الرقابة على دستورية القوانين وهل استفادت الجزائر من ذلك؟

تُعزز الرقابة على دستورية القوانين أسس وأركان الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون. ومنع الخروج على الدستور او التناقض معه، باعتباره المنظم للقواعد الأساسية الواجبة الاحترام في الدولة وللدفاع عن إرادة الشعب الذي صدر الدستور باسمه وحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.

وهناك نوعان من الرقابة الدستورية، رقابة قضائية ظهرت في الولايات المتحدة الامريكية عام 1803 في الحكم الشهير الذي حكم به القاضي مارشال في القضية المشهورة ماربوري ضد ماديسون. حيث اختصت المحكمة العليا الأمريكية بحق الرقابة الدستورية. ورقابة سياسية نص عليها دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية عام 1958. وأناط مهمة الرقابة إلى هيئة اسماها المجلس الدستوري.

استحدث المشرع الجزائري المحكمة الدستورية بموجب الدستور 2020، في مكان المجلس الدستوري المؤسسة المستقلة التي كانت مكلفة بضمان احترام الدستور. فوسع في التشكيل والصلاحيات. حيث تمارس المحكمة الدستورية رقابة اجبارية سابقة عن طريق الاخطار بالنسبة للقوانين العضوية والنظام الداخلي للبرلمان والاوامر، وجوازيه بالنسبة للقوانين العادية والتنظيمات والمعاهدات، ورقابة لاحقة عن طريق الإحالة " الدفع بعدم الدستورية "، والذي ترجع جذوره في الحقيقة الى التعديل الدستوري 2016 وتم تنظيمه بموجب القانون العضوي 18-16 المحدد لشروط وكيفيات تطبيقه. وتم اقراره بموجب التعديل الدستوري الأخير 2020 ، كما تم تنظيمه بموجب القانون العضوي 22-19. مع توسيع ملاحظ في إمكانية الدفع بعدم دستورية للوائح التنظيمات ومنح النيابة تقديم ملاحظات وإمكانية الادخال والتدخل ومنع القضاة صراحة من إمكانية الدفع بعدم الدستورية.

تهدف الدراسة أساسا الى تقدير الرقابة علي الدستورية في الجزائر وفعالية المحكمة الدستورية نظريا وتطبيقيا وضرب مثالين عن الدفع بعدم الدستورية بين الآمال وخيبات الامل للمواطن.

للإجابة على الإشكالية اضطررنا لاستخدام المنهج التاريخي للحديث عن الجذور وتبيان الخصوصية، كما استخدمنا المنهج التحليلي في مكانه لتوضيح الاحكام الموضوعية والاجرائية ومزايا وعيوب الية الدفع بعدم الدستورية مع المنهج الوصفي عند تناول شروط وأركان هذه الالية ومدى تحقيق الهدف المنشود.

وعلى ذلك تكون خطة البحث من ثلاث أبواب كبرى عن الرقابة القضائية في الولايات المتحدة الامريكية والرقابة السياسة في فرنسا ونختم بباب الجزائر والرقابة الدستورية المنشودة بين النظري والتطبيقي .

الباب الأول: الرقابة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية

تمهيد:-

الرقابة القضائية عبر هيئة قضائية عليا تتحقق من مدى تطابق القانون أم عدم تطابقه مع أحكام الدستور، هي ضمانة أكيدة لاحترام الدستور، وسلاحاً فعالاً لحمايته من محاولة الاعتداء على أحكامه من قبل السلطات العامة. وهي بدورها تقسم إلى رقابة إلغاء ورقابة امتناع : فرقابة الإلغاء تعني إبطال القانون غير الدستوري في مواجهة الجميع وعَدّه كأن لم يكن ، وهي يمكن أن تكون سابقه عن إصدار القانون أو لاحقه عنه. أما رقابة الامتناع ، فتعني امتناع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري في القضية المعروضة عليه إذا ما دفع أحد الأطراف بعدم دستوريته، دون أن يكون لحكمه أثر على الغير؛أي أن حكم القاضي لا يحول دون استمرار نفاذ القانون بالنسبة للمنازعات الأخرى معروضة عليه أو على محكمة أخرى .

المبحث الأول : نشأة الرقابة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية وتطورها

سنتطرق الى نشأة وتطور الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها نتعرف إلى تقدير الرقابة ومن ثم نبحث في صور هذه الرقابة

المطلب الأول : الرقابة على دستورية القوانين أمريكية النشأة قضائية اساسا

لا يوجد نص صريح في الدستور الأمريكي ينظم الرقابة على دستورية القوانين ، والنص الأقرب للإقرار بذلك هو نص المادة ( م 3 /2) التي تتحدث عن الاختصاص القضائي التي جاء فيها : (( أن الوظيفة القضائية تمتد إلى كل القضايا المتعلقة بالقانــون أو العدالة التي تثور في ظل هذا الدستور )). فتحيل الى قانون القضاة الاتحادي لعام (1789) الذي قضى بعدم دستوريته القاضي (جون مارشال) في القضية المشهورة ( ماربوري ضد ماديسون ) . والذي أصبح قرار الحكم بعدم دستورية القانون سابقة قضائية أخذت المحكمة العليا على عاتقها الرقابة على دستورية القوانين ، وتتلخص قضية عدم دستورية قانون (القضاة الاتحادي) أنه عندما خسر الحزب الاتحادي (الديمقراطي حاليا) الانتخابات عام (1800) وفاز بها الحزب الجمهوري الذي كان يدعو إلى تقوية سلطات الولايات على حساب السلطة الاتحادية ، قلق الاتحاديون على مصير الاتحاد فسارعوا في عام (1801) قبل تخليهم عن مناصبهم إلى تعيين قضاة يؤمنون بالفكرة الاتحادية وفي مقدمتهم القاضي ( مارشال) رئيس المحكمة الاتحادية العليا . وعندما تسلم الرئيس (جيفرسون) مهام منصبه أمر وزير الداخلية (ماديسون) بصرف النظر عن تعيين بعض القضاة الذين لم تصدر أوامر تعينهم بعد. ومن بينهم القاضي (ماربوري ) فأسرع الأخير إلى المحكمة الاتحادية العليا طالبا تطبيق الباب الثالث عشر من قانون القضاة الاتحادي لعام (1789) . إلا أن المحكمة الاتحادية العليا رفضت طلبه لأنه يخالف الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات , وأعلنت المحكمة استنادا” إلى الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الباب الثاني من الدستور أن الباب الثالث عشر من قانون القضاة الاتحادي غير دستوري .

المطلب الثاني : تطور الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية

لقد استطاعت المحكمة العليا العمل بتوسيع رقابتها على دستورية القوانين بحيث تجاوزت نطاق الدستورية إلى حد الحكم على مدى ملاءمة القوانين، وساعدها في ذلك تطور الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد استعملت المحكمة العليا عدة وسائل تمكنها من ممارسة رقابتها الجدية على دستورية القوانين وذلك عن طريق تفسير الدستور تفسيرا واسعاً حتى لو أدى ذلك إلى الخروج عن النص، ومن أهم هذه الوسائل: "شرط الطريق الواجب قانوناً ، معيار الملاءمة ، معيارا لمعقوليه ( العقل) ، معيار اليقين . "

المطلب الثالث : تقدير الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية :

سنتناول في هذا المطلب تقدير الرقابة القضائية عن طريق الدعوى والرقابة القضائية عن طريق الدفع بعدم الدستورية ( رقابة الامتناع ) وكذلك موقف الفقه من الرقابة القضائية بشكل عام على دستورية القوانين ويتطلب الأمر منا تناول هذه المسائل في ثلاثة فروع على النحو الآتي :

الفرع الأول : تقدير الرقابة القضائية بطريقة الدعوى

تحقق هذه الطريقة بعض المزايا الهامة التي لا تنكر ، فمن ناحية ، تختص جهة قضائية واحدة بمسألة فحص دستورية القوانين وتقدير ما إذا كان القانون المطعون فيها مخالف لأحكام الدستور أم أنه قانون دستوري ، وذلك سواء كانت هذه الجهة القضائية هي المحكمة العليا في الدولة ، أو محكمة دستورية خاصة أنشأت لتضطلع بهذه المهمة، وهذا يؤدي إلى ثبات الأوضاع واستقرار المعاملات القانونية ومن ناحية أخرى فإن الحكم الصادر بالإلغاء في حالة ثبوت مخالفة القانون المطلوب فيه لأحكام الدستور ينهي المشكلة ، ويحسم الموقف بصفة نهائية ، مما لا يسمح بالعودة مرة أخرى لطرح النزاع بصدد القانون امام محاكم أخرى ، أو أمام ذات المحكمة كما يحدث في حالة الرقابة عن طريق الدفع وما يتبع ذلك من اختلاف في الرأي بشأن القانون الواحد ورغم هذه المزايا فقد انتقد البعض طريقة الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية وما يترتب عليها من الحكم بإلغاء القانون المخالف للدستور بأنها تمثل خروجاً على حدود مهمة القضاء وتدخلاً في صميم عمل السلطة التشريعية مما يعد إهدارا لمبدأ الفصل بين السلطات .

