في لبنان الطائفي ميوعة الموقف الإسلامي ولا أحب أن أقول السني ..

ذوبانه وتخليه عن تمثيل المصالح العقدية والإنسانية للقوة المجتمعية التي أنيط به الدفاع عن حقوقها

باغتيال المفتي اللبناني الشيخ حسن خالد على يد حافظ الأسد، ١٩٨٩فقد لبنان ومسلمو لبنان وسنتهم، بل سنة الشرق العربي بشكل عام، ركيزة من ركائز العمل الإسلامي والوطني والسياسي في تمثيل حقيقي لمصالح لبنان، ولمصالح الوجود الديمغرافي المشتبك بخلفيتيه الإسلامية والعربية..

وباغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري على يد بشار الأسد ٢٠٠٦ فقد لبنان الوطني والمسلمون أعني السنة في لبنان وفي الشرق العربي، سياسيا محنكا قادرا على قيادة المركب اللبناني لمصلحة كل لبنان، بمن فيهم الكتلة البشرية التي يمثلها. ولقد تمثلت السياسة الطائفية التي تمسكت به الزمرة الأسدية وتابعتها عليها زمرة الملالي في طهران، أن لا يبقى على صعيد المنطقة رؤوس..

ثم باختطاف الداعية فتحي يكن إلى سورية، والذي مثل تاريخ وفاته العملي، ثم وفاته في ٢٠٠٨ وماتلاه من وفاة الشيخ القاضي فيصل مولوي رحمه الله تعالى، ٢٠١١ ؛ كل ذلك مثل النهاية العملية للعملين السياسي والدعوي في لبنان..الذي كان ينظر إليه في يوم من الأيام بوصفه مساحة للتنفس السياسي والمعرفي، كنا نزور لبنان وبيروت وعمارة صمدي وصالحة في العيزرية، فقط لاختيار عشرة عناوين ندخلها كما الممنوعات إلى فضائنا السوري….

ربما لو أردت أن أتحدث عن الآخرين لقلت وبانقلاب ميشيل عون على نفسه، ثم باعتزال البطرك صفير، في ٢٠١١ تلاشت القوة الديمغرافية التي اقتطعت فرنسة الشلو اللبناني من الجسد السوري لا رضائه…

في مطلع الثمانينات، أي بعد سنوات قليلة من وصول خميني إلى السلطة، وبعد محاولة السوريين الثورة على حافظ الأسد، التي قمعت بمجازر دموية، أدار العالم المتحضر ظهره لها..

بسطاء السوريين ظنوا أن ثورتهم ستدعم كما دعمت ثورة شعب إيران ضد جهاز "السافاك" لماذا تلام البساطة عند الشعوب الشغفة والتلقائية والبسيطة.

كانت بداية ذوبان لبنان في وجود طائفي مشبوه، مموه، بشعارات "الموت.." والحرب على الاستكبار، ولعبة المقاومة والممانعة..

وتحت العنوان الرخو والرجراج رأى كل العجزة من الذين تولوا قيادة العمل السياسي والجماهيري في ثوبيه الوطني والدعوي ظلا لعجزهم عن الإدراك أولا، وعن الانجاز ثانيا…

بوصفي رجلا قد عايش طويلا، لو سألتني اليوم عن اسم مفتي لبنان لقلت لك لا أعرفه، وهنا أقول وإنه لضرر كبير للبنان وللمنطقة أن يكون مفتي لبنان مجهولا عند جمهور المنطقة، وليرجع كل واحد من القراء لنفسه ليسأل من هو رأس الهرم الاسلامي في بلد محكوم بالطائفية مثل لبنان..؟؟

وكذا لو سئلت عن الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، لأجبت لا أعرفه، أقصد، لا أعرف اسمه، لا شخصه، فلم أستمع إليه في حضور سياسي أو دعوي، ولم أقرأ اسمه يرسم موقفا دعويا أو سياسيا…

ثمة قادة في هذا العالم يقودون أنفسهم. هي نظرية المريد الصوفي الذي يقف كل يوم أمام المرآة، ويأخذ بنصيحة الشاعر البلخي/ الرومي، فيرفض أن يكسرها…

وهكذا ذاب لبنان أو ذوّب لمصلحة الكاريزما الطائفية لحسن نصر الله، ولعنوان المقاومة الذي يستعيره البعض مثل حافظ وبشار الأسد تماما، لستر كل العورات به…

الخبر من لبنان أن بعض القوى المسيحية التي راقها أن تستر بعض رغباتها السودا تحت الشعار نفسه..ميشيل عون ظل مهووسا بأن يسمى رئيسا للجمهورية..

القوى الإسلامية السنية أقصد، وأنا أقول يجب أن نتوقف عن استعمال مصطلح القوى السنية، ويجب أن نستعيد لمصطلح الإسلامية ألقه، وليس شموله الكذوب.

على مستوى لبنان ومستوى المنطقة قد انشقت مرجعيات التعبير عن الموقف الإسلامي انشقاقا شاقوليا حادا إلى فريقين..

فريق نبذ الاسلام وراح يدين بفقه أسود عديم كل أصحاب الحقوق من المستضعفين، باغيا على قول الله تعالى (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

وفريق آخر ادعى، وأسلم قياده للمدعين والقتلة والمجرمين..

أربعة عشر عاما وحملة مشروع الشر في عالمنا، ينطلقون من لبنان إلى سورية للقتل والتدمير والاغتصاب والتعفيش، ولبنان السني السياسي بين الحريري الابن وميقاتي الراهن، ينأى بنفسه عن الأخذ على يد القتلة والمجرمين والسفاحين وسفاكي الدماء، يأخذ على أيديهم بوصفهم مواطنين لبنانين لا يمكن أن يكون عصابة قتل وتخريب..

نشكر القوى والتجمعات والشخصيات اللبنانية التي قدمت للاجئين السوريين ما تستطيع، وفي بعض الأحيان أكثر ما تستطيع.

حتى إذا اشتغلت "مقاومة اطلاق صفارات الانذار" بالسلاح المرصود "لا يصيب هدفا إلا لماما" وجدنا الذين قيل لهم وقيل عنهم وانتـظر منهم..

يخلعون ويمضون…

الأخذ على يد الظالم مطلب شرعي.. مهما تكن هوية المظلوم …

أو لعلنا لا نكاد نعي ما نقول...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1099