من برنامج «مراجعات» إلى غيره.. هل نجحت الحملة على الإخوان؟!
أشك في أن هناك عقلاً مركزياً، في أي قناة تلفزيونية تحارب الإخوان، أو في أي دولة تملك هذه القنوات، قدر وقرر فاختار خصمه، وحدد هدفه بالقضاء عليه أو اضعافه، ثم ضع خطة للمواجهة الإعلامية هي نتاج تفكير عميق، فما نشاهده هو الارتجال والعشوائية!
السلطة في مصر تحتشد منذ يونيو/حزيران 2013 من أجل هذه المواجهة، ولم تترك أداة لم تستخدمها، ومن التناول في البرامج إلى الدراما، وبتصوير الإخوان بأنهم يختبئون تحت كل حجر، انتظاراً للفرصة، وتحميل عناصرهم سبب كل المشكلات، ولا تنسى أن لديهم سجينا تهمته أنه يقف وراء انخفاض سعر الجنيه لصالح الدولار، وهو رجل الأعمال حسن مالك، ورغم تغييبه منذ سنوات طويلة، إلا أن الدولار واصل ارتفاعه الجنوني، مع انهيار لا يخفي على أحد لقيمة فقيد الأمة والمأسوف على شبابه؛ الجنيه المصري!
ولا ننسى أن هناك تنظيماً اخوانيا تم القبض عليه، منذ سنوات، يحمل اسم «تنظيم البلاعات»، مع «نوة» أغرقت شوارع محافظة الإسكندرية بمياه الأمطار، والأمر مرده إلى الفساد لعدم وجود البلاعات، وبعض هذه البلاعات غير مطابقة للمواصفات الهندسية، ومع القبض على التنظيم الإخواني إلا أن شوارع المحافظة تغرق موسمياً مع هذه «النوة»!
كان يمكن أن تنجح الدعاية، إذا كانت هناك خطة حكومية لضبط سعر الصرف، أو لعلاج ما تسبب فيه فساد المسؤولين في محافظة الإسكندرية، فيثبت الاتهام على العناصر الإخوانية، العنصر حسن مالك، والعنصر الذي سد البلاعات بيديه، لكن عدم وجود الخطة مع القبض على الجناة حول الأمر إلى مسخرة من العيار الثقيل!
نشاط الإقليم في المواجهة
في رمضان هذا العام توقفت الدراما الموجهة، فلا جزءاً جديداً من مسلسل «الاختيار»، أو غيره، وإن كان يتم بين الحين والآخر تذكيرنا بالإخوان من خلال هذا البرنامج أو ذاك، بما يوحي كما لو كان الإخوان يقفون أمام القصر الرئاسي على وشك اقتحامه، وهي رسائل موجهة ربما للداخل الذي يستعجل سقوط النظام القائم، أو للخارج الذي مل من تمويل الانقلاب وخذ من التل يختل، فيتم لفت انتباههم أن البديل هم الإخوان أكلت لحم البشر!
بيد أن المواجهة المكثفة صارت اختصاصاً للإقليم، ومن قنوات بعينها مثل قناة «العربية»، التي خصصت برنامجا من بابه لذلك، هو برنامج «مراجعات»، بجانب حلقات في برامج أخرى، فضلا عن قنوات وبرامج تتبع الإقليم يعد ذكر اسمها اعلاناً لها غير مدفوع الأجر!
ضياء رشوان مقدم برنامج «مراجعات»، يحاول أن يكون جاداً في التناول، وبرامج القنوات المتواضعة تمارس سياسة كيد النساء، لأن من يتولون تقديمها في مرحلة اثبات ولاء مشكوك فيه، فيبالغون في الهجاء، ولو تغيرت الظروف لعادوا إلى ما نهوا عنه، هي فقط فرصة عمل، عندما أتيحت لهم في قنوات الأعداء أبهرونا بالقدرة العجيبة على نفاق أصحابها، وفي «وصلة» من وصلات أحدهم، اتصلت بصديق مشترك، وقلت له لماذا لا يتوقف صديقه عن ابتذال نفسه، وفاجأني هذا الصديق، بأن الأمر لفت انتباهه أيضاً فسأله: لماذا تمثل بجثتك على هذا النحو؟!
رشوان في الأخير يختلف عن «الوافدين الجدد» على المشهد، فقد كان يشرف على تقرير «الحالة الدينية» عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وكان مقرباً من الإخوان وقريباً منهم، وفي الانتخابات على منصب نقيب الصحافيين قبل الثورة، كانت أصواتهم له، وكان ينقل عنه لتأكيد هذا القرب، ولإثبات مصداقية معلوماته: إنه عضو في مكتب الإرشاد!
لكنه لم يعد قريباً، ليس فقط بعد الثورة، وبعد الانقلاب، ففي مرحلة قبل الثورة حصلت تطورات داخل الإخوان، كان من تجلياتها هيمنة خيرت الشاطر على الجماعة، وكان ضياء محسوباً على نجوم جيل السبعينات، أو البعث الثاني للجماعة، عبد المنعم أبو الفتوح، وعصام العريان، ومحمد حبيب، ومختار نوح، ولم يكن هذا الجيل هو صاحب عقدة الأمر في الجماعة، لكنه يخضع لرعاية الجيل القديم الذي يديرها، وكان يطلق عليهم من التنظيمين «جماعة مأمون الهضيبي»! ربما هذا القرب القديم، وربما الاستعانة بالأصدقاء في الأجهزة الأمنية، مكن برنامج «مراجعات» من الاستمرار، فلم يعتمد فقط على النجوم من المنشقين، ولكن شاهدنا حلقات مع اخوان متقاعدين هم شخصيات غير معروفة، والأولون لم يعد لديهم جديداً يقولونه، فقد تم استنزافهم تماماً في مرحلة كان يخرج الواحد منهم من قناة لقناة، ومن أستوديو لأستوديو، وإن كان منهم من يضبط ايقاعه على الحدث، فإن ظهرت داعش أعلن أنه يعلم باتصالات بين الإخوان وأبو بكر البغدادي، وإن كان الهدