سبعة جيوش وجماعة: تحديات الشرع في بناء الجيش السوري
يعتبر تشكيل الجيش السوري الجديد واحدا من أكثر القضايا التي ينشغل بها السوريون عموما والمراقبون والباحثون ومن المهتمين في مراكز الدراسات والعاملين في الحقلين العسكري والأمني الإقليمي والدولي.
وفي حال إغفال النظر أو تأجيل النقاش في مسألة الكفاءة الأكاديمية والنقاش التقني والفني المحض، وخبرات القادة والعسكريين الذين عينوا على رأس وزارة الدفاع وخصوصا قيادة الأركان باعتباره المنصب الأهم في جيوش العالم وليس منصب الوزير نفسه، إضافة إلى النقص في تخصصات الإشارة والاتصالات والحرب الإلكترونية والدفاع الجوي ومنظومات الصواريخ وينسحب الأمر على القوات البحرية والجوية وتخصصاتهما المختلفة.
ورغم فرض الإدارة السورية الجديدة نفسها كسلطة بديلة لنظام الأسد الهارب، ومع اعتبار انها القوة التي سترث الدولة إلا أن هناك تحديات كبيرة أمامها لكسب الشرعية الإقليمية والدولية بعد أن انتزعت شرعية معقولة على المستوى الداخلي رغم الكثير من التحفظات نحوها، وتنعكس تلك التحفظات من خلال رفض تسليم السلاح للسلطة الحالية قبل بناء جيش وانعقاد المؤتمر وطني وانتخاب حكومة جديدة وكتابة الدستور.
وفي حال استثناء الضباط والعناصر الهاربين من الجيش السوري المنحل، فإن نظرة من أعلى على الخريطة السورية تشير إلى عدة مستويات من رفض الاندماج كما يقترحه قائد الإدارة الجديدة، بعضها يصنف باعتباره طائفيا كما هو الحال في السويداء وبعضها الآخر يصنف قوميا أيديولوجيا كحال وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا، وتتقاسم الوحدات الكردية عامل الدعم الخارجي مع جيش سوريا الجديد المتمركز في قاعدة التنف وأغلب فصائل الجيش الوطني السوري. فالأولون مدعومون من أمريكا والتحالف الدولي، في حين أن أغلب الجيش الوطني يعتبر مواليا لتركيا ويؤتمر بأمرها مع استثناءات قليلة نفصلها ضمن السياق العام للجيش الوطني السوري. وإلى تلك يضاف توجه مناطقي لدى فصائل الجنوب السوري في درعا والقنيطرة والتي يصل نفوذها إلى أعتاب الغوطة الغربية لمدينة دمشق ويمكن تعريفها في الوقت الحالي بفصائل «غرفة عمليات الجنوب».
ومن تلك الخريطة يمكن تقسيم القوى العسكرية الفاعلة في سوريا إلى سبع قوى، تعتبر هيئة «تحرير الشام» أبرزها وهي التي تسيطر على المشهد السياسي بإعلانها تأسيس الإدارة السورية الجديدة وتشكيل حكومة تصريف أعمال، ولاقت الإدارة ترحيبا ودعما عربيا وتركيا ومؤشرات متفاوتة من دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، أغلبها ربط اعترافه بها بشكل الانتقال السياسي وتمثيله للسوريين.
هيئة «تحرير الشام» وحلفاؤها
تعتبر الهيئة التي كان يقودها أبو محمد الجولاني وما زال، هي القوة الضاربة لإدارة العمليات العسكرية التي قادت معركة إسقاط بشار الأسد في العام الماضي، وتنقسم الهيئة إلى ستة إلوية وقوات خاصة وقوات النخبة المعروفة بالعصائب الحمراء، وتساند الهيئة الجبهة الوطنية للتحرير المدعومة من أنقرة ويقودها العقيد فضل الله الحجي وهو القائد العسكري لفيلق الشام ونائب وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة في ذات الوقت، وتتكون الوطنية من عدة فصائل إسلامية وأخرى من الجيش الحر، وأغلب تلك الفصائل هي من فصائل ريف حماة الشمالي وإدلب واللاذقية وريف حلب الغربي.
