عن رفض نيويورك تايمز الاعتراف بالإبادة وأرقام جديدة عن الضحايا وانتظار ترامب الإمبريالي

أظهرت دراسة حديثة نشرتها مجلة الجمعية الطبية البريطانية «لانسيت» أن أرقام وزارة الصحة الفلسطينية حول حصيلة القتلى في الحرب الطاحنة على غزة منذ 15 شهرا هي أقل بنسبة 40 في المئة من العدد الحقيقي للضحايا. وأجرى أكاديميون من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي وجامعة ييل ومؤسسات أخرى التحليل الإحصائي الذي تمت مراجعته من قبل أقرانهم، باستخدام طريقة إحصائية تسمى «تحليل الالتقاط والاستعادة».

وسعى الباحثون إلى تقييم حصيلة القتلى من الحملة الجوية والبرية الإسرائيلية في غزة بين أكتوبر 2023 ونهاية حزيران/يونيو 2024، وقدر عدد القتلى بسبب الإصابات المؤلمة خلال هذه الفترة بنحو 64.260. وقالت الدراسة إن 59.1 في المئة كانوا من النساء والأطفال والأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما. ولم تقدم تقديرا للمقاتلين الفلسطينيين بين القتلى. وحتى 30 حزيران/يونيو من العام الماضي، أفادت وزارة الصحة في غزة أن حصيلة قتلى بلغت 37.877 في الحرب، التي بدأت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعد الهجوم الذي قادته حماس على جنوب إسرائيل.

وحسب مسؤولين فلسطينيين في مجال الصحة، فقد قتل ما يزيد على 46.000 شخص في حرب غزة، من إجمالي عدد سكان غزة قبل الحرب والذي بلغ نحو 2.3 مليون نسمة. وقالت دراسة «لانسيت» إن قدرة وزارة الصحة الفلسطينية على الاحتفاظ بسجلات الوفيات الإلكترونية أثبتت موثوقيتها في السابق، لكنها تدهورت في ظل الحملة العسكرية الإسرائيلية، التي شملت غارات على المستشفيات وغيرها من مرافق الرعاية الصحية وانقطاع الاتصالات الرقمية. واستخدمت الدراسة بيانات حصيلة القتلى من وزارة الصحة، واستطلاعا عبر الإنترنت أطلقته الوزارة للفلسطينيين للإبلاغ عن وفيات الأقارب، والنعي في وسائل التواصل الاجتماعي لتقدير أن هناك ما بين 55.298 و78.525 حالة وفاة بسبب الإصابات المؤلمة في غزة حتى 30 حزيران/يونيو 2024. وتشير أفضل تقديرات الدراسة إلى أن عدد القتلى بلغ 64260 قتيلا، وهو ما يعني أن وزارة الصحة قللت من عدد القتلى حتى تلك النقطة بنسبة 41 في المئة.

ويمثل هذا التقدير 2.9 في المئة من سكان غزة قبل الحرب «أو ما يقرب من واحد من كل 35 نسمة»، وفقا للدراسة. ويشمل هذا الرقم الوفيات الناجمة عن الإصابات المؤلمة فقط ولا يشمل الوفيات الناجمة عن نقص الرعاية الصحية أو الغذاء، أو الآلاف الذين يعتقد أنهم دفنوا تحت الأنقاض. ويقدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أنه بالإضافة إلى عدد القتلى الرسمي الصادر عن وزارة الصحة، هناك 11.000 فلسطيني آخرين في عداد المفقودين ويفترض أنهم ماتوا.

مسألة فيها نظر

وتؤكد هذه الدراسة حجم الكارثة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، علاوة على الضفة الغربية وما فعلته في لبنان وقضمها للأراضي السورية مستغلة الوضع السياسي الجديد بعد هروب بشار الأسد الشهر الماضي. ورغم الطبيعة الإبادية في تصرفات إسرائيل إلا أن الإعلام الغربي لا يزال يتعامل مع ما يجري في فلسطين بأنها «مسألة فيها نظر» ويتجادلون حول ماهية الفعل الإسرائيلي وإن كان إبادة أم حرب. وهو ما برز في موقف صحيفة «نيويورك تايمز» التي رفضت نشر إعلان لجمعية الأصدقاء أو الكويكر تطالب فيه بوقف الإبادة، ولكن الصحيفة رفضت واقترحت كلمة «حرب» بدلا من «إبادة»، ما حدا بالمجموعة الداعية للسلام إلى سحب إعلانها، حسبما أوردت صحيفة «الغارديان» (8/1/2025).