كما أن منح محكمة معينه لسلطة الفصل في دستورية القوانين يعطيها مركزاً قوياً ونفوذا ضخماً إزاء السلطات الأخرى في الدولة وهذا ما قد يؤدي الى إسراف هذه المحكمة في أداء مهمتها تجنباً للاصطدام بالسلطة التشريعية التي تسن القوانين .

الفرع الثاني : تقدير الرقابة القضائية بطريقة الدفع الفرعي ( رقابة الامتناع )

تمتاز هذه الطريقة بمزايا عديدة منها :

1ـ أن طريقة الدفع بعدم الدستورية تعتبر بالمقارنة مع الدعوى الأصلية أقل عنفاً وأكثر مرونة ، فصاحب الشأن لا يطلب إلغاء القانون إلغاء كاملاً كما هو في الدعوى الأصلية ، إنما يكتفي بعدم تطبيق القانون في النزاع المعروض على القضاء ، كما أن المحكمة إذا ما ثبت عدم دستورية القانون لا تحكم بإلغائه بل تكتفي بعدم تطبيقه على القضية ويترتب على ذلك أن القانون يبقى نافذا في غير ذلك النزاع فيجوز لأية محكمة أخرى أن تطبقه إذا تبين لها أنه دستوري.

2ـ تمتاز هذه الطريقة بكونها أقل من الأخرى إثارة لحساسية المشرع نظراً إلى أنها لا تلغي القانون إلغاء كلياً بالنسبة للكافة ، وبالتالي لا تؤدي إلى مثل مما تؤدي إليه الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية من تصادم مع البرلمان ممثل الشعب كما لا تهدر النظام الدستوري بنفس الدرجة من الخطر كما في حالة وجود الدعوى الأصلية .

3ـ تمتاز هذه الطريقة أيضا بأنها قائمة حتى بعد سقوط الدستور أو تعديله ما دام الدستور الجديد حصرا لهذه الرقابة أما بالرقابة بواسطة الدعوى الأصلية فهي تنعدم بسقوط الدستور الذي يقررها نظراً لاستحالة تقريرها بقيد وجود نص دستوري ينظمها فكون المشرع المتفق عليه أنه لا يقرر إلا الرقابة عن طريق الدفع الفرعي

ومع ذلك فقد انتقدت هذه الطريقة على أساس أنها تحل القضاة محل المشرع في تقرير مدى مطابقة القانون لأحكام الدستور ، وقد يقف القضاة بنزعته المحافظة ضد التطورات التي تريد، السلطة ، التشريعية تطبيقها عن طريق القوانين ( ). ومن ناحية أخرى فإن وضع مسألة الفصل في دستورية القوانين في أيدي جميع المحاكم القضائية على اختلاف دراجاتها سيؤدي إلى تناقض في الأحكام فقد تمتنع إحدى المحاكم عن تطبيق قانون معين لعدم دستوريته من وجهة نظرها في حين تطبقه المحاكم الأخرى على أساس أنه موافق لأحكام الدستور.

الفرع الثالث : موقف الفقه من الرقابة القضائية على دستورية القوانين

لا شك أن الرقابة عن طريق هيئة قضائية وسيلة منطقية يفرضها حكم عمل القاضي، لأنه وهو يقوم بتطبيق القانون على ما يعرض أمامه من منازعات يكون ملتزماً عند تعارض قانون عادي مع نص دستوري أن يستبعد القانون العادي ويعمل حكم الدستور، وفضلاً عن ذلك تمتاز الرقابة القضائية بحياد القاضي وبعده عن تيارات السياسة وأهواء الأحزاب كما أن التكوين القانوني لرجال القضاء يؤهلهم للقيام بالرقابة على دستورية القوانين ، نظراً للطبيعة القانونية التي تتصف بها موضوعات هذه الرقابة .

المبحث الثاني : صور الرقابة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية

لقد عرفت المحاكم الأمريكية في أثناء مباشرتها للرقابة على دستورية القوانين ثلاثة طرق للرقابة وهي الرقابة بطريق الدفع بعدم الدستورية ، الرقابة بطريق المنع القضائي ، الرقابة بطريق الحكم التقريري .

المطلب الأول الرقابة القضائية بطريقة الدفع بعدم الدستورية (الدفع الفرعي)

في هذا النوع من الرقابة القضائية على دستورية القوانين , لا توجد دعوى بإلغاء قانون من القوانين لعدم دستوريته وإنما يتعلق الأمر بالدفع بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه , يتقدم أحد أطراف النزاع في قضية معروضة أمام القضاء وإنما تأخذ شكلا” دفاعيا” مقتضاه أن ينتظر صاحب الشأن الذي يراد تطبيق قانون معين عليه في قضية مطروحة أمام محكمة من المحاكم , ثم يدفع بعدم دستورية هذا القانون , فتتولى المحكمة بحث الأمر فإذا أثير الدفع بصددها أي أن المحكمة في حالة الدفع بعدم الدستورية لا تقضي بإلغاء القانون وإنما تمتنع فقط عن تطبيقه في القضية التي أثير الدفع بمناسبتها ويظل القانون قائما” ويمكن أن تثار مسالة عدم دستوريته من جديد وذلك لان حكم المحكمة له حجية نسبية فلا يقيد المحاكم ، بل ولا نفس المحكمة بالنسبة للقضايا التي تعرض عليها فيما بعد ذلك ، ويرجح في الفقه والقضاء أن سكوت الدستور لا يمنع المحاكم من رقابة دستورية القوانين عن طريق الدفع الفرعي ، لان القاضي في هذه الحالة إنما يغلب حكم القانون الأعلى على حكم القانون الأدنى ، وذلك يدخل ضمن صلاحيات وظيفته ، وقد أخذت كثير من الدول بهذه الطريقة دون نص من الدستور . كاليونان , والنرويج , وقد نصت بعض الدساتير صراحة على ذلك كدستور اليابان الصادر عام (1946) . ويعد هذا النوع أو الأسلوب الأكثر نجاحا” في فرض الرقابة على دستورية القوانين في الدول التي تخلو دساتيرها من النص صراحة على حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين، إذا ما دفع أمامه – أثناء نظر دعوى مرفوعة – بعدم دستورية قانون ما واجب التطبيق. وهو ما درج عليه القضاء المصري في ظل دستور عام (1956) ودستور عام (1958) رغم خلوهما من نصوص تنظيم الرقابة.

ويعيب هذه الطريقة إنها بتركها مهمة الرقابة على دستورية القوانين لكافة المحاكم تؤدي عادة إلى تناقض الأحكام وعدم الوحدة التشريعية , كما لا تضع حدا” نهائيا للخلاف الذي يمكن أن يثور حول عدم دستورية قانون من القوانين .

وعلى العموم فان هذا النوع أو هذه الطريقة ليست الوحيدة التي ابتدعها القضاء الأمريكي وتمكن من خلالها أن يمارس الرقابة على دستورية القوانين , فهي وان كانت أكثر شيوعا إلا انه بجانبها توجد أنواع أخرى للرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية .

المطلب الثاني الرقابة القضائية بطريقة المنع الأمر القضائي

في هذا النوع من الرقابة ، لا ينتظر من يدعي عدم دستورية قانون ما أن تقام عليه دعوى يراد خلالها تطبيق هذا القانون ، فيدفع عند ذاك بعدم دستوريته وإنما يطلب من القاضي أن يأمر بإيقاف الإجراءات التي يمكن أن تتخذ ضده باعتبارها إجراءات تستند إلى قانون ، أو هي تنفيذ لقانون يعتقد بأنه مخالفا” للدستور وعندها يفحص القاضي دستورية هذا القانون فإذا تبين له أنه يخالف أو يناقض الدستور , وجه أمرا” لمن يريد اتخاذ إجراءات معينة بمقتضاه ( أي تطبيقه) يمنعه فيه من اتخاذها.

