هل انقلب النظام السوري على محور المقاومة أم انكشف دوره ؟ّ!

بعد أن صدّعوا رؤوسنا لعقود طويلة كأداء بشعارات المقاومة والممانعة والصمود والتصدي، الكل يتساءل اليوم في سوريا وخارجها: ما هذا الصمت السوري الرهيب؟ لماذا ينأى بشار الأسد بنفسه وبنظامه عما يحدث في المنطقة منذ عملية طوفان الأقصى؟ كيف يدعي أنه الركن الأساسي في محور الممانعة والمقاومة، ثم يلوذ بالصمت منذ أكثر من سنة؟ لماذا لم يسمح بخروج مظاهرة واحدة في سوريا دعماً لغزة؟ لماذا منع المساجد في سوريا من مجرد الدعاء لأهل غزة؟ لماذا لم يطلق تصريحاً يتيماً لنصرة الفلسطينيين ولو بالكلام فقط؟ لماذا لم يتجرأ على إرسال برقية تعزية بوفاة إسماعيل هنية ومن بعده يحيى السنوار؟ لماذا وصل به الأمر إلى وصم حركة حماس بالغدر والخيانة وهي في عز حربها مع إسرائيل؟ ألم يستغل القضية الفلسطينية هو وأبوه منذ نصف قرن؟ ألم يمنع السوريين منذ وصول عائلته إلى السلطة حتى من الحديث عن أسعار الفجل والخس والطماطم بحجة أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع الصهاينة؟ ثم عندما حانت ساعة الجد، اختفى؟ لا حس ولا خبر. قد يبرر له البعض ذلك الصمت المطبق بأن العلاقة مع حماس قد تحطمت إلى غير رجعة، وهو لم يعد يأمن جانبها كما قال أكثر من مرة، لكن لماذا ازداد صمته بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحليفه الأول حزب الله الذي يشتكي أنصاره اليوم أنهم قدموا أكثر من خمسة آلاف قتيل دفاعاً عن نظام الأسد في سوريا، لكنهم اليوم لا يسمعون حتى كلمة مواساة من حليفهم القديم؟ هكذا تساءل رفيق نصرالله أحد أنصار حزب الله حالياً وأحد كبار المدافعين عن النظام السوري سابقاً. لماذا تأخر بشار الأسد ثلاثة أيام بعد اغتيال حسن نصرالله كي يرسل بطاقة تعزية؟ لماذا أرسلها إلى ما أسماها بالمقاومة اللبنانية؟ وهل هناك “مقاومة” لبنانية غير حزب الله في لبنان. وليت النظام السوري اكتفى فقط بالصمت والنأي بالنفس عما يحدث في لبنان الذي كان يعتبره خاصرة سوريا، بل إن سوريا تحولت عملياً إلى مصيدة لكل القيادات الفلسطينية واللبنانية والإيرانية منذ سنوات وسنوات. لا تنسوا أن عماد مغنية العامود الفقري لما يسمى بالمقاومة اللبنانية اغتيل في دمشق تحت نظر وسمع المخابرات السورية، لا بل إن عملية الاغتيال تمت في أحد المربعات الأمنية التي لا يمكن أن يدخلها حتى الذباب من دون إذن مسبق. ولا تنسوا لاحقاً عملية اغتيال قاسم سليماني نفسه بعد سفره من دمشق إلى بغداد. ثم توالت عمليات الاغتيال لقيادات فلسطينية ولبنانية إيرانية كثيرة. والعجيب الغريب أن الإسرائيليين استطاعوا أن يصطادوا عشرات القيادات في دمشق ومحيطها داخل غرف نومهم. كيف وصل الإسرائيلي إلى غرف النوم؟ كيف وصلت صواريخه إلى العنوان المحدد لهذا القيادي الفلسطيني أو اللبناني أو الإيراني في دمشق بهذه السهولة؟ لقد كان الجنرالات الإيرانيون يتساقطون واحداً تلو الآخر في دمشق بشكل أدهش المراقبين والمتابعين والمعنيين والاستخباراتيين حول العالم، ولم يكن هذا ليتم لولا تنسيق وتتبع وتواصل أمني على أعلى المستويات من داخل دمشق وربما من داخل القصر الجمهوري كما كشفت فضيحة الممانعة لونا الشبل مستشارة بشار الأسد.