ورفضت كاتبة أمريكية في صحيفة «نيويورك تايمز» (9/1/2025) موقف جمعية المؤرخين الأمريكيين التي دعت إلى شجب الإبادة الإسرائيلية للمدارس والمؤسسات الأكاديمية في غزة. ففي مقال أعدته باميلا بول قالت فيه إن دور المؤرخين باعتبارهم رواة للعظمة الأمريكية وقصورها تخلوا عن الأسئلة الكبرى في مؤتمرهم الذي عقدته «الجمعية التاريخية الأمريكية» في نيويورك والتي تمثل المؤرخين والجامعات والمؤسسات العامة والمتاحف في أمريكيا. وصوت المؤرخون يوم الأحد الماضي على مشروع قرار قدمته مجموعة مؤرخين من أجل السلام التي أنشئت عام 2003، ودعا القرار لشحب العنف الإسرائيلي في غزة ووقف فوري للنار والإلتزام بإعادة بناء المؤسسات التعليمية التي دمرتها أو «إبادة المدارس».

واعتبرت الكاتبة أن القرار وتحرك الجمعية التي صوتت على القرار بإجماع وسط هتافات «فلسطين حرة» لا يدخل في نطاق عمل المؤرخ، وساقت عددا من المبررات التي تقول إن تدخل المؤرخين في الشؤون العامة يفقدهم حياديتهم ويسيس عملهم التاريخي. ومهما كان تحرك المؤرخين وتعبيره عن انشغال في قضايا العالم بدلا من نفض الغبار عن الأرشيفات في المكاتب والوطنية ودور السجلات، إلا أن التحرك في نظر الكاتبة ستكون له نتائج عكسية. وما تخشاه الكاتبة هنا، وهذه هي القضية، أن يشجع قرار الجمعية التاريخية عددا من الجمعيات الأخرى لاتخاذ موقف من الحرب في غزة، وان تقبل بحقيقة تدمير إسرائيل المدارس والجامعات. ومن المتوقع أن تصوت جمعية اللغات الحديثة على قرار سابق يرفض الانضمام لحملة المقاطعة.

ويكشف نقاش الكاتبة أن الحرب في غزة تقتضي النظر بطريقة نقدية للأمور، لكنها تفشل في النظر كما نظر عدد من المؤرخين والمراقبين للأدلة الصادرة عن قادة ومعلقي إسرائيل الداعية لتجويع الفلسطينيين في غزة ومنع المساعدات عنها، وتجاهل موقف إدارة جو بايدن التي ظلت تتحدث عن وقف إطلاق للنار في غزة وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، وعندما تفشل جهودها تحمل حماس والفلسطينيين المسؤولية. وها هي وقد قاربت أيامها على النهاية، تبشر بأن اتفاقا لوقف إطلاق النار بات في متناول اليد. وسط تهديدات الرئيس المنتخب، دونالد ترامب بالجحيم في غزة لو تفرج حماس عن الأسرى.

خطة الجنرالات مستمرة

في وقت لم يفك فيه الحصار عن شمال غزة الذي لم تدخله المساعدات الإنسانية منذ أشهر، وتعرض القوافل الإنسانية لإطلاق النار من القوات الإسرائيلية التي تتغاضى عن عصابات النهب التي تستهدف شاحنات المساعدات. ففي شمال غزة تطبق إسرائيل عمليا ما أطلق عليها «خطة الجنرالات» التي رفضتها رسميا، وتقوم على التجويع والتركيع، وقتل من يرفض الجلاء عن الشمال باعتباره مقاتلا من حماس أو الجماعات الأخرى في غزة.

ويعاني سكان القطاع من جوع وأمراض وقسوة الإنسان والطبيعة، فشتاء هذا العام كان قاسيا مثل الحرب الطاحنة. بالنسبة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين النازحين من غزة الذين يعيشون في ملاجئ مؤقتة هشة، كان الشتاء مليئا بالحزن والمصاعب، فخيامهم المؤقتة المتهالكة، التي بنيت من البطانيات والملابس والكرتون وأي مواد أخرى تستطيع الأسر النازحة أن تجدها، غير كافية على الإطلاق لمواجهة أمطار الشتاء ودرجات الحرارة التي تقل عن 46 درجة فهرنهايت في الليل. وتتسرب المياه من أعلى ومن أسفل. وقد اقتلعت الرياح القوية مئات الخيام على الساحل، في حين غمرت الأمواج العاتية والأمطار مخيمات الساحل، تاركة الأسر متجمعة في العراء.