وبموجب هذه الطريقة يجوز لأي فرد أن يلجأ إلى المحكمة المختصة , وتختص بإصدار الأمر القضائي محكمة اتحادية خاصة تتألف من ثلاثة قضاة، ويجوز الطعن في أحكامها أمام المحكمة الاتحادية العليا مباشرة طبقا لقانون صدر عام (1910) يطلب إيقاف تنفيذ أي قانون على أساس أنه غير دستوري وان من شأن تنفيذه أن يلحق ضررا” وذلك دون أن تكون هناك دعوى سابقة ، فإذا تبين أن ذلك القانون مخالف للدستور أصدرت أمرا قضائيا إلى الموظف المختص بعدم تنفيذ ذلك القانون ، ويجب على الموظف في هذه الحالة تنفيذ الأمر القضائي الصادر إليه وإلا عد مرتكبا لجريمة خاصة تسمى ( احتقار المحكمة) وتعرض هذه الجريمة مرتكبها للحكم عليه بالحبس أو الغرامة ( ) .

المطلب الثالث الرقابة بطريق الحكم التقريري

يتم اللجوء لاستخدام هذه الوسيلة للرقابة على الدستورية في الحالات التي يختلف فيها طرفان عموميان أو خصوصيان في إحدى العلاقات بشأن كل من طائفتي الحقوق والالتزامات التبادلية بينهما ، وبخاصة عندما يستند أحدهما في ذلك أو الآخر إلى التعارض القائم فيما بين القانون المحدد لكل من تلك الحقوق والالتزامات وبين الدستور ولقد استخدمت تلك الوسيلة الرقابية منذ عام 1918 وحتى الآن .

ومقتضى هذه الطريقة أن للفرد أو للمواطن أن يلتجأ إلى المحكمة طالبا منها إصدار حكم يقرّر ما إذا كان قانون يراد تطبيقه عليه دستوريا أو غير دستوري، و في هذه الحالة ينتظر الموظف المختص صدور حكم من المحكمة إما بدستورية هذا القانون فيمتنع عن تطبيقه.

الحكم التقريري الذي تصدره المحكمة وفق هذا الأسلوب من الرقابة على دستورية القوانين يتمتع بحجية نسبية لا ينعكس أثره إلا على من تقرر لصالحه أو مما يستفاد منه كسابقة قضائية في الدول التي تتبنى نظام القانون العام.

الباب الثاني : الر قابة السياسية في فرنسا

اعتمد المؤسس الدستوري الفرنسي طريقة الرقابة السياسية على دستورية القوانين من خلال إنشـاء المجلس الدستوري باعتباره هيئة سياسـية مسـتقلة نظـرا لعـدم الثقـة في السـلطة القضـائية، نظرا للميراث القضائي والفقهي والفلسفي . وقد تبلورت هذه الفكرة عند وضع دستور الجمهورية الرابعة عام 1946.) اللجنة الدستورية) . ثم اكتملت عند وضع دستور الجمهورية الخامسة عام 1958 (المجلس الدستوري ودستور ) وذلـك بهدف حمايـة الحقوق والحريات الأساسية للأفراد وضمان احترام مبدأ سمو الدستور.

نظم دستور 1958 هذا الموضوع في المواد من 56 إلى 63 ، وقد كان هذا التنظيم متجهاً في الأساس إلى حماية المؤسسات السياسية كما وضعها الدستور من أن تنالها يد المشرع العادي بالتعديل . كما ان المقصود الأساسي من وجود المجلس الدستوري هو ضمان التطبيق السليم للنصوص الدستورية التي تضمن حسن سير السلطات العامة خاصة ما تعلق بتوزيع الاختصاصات بين السلطة التشريعية والتنفيذية

أعطى الدستور للمجلس الدستوري نوعين من الاختصاص :

1 – اختصاص وجوبي يتعلق بالقوانين العضوية organdies ولوائح المجالس البرلمانية إذ نصت المادة 61 من الدستور على أنه ” يجب أن تعرض علي المجلس الدستوري القوانين العضوية lois organiques قبل إصدارها ولوائح المجالس البرلمانية قبل تطبيقها ليقرر مدي مطابقتها للدستور ” .

2 – اختصاص جوازي متروك لإرادة رئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ ليعرض كل منهم أي قانون اقره البرلمان قبل إصداره علي المجلس الدستوري ليقرر مدي مطابقته للدستور .

وفي الحالتين – حالة الاختصاص الوجوبي وحالة الاختصاص الاختياري – يجب أن يبدي المجلس الدستوري رأيه خلال شهر ، ومع ذلك فللحكومة أن تطلب في حالة الاستعجال تقصير هذه المدة إلى ثمانية أيام ، وقد نصت المادة 62 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 علي أن ” النص الذي يعلن عدم دستوريته لا يجوز إصداره أو تطبيقه . كما نصت تلك المادة أيضاً علي أن قرارات المجلس الدستوري لا تقبل الطعن فيها بأي وجه من اوجه الطعن وهي ملزمة للسلطات العامة ولجميع السلطات الإدارية والقضائية .

في عام 1990 م حدث تطور جوهري في هذه الناحية .حيث أعطى حق طلب الرقابة لستين عضواً من أي من المجلسين .واجاز للأفراد الدفع أمام المحاكم بعدم دستورية أي قانون . وقد حاول البعض أن يوسع النطاق الخاضع للرقابة بإدخال القرارات الجمهورية واللوائح فيما يمكن أن يكون محلاً للطعن ، ولكن ذلك الاقتراح لم يقبل ، وكان المشرع يستهدف أيضاً مزيداً من الصفة القضائية للمجلس الدستوري

والملاحظ أن الطلبات التي قدمت من أعضاء البرلمان لمجلسيه هي النسبة التالية من الطلبات التي عرضت علي المجلس الدستوري ، حتى سنة 1994 كان النواب قد تقدموا بـ ( 284 ) ” مائتين وأربعة وثمانين طلب ” بعدم دستورية قانون أو نص في قانون .وقد صدر 199 حكم في هذه الطلبات وقضي في 92 منها بعدم الدستورية .

تقدير الرقابة علي الدستورية في فرنسا :

رغم كل محاولات المجلس الدستوري لتوسعة اختصاصاته عن طريق التفسير وعن طريق ما اخذ به من فكرة الخطأ الواضح في التقدير   وهي فكر ابتدعها في الأصل مجلس الدولة – ونقلها المجلس الدستوري إلى مجال التشريع برغم كل ذلك فان الرقابة علي دستورية القوانين في فرنسا تظل قاصرة ومتخلفة عما هو سائد في الولايات المتحدة وفي كثير من البلاد الأوروبية . . فالمجلس لا يجوز له أن يتصدى من تلقاء نفسه لموضوع الدستورية كذلك فان المحاكم لا يجوز لها أن تحيل إليه ما قد تري انه مخالف للدستور من نصوص تشريعية لان النص التشريعي متي صدر ووقع عليه رئيس الجمهورية ونشر في الجريدة الرسمية فقد استغلق أمامه باب الطعن بعدم دستوريته ومن ناحية أخرى هامة أيضاً فان الإفراد الذين قد تمس التشريعات الصادرة حرياتهم وحقوقهم الأساسية ليس لهم الحق بالدفع بعدم دستورية هذه القوانين .

كل هذه الاعتبارات تنتقص من مدي فاعلية هذه الرقابة التي يباشرها المجلس الدستوري في مواجهة ” مشروعات ” القوانين والتي لا ينعقد اختصاصه بها إلا بطلب من رئيس الجمهورية

وتقديرا” للرقابة السياسية والرقابة القضائية على دستورية القوانين نرى ما يلي :

1- على الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى الرقابة السياسية من أن القائمين عن الرقابة قد لا تتوافر لديهم القدرة الفنية والخبرة القانونية , وان الطعن بعدم الدستورية يقوم على اعتبارات سياسية أكثر منها قانونية , وإبعاد الأفراد العاديين من عدم ممارسة الطعن في دستورية قانون ما , وهو يعد بحد ذاته مثلبة على الرقابة السياسية , ونحن نتفق مع من يقول بهذه الانتقادات , إلا إننا نختلف معهم بخصوص تعيين الأعضاء الذين يمارسون هذه الرقابة من أن الأعضاء المعينين قد لا تتوافر لديهم القدرة الفنية والخبرة القانونية , نرى بعكس ذلك, فلو تتبعنا أعضاء المجلس الدستوري الفرنسي الذين يخضعون للتعيين , فالغالبية العظمى لديهم مؤهلات قانونية وحاصلين على شهادات في الحقوق وهم الذين يقع العبء الثقيل عليهم في ممارسة مهامهم , أما الأعضاء الحكميين فإنهم لا يحضرون جلسات المجلس الدستوري . أما ما قيل بمسألة الحيدة والاستقلال من أن هذه المحددات المذكورة تؤثر على حياد من يمارس الرقابة السياسية , نعتقد أن مسألة الحيدة والاستقلال مسألة نسبية تتعلق بشخصية القاضي , وان كنا نتفق مع ضرورة استقلال السلطة القضائية , فالاستقلال ليس كافيا” أن يوضع بنصوص دستورية وقانونية , فالكثير من الدساتير نصت على استقلال السلطة القضائية , لكن الواقع العملي يشير إلى عكس ذلك نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل بلد , فالعبرة ليست في وضع النصوص الدستورية والقانونية , ولكنها في تطبيق واحترام هذه النصوص من قبل السلطة والأفراد على السواء.

2- إن السلطة القضائية تستمد استقلاليتها ليس من الدستور فقط وإنما تستمد قوتها من الرأي العام أيضا الذي يشكل ضغطا” على من ينتهك استقلالية السلطة القضائية وخير مثال على ذلك عندما وقف الرأي العام الباكستاني مع رئيس المحكمة الدستورية العليا الباكستانية القاضي (افتخار محمد جودري) الذي عزل من منصبه بضغوط سياسية من الرئيس الباكستاني( برويز مشرف ), وتعرض للمحاكمة , لكن الرأي العام الشعبي وقف موقفا” صلبا” ومدافعا” عن القاضي (جودري) والمطالبة باستقلالية السلطة القضائية , فالاستقلال يتعلق أيضا” بثقافة الشعوب وتحضرها في احترام تطبيق وتنفيذ القانون , واستقلال السلطة القضائية يجب أن يكون متوازن ومعقول , لا تكون السلطة القضائية أداة بيد السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية ولا تكون السلطة القضائية منفصلة فصلا” تاما” يخشى منها من أن تشكل حكومة قضاة , ونرى أيضا إن الحيدة والاستقلال تتعلق بالمدة الزمنية التي يشغلها القاضي في ممارسة وظيفته القضائية , وتختلف من بلد لآخر , فقضاة المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية يمارسون مدة عضويتهم مدى الحياة غير قابلين للعزل , فهو الذي يؤيد من استقلالية القضاة والقضاء على السواء , وفي فرنسا يمارس أعضاء المجلس الدستوري المعينين مهامهم الموكلة إليهم مدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد وهذا يجعل من أعضاء المجلس الدستوري أن لا أمل لهم في تجديد عضويتهم مرة أخرى , وهو مدعاة بأن يمارس العضو مهامه بكل حيدة واستقلال .ومهما قيل عن حياد واستقلال القضاة فهم بالنتيجة بشر غير معصومين من الزلل سواء من كان يمارس رقابة سياسية أو رقابة قضائية .

3- إن تبني الرقابة السياسية أو الرقابة القضائية في بلد ما مسألة تتوقف على ظروف كل بلد , فلا يجوز أن نقيس بلد تختلف ظروفه عن فرنسا ذلك البلد العريق في الديمقراطية ونقل عنه نظام المجلس الدستوري .

4- إن اختيار النظام الملائم لكل بلد هو مؤشر نجاح أو فشل ذلك النظام , فالبلدان المتقدمة التي مارست الديمقراطية المتقدمة تمتلك مؤسسات دستورية قوية ورأي عام فعال وبالتالي فان المجتمع يسير إلى حد كبير بطريقة سليمة ولو لم توجد لديه محكمة دستورية , أما البلدان النامية حيث الرأي العام ضعيف أو معدوم وحيث المؤسسات الدستورية هشة وحيث السلطة التنفيذية متسلطة فانه لا يلائمها الرقابة الدستورية إلا وجود محكمة دستورية تشكل جزءا” من سلطة قضائية تقف على قدم المساواة من السلطتين التشريعية والتنفيذية..

إذا كنا بصدد البحث عن الرقابة على دستورية القوانين يجب أن نسلم بحقيقة أن الرقابة الدستورية لا تكن منتجة ما لم تؤيد بمبدأ استقلالية السلطة القضائية , كون العلاقة وثيقة بينهما , فإذا لم تكن هناك سلطة قضائية مستقلة تفرض رقابة قضائية على دستورية القوانين أمكن للأداة التشريعية الأدنى أن تخرج على ما ترسمه الأداة الأعلى , وفي هذه الحالة نكون أمام انتهاك لسيادة القانون ومبدأ تدرج التشريع , مما ينعكس سلبا” على حقوق وحريات المواطنين , فإذا لم يكن القضاء مستقلا” فانه لن يستطيع أن يمارس سلطته في الرقابة سواء على تصرفات السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية , بشكل فعّال وبالتالي فانه لن يستطيع حماية مسار الحقوق والحريات الفردية في المجتمع , فهذه الحقوق والحريات تغدو لا قيمة لها دون وجود قضاء مستقل يعطيها معانيها المحددة في ضوء النصوص القانونية ومقاصد صائغيها , فالنصوص وحدها لا تكفي لحراسة حقوق المواطنين وحرياتهم , فهذه النصوص تتهاوى أمام قوى البطش والإرهاب التي يمكنها أن تطال بأقدامها عندما تتعارض مع مصالحها , فإذا افتقد الإنسان القضاء المستقل سيطر الظلم والاستبداد .

الباب الثالث : الر قابة السياسية في الجزائر

تضمن التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء 28 نوفمبر 1996 تنظيم الرقابة على دستورية القوانين في الفصل الأول، الباب الثالث في المواد 159- 170. فنصت المادة 163 على أن يؤسس مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور. وصحة عمليات الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، والانتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه العمليات. وحددت المادة 165 اختصاصات المجلس الدستوري .

في التعديل الدستوري لسنة 2016 (القانون 16-01). بدأ لأول مرة في الجزائر العمل بالدفع بعدم الدستورية. حيث تم النص على تنظيم الرقابة في الفصل الأول من الباب الثالث بعنوان الرقابة ومراقبة الانتخابات والمؤسّسات الاستشاريّة (المواد من 178 -192). وذكرت تحديدا في المادة 188 منه انه: " يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. وحددت شروط وكيفيات تطبيق هذه الفقرة بموجب القانون العضوي 18-16 . وذكرت تحديدا شروطا ثلاثة يجب توفرها لقبول الإحالة الى المجلس الدستوري .

أما في التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء الفاتح من نوفمبر 2020. خصص الباب الرابع: لمؤسسات الرقابة وفي الفصل الأول منه خصص للمحكمة الدستورية المواد من185 الى 195، وان المحكمة الدستورية مؤسسة مستقلة مكلفة بضمان احترام الدّستور. وهي من تضبط قواعد عملها وانه بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياها صراحة أحكام أخرى في الدستور، تفصِل المحكمة الدستورية بقرار في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات. تفصِل المحكمة الدستورية في مطابقة النّظام الدّاخلي لكلّ من غرفتي البرلمان للدستور، حسب الإجراءات المذكورة في الفقرة السّابقة. وتوسع الاخطار الى 40 نائبا او وعشرين (25) عضوا في مجلس الأمة. لا تمتد ممارسة الإخطار المبيـّن في الفقرتين الأولى والثانية إلى الإخطار بالدفع بعدم الدستورية المبيّن في المادة 195 أدناه. والتي تنص صراحة على انه : " يمكن إخطار المحكمة الدستورية بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي أو التنظيمي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها الدستور. وانه : " إذا قررت المحكمة الدستورية عدم دستوريّة معاهدة أو اتّفاق أو اتّفاقيّة، فلا يتمّ التّصديق عليها. إذا قررت المحكمة الدستورية عدم دستورية قانون، لا يتم إصداره. إذا قررت المحكمة الدستورية عدم دستورية أمر أو تنظيم، فإن هذا النص يفقد أثره، ابتداء من يوم صدور قرار المحكمة الدستورية. إذا قررت المحكمة الدستورية أنّ نصّا تشريعيّا أو تنظيميّا غير دستوريّ على أساس المادة 195 أعلاه، يفقد أثره ابتداء من اليوم الذي يحدّده قرار المحكمة الدستورية. تكون قرارات المحكمة الدستورية نهائية وملزمة لجميع السلطات العمومية والسلطات الإدارية والقضائية. وحددت شروط وكيفيات تطبيق هذه الفقرة بموجب القانون العضوي 22-19 .