لماذا ينأى بشار الأسد بنفسه وبنظامه عما يحدث في المنطقة منذ عملية طوفان الأقصى؟ كيف يدعي أنه الركن الأساسي في محور الممانعة والمقاومة، ثم يلوذ بالصمت منذ أكثر من سنة؟

والسؤال الذي يطرحه كثيرون اليوم على ضوء استمرار عمليات التصفية التي تقوم بها إسرائيل في سوريا لقيادات لبنانية وفلسطينية وإيرانية، لماذا لا يستهدف الإسرائيليون أية شخصية عسكرية أو أمنية سورية واحدة منذ سنوات، بينما تنحصر عمليات التصفية الإسرائيلية لضيوف القيادة السورية من لبنانيين وإيرانيين وفلسطينيين؟ أليس غريباً جداً؟ هل كان بإمكان أي قيادي إيراني أو لبناني أو فلسطيني أن يدخل سوريا من دون تنسيق مع أجهزة الاستخبارات السورية بأنواعها العسكرية، والجوية، والسياسية، والمدنية؟ أليست المخابرات السورية هي الوحيدة التي تعلم بدخول هذا القيادي أو ذاك، وهي الوحيدة التي تعرف مكان إقامته، وتتابع تحركاته وتنقلاته ومهماته؟ ثم والأهم من ذلك، لماذا تعاقب إسرائيل ضيوف القيادة السورية ولم تعاقب يوماً ضباطاً من القيادة السورية نفسها المفترض أنهم هم الذين يستقبلون القياديين الفلسطينيين واللبنانيين والإيرانيين ويسهرون على راحتهم؟ شيء عجيب جداً ومريب أكثر، خاصة وأن القانون الطبيعي لا يعاقب فقط المجرمين، بل كل من يتعامل معهم، فلماذا في الحالة السورية، تتغاضى إسرائيل عن معاقبة الذين يسهّلون دخول القيادات اللبنانية والفلسطينية والإيرانية إلى سوريا ويستقبلونهم ويؤمنون لهم السكن والحماية؟ ألم نسمع من قبل أن سوريا كانت مكان تجميع الجهاديين والمتطرفين كي يتم التخلص منهم تباعاً؟ هل كانت سوريا بالمفهوم نفسه قلب المقاومة النابض يا ترى منذ أيام حافظ الأسد أم كانت مكان تجميع “المقاومين” للإجهاز عليهم واحداً واحداً في الوقت المناسب؟ هل انكشف اليوم يا ترى الدور المزدوج التاريخي للأسدين الأب والابن الذي كان يعطي إشارة لليسار ثم ينعطف لأقصى اليمين خادعاً ومخادعاً ومتلاعباً يميناً بعواطف ومشاعر وآمال مئات الملايين داخل وخارج سوريا؟ هل بات اللعب على المكشوف ولم يعد بالإمكان العودة للوراء؟ هل ستكشف الأيام القادمة نوع ودرجة وطعم ولون نظام الجوسسة الأول في المنطقة؟ وبالتالي هل يمكن الآن تفسير وفك لغز الإبقاء على النظام السوري كل هذه السنين ومساندته من قبل واشنطن وإسرائيل عقب اندلاع الانفجار المجتمعي في سوريا وحمايته ورعايته ورفض الإطاحة به كما حصل في بلدان الربيع العربي كمصر وتونس وليبيا واليمن والسودان، ليتبين لنا أنه مجرد موظف لدى تلك الدوائر وأنه كان يصدّر خطاب الممانعة والنضال القومي والقضية المركزية للبسطاء والمساكين، وأفلح فعلاً في بيع الوهم وخداع مئات الملايين هنا وهناك بموقفه المقاوم الخادع للجميع.

والآن بعد أن ذاب الثلج وبان المرج السوري، ألا يحق للسوريين أن يسألوا النظام الأسدي، لماذا رفعت شعار المقاومة زوراً وبهتاناً لحوالي نصف قرن من الزمان، وجلبت لسوريا كل هذه الفواجع والخراب والدمار، ثم أعلنت التوبة اليوم على المكشوف وبدأت تجهز نفسك للانضمام إلى الحلف الابراهيمي؟ ألم يكن من الممكن أن تنضم إلى قطار التطبيع العربي منذ عقود وتوفر على سوريا كل هذه النكبات والكوارث بدل رفع شعارات المقاومة الكاذبة؟ لماذا لم تستمع لنصائح المطبعين قبل سنوات؟ لماذا استمعت فقط عندما شحنوك إلى الجامعة العربية فجأة بعد سنوات من العزلة، ووعدوا بإعادة تأهيلك، وطلبوا منك أن تصمت تماماً ولا تفتح فمك إلا عند طبيب الأسنان؟ كيف تجيب السوريين على هذه الأسئلة التاريخية بعد خراب مالطا؟

وسوم: العدد 1101