وتفسر المناطقية التزام تلك الفصائل بمشروع «تحرير الشام» باعتبارها كانت تسعى لمعركة التحرير واستعادة بلداتها وقراها التي اندحرت منها ابتداء من ربيع 2019 وصولا إلى شباط (فبراير) 2010.
وحصل قادة تلك الفصائل على رتب جديدة في قائمة ترفيع الضباط الصادرة في 29 كانون الأول (ديسمبر) الفائت، حيث عين الشرع القائد العسكري في «تحرير الشام» مرهف أبو قصرة وزيرا للدفاع بعد ترفيعه إلى رتبة لواء بجانب قيادي آخر من الهيئة، هو علي نور الدين النعسان والذي سمي رئيسا للأركان.
يقدر العدد الإجمالي للفصائل العاملة في إدلب بنحو 43 ألفا وهو ما يجعلها القوة الرئيسية في فرض الاستقرار في سوريا، إلا أن نصف هذا العدد حافظ على تواجده في مناطقه الأصلية بعد استعادة السيطرة عليها، خصوصا مناطق ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي والجنوبي.
فصائل السويداء
أعلن «رجال الكرامة» و«لواء الجبل» خريطة طريق للمرحلة المقبلة، وعبر أكبر فصيلين عسكريين في السويداء، عن استعدادهما للاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني جديد ورفض أي جيش فئوي أو طائفي. وأكدا على عدم تدخل الفصائل العسكرية في الشؤون الإدارية أو السياسية، كما أشاد البيان المصور بدور القيادات الروحية والدينية في الحفاظ على قيم التآخي والعيش المشترك في السويداء، وفي مقدمتهم الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز. وغاب عن البيان تجمع «أحرار جبل العرب» الذي يتزعمه الشيخ سليمان عبد الباقي والذي زار أحمد الشرع قبل أيام في دمشق.
ورغم البيانات والزيارات المتكررة ومحاولات الانفتاح وحلحلة قضية تسليم السلاح ودمج المقاتلين الدروز في الجيش السوري الجديد وقوات الشرطة والامن العام، فإن قرار محافظة السويداء حول الموضوع عبر عنه بشكل واضح وصريح الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري الذي ربط تسليم السلاح بقضية صياغة دستور جديد. ويفضل مسلحو السويداء أن يكونوا المسؤولين عن أمن المحافظة من دون تدخل من الحكومة المركزية في دمشق.
فصائل الجنوب السوري
يشكل فصائل الجنوب السوري عائقا جديدا في وجه تشكيل جيش سوري يتبع الإدارة الجديدة، وفي حين أن أغلب الفصائل قد عبرت عن موافقتها بحل نفسها والانضمام إلى الجيش الجديد وخصوصا في الزيارات التي قام بها مندوبون عن الإدارة العسكرية والسياسية إلى درعا.
وبعد لقاءات ومشاورات مكثفة لفصائل الجنوب وتحت مسمى «غرفة عمليات الجنوب» أعلنت تمسكها بالسلاح مع استعدادها للانضواء تحت وزارة الدفاع.
وقال العقيد نسيم أبي عرة المتحدث باسم الغرفة أنهم لا يرون جدوى من حل الفصائل وانهم يملكون «سلاحا ومعدات ثقيلة وتجهيزات كاملة، وأرى أن نندمج كجسم عسكري مع وزارة الدفاع» حسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وأضافت مصادر عسكرية في غرفة جنوب سوريا لـ «القدس العربي» أن وفدا من الغرفة سيزور دمشق لتقديم مقترح لضم فصائل كفرقتين عسكريتين أو ثلاث في جنوب سوريا، يتبعان بشكل مباشر لوزارة الدفاع. ومن الواضح أن المقترح يتوافق مع إطار زمني لعملية الحل والدمج الكامل. وأضاف المصدر «هناك خشية من تسليم السلاح إلى وزارة يسيطر عليها فصيل واحد من إقصاء الضباط المنشقين والخبرات العسكرية والرتب العسكرية العليا».