نماذج من قرارات المحكمة الدستورية في الدفع بعدم الدستورية :

1/ القرار 30-22 الصادر بتاريخ : 26-10-2022 ودستورية مواد التمثيل بمحامي  

حيث انه بتاريخ: 26-10-2022 صدر عن المحكمة الدستورية القرار 30 /22 (30_2022ar.pdf) [1] قضى بدستورية مواد وجوبية التمثيل بمحامي في الاداري ( المواد 815 و 826 و 904 و 905 و 906 من القانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المعدل و المتمم. بعد الإحالة من مجلس الدولة. منطوق القرار : دستوري . طبيعة الحكم المثار : حكم تشريعي . ( متجاهلا تماما الدفع بعدم دستورية المادة 174 من الامر 06-03 المذكورة أساسا رغم النص عليها في الحيثيات ) .

حيث ذكر في الحيثيات انه بناء على الدستور، وبمقتضى القانون العضوي رقم 22-19 المؤرخ في 26 ذي الحجة عام 1443 الموافق 25 يوليو سنة 2022 الذي يحدد إجراءات وكيفيات الإخطار والإحالة المتبعة أمام المحكمة الدستورية ، وبمقتضى القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية المعدل والمتمم ( دون ذكر التعديل الجديد 2022 ) ، وبموجب المداولة المؤرخة في 23 ربيع الثاني عام 1443 الموافق 28 نوفمبر سنة 2021 والمتعلقة بقواعد عمل المحكمة الدستورية في مجال الدفع بعدم الدستورية، والمتضمنة العمل بالبابين الثاني والثالث من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري المؤرخ في 7 رمضان عام 1440 الموافق 12 مايو سنة 2019 المعدل والمتمم . ( ما كان يجب ان يبقى العمل بأبواب في مجلس ملغى ؟) . وبناء على قرار الإحالة الصادر عن مجلس الدولة الغرفة الثالثة، تحت رقم الفهرس 00002/22 المؤرخ في 15 يونيو سنة 2022، والمسجل لدى أمانة ضبط المحكمة الدستورية بتاريخ 24 يوليو سنة 2022، تحت رقم 06/2022، والمتضمن الدفع بعدم دستورية المواد : 815 و 826 و 904 و 905 و 906 من القانون رقم 08-09 والمذكور أعلاه، بحجة مخالفتها للمواد 34 و 35 و 37 و 77 و 164 و 165 و 175 و 177 و 195 من الدستور الذي أثاره السيد (ع. م) بمناسبة استئناف دعواه ضد بلدية برج زمورة بولاية برج بوعريريج أمام الغرفة الثالثة بمجلس الدولة،

حيث بصدور القانون رقم 22-13 ( غير المذكور في الحيثيات ) ، المعدل والمتمم للقانون رقم 08-09 والمذكور أعلاه، وتعديله للمادة 815 وإلغائه للمادة 826، يصبح دفع الطاعن دون موضوع، حيث أن المادة 904 من القانون رقم 08-09 المذكور أعلاه، المدفوع بعدم دستوريتها لم تصبح تتضمن أي حكم يتعلق بوجوبية التمثيل بمحام لإحالتها على المادة 815 المعدلة بموجب المادة 6 من القانون رقم 22-13 المذكور أعلاه مما يجعل الدفع بعدم دستوريتها هيا الأخرى غير ذي موضوع، فاقدا لأي وجه من أوجه التأسيس، هذا من جهة ثم يبرر غير المبرر من جهة أخرى، حيث أن نص المشرّع على وجوبية التمثيل بمحام أمام مجلس الدولة في المادة 905 من القانون رقم 08-09 المذكور أعلاه، التي تنص على أنه: “يجب أن تقدم العرائض والطعون ومذكرات الخصوم، تحت طائلة عدم القبول، من طرف محام معتمد لدى مجلس الدولة…”.

  • إنما مردّه خصوصية المنازعة الإدارية، وما تفرضه من دور مميز لهيئة الدفاع في إثارة جوانب قانونية ذات صلة بموضوع النزاع، وما تخوله من دور تأسيسي وإبداعي للقاضي الإداري، كونه هو المؤسس أحيانا للقاعدة التي تحكم النزاع، ما جعل القضاء من أهم مصادر القانون الإداري ؟
  • وحيث أن تشعب المادة الإدارية ومواضيعها المختلفة وطابعها المعقد والتقني، ترتب عليه تضخم في القوانين والتنظيمات المتعلقة بها، ومن ثم فإن وجود محام في المنازعة الإدارية، وكفاءة للكشف عن مضمون مختلف القواعد القانونية المرتبطة بموضوع النزاع، والمساعدة التي يقدمها القاضي الإداري للوصول إلى حكم عادل ومنصف أمر يخدم العدالة الإدارية.
  • ثم يبرر اكثر للمساعدة القضائية للمعوزين . دون الجواب عن تناقضها مع مواد الدستور المذكورة ، او تبرير احتمال وجود دكتور في القانون ومحامي سابق ليس بحاجة للتمثيل بمحامي وظروفه المادية مقبولة جدا .
  • ويضيف اشكال جديد ويغاضى عن التناقض في :" المادة 906 من القانون رقم 08-09 المذكور أعلاه، المدفوع بعدم دستوريتها، لنصها على تطبيق المواد من 826 إلى 828 من نفس القانون، فيما يخص تمثيل الأطراف أمام مجلس الدولة، بالقول :" يتعيّن التذكير أنه بعد إلغاء المادة 826 بموجب القانون رقم 22-13 المذكور أعلاه، فإن الدفع بعدم دستوريتها يبقى منصبّا على الجزء المتعلق بإعفاء الأشخاص المعنوية العامة من التمثيل بمحام أمام جهات القضاء الإداري ؟"   ليصل الى نتيجة غير منطقية ولم تذكر أي حجة فيها : " وبالنتيجة، فإن المادتين 905 و 906 من القانون رقم 08-09 المذكور أعلاه، موضوع الدفع بعدم الدستورية، لا تتعارضان مع المواد 34 و 35 و 37 و 164 و 165 من الدستور، لعدم مساسهما البتة بالحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين، وتحديدا ضمان المساواة بينهم في الحقوق والحريات، والمساواة أمام القانون والقضاء، والحق في الحماية المتساوية وعدم التمييز بينهم، وجعل القضاء متاحاً لهم جميعا. ثم يقرر ما يأتي :
  • أولا: التصريح بأن الدفع بعدم دستورية المادتين 815 و 826 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المعدل والمتمم بالقانون رقم 22-13 المؤرخ في 13 ذي الحجة عام 1443 الموافق 12 يوليو سنة 2022، أصبح دون موضوع، بعد تعديل الأولى وإلغاء الثانية كلياً.
  • ثانيا : التصريح بصرف النظر ( مصطلح مستحدث غريب :" اضرب النح ") عن الدفع بعدم دستورية المادة 904 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المعدل والمتمم بالقانون رقم 22-13 المؤرخ في 13 ذي الحجة عام 1443 الموافق 12 يوليو سنة 2022، لإحالتها على المادة 815 التي لم تعد تنص على وجوبية التمثيل بمحام أمام المحكمة الإدارية.
  • ثالثا : التصريح بدستورية المادتين 905 و 906 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية المعدل والمتمم،

حيث تجدر الإشارة ان التماسات العارض كانت واضحة الطلبات -1- أساسا و -2- احتياطا :

  • عدم دستورية المادة 174 من الأمر رقم 06-03 مؤرّخ في 19 جمادى الثانية عام 1427. الموافق 15 يوليو سنة 2006،.يتضمّن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية. ( أساس المشكل ؟). والمتعلقة بالتوقيف التحفظي والتي يتم اتخاذها بكل تعسف وعلى نطاق واسع ؟ودن مساواة .فهي تخضع للسلطة التقديرية؟ ( وهي في الأساس عمل قضائي ويمكن حصرها كعقوبة تبعية بعد أن تثبت التهمة في حق المتهم ؟ الذي يعتبر بنص الدستور بريء حتى تثبت جهة " قضائية " إدانته ). فهي تناقض تماما المادة 16 من الدستور التي تكرس من قيام الدولة على مبدأ الفصل بين السلطات وضمان الحقوق والحريات. والمادة 41 من الدستور التي تنص صراحة على قرينة البراءة اين يجب ان يبقى كل متابع جزائيا بريئا.

