مؤتمر وطني فلسطيني للإنقاذ… لا مجال للمماطلة
بعد أن أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني إطلاق عملية واسعة في الضفة الغربية يوم الثلاثاء استكمالا لحرب الإبادة على غزة، ليس أمام الشعب الفلسطيني وقواه الحية والوطنية ومثقفيه ومناضليه وفصائله، إلا القيام بفرض شكل من أشكال الوحدة الوطنية لمجابهة مرحلة تصفية القضية الفلسطينية، التي يسعى اليمين الصهيوني المتطرف لتنفيذها وبسرعة مع بداية عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والدلائل على هذا التوجه كثيرة وواضحة:
– فشلت المنظومة العسكرية الصهيونية في تحقيق أهدافها بعد 471 يوما من المجازر في غزة. فلم يحرروا الرهائن، كما وعدوا دون قيد ولا شرط، بل بالتفاوض طويل المدى مع المقاومة، ولا استطاعوا أن يجتثوا المقاومة ويهزموها هزيمة ماحقة كما كان يصر نتنياهو. وبعد ظهور المقاومة يوم الأحد في ما يشبه استعراضا للقوة والوجود والتنظيم والشجاعة، قامت الدنيا على رأس المؤسسة السياسية والعسكرية في الكيان. فحمّل السياسيون العسكر المسؤولية وضحوا برئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية وعدد من القادة العسكريين بعد الاعتراف بالفشل وقيام حركة مساءلة عالية مفادها «إذا كان لا بد من المفاوضات فلماذا لم توقف الحرب منذ نهاية مايو أو يوليو ووفرتم كل هؤلاء الضحايا».
– قبل سموتريش عدم الانسحاب من الحكومة بشرط أن تبقى الحرب متواصلة في الضفة الغربية. فالتقت مصالحه مع مصلحة نتنياهو، الذي لا يريد أن يخضع للمساءلة ويستدعى للمحاكمة، وهذا لا يتم إلا إذا بقي غبار المعارك يملأ الأجواء ورائحة دخان القذائف تخترق الحناجر، وهو ما يقوم به الآن نتنياهو. ونتوقع أن تتسع دائرة الاجتياحات لتشمل الضفة الغربية كلها. وسيتم الإيغال في الدم الفلسطيني دون تردد. فإبادة عشرة في المئة من سكان غزة لم يرو عطش ثالوث الشر من دماء الفلسطينيين.
– أوكلت مهمة تصفية قيادات المقاومة في جنين ومخيمات وقرى الشمال الفلسطيني إلى سلطة أوسلو. راح ضحيتها مدنيون وتم قطع الطرق وقطع الماء والكهرباء ولم تنجح قوات الأمن في اجتثـاث المقاومة، بل أغلقت مكاتب الجزيرة. ولم تجد سلطة أوسلو لحملتها من عذر أقبح من ذنب «الخروج على القانون»، ولا نعرف أي قانون يقصدون، وكأن السلطة الحالية قانونية وملتزمة بحذافير القوانين بما فيها الانتخابات الدورية. كيف يستقيم هذا الكلام مع ما يقوم به المستوطنون. وأنا على ثقة من دعم الناس لقوات الأمن لو تصدت لانتهاكات المستوطنين فقط، وكما صرخ مواطن في وجه مسؤول سلطوي كبير «احمونا أو سلحونا». وفي اليوم نفسه الذي انسحبت فيه قوات الأمن الأوسلوية المدربة على أيدي الضابط الأمريكي دايتون، دخلت القوات الصهيونية. لقد بلغت صيحات الشعب الفلسطيني بكامله عنان السماء ضد ما تقوم به قوات الأمن ضد المناضلين والوطنيين. فهؤلاء ليسوا لصوصا ولا قطاع طرق ولا تجار عملة ولا مستثمرين، بل «فئة قليلة حملوا أرواحهم على راحات ايديهم مستعذبين الشهادة على حياة الذل والعار».
– مع مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، وهو يرغي ويزبد ويهدد ويتخذ من القرارات أغربها، ويعد بدور استعماري جديد لأمريكا، كنا نظن أن العالم تجاوزه، فيهدد بضم كندا وجزيرة غرينلاند وقناة بنما. وسنرى من العجائب في السنة الأولى لحكمه الشيء الكثير، خاصة في مجال تجريف الأموال. ولا أعتقد أن أوراق الاعتماد التي قدمتها السلطة الفلسطينية تؤهلهم لنقل مقراتها لغزة واستلام أموال الإعمار وإعادة البناء. لكن ضم الضفة الغربية أصبح أمراً واضحا لدى القيادات الصهيوينة ومرتكزين على دعم غير محدود من إدارة ترامب، خاصة السفير الأمريكي في الكيان ووزير الخارجية وسفيرة ترامب لدى الأمم المتحدة ومستشاره للأمن القومي ونائبه ووزير دفاعه. هؤلاء يجمعهم التفاني في خدمة إسرائيل ووضع مصالحها أولا قبل مصالح الولايات المتحدة فكلهم صهاينة بالولاء.
الإدارة الأمريكية عازمة على استكمال عملية التطبيع العربي مع الكيان وستجرهم إلى نفق التطبيع طوعا أو كرها، تحت طائلة التهديد والوعيد. فهذا رئيس لا يعرف اللغة الدبلوماسية، بل يفضل استخدام لغة البلطجة والصفقات التجارية
– كما أن هذه الإدارة عازمة على استكمال عملية التطبيع العربي مع الكيان وستجرهم إلى نفق التطبيع طوعا أو كرها، تحت طائلة التهديد والوعيد. فهذا رئيس لا يعرف اللغة الدبلوماسية والكلام المنمق المعسول، بل يفضل استخدام لغة البلطجة والصفقات التجارية ولا ننسى أنه مدان بعشرات القضايا منها التهرب الضريبي والرشوات والتحرش والتزوير وغيرها الكثير. وربما ستكون زيارته الأولى لمنطقة الخليج لشفط المليارات كما فعل في عهدته السابقة.
ما العمل
أمام كل هذه التحديات هل يمكن مواجهة هذه المرحلة فرادى، أو عبر تجمعات صغيرة أو الاستمرار في نهج الانتظار من أجل التفاوض؟ إننا ندعو جميع أطياف الشعب الفلسطيني للالتفاف حول موقف واحد يضغط باتجاه الوحدة الوطنية الشاملة تحت خيمة منظمة التحرير الفلسطينية بعد تخليصها من كل الرواسب والشوائب، وإعادة بنائها على أرضية ميثاقها الوطني ملتزمين بمجموعة من الثوابت التي يكون عليها إجماع وطني شامل ونود أن نذكر بهذه النقاط الأساسية:
– لا أحد يريد أن يبني منظمة جديدة، أو أن يسحب الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، بل الالتزام بالمنظمة شكلا وجوهرا يقوم على أساس ميثاقها الواضح، الذي يضع حق المقاومة لشعب فقد أرضه ووطنه في جوهر العمل الجماعي لتحرير الأرض وإقامة الدولة الديمقراطية كهدف استراتيجي. لكن هناك شبه توافق على قيام دولة فلسطينية حرة وسيدة ومتواصلة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف، تجسد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة لاجئيه كخطوة أولى. وهو ما قبلت به تقريبا كل الفصائل بما فيها حماس في «وثيقة المبادئ والسياسات العامة» يوم 1 مايو 2017.
– التأكيد على ترابط الضفة الغربية وغزة والقدس، ورفض أي مشروع انفصالي في غزة أو الضفة الغربية. لا دولة فلسطينية دون غزة. والتأكيد أيضا على وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة أرضه وقضيته. فالشعب الفلسطيني لا يقتصر على الضفة والقطاع، كما جاء في اتفاقيات أوسلو، بل هناك فلسطينيون في الشتات يعادلون أو يزيدون قليلا عن الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية. إن طريقة تمثيل جميع الفلسطينيين في أي انتخابات حرة ونزيهة وعادلة وشفافة وسلمية يجب أن تشمل جميع الفلسطينيين.
– هناك العديد من المبادرات والاتفاقات التي يمكن البناء عليها، خاصة اتفاقية بكين في يوليو 2024 والتي جمعت 14 فصيلا. نقطة البداية في الوثيقة تشكيل حكومة إجماع وطني تعمل على لملمة الوضع الفلسطيني، والعمل على وضع خريطة طريق لانتخابات ثلاثية، مجلس وطني، مجلس تشريعي، رئيس.
– لم يعد اتفاق الفصائل كافيا لنقول هذه وحدة وطنية جيدة، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن يجب إعادة النظر في ما يسمى بالفصائل. فهناك فصائل لا وجود لها على الأرض ولو جمعت أعضاءها لاستوعبتهم حافلة من الحجم المتوسط، بينما هناك فصائل كبرى ولها وجود فاعل على الأرض غير ممثلة داخل كيانية منظمة التحرير، ويجب أن تحسم هذه القضية عبر المؤتمر الوطني الفلسطيني للإنقاذ الذي ندعو له.
– لقد نضجت فكرة عقد مؤتمر وطني فلسطيني جامع للإنقاذ، انطلقت قبل خمس سنوات من عدد من المثقفين الوطنيين المستقلين والمعروفين بنزاهتهم وصدقيتهم، واستطاعوا بلورة عدد من السيناريوهات للتعامل مع الأوضاع الراهنة، خاصة مرحلة ما بعد غزة وبدء حرب الضفة الغربية. وهذه المجموعة النقية الوطنية على أبواب عقد هذا الاجتماع المهم. ونحن نرى أن هذا واجب وطني وضروري وعاجل لا يحتمل التأجيل بعد حرب الإبادة في غزة وانتقال المعركة للضفة الغربية. لا تستطيع حركة واحدة تشكيل قيادة منفردة لغزة ولا تستطيع سلطة رام الله، التي انخفضت شعبيتها أن تقود الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ولذلك تلجأ للاضطهاد والاعتقال وكتم الأفواه والتهديد والوعيد. إذن ليس أمام شعبنا وأطيافه الوطنية في فلسطين ودول اللجوء والشتات إلا الخروج على نص السلطة والفصائل والعمل على عقد مؤتمر جامع للإنقاذ وانتخاب قيادة ظل وطنية تشكل قوة ضغط للتوجه نحو إعادة تشكيل منظمة التحرير على أسس صحيحة توافقية تمثل شعبنا وتحمل همومه وتكون مؤتمنة على برنامجه الوطني القائم على أرضية النضال نحو تحقيق الأهداف التي يجمع عليها الشعب الفلسطيني في كل أماكن انتشاره.
وسوم: العدد 1113