وصرح أبو عرة بأن «غرفة عمليات الجنوب» هي أول من دخل دمشق فجر 8 كانون الأول (ديسمبر ) الماضي، ولفت «استطعنا خلال فترة وجيزة تأمين حماية المراكز الحيوية، إضافة إلى مقرات للأمم المتحدة وسفارات عربية وغربية، ومرافقة دبلوماسيين إلى فندق فور سيزنز».
تشير التصريحات إلى رفض ضمني بالإقرار بأن اسقاط النظام كان على يد «إدارة العمليات العسكرية» وأن فصائل لم تر نفسها ممثلة في ترفيعات الضباط العسكريين ولا في المناصب السياسية التي تقتصر على الموالين للشرع، والذي وصفهم بالثقاة في هذه المرحلة.
الجيش الوطني السوري
شاركت فصائل «الجبهة الشامية» وحركة «نور الدين الزنكي» و«أحرار الشام» الإسلامية في ريف حلب الشمالي و«تجمع الشهباء» في تحضيرات معركة ردع العدوان خلال فصل الصيف، فيما ظلت باقي الفصائل تنتظر التوجيهات المباشرة من أنقرة وهو حال الجبهة الوطنية للتحرير في إدلب، إذ بقيت متفرجة مآلات الأمور، لكنها عادت ووضعت آلاف المقاتلين من كل الفصائل تحت تصرف إدارة العمليات العسكرية.
ورغم مشاركة كتائب من فرقة «السلطان سليمان شاه « التي يقودها أبو عمشة في ريف حماة الشمالي فقد انشغلت كل فصائل الجيش الوطني في معركة فجر الحرية ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد».
وأوصل فهيم عيسى أحد أبرز القادة العسكريين في شمال سوريا واكثرهم قربا من أنقرة، عدم استعداد فصائل الجيش الوطني حاليا للاندماج بسبب التزامها بالمعارك ضد «قسد» بدعم تركي وهو يخالف نهج الشرع في إدارة الملف مع المقاتلين الأكراد. كما نوه إلى أن مشاركة فصائل الشمال بمهمات خارجية في عدة دول أفريقية سيعيق تشكيل وتأسيس الجيش ويكون أثره سلبيا حيث سترتبط تلك المهمات باسم الجيش الجديد وهذا سيؤخر عمليات المساعدة له من قبل المجتمع الدولي والدول العربية.
الأمر الذي سيبقي الجيش الوطني خارج المعادلة ويربط اندماجه بالجيش الجديد بحل المسألة الكردية وهذه القعدة مرتبطة بالتواجد الأمريكي. وعدم سحب الرئيس ترامب للقوات العسكرية فور وصوله للحكم يعني ان وجود الجيش الوطني خارج الجيش الجديد سيبقى مستمرا.
جيش سوريا الجديدة
هو أصغر الفصائل السورية حجما وعددا، يتمركز في قاعدة التنف الحدودية ويعمل في إطار الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ويرتبط قرار الجيش بالقرار الأمريكي ويفضل قادته بطبيعة الحال انتظار تطورات الأوضاع السياسية لاتخاذ أي قرار يتعلق بالاندماج. ومن غير المستبعد أن تدفع القيادة الأمريكية الفصيل للانضمام إلى الجيش الجديد مع المحافظة على مهماته في قاعدة التنف.
