من جامعة الدول العربية إلى جامعة شعوب الأمة

احتلال بلاد المشرق العربي بات خطراً مخيفاً ماثلاً. ما العمل؟ إنه سؤال الساعة بلا مبالغة. من لديه شك، فليقرأ تصريحات (وهي في الواقع مخططات قيد التنفيذ) لبنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، وهذه عيّنات منها:

قال نتنياهو في حفل تخريج دورة ضباط عسكريين في 24 فبراير الماضي، إن القوات الإسرائيلية ستبقى في المواقع الاستراتيجية، التي احتلتها في لبنان وسوريا، ولن تسمح للنظام الجديد في دمشق بنشر قوات في جنوب سوريا، وتحرص على نزع كامل للسلاح في هذه المنطقة. وأضاف أن القوات الإسرائيلية ستبقى في جبل الشيخ وفي المنطقة العازلة من دون تحديد مهلة زمنية لبقائها، من أجل الدفاع عن المستوطنات الإسرائيلية والتصدي لأي تهديد. وأشار نتنياهو في تصريح لاحق إلى اتجاه «إسرائيل» للسيطرة أيضاً على «ممر داود» التلمودي، الذي يمتد من جنوب سوريا إلى شمالها وصولاً إلى مناطق في العراق وتركيا. وشدّدت مصادر سياسية رفيعة، وفق معطيات «مركز القدس للشؤون الخارجية والأمن» ـ مقال للمحلل العسكري يوني بن مناحيم في 2025/3/4 مستند إلى معطيات المركز المذكور ـ على أن «إسرائيل» تعيد رسم حدودها مع سوريا ولبنان، والمقصود تغيير استراتيجي في السياسة الأمنية الإسرائيلية، خصوصاً إزاء الدول العربية التي لم توقع اتفاقات صلح معها، وأنها تستعد لمنع أيّ خطر يهدد مصالحها الأمنية بعد تدخل تركيا في المنطقة، واتضاح نيتها في السيطرة على سوريا.

شدّدت مصادر سياسية رفيعة على أن «إسرائيل» تعيد رسم حدودها مع سوريا ولبنان، والمقصود تغيير استراتيجي في سياستها الأمنية، خصوصاً إزاء الدول العربية التي لم توقع اتفاقات صلح معها

أما ترامب الذي يصعب على المراقبين التنبؤ بأطواره وتصرفاته، فقد صرّح، بعد ثبوت إرساله موفدين إلى قطر للاجتماع إلى أحد قياديي حركة حماس، بأن على الحركة «الإفراج عن جميع الأسرى المحتجزين لديها (بينهم أمريكيون قاتلوا في صفوف الجيش الإسرائيلي) أو مواجهة الجحيم»، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى التصريح بدوره بأنه «ما دامت السعودية تعارض تهجير سكان قطاع غزة، فلتنشئ لهم وطناً في ديارها».

كل هذه الواقعات والمعطيات حدثت قبل مؤتمر قمة القاهرة، مع ذلك، لم تصدر عن القمة المذكورة أية قرارات أو تدابير تنطوي على مواجهة جدّية لما تعتزم «إسرائيل» القيام به من احتلالات وتوسّع وإعادة رسم حدودها مع لبنان وسوريا والعراق، فما العمل؟ لا أعتقد، وغيري كثر، أن أطراف النظام الرسمي العربي عازمون أو قادرون على مواجهة أطماع «إسرائيل» المدعومة دائماً من الولايات المتحدة الأمريكية. لذا سأحاول، بجدّية وأناة، أن أبحث في ما يستطيع وفي ما لا يستطيع أعضاء جامعة الدول العربية أن يقوموا به حيال الخطر الصهيوأمريكي الماثل، وما يتوجّب على القوى النهضوية العربية القيام به في مواجهة هذا الخطر المحدق.

وبما أن قمة القاهرة أعلنت عمّا تبتغي، أو تستطيع دولها القيام به حيال التحدّيات والمخاطر القائمة والماثلة للعدو الصهيوأمريكي، فلنبدأ إذن بتحديد ما يتوجّب على القوى النهضوية العربية أن تفعله في هذا المجال:

أولاً : يقتضي أن تنطلق القوى النهضوية العربية من مسلّمة واضحة مفادها، عجز النظام الرسمي العربي في وضعه الراهن عن مواجهة التحدّيات والمخاطر المتتالية للعدو الصهيوأمريكي في شتى الميادين. وإذ تؤكد القوى النهضوية العربية عجز هذا النظام فهي لا ترمي إلى تجاوزه بالمطلق، بل ترى ضرورة الالتزام بمهمة بالغة الإلحاح في هذه المرحلة هي، أنها تعتبر نفسها المسؤولة بالدرجة الأولى، خصوصاً قوى المقاومة في صفوفها، عن مواجهة التحدّيات والمخاطر الماثلة وتداعياتها، وإنها تتقبّل ما يمكن وما تستطيع أن تقدّمه أطراف النظام الرسمي العربي من مواقف وإسهامات سياسية ومشاركات مادية وعسكرية مجزية في كل مجال من مجالات المواجهة.

ثانياً: ضرورة مبادرة القوى النهضوية بلا إبطاء في كل بلاد العرب، خصوصاً في المشرق العربي، إلى إجراء نقد ذاتي معمّق لتجاربها التنظيمية والنضالية والسياسية والخلوص إلى توصيات جدّية واضحة في هذا المجال.

ثالثاً : قيام لجنة المتابعة في المؤتمر العربي العام بمبادرة، كسباً للوقت والفعل، ترمي إلى التوافق على تأليف لجنة تحضيرية للإشراف على عمليات النقد الذاتي وتسريع الخلوص منها إلى التوصيات المرتجاة، قوامها أعضاء مقتدرون من مكوّنات المؤتمر العربي العام وغيره من قوى المقاومة والنهضة في عالم العرب، على أن تنهي مهامها في مدة لا تزيد عن ستة أشهر من تاريخ مباشرتها العمل.

رابعاً: يُستحسن أن يجري توسيع اللجنة التحضيرية في المؤتمر العربي العام، لتصبح أكثر تمثيلاً للقوى النهضوية العربية وقوى المقاومة الناشطة في فلسطين المحتلة وروافدها في عالم العرب، كي تصبح أكثر اقتداراً على تنفيذ الأهداف والتوصيات الأساسية التي جرى إقرارها وأهمها إنشاء جامعة شعوب الأمة.

خامساً: بعد خلوص اللجنة التحضيرية من جمع المقترحات والتوصيات من القوى النهضوية في مختلف البلدان العربية وغربلتها والتوافق على مضامين التوصيات الأساسية المطلوبة، يجري عقد اجتماع موّسع للمؤتمر العربي العام، يُصار فيه إلى مناقشتها وإقرارها والإعلان عن التوصيات الأساسية التي جرى اعتمادها ونهج تنفيذها ومتابعتها في الميادين كافة ذات الصلة.

سادساً: يُصار لاحقاً إلى وضع نظام داخلي لـِ»جامعة شعوب الأمة» ينطوي على الأحكام المتعلقة بهيئاتها ولجانها ونهج عملها ووسائله.

سابعاً: تتعاون «جامعة شعوب الأمة» مع جميع الدول والمنظمات والتنظيمات والهيئات العربية والإسلامية والعالمية ذات الأهداف والأنشطة المشابهة لتلك المعتمدة لديها.

ثامناً: تُعلن جامعة شعوب الأمة استعدادها للتعاون مع جامعة الدول العربية وأعضائها، منفردين أو مجتمعين، في كل عملٍ وجهد يرمي إلى تحرير فلسطين وكفالة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وبناء دولته المستقلة، كما في سائر الجهود الرامية إلى وضع أطر وصيغ ومشروعات سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية متكاملة أكثر تقدماً بين شعوب الأمة ودولها الراغبة في ذلك.

تاسعاً: للمؤتمر العربي العام صلاحية تعديل وتطوير النظام الأساسي لـِ»جامعة شعوب الأمة» وفق أحكامه ذات الصلة.

عاشراً: يُصار إلى إبلاغ منظمة الأمم المتحدة وثيقة إنشاء جامعة شعوب الأمة وتُسجّل لديها.

هذا ما تستطيع وما يقتضي أن تقوم به القوى النهضوية الحيّة في الأمة، أليس كذلك؟

وسوم: العدد 1119