سوريا: ليس لدى الأسد من يدافع عنه!

تشهد سوريا، حاليا، تغيّرا تاريخيا مشهودا. لقد تطوّرت الأحداث في البلد ذي الأهمية الكبيرة في الجغرافيا السياسية للمشرق العربي بسرعة كبيرة جدا بشكل يمكن أن يؤدي، مع ديناميّة التسارع هذه، إلى إعلان سقوط النظام الدكتاتوري لآل الأسد الذي حكم سوريا بالحديد والنار لمدة 54 عاما.

سينهي هذا الحدث، إذا حصل، مرحلة سوداء من تاريخ البلاد والمنطقة بدأت مع انقلاب 1963، الذي صفّى فيه ضباط محسوبون على حزب «البعث» كل آثار المراحل المدنية السابقة منذ استقلال البلاد عام 1946، فاستبدل الحكام العسكريون المؤسسات الديمقراطية بأجهزة حكم مركزي صارم، وقمعوا الأحزاب المعارضة، واستشرت قوة الأجهزة الأمنية.

ما لبث أن أدى الصراع الداخليّ بين ضباطها إلى انقلاب ثان عام 1966، تبعته هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وكان من الوقائع الغريبة الدالة أن حافظ الأسد، الوزير المكلّف بالدفاع عن البلاد، قام بانقلاب أخير استلم فيه السلطة عام 1970، لينتهج بعدها سياسات إحكام السيطرة على البلاد والعباد، لينطلق بعدها في محاولة الهيمنة على ملفّات المنطقة، مع دخول قواته إلى لبنان عام 1976، وتدخّلاته العنيفة للتحكم بالقرار الفلسطيني، وأشكال التوتّر الكبيرة مع البلدان العربية، وخصوصا الأردن والعراق (أيام صدام حسين).

شهدت هذه المرحلة من تاريخ حكم آل الأسد لسوريا تدهورا متدرجا بعد وفاة الدكتاتور الأب بدأ مع قيام المنظومة الأمنية – العسكرية بتوريث الحكم لابنه بشار (بدلا عن شقيقه الأكبر باسل الذي قتل في حادث سير) وحصل ذلك بطريقة اضطرّت المنظومة لتعديل الدستور بطريقة فجة، عام 2000. ساهم هذا الوريث، غير المؤهّل سياسيا أو عسكريا، في قرارات خطيرة أفقدت المنظومة، في نهاية المطاف، السيادة على البلاد، وما لبثت أن جرّدت «الرئيس» نفسه من سلطاته وجعلته تابعا يجري في فلك روسيا، وإيران.

ظهرت إشارات مهمة على هذا التدهور مع انقلاب الأسد الابن على وعود الانفتاح السياسي عام 2001، وما سمي حينها «ربيع دمشق» حيث ارتفع منسوب حرية التعبير ونشأت منتديات سياسية، ولكن بشار، ومنظومته الأمنية، سارعا بعد 7 أشهر، لوأد هذه الفرصة، وما لبثت هذه المنظومة أن تورّطت بتغطية اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، عام 2005، وهو ما أنتج قوة ضغط لبنانية وعربية وعالمية أنهت الوصاية السورية على لبنان في العام نفسه، كما تورّطت في فضائح أمنية ـ سياسية مشينة كان اعتقال «مستشار الأسد» الإعلامي ميشال سماحة، في قضية تشكيل «عصابة إرهابية وإدخال متفجرات من سوريا إلى لبنان ومحاولة تفجيرها لقتل سياسيين ورجال دين ومواطنين».

دشّن تعاطي الأسد مع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2011 مسارا هائلا للانحطاط السياسي سواء مع الرسالة الضمنية لإسرائيل مع بدء الأحداث بأنه يحمي حدودها، ثم بإدخال القوات الروسية والإيرانية للدفاع عنه، مما أفقده السيادة على البلاد، وأفقده لاحقا سلطاته الفعلية، كما هبط النظام في مدارك الإجرام الوحشيّ الذي وصل إلى درجة قصف ضواحي دمشق المتمردة بالسلاح الكيميائي، وتدمير مدن البلاد الكبيرة وحواضرها، من حمص إلى دير الزور وحلب، وتسليم مقدّرات البلاد الاقتصادية والعسكرية لقوى وميليشيات أجنبية، كما هو الحال في قاعدة حميميم التي تسيطر عليها روسيا، وبلدات القصير والزبداني ومضايا والسيدة زينب وريف دير الزور والبوكمال، الموجودة تحت سيطرة «حزب الله» وإيران وميليشيات عراقية ويمنية.

تظهر المواقف العربية والدولية الأخيرة مآل الانهيار الكبير الذي لحق بمصداقية النظام، والتي توحي بأن أحدا، بمن فيهم حلفاؤه الفعليون (أو المستترون) غير قادر على إنقاذه، ويبدو أن مطالبات الأسد اليائسة من روسيا وإيران لا تجد قبولا بعد أن استنفد البلدان موارد هائلة في دعمه، وحسب وكالة بلومبرغ للأنباء عن أحد المقربين من الكرملين أن «ليس لدى روسيا خطة لإنقاذ الأسد طالما أن جيشه مستمر في التخلي عن مواقعه» ورغم إعلان إيران عن مواصلة دعمها للأسد، فإن الضربات الكبيرة التي تلقّتها في سوريا، جعلت ثقتها الأمنية بالنظام السوري تهتز، ولا يبدو أن سرعة الأحداث تؤهلها لتقديم أكثر مما هو موجود على الأرض السورية حاليا، وينطبق الأمر على الحكومة العراقية التي أعلنت شروطا لاحتمالات تدخّلها، وكذلك إسرائيل التي حرّكت قوّات برية وجوية إلى الحدود مع سوريا، ويجتمع «كابينت» حكومتها لدراسة ما يحصل، فيما تحمّل العواصم الغربية الأسد مسؤولية ما يحصل، ويقوم بعضها بالتواصل مع مكوّنات سورية موالية للأسد لنصحها بالابتعاد عنه.

وسوم: العدد 1106