2- بعدم دستورية المواد من 814 إلى 825, 904 و 905 و906 . وبالنتيجة المادة 538 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية, بخصوص وجوبية التمثيل بمحامي لدى المحاكم الإدارية ومجلس الدولة ( استئناف ونقض ) والمجالس القضائية . وكل ما قد يعيق حق المواطن في القضاء العادل. ويمكن جعلها اختيارية مثل المادة 14 منه ( الأصل). حيث ان المواطن ملزم بوجوبية التمثيل بمحامي ولو كان اكبر بروفيسور في القانون ؟ او حتى محامي سابق وغير مقيد في هيئة المحامين الحالية فانت مرفوض ..ولا غنم بالغرم تعارض مع مواد الدستور: 34-77 ، 164-165، 175-195. حيث تنص المادة 906 :" تطبق الأحكام الواردة في المواد من 826-828 أعلاه . فيما يخص تمثيل الأطراف أمام مجلس الدولة ". التناقض ان نص المادة 826 تم إلغاؤه فكيف يحال إليه ؟

- مع التوصية بأهمية تدرج القوانين " من الأسمى", وان ما تقوم به المديرية العامة للوظيفة العمومية من " تشريع " بالتعليمات والمناشير هو مس بجوهر روح القوانين وتدرجها   .

كما ان الملاحظات كانت اكثر وضوحا ودقة حول الدفع بعدم دستورية المواد من 814 إلى 825, 904 و 905 و906 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية , بخصوص وجوب التمثيل بمحامي لدى المحاكم الإدارية ومجلس الدولة(استئناف ونقض) والمجالس القضائية المادة 538..وتدرج القوانين. :

1- من حيث انها تعارض المادة 16 من الدستور التي تكرس من قيام الدولة على مبدأ الفصل بين السلطات وضمان الحقوق والحريات

2- من حيث أنها تعارض المادة 41 من الدستور التي تنص صراحة على قرينة البراءة اين يجب ان يبقى كل متابع جزائيا بريئا حتى يتم اثبات برائته بحكم قضائي .

- من حيث التناقض :" في فرض الوجوبية على المواطن وإعفاء الدولة "نظريا وعمليا ؟ ما الفائدة والحكمة من وجوبية تمثيل المواطن بمحامي خصوصا في ( المحاكم الإدارية ) ؟ ما الفائدة والحكمة والفلسفة من إعفاء الدولة من التمثيل بمحامي؟ هل المساعدة القضائية حل ؟ ( وهي بنص المادة 42 من الدستور تخص فقط المعوزين ؟)

1 - نظريا كان التبرير المقدم أن الفائدة والحكمة والفلسفة من وجوبية التمثيل بمحامي للمواطن هو حماية له ( فائدة له ) لأنه لا يعرف ( مصلحته ) ويجهل ( القوانين ) من جهة .

- عمليا لا يعرف المصلحة احد أكثر من صاحبها. وفعليا الشرط متعلق بمحامي مسجل في المنظمة ولا علاقة لها بالعلم والجهل فالمواطن ( وحتى العالم والمحامي غير المسجل في المنظمة ) يعتبر قاصر و لو كان بروفيسور أو حتى محامي سابق أو قاضي.....

2- نظريا كان التبرير المقدم أن الفائدة والحكمة والفلسفة من إعفاء الدولة من التمثيل بمحامي؟ أن لها إطارات متخصصة في ذلك ؟من جهة أخرى .

- عمليا الدولة تمثل بمحامي دوما وابدا ودون رادع ؟ لان المسؤول لا يدفع للمحامي من جيبه؟ ويطيل فعليا مدة التقاضي لأنه لا يخسر شيئ... بل ان المحامي طعن بالنقض في قرار البراءة إمعانا في البيروقراطية.[2]؟ . واطالة مدة الخصام .

نحن إذا أمام معادلة غير متوازنة "تمس" بروح القوانين بعمق.

3- يقدم تبرير" حل" فرعي– يدخل في باب "رب عذرا أقبح من ذنب" – وهو"المساعدة القضائية" كحل لمن لا يستطيع إلى ذلك سبيلا : " فيتم التحقيق في مصادر المغبون المالية ويستخرج وثيقة " شهادة " من البلدية ( كمعوز ؟ وان لم يكن كذلك ؟). وحتى هذه قد يرفض رئيس البلدية استخراجها؟ لأنه معهم في نزاع . وحتى بعد الموافقة يقوم نقيب المحامين بتحديد المحامي الذي يريد ( وقد يكون متربص أو صهره ...لعدم وجود أي معايير لذلك. كأن يقوم النقيب شخصيا بالدفاع عنهم مثلا ويبذل نفس الجهد ) . لنعود الى نفس النقطة الأولى :" ليس لأنك لا تعرف مصلحتك او جاهل في القانون " وبالنتيجة وجوبية المحامي في الحقيقة لم تقرر لمصلحتك ( كما يقتضي ذلك الدستور) ؟ وإنما " ولو عمليا " الوجوبية تصب في فائدة المحامي أساسا. وأكثر من ذلك لا رقابة قبلية ولا بعدية على المحامي وقد يشترط عليك أموال خيالية دون ذكرها في وصل ؟ بل قد يخطئ ( إن لم نقل شيئا آخر ) والمواطن المغبون هو من يدفع الثمن ؟

من حيث مبدأ " الغنم بالغرم " المخترق ؟ : هل لو اخطأ المحامي ( الذي فرض فرضا) يتم تعويض المتضرر ؟ لا للأسف. ولو تم الزج بالمظلوم في السجن , بسبب خطأ المحامي البحت ؟

من خلال استقراء الملاحظات يجب التأكيد على أن: " الغاية من هذا الدفع بعدم الدستورية ليس طلب تعويض وإنما الوصول إلى غاية مقدسة لسمو القوانين والسلطات الثلاث أولى بالتنقيح وليسوا بالتأكيد أطراف في القضية والمحكمة الدستورية ليست (محكمة عادية؟) قضائية انها محكمة دستورية تنظر في دستورية القوانين (أي مطابقتها للدستور). وهو مسعى الجميع، وعليه السلطات الثلاث ليسوا خصوما في القضية، فتكون الملاحظات على شكل مذكرات جوابية. انما بسعي الجميع نصل الى قانون عام مجرد. ولا منتصر فيها الا القانون. الدفع مبني على وقائع حقيقية وليس خيال او افتراض؟ وحجم التعارض والمخالفة لكل مواد الدستور المتعلقة بالمساواة والحقوق والحريات البسيطة جدا للموظف والاستغلال الفاحش للمسئولين والمحامين دون رقيب او حسيب. تعريف المصطلحات والقواعد القانونية محدد بدقة ولم يترك مجال لأي تفسير يمس به. وتعريفه عالمي كقرينة البراءة المساواة ...وجه الدفع المثار هو ان هذا الحكم التشريعي يتعارض ويناقض ويمس بحق جوهري للإنسان المواطن والموظف (المتهم) بأنه بريء حتى تثبت جهة قضائية مختصة إدانته، وتعتبر قرينة البراءة من مقومات المحاكمة العادلة وهو المبدأ القانوني الذي يعتبر الشخص بريء ما لم تثبت إدانته (الأصل في الأشياء الإباحة). يُعتبر افتراض البراءة حقًا قانونيًا، وهو حق إنساني دولي بموجب إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان، المادة 11 التي تنص على ما يلي: "لكل شخص متهم بجريمة أن يكون بريئًا حتى تثبت إدانته وفقًا للقانون في محاكمة علنية يتمتع فيها بكل الضمانات اللازمة للدفاع ". كما انه يمس بمبدأ دستوري مهم هو الفصل بين السلطات. فالتوقيف التحفظي بمفهوم هذه المادة 174 هو عمليا عقوبة. سلطت بناء على متابعة (قضائية) فالإدارة قامت مقام القاضي وحكمت قبل صدور الحكم. تداخل مع مبدأ البراءة بحكم يشكل خطورة بالغة على المركز القانوني للموظف وحرمانه من حقوقه الأساسية الماسة بوضعيته الإدارية والمالية والمجتمعية وهنا يخلق التعسف والخروج عن مبدأ المشروعية.