يبدو أن أحمد الشرع هو أكثر المطمئنين لواقع الحال في شرق سوريا، فيدرك أن الضغط التركي العسكري الكبير على الوحدات الكردية، سينتهي بها المطاف في صالحه عاجلا أم آجلا، كما انه لا يفضل توتير الأجواء مع واشنطن بأي شكل من الأشكال، فهو يفضل حل ما يمكن حله من مشاكل داخلية وتأجيل الملفات المرتبطة بالدول الإقليمية إلى وقت لاحق بعد تسلم الرئيس الأمريكي ومباركته الحكم الجديد في سوريا.
ويناور قائد «قسد» مظلوم عبدي داخل مجلس قيادته من أجل اقناع القادة التاريخيين في حزب العمال الكردستاني لاتخاذ قرار إخراج المقاتلين من غير السوريين من شمال شرق البلاد، ويضغط حلفاؤه الغربيون بهذا الاتجاه أيضا، من أجل نزع فتيل المعركة التركية ضد «قسد».
ويشترط عبدي ضم المقاتلين الأكراد ككتلة وازنة في الجيش الجديد تحافظ على وجودها الجغرافي في المناطق الكردية وتحظى المنطقة الكردية بلامركزية إدارة، تؤكد على وحدة سوريا وترابها ورفض أي مشاريع تقسيمية.
جيش العلويين
يبلغ عدد المسرحين والمتضررين من سقوط الأسد ما يزيد عن 400 ألف من أبناء الطائفة العلوية موزعون بين عناصر في الجيش والإدارات الأمنية والموظفين المدنيين في المؤسسات التابعة لوزارة الدفاع، إضافة إلى العاملين في الشركات الأمنية الخاصة والميليشيات.
وهذا يعني أن نحو 85 في المئة من بيوت الطائفة العلوية ستصبح بلا معيل وخلال أشهر قليلة ستنزل طائفة كاملة من خط الفقر إلى خط الجوع. هذا سيدفع الجيش المسرح إلى التمرد وإعادة تنظيم نفسه وهو ما سيؤدي إلى اقتتال أهلي تاليا.
وعلى الإدارة الجديدة أن تعي خطورة المسألة وتفصل بين قضية معاشات الضباط وبين محاسبتهم، فتجويع الأطفال والنساء والمدنيين وأخذهم بجريرة المرتكب سينمي أحقادا لدى أجيال لا علاقة مباشرة لها في الصراع.
الجماعة الجهادية
المقصود بذلك، هي جماعات السلفية الجهادية الأكثر تشددا، وهي قوة ليست بالصغيرة بعضها مندمجة في هيئة «تحرير الشام» أو تعمل تحت إمرتها. ويعتبر «أنصار التوحيد» ومقاتلي «الحزب الإسلامي التركستاني» وجيش «المهاجرين والأنصار» إضافة إلى «شام الإسلام» و «أنصار الإسلام» وما تبقى من «حراس الدين».
سعى الشرع من خلال منح قادة الفصائل رتبا عسكرية إلى اخراجهم من قوقعة الجماعة في إدلب ودفعهم لمواجهة مجتمع واسع وأطياف متنوعة، ويؤدي رفضهم للمجتمع السوري المتنوع إلى صدام غير مستبعد بينهم وبين قيادة الهيئة التي استطاعت التكيف سريعا واستبدلت أثواب الجهاديين القصيرة بربطات عنق ملونة.
هذه التعقيدات ستؤخر عملية الدمج، وهنا يتعين على الإدارة الجديدة رسم خطة تحول شفافة تشرك الأطراف والجماعات من دون اقصاء، ودون تكريس لمبدأ الولاء على غرار الترفيعات الحاصلة في وزارة الدفاع، فضباط وقادة فصائل أكبر عمرا من وزير الدفاع ورئيس الأركان جرى ترفيعهم إلى رتبة عقيد في حين انهم انشقوا عن جيس النظام قبل 14 عاما برتبة رائد أو نقيب، وهذا ينافي كل معايير الترقيات العسكرية.
وسوم: العدد 1111