ومع نزوح الغالبية العظمى من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة عدة مرات بسبب الحرب، أصبحت الأسر تعاني من نقص الملابس وانتشار الأمراض. وحذرت المنظمات الإنسانية من أنها تعاني من أجل إدخال الملابس الشتوية والملاجئ إلى قطاع غزة بسبب القيود الإسرائيلية. ومات بسبب البرد سبعة أطفال ورجل. وحذرت منظمة أطباء بلا حدود من وفاة مزيد من الأطفال الرضع. وقد تحول البرد في غزة إلى موت، حسب مجلة «كريستيان ساينس مونتيور» (7/1/2025)، وسيظل خطر الموت مخيما حتى نهاية كانون الثاني/يناير. وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» (6/1/2025) إلى أن كارثة الشتاء في غزة كان يمكن منعها لو سمحت إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية، ولكن المتحدثين باسم الجيش الإسرائيليي سرعان ما يحولون النقاش حول إي نقص بالمواد الإنسانية أو الوقود والدواء إلى حماس وأنها المسؤولة عن كل المشاكل. واللافت في الأمر أن الخارجية الأمريكية حذرت إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي من سوء الأوضاع الإنسانية في القطاع ومنحتها شهرا لزيادة دخول الشاحنات، وبعد مضي المهلة، توصلت إدارة بايدن بان إسرائيل لم تنتهك القانون الإنساني.

ولدى إسرائيل المبرر الجاهز عن استهداف النظام الصحي في غزة وتدمير المستشفيات، ذلك أنه بسبب حماس التي اتهمت ببناء مراكز قيادة وتحكم فيها، وعندما نشر الجيش الإسرائيلي فيديو لمعتقل وهو يعترف أن مقاتلي حماس كانوا في منطقة قريبة من المستشفى تلقفته الصحافة الأجنبية باعتباره دليلا يبرر عمل إسرائيل ضد المستشفيات وقصفها وتدميرها بالكامل. لكن إسرائيل لا تكتفي بقصف المستشفيات وإجلاء المرضى واعتقال الطاقم الطبي، بل وتختطف المسؤولين عنها، كما في حالة الدكتور سفيان أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان الذي أصبح حطاما. وعلق جوناثان كوك في موقع «ميدل إيست آي» أن الصورة المهمة التي لخصت أخبار عام 2024 كانت لسفيان أبو صفية آخر المغادرين لمستشفى كمال عدوان وهو يسير بمعطفه الأبيض وسط حطام آخر مؤسسة صحية عاملة في القطاع باتجاه الدبابات والجنود الإسرائيليين الذين صوبوا بنادقهم عليه. وقال كوك إن عام 2024 كان عام الدمار والموت في غزة، وكان العام الذي أجمع فيه خبراء القانون ومنظمات حقوق الإنسان على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. وكان توقف مستشفى كمال عدوان وتدميره اللحظة التي أعلن فيها الجيش الإسرائيلي انتصاره على أخر نقطة للإنسانية في شمال غزة. وقال كوك إن صورة أبو صفية هي مشهد آخر على الدور الذي مارسه الساسة والإعلام الغربي طوال الـ 15 شهرا الماضية وهم يروجون للأكاذيب الإسرائيلية في غزة، فلم يحاولوا وقف حمام الدم، بل والتستر عليه والتبرير له. ولهذا السبب لم يهتم المحررون في الصحف الكبرى والذين يعتمدون في رواتبهم على المليارديرات التي يملكونها بصورة آخر طبيب بالمعطف الأبيض وهو يغادر مستشفى دمرته إسرائيل في شمال غزة. وفي الشهر الماضي أعلنت إسرائيل أنها ستزيد في العام الجديد من النفقات بـ 150 مليون دولار على ما أسمتها «حرب الوعي»، أي زيادة الميزانية بنسبة 20 ضعفا على حرب التضليل الإعلامي وتبييض صفحتها مع استمرار الحرب في غزة. فقد قتلت إسرائيل الكثير من الصحافيين في غزة ومنعت المراسلين الأجانب، ولكنها لم تمنع في عصر البث الحي والهواتف المحمولة ومنصات التواصل الإجتماعي من خروج فظائعها في غزة، وعليه، لم تكن الصحف الموالية لها في الغرب قادرة على تكرار أكاذيبها.