حيث ان الغاية الأساسية من توقيف الموظف العمومي هي مصلحة التحقيق قصد عدم تأثير على حسن سير التحقيق من خلال إرهاب الموظفين الذين قد يتم معهم التحقيق أو عن طريق إخفاء الوثائق والمستندات التي من شأنها المساعدة في الوصول إلى الحقيقة. تعتبر السلطة القضائية الضامن الأول للحقوق والحريات لذلك يتم اللجوء اليها قصد حماية الحقوق والحريات العامة ولهذا كان معظم التشريعات العالمية مع هذا الطرح ان تكون عقوبة " تبعية " بعد الحكم البات بالإدانة؟ وهكذا وسع مجلس الدولة الفرنسي من مجال الرقابة على قرارات التوقيف التحفظي اذ اصبحت تمتد الى رقابة الملائمة عن طريق التأكد من اذا ما كانت الوقائع المنسوبة للموظف تستلزم ابعاد الموظف عن عمله وتفعيل إجراء التوقيف، قرار مجلس الدولة الصادر في 22/09/1993.قرار الغرفة 08 بالمحكمة الادارية بمرسيليا رقم MA 0335514 الصادر في 10 نوفمبر 2015 .وفي مصر ( المادة 63 من قانون الخدمة المدنية 2016 ) لكل من السلطة المختصة ورئيس هيئة النيابة الإدارية بحسب الأحوال أن يوقف الموظف عن عمله احتياطيا . إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه لمدة لا تزيد 03 اشهر (القانون رقم 81 لسنة 2016. خدمة مدنية ج.ر. عدد 43 مكرر صادرة بتاريخ 01 نوفمبر 2016 ). والمتابعة قد تكون حتى بسبب مخالفة مرورية او تصوير ...

والحل أن لا نترك امرا خطيرا كهذا ( توقيف موظف محترم معيل لأسرة عن العمل فقط لأنه متابع جزائيا ولم تثبت بعد ادانته ؟ ولم يحاكم اصلا فضل على ان يحصل على محاكمة عادلة ام لا ؟ ...واخر مدان وربما في السجن وبسبب نهب مال عام ورشوة ولا يوقف؟ تناقض هذا ام مساواة؟)

2/ القرار 01-25 الصادر بتاريخ : 26-10-2022 ودستورية مواد التمثيل بمحامي  

حيث انه بتاريخ : 07-01-2025     أصدرت المحكمة الدستورية الجزائرية قرارها رقم 01 لعام 2025، قضى بدستورية المواد 10 و558 و559 و567 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المعدّل والمتمم. تم نشر القرار في الجريدة الرسمية العدد 05 المؤرخ في 26 جانفي 2025 (1) [3] ( قرار رقم 01 / ق.م.د / دع د / 25 ، يتعلق بالدفع بعدم دستورية المواد 10 و 558 و 559 و 567 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المعدل والمتمم ) ، بحجة انتهاكها للحقوق والحريات التي يكفلها الدستـور والمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة التي صادقت عليها الجزائر، وذلك بمناسبة الطعن بالنقض المرفوع أمام المحكمة العليا ضد قرار صادر عن الغرفة العقارية بمجلس قضاء الجلفة. وحيث أن مثير الدفع قدم طلبا لرد أعضاء المحكمة الدستورية بتاريخ 11 ديسمبر سنة 2024 استنادا إلى المادة 25 من النظام المحدد لقواعد عمل المحكمة الدستورية، في حين كان يتعين الاستناد لنص المادة 26 من نفس النظام ،حيث أن طلب الرد ورد خاليا من الإشارة لاسم عضو المحكمة الدستورية المعني بالرد، مما يجعله مخالفا لأحكام المادة 26 من النظام المحدد لقواعد عمل المحكمة الدستورية وبالنتيجة يتعين رفضه ، حيث أن الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين أودع مذكرة تدخل في الخصام بتاريخ أول ديسمبر سنة 2024 بواسطة رئيسه، وتم قبولها لورودها ضمن الشروط والأوضاع المقررة قانونا، لا سيما وأنه أثبت مصلحته في الخصومة. ( الرجل يشارع في الدولة ؟ والمحامين معاهم )

من حيث الموضوع :

– حيث أن المدعي يزعم من خلال دفعه عدم دستورية المواد 10 و 558 و 559 و 567 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المعدل والمتمم، والتي تنص في مجملها على وجوبية تمثيل المتقاضي بمحام أمام جهات الاستئناف والنقض، مدعيا أنها تمس بحقوقه في التقاضي وكذا اللجوء إلى العدالة والمساواة أمامها والمحاكمة العادلة والحماية من التعسف والحماية من العنف النفسي والمعنوي والمادي ومؤسسات تضمن الحريات الأساسية والعدالة، الدفاع والتعبير، لاسيما و أن الدستور كفلها بموجب المواد 9 و 37 و 39 (الفقرة 2) و 165 (الفقرتان الأولى و 2) و 171 و 177 و 179 ( الفقرة الأولى)، ناهيك عن المعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة التي صادقت عليها الجزائر، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والميثاق العربي لحقوق الإنسان،

– حيث أن المدعي في الدفع أسس دفعه بعدم دستورية المواد المذكورة أعلاه، لنصها على وجوبية تمثيل المتقاضي بمحام أمام جهات الاستئناف و النقض، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهو ما يتعارض مع نص المادة 177 من الدستور التي نصت على إمكانية الاستعانة بمحام، بما يفيد إمكانية التخلي عليه في حالة القدرة والكفاءة على الدفاع، مضيفا أن المادة 360 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تجيز للمحكمة العليا أن تثير من تلقاء نفسها وجها أو عدة أوجه للطعن، باعتبارها محكمة قانون وفقا للمادة 179 من الدستور، ومن ثمة فإن المحامي لا ضرورة لـه طــالـمـا أن قضاة الطعن بالنقض يستطيعون إثارة أوجه الطعن المنصوص عليها في المادة 500 من قانون الإجراءات الجزائية، وكذلك أوجه الطعن المنصوص عليها في المادة 358 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، وكذا طلب أي وثيقة لازمة طبقا للمادة 570 (الفقرة 2) منه

– حيث أن المحكمة العليا أحالت ملف الدفع بعدم دستورية الأحكام التشريعية، المذكورة أعلاه، على المحكمة الدستورية بعد أن تبين لها جدية الدفع، لا سيما وأنه ارتأى لها أن الأحكام التشريعية موضوع الدفع تتعارض مع نص المادتين 165 (الفقرة 2 ) و 177 من الدستور

– حيث أن المدعي في الدفع يزعم من خلال ملاحظاته المكتوبة ردا على السلطات المعنية والمتدخل في الدفع، أن ردودهم افتقرت إلى الجدية المطلوبة في معالجة الموضوع بشكل شامل وموضوعي، وهو ما يتضح من الاقتصار على رؤية القضية من زاوية المصالح والاختصاص فقط، دون التطرق لجميع المواد المدفوع بعدم دستوريتها، وأن الحكومة تعاملت مع الموضوع من منظورها التنفيذي كونها الجهة التي تبادر بالقوانين، أما الـبـر لـمـان بـغـرفـتـيـه فـقـد تناول المسألة من منظور سلطة تشريعية، في حين أن الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين ركز على الدفاع عن مصالح مهنة المحاماة ، بدلا من التركيز على حماية الحقوق الدستورية للأفراد، إضافة إلى ذلك، فإنه لم تتم مناقشة جميع المواد المدفوع بعدم دستوريتها، ما جعل حسبه، ملاحظاتهم غير مكتملة.

