام الحكم القمعي هنا والمتسلط هناك ويقوم بعض رجال الدين المرضى عنهم بدور "الإسناد " للنظام واستعمال سلطتهم الروحية للتأثير على الجماهير للخضوع للنظام والتسبيح بحمد الحاكم "إلا من رحم ربي والذين هربوا من بطش النظام العسكري او هم في معتقلاته "،
فبدلاً من خوض العلمانيين للمعركة الواجبة والملحة وهي مقاومة الأنظمة السلطوية والديكتاتورية الطابع، والسعي للوصول بالمجتمعات لما تصبو إليه من حرية وعدل ومساواة، تجدهم قد وجهوا جل جهودهم وقوتهم لمساندة تلك الأنظمة في قمع الشعوب ودأبهم المستمر على ربط تخلف الأمة وتراجعها بتمسكها بالدين الإسلامي والأعراف والتقاليد المرتبطة به ونكايةً في تيارات الإسلام السياسي عدوها اللدود وكأن أنظمة الحكم في الدول العربية والإسلامية قائمة على الشريعة الإسلامية منذ سقوط الخلافة العثمانية ثم الاستقلال ورحيل المستعمر الأجنبي عن المنطقة.
ويجب الانتباه إلى أن اختلاف الدين الإسلامي عن غيره من الأديان "السماوية والوضعية" هو أنه دين جامع ومانع ومتداخل في كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الفرد والمجتمع والدولة ومؤسساتها ونظام الحكم فيها.
ان الخلط الدائم والمتعمد من قِبَل العلمانيين العرب بين الدين الكَنسي والدين الإسلامي وتناسيهم المستمر لسيطرة الكنيسة الكاثوليكية على مقاليد الأمور في أوروبا سبباً رئيسياً لتقهقرها وغرقها فيما بات يعرف بقرون الظلام، بينما كان الالتزام بالشريعة الإسلامية وتطبيقها السبب الرئيسي لاتساع رقعة دولة الخلافة وتقدمها وفتوحاتها التي امتدت عبر القارات الثلاث وأثرت البشرية وأمدتها بما لا يمكن حصره من النتاج العلمي والفكري والثقافي وفي كافة المجالات حيث كانت العلوم الطبية والفلكية والرياضية والكيمائية والفلسفية في ارقى صورها يومها طلب الملك جورج الثاني ملك إنجلترا والغال والسويد والنرويج من الخليفة هشام الثالث خليفة المسلمين في الأندلس برسالة متواضعة قبول البعثة التي أرسلها اليه في احد المعاهد العلمية . فكتب يقول :
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل. ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأمير دُوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز تتشرف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وحماية الحاشية الكريمة وحدب من لدن اللواتي سيتوفرن على تعليمهن. ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع جورج الثاني ملك إنجلترا سنة 1028 من ميلاد المسيح» ) وازيد مثالاً آخر عندما كنت طالباً في جامعة بادوفا الإيطالية العريقة للعلوم الهندسية وجود لائحة من الرخام بطول حوالي 4 امتار معلقة في احد جدران مبنى سكرتارية الجامعة تحوي اسماء اهم الأستاذة الذين درسوا فيها ، فنجد اسماء علماء عرب تعاقدوا معهم من الأندلس .
الخلاصة:
ما يغيب عن العلمانيين العرب هو أن العلمانية قد نشأت في ظل مناخ مناهض ومعادي للدين الكنسي الكاثوليكي، وارتباط الشعوب العربية والإسلامية برباط وثيق الصلة بالدين والعادات والتقاليد المتوارثة واختلاف الدين الإسلامي عن غيره من الأديان "السماوية والوضعية" وهو أنه دين جامع ومانع ومتداخل في كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الفرد والمجتمع والدولة ومؤسساتها ونظام الحكم فيها، وشريعة تهتم بالسلوك والأخلاق والاقتصاد والسياسة والعلم وما ترك شيئاً أو أمراً إلا وأوضحه وأبانه.
وسوم: العدد 1098