خطة إبادة

وعلى العموم بدأ هجوم إسرائيل على المؤسسات الصحية في غزة بعد أقل من اسبوعين من هجوم حماس، حيث استهدفت المستشفى الأهلي المعمداني. وكان الهجوم على المستشفى بمثابة المخطط الإسرائيلي للإبادة الجماعية، وهو المخطط الذي تابعته إسرائيل على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية. وأوضح للفلسطينيين أنه لن يكون هناك أي مكان آمن لهم من غصبها، حتى لو احتموا في المواقع المقدسة مثل المستشفيات والمساجد والكنائس. وأوضحت إسرائيل للقادة الغربيين ووسائل الإعلام أنها مستعدة لخرق كل مبدأ معروف من مبادئ القانون الإنساني الدولي. ولن تتورع عن ارتكاب أي جريمة أو فظائع، بما في ذلك تدمير النظام الصحي في غزة. وكان من المتوقع أن يقدم رعاة إسرائيل دعمهم الكامل للحرب، مهما فعلت، وهذا هو بالضبط ما فعلوه. واللافت هنا أن الصحافة الغربية دائما ما تلجأ إلى المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي لتعزيز رؤيتها، وعادة ما تحصل منهم على تأكيدات عن «طهارة الجيش الإسرائيلي» وأنه يتخذ كل الإجراءات للحد من سقوط الضحايا المدنيين. ولكنها تجاهلت تصريحات الأطباء الغربيين الذين كانوا شهودا على الإبادة وتطوعوا في مستشفيات غزة في الحرب الحالية. كما أن التحقيقات الصحافية وبعضها أمريكية كشفت عن مدى حقول الموت التي خلقتها إسرائيل في غزة. ووصل الأمر بوزير بريطاني محافظ معروف بعدائه للمسلمين بالطلب من لجنة نوبل منح «الجيش الإسرائيلي» جائزة نوبل للسلام، حسبما كتب في صحيفة «جويش كرونيكل»، وفي الوقت نفسه، دعا رئيس أهم منظمة مؤيدة لإسرائيل في أمريكا وهي «رابطة مكافحة التشهير» القادة الإسرائيليين التفكير بخطط «خلاقة» مثل تفجيرات أجهزة بيجر واللاسلكي لحزب الله، من أجل القضاء على معاداة السامية، وهو ما دعا معلق في موقع «ذي انترسبت» (9/1/2025) للتساؤل عن معنى هذا، وكيف ستتمكن إسرائيل وأنصارها من فتح جبهة جديدة على الفضاء السيبراني أسوة بالجبهات التي فتحتها في لبنان وسوريا واليمن والعراق والضفة الغربية وإيران. ورغم ما فعلته إسرائيل في غزة وتحديها لبايدن في كل مبادرة قام بها إلا أن الرئيس الخيّر رفض مغادرة البيت الأبيض دون أن يعطي إسرائيل هدية إلى عطاياه الكثيرة وهي رزمة مساعدات عسكرية بقيمة 8 مليارات دولار إلى جانب المساعدات العسكرية والمالية للحرب الإسرائيلية الإبادية في غزة.

الحروب الاستباقية

ومع بداية مرحلة ترامب الذي يبدو أنه تولى ملف الحرب الحالية، فإن الكونغرس الذي يسيطر عليه الجموريون تحرك سريعا ومرر قانونا لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية التي وجهت اتهامات لبنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يواف غالانت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. وحتى قبل أن يقام حفل تنصيب له أشعل ترامب الحروب الاستبقاية مع حلفائه وأعدائه، فنتنياهو ينتظر إدارة ترامب لتحقيق حلمه بضرب المشروع النووي الإيراني، أما المستوطنون في الضفة الغربية، فيعتقدون أن فترة حكم ترامب ستكون الفرصة الذهبية لضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، وهم واثقون من أن حلم الدولة الفلسطينية، قد انتهى، حسبما أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» (6/1/2025). ومع أنهم غير متأكدين بعد من طبيعة وعود ترامب، إلا أن الإشارات واعدة، سواء من اختياراته للمسؤولين في إدارته ومعظمهم من أصحاب الولاء لإسرائيل، بمن فيهم سفيره الذي ينكر الفلسطينيين أصلا ويعتبر الضفة الغربية منحة إلهية لليهود، كما أن سجل ترامب في ولايته الأولى مبشر لهم بتحقيق الوعد وسيطرة إسرائيل على الضفة.