– حيث أن المحكمة الدستورية سبق لها بموجب قرارها رقم 30 /ق. م.د / د ع د/ 22 المؤرخ في أول ربيع الثاني عام 1444 الموافق 26 أكتوبر سنة 2022 والمتعلق بالدفع بعدم دستورية المواد 815 و 826 و 904 و 905 و 906 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية المعدل والمتمم، أن قضت بدستورية وجوبية التمثيل بمحام أمام مجلس الدولة، وذلك لخصوصية المنازعة الإدارية، وما تفرضه من دور مميز لهيئة الدفاع في إثارة جوانب قانونية ذات صلة بموضوع النزاع، وما تخوله من دور تأسيسي وإبداعي للقاضي الإداري، كونه هو المؤسس أحيانا للقاعدة التي تحكم النزاع

– حيث أن المحكمة الدستورية وبموجب قرارها المذكور أعلاه، أكدت أن نص المشرع على وجوبية التمثيل بمحام في مرحلة الاستئناف والنقض لا يحول دون إمكانية اللجوء إلى حالة ما إذا كانت الحالة المالية للمتقاضين القضاء ووضعيتهم الاجتماعية لا تسمحان بذلك ما دام الدستور قد مكنهم من الحق في المساعدة القضائية بموجب المادة 42 منه، ضمانا لمبدأ “القضاء” متاح للجميع ” المنصوص عليه في المادة 165 (الفقرة 2) من الدستور.

– حيث أن المحكمة الدستورية توصلت في قرارها المذكور أعلاه إلى أن وجوبية التمثيل بمحام لا يـمـس الـبتـة بالحقوق الأساسية وبالحريات العامة للمواطنين، وتحديدا ضمان المساواة بينهم في الحقوق والحريات وأمام القانون والقضاء وفي الحماية المتساوية وعدم التمييز بينهم، وفي جعل القضاء متاحاً لهم جميعاً

– حيث أن الحق في التقاضي ضمنه المؤسس الدستوري للمتقاضي، لكن ترك للمشرع تحديد إجراءاته أمام الجهات القضائية، والتي من بينها وجوبية التمثيل بمحام في بعض مراحل التقاضي، خاصة على مستوى جهات الاستئناف والنقض، على اعتبار أن البرلمان هو المختص بممارسة السلطة التشريعية، وله السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه وفقا للمادة 114 من الدستور، وأن القواعد العامة للإجراءات الجزائية والإجراءات المدنية والإدارية تدخل ضمن الميادين التي يشرع فيها البرلمان طبقا لأحكام المادة 139 (المطتين 7و 8) من الدستور

– حيث أن دور المحامي هو تبليغ طلبات المتقاضي بطريقة قانونية أمام جهات القضاء عند فصلها في المنازعات المعروضة عليها، خاصة أمام المحكمة العليا التي تعتبر محكمة قانون وحتى في حالة عدم قدرة المتقاضي على توكيل محام، فقد ضمن له الدستور الحق في المساعدة القضائية بموجب المادة 42 من الدستور المذكورة أعلاه،

– حيث أن المشرع جعل من واجبات المحامي بموجب المادتين 10 و 11 من القانون المتضمن تنظيم مهنة المحاماة الالتزام بمساعدة المتقاضي المستفيد من المساعدة القضائية، وضمان الدفاع عن مصالح أي متقاض أمام أي جهة قضائية في حالة تعيينه تلقائيا بعوض أو بدونه حيث أن المشرع لم يجعل مبدأ وجوبية التمثيل بمحام مطلقا، بل فرضها أمام بعض الجهات القضائية، وفي بعض مراحل التقاضي كالاستئناف والنقض، كما استثنى بعض القضايا منها، كقضايا الأسرة والعمال، كما أعفى بعض الأشخاص المعنوية، منها كالدولة والولاية والبلدية والـمـؤسـســـات العمومية ذات الصبغة الإدارية، وفقا لنص المواد 10 و 558 و 559 و 567 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المذكورة أعلاه ؟

– حيث أن المادة 177 من الدستور التي تكفل حق التقاضي وتضمن للمتقاضي إمكانية الاستعانة بمحـام خلال كل الإجراءات القضائية، تضمنت قاعدة عامة تجسد حق التقاضي وتتيح إمكانية الاستعانة بمحام، في حين أن المواد المدفوع بعدم دستوريتها المذكورة أعلاه، تعتبر قواعد خاصة تنطبق على الإجراءات المقررة في مراحل محددة من التقاضي، وهي مرحلنا الاستئناف والنقض لخصوصيتهما التي تتطلب وجوبية التمثيل بمحامٍ.

– حيث أن فرض المشرع لوجوبية التمثيل بمحام في النظام القضائي العادي في مرحلتي الاستئناف والنقض، وما يتطلبه ذلك من خبرة وتحكم في الإجراءات ومختلف التقنيــات والمعارف القانونية، لا يمس بمبــدأ المساواة بين المتقاضين ؟ بل بالعكس يكرسه ؟؟ ، إذ أن تحقيق المساواة بين المتقاضين أمام القضاء يستدعي تحقيق التوازن وتكافؤ الفرص بينهم ، وذلك من خلال تمكينهم من الاستفادة من وسائل دفاع متوازنة ، وعلى رأسها التمثيل بمحامٍ.

لهذه الأسباب قررت المحكمة الدستورية ما يأتي :

أولا : التصريح بدستورية المواد 10 و 558 و 559 و 567 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صـفـر عـام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية المعدل والمتمم...... بهذا تداولت المحكمة الدستورية في جلستها المنعقدة بتاريخ 7 رجب عام 1446 الموافق 7 جانفي سنة 2025.

وتقديرا” للرقابة السياسية والرقابة القضائية على دستورية القوانين يمكن القول ان :

الفعالية هي اهم ما يمكن التركيز عليه بهذا الخصوص والمشكل بالأساس ليس في اصدار القوانين بل في تطبيقها واحترامها واليات ذلك على مستوى الدولة والفرد. وإذ نثمن عاليا خلق مؤسسة المحكمة الدستورية حامية للدستور نتمنى بصدق تثمين كل الدراسات والانتقادات المقدمة لها

وفي الخـــــــــــــــــــــتام يجدر بنا ان نذكر تلك الآمال الكبيرة جدا التي علقت على إقرار الدستور لآلية الدفع بعدم الدستورية، حيث كانت معاناة كبيرة خصوصا في المحاكم التي لا يصل اليها أصلا الا من كان مضطرا واساسا هو في حالة ضعف وقلق. فيزداد ضعفه وقلقه وعذابه بالممارسات اليومية وفي قلب قصر العدالة حيث يعامل من القضاة والموظفين كدرجة ثانية وفرع وتيمم، واصله المحامي وهو الماء؟ ويزدرى ويفترض فيه عدم الفهم ويمنع من أدني حقوقه الدستورية في التقاضي ولو كان أستاذا متخصصا في القانون ودرس عنده المحامي والقاضي كلاهما. وقد يفتشه الحارس ويمنعه كاتب الضبط او ينصحه:" ان اذا اردت الحصول على حقوقك فما عليك الا بنقيب المحامين .."، والممنوع سيد الموقف فتمنع مثلا من تصوير الملف دون نص قانوني؟ بل قد تقلب الآية فتطالب بنص يبيح لك تصوير الملف ؟ رغم ان الأصل في الأشياء الاباحة وانه لو اننا استخرجنا قوانين لما هو حق للمواطن لما وسعتنا المحيطات حبرا والأشجار اقلاما.

وكانت معاناة شديدة للمواطن والموظف في التشريع بالهوى والتقاليد والأعراف البالية والانتقامية حيث قد يطلب منك موظف بالبلدية (كان مرشحا مع رئيس البلدية) هكذا " بالنفحة" في الشهود ان يكونوا كبار السن فوق 60 سنة، وهو يتلذذ بتخبطك امامه وذكرى أعصاب واوتار ومن روح القوانين الى روح الملح، وكذلك التشريع بتعليمات من المديرية العامة للوظيفة العمومية والتي تناقض مبدأ تدرج القوانين .

إن حق الفرد في الطعن بعدم الدستورية يعد أحد الركائز التي تقوم عليها ضمانات حقوق الإنسان. سواء في الرقابة القضائية او الرقابة السياسية ، لان الأساس الحقيقي هو الفعالية . وربي يجيب الخير

 

[1] - https://cour-constitutionnelle.dz/portail/wp-content/uploads/2023/11/30_2022ar.pdf    

[2]- نص المادة 496 من قانون الإجراءات الجزائية، المعدل والمتمم : " لا يجوز الطعن بالنقض في: قرارات المجالس القضائية بالبراءة " .

 

[3] - https://cour-constitutionnelle.dz/wp-content/uploads/2025/01/Dec_01_EI.pdf         

وسوم: العدد 1115