إسرائيل: هكذا نستبق الضربة للقضاء على “الأردن الإخواني”

البروفيسور بوعز جئولاني

حتى منتصف القرن التاسع عشر كانت أوروبا تتكون من عدد كبير من كيانات شبه الحكم الذاتي تحكمها الإمبراطورية الفرنسية والروسية والنمساوية – الهنغارية، على نحو متبادل. في 1848، نشبت سلسلة من الثورات التي عرفت باسم “ربيع الشعوب” وأدت إلى خلق دول قومية مستقلة. عندما دخلت القوى العظمى الأوروبية إلى الفراغ الشرق أوسطي مع تفكك الإمبراطورية العثمانية، حاولت أن تصدر نموذج الدولة القومية التي تبنوها. غير أن هذا النموذج لم يأخذ بالحسبان عمق الفجوات والخلافات بين القبائل والطوائف والجماعات الإثنية المختلفة في الشرق الأوسط، وبخاصة العداء المتجذر بين الشيعة والسُنة. وكانت النتيجة جملة من الدول الزائفة التي تنجو ما دامت القوى العظمى تدعمها (السعودية، الأردن وغيرهما)، أو يحكمها دكتاتوريون وحشيون (صدام حسين في العراق أو الأسد الأب والابن في سوريا).

مرت نحو 100 سنة لنعود إلى نقطة البداية، التي فيها جملة دول في الشرق الأوسط لم غابت عن الوجود ككيانات قومية حقيقية، رغم أن العالم يواصل التعاون معها كدول قوية. لبنان تفكك في الحرب الأهلية في 1975، ومنذئذ وهو لا يؤدي مهامه كدولة ذات سيادة. والعراق تفكك بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003. وليبيا تفككت بعد سقوط نظام القذافي. وسوريا بدأت تتفكك بعد نشوب الثورة في 2011 واستبدلت معظم أراضيها بخلافات إسلامية في 2015. ونجح الأسد في تثبيت الوضع حتى انهياره قبل شهر. الصومال لا توجد كدولة ذات سيادة منذ نهاية التسعينيات. واليمن تفكك إلى كيانين قبل أكثر من عقد، والقائمة لا تزال طويلة.

في قسم كبير من دول الشرق الأوسط، الهوية الإثنية والطائفية تفوق الهوية القومية كثيراً. قال نصر الله في حينه إنه قبل كل شيء شيعي، ثم لبناني. زعيم سوريا الجديد أحمد الشرع، هو قبل كل شيء سُني، ثم سوري. الأكراد في العراق وتركيا وسوريا مخلصون لتراثهم الإثني أكثر مما هم للدول التي يعيشون فيها. الاعتراف بهذا الواقع وفهم الهشاشة التي تتميز بها الكيانات التي تحيطنا أمران حرجان لمستقبلنا. يكفي التفكير فيما كان سيحصل لو استسلمنا لضغط إدارة كلينتون في نهاية التسعينيات وأعدنا هضبة الجولان لنظام الأسد في سوريا، لنكتشف بأن الجهاديين الذين أسقطوه يتحكمون بشمال البلاد كله.

في هذا السياق، فإن المسألة الأكثر حدة التي أمامنا تتعلق باستقرار النظام في الأردن وبإمكانية أن تحاول الميليشيات السُنية المسيطرة في جنوب سوريا “تصدير” أجندتها إلى داخل المملكة الهاشمية. مظاهرات التأييد لحماس التي رأيناها على مدى السنة الأخيرة في عمان، تعبير عن القوة المتزايد لحركة الإخوان المسلمين في الأردن. خليط من قوى خارجية مع تأييد شعبي للإخوان المسلمين قد يؤدي إلى سيناريو يصبح فيه الأردن دولة عدو دفعة واحدة، تحكمها قوى إسلامية متطرفة. ومثلما فعلنا في 1970 حين كاد نظام الحسين يسقط أمام التهديد السوري، باتت إسرائيل ملزمة بالعمل مع الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، لاستباق الضربة بالعلاج وصد كل خطوة قد تؤدي إلى انهيار الحكم في الأردن.

وسوم: العدد 1110