واقع سوريا ولبنان

ويبدو أن هناك حسا انتصاريا لدى إسرائيل، وبدا من ظهور خرائط توسعية تضم الأردن وسوريا ولبنان. وفي ظل الوضع غير المستقر بعد في سوريا، تحاول إسرائيل السيطرة على الجولان السورية وتعميق توسعها في البلاد، وسط انشغال القيادة الجديدة بتأمين شرعيتها والإستجابة لمرحلة ما بعد الأسد الذي ترك البلاد حطاما، واللافت في الأمر أن إدارة بايدن شطبت سمة الإرهاب عن أحمد الشرع، الحاكم الفعلي لسوريا وتركت حركته هيئة تحرير الشام مصنفة كحركة إرهابية، حيث رحلت الملف إلى إدارة ترامب المقبلة. وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» (8/1/2025) إلى اختيارات ترامب متشددين في مجال الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، مثل سبستيان غوركا كمدير لمكافحة الإرهاب ومايكل والتز، في مجلس الأمن القومي. ما يعني أن التصنيف سيبقى والعقوبات ستظل رغم تخفيف إدارة بايدن لبعضها من أجل توفير المساعدات الإنسانية. كل هذا رغم تحذير عدد من المسؤولين السابقين والمحللين بضرورة رفع العقوبات وسحب القوات الأمريكية من سوريا لمنح القيادة الجديدة فرصة لتعزيز سيطرتها على البلاد ومنع تحولها إلى ساحة حروب بالوكالة كما حدث في السنوات السابقة، حيث تدافعت الدول الخارجية للسيطرة على سوريا، من إيران وروسيا الخاسرتان بسبب التغيير الحالي إلى تركيا الرابحة من سقوط الأسد. فيما أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» (10/1/2025) إلى محاولة الدول الخليجية للحصول على تأثير في سوريا الجديدة والتميز عن تركيا. في وقت لا تزال فيه روسيا تحاول الحفاظ على قواعدها في سوريا، ولم تفقد إيران التي اعترف قادتها بهزيمتهم في سوريا من تفعيل خلاياها وإعادة بناء شبكاتها والتخلص من الحكومة الجديدة التي اعتبرها قادة طهران بأنه عميلة للولايات المتحدة. ومع ذلك كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»(9/1/2025) ما قاله جنرال بارز خرج من سوريا قبل ساعات من دخول المعارضة إلى دمشق، واعترف فيها بهزيمة إيران وخيبة أمل من الأسد الذي رفض الاستماع لنصائح إيران. ولا تقتصر الخسارة الإيرانية على سوريا، بل ولبنان، حيث صوت البرلمان اللبناني وبغالبية على انتخاب قائد الجيش السابق جوزيف عون، رئيسا للبلاد بعد فراغ المنصب لأكثر من عامين. وجاء انتخابه يوم الخميس بعد جولات مكوكية لمبعوث ترامب الخاص إلى لبنان عاموس هوكشتاين، ووعود دول خليجية بالمساعدة. ورأت صحيفة «نيويورك تايمز» (10/1/2025) أن انتخاب عون دليل على تراجع قوة حزب الله السياسية، وصورة عن إعادة ترتيب الأمور في المنطقة بعد الحرب التي خاضها الحزب لمدة 14 شهرا ضد إسرائيل وتركته محطما. ورأى محللون أن انتخاب عون هو صورة عن الواقع السياسي الجديد ويشكل خطوة حاسمة نحو جلب الاستقرار إلى البلاد. كما اعتبر البعض ذلك بمثابة تنازل من جانب حزب الله، وقال بعض المحللين إنه بمثابة اعتراف بأن الجماعة لم تعد في وضع يسمح لها بشل حركة الدولة. وقد تعهد عون باحتكار الجيش السلاح في إشارة إلى سلاح حزب الله، الذي لا يزال يتمتع بقوة سياسية ولديه الكثير من المقاتلين والترسانة العسكرية التي لم تدمر في الحرب. وعلى العموم، تعتقد إسرائيل أنها انتصرت في الجولة الأخيرة، وهي تحضر لعودة ترامب الذي بدأ عهده بخطاب إمبريالي شعبوي لضم كندا وتغيير اسم خليج المكسيك والسيطرة على قناة بنما واحتلال جزر غرينلاند التابعة للدنمارك. وتساءلت صحيفة «واشنطن بوست» (10/1/2025) إن كان ترامب قد استبدل بأمريكا أولا بإمبريالية القرن الحادي والعشرين الجديدة، والجميع على ما يبدو بانتظار ترامب وتابعه إيلون ماسك الذي أغضب بريطانيا وكل أوروبا بدعمه الشعبويين المتطرفين.

وسوم: العدد 1111