ترامب والهولوكوست: دموع تماسيح التاجر
أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشاعر الإشفاق على الرهائن الإسرائيليين الثلاثة الذين أفرجت عنهم المقاومة الفلسطينية مؤخراً، فاعتبر أنهم «يشبهون اليهود في ألمانيا النازية» و«يبدون كالناجين من الهولوكوست» مختتماً تصريحاته بتحذير: «سوف نفقد صبرنا عند حدّ ما».
فإذا كانت هذه الشفقة صادقة حقاً، وليست لوناً جديداً من النفاق والأقوال المتسرعة والبلاغة الجوفاء التي عوّد ترامب العالم عليها، فما الذي أعاق المشفق نفسه عن إلقاء نظرة ولو خاطفة على الحال التي خرج بها عشرات الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال؟ ولماذا أحجم عن رؤية أسير فلسطيني يهبط من الحافلة محمولاً على الأكتاف وقد رُبطت إلى جسده أنبوبة أوكسجين، أو أسير آخر أطلق الاحتلال سراحه بعد بتر رجله اليسرى وفقدان النظر بعينه اليمنى وتلف قرنية العين اليسرى و«درز» جسده بشظايا الرصاص؟
وإذا كان قد هال ترامب مقدار النحول الذي أصاب الرهائن الإسرائيليين الثلاثة، فهل توقع أن يخرجوا من الأسر أكثر عافية وأشدّ بدانة، إذا كان الملايين من أهل غزة قد حُرموا القوت في أدنى متطلباته بسبب جرائم الحرب والإبادة والحصار التي فرضتها دولة الاحتلال على القطاع طوال 15 شهراً ونيف، وبات الكثيرون منهم يقتاتون على النادر من أعشاب الأرض؟ ولماذا لم يبصر نحول الأسرى الفلسطينيين، حيث يُفترض بالسجون الإسرائيلية ألا تفتقر إلى الغذاء، وأن تتكفل بالرعاية الصحية للسجين بموجب أبسط المواثيق الدولية؟
لافت إلى هذا أن المقارنات مع إرث المحرقة تلقى الاستنكار من جهات إسرائيلية أيضاً، ليس من باب التراحم مع الفلسطينيين أو التضامن مع الرهائن الإسرائيليين، بل من زاوية أولى مركزية هي الاستمرار في احتكار موقع الضحية، والمتاجرة بعذابات اليهود في معسكرات الاعتقال النازية من أجل التغطية على جرائم الحرب الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني، والتي تعيد إنتاج ألوان قهر وتنكيل وتعذيب أسوأ من تلك التي ارتكبها النازيون.
لا عجب والحال هذه أن يمتنع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نفسه عن استخدام المقارنات مع المحرقة، وأن يتغنى في الوقت ذاته بكون دولة الاحتلال هي الضحية بامتياز، وليست مثلها ضحية. كذاك لا يُستغرب موقف وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتش، الذي يتهم أصحاب تلك المقارنات بالهزء المبطن من الهولوكوست وليس الدفاع عن الضحية اليهودية.
ولقد تعامى الرئيس الأمريكي عن حقيقة أن أسباب الحال التي ظهر عليها الرهائن الإسرائيليون إنما تعود إلى تعنت نتنياهو ودأبه على إفشال صفقات تبادل سابقة، وهذا باعتراف وزير حربه السابق يوآف غالانت الذي أقرّ بأنّ الصفقة الراهنة هي ذاتها التي وافقت عليها «حماس» في تموز/ يوليو الماضي، مع فارق أن دولة الاحتلال تدفع اليوم المزيد من الأثمان الباهظة جراء عرقلة الاتفاق يومذاك.
سلوك ترامب ليس مفاجئاً بالطبع، إذْ لا يُنتظر منه ما هو أدنى من دموع التماسيح الزائفة الانتقائية هذه، خاصة وأنها تصدر عن تاجر عقارات يسيل لعابه على امتلاك قطاع غزة.
وسوم: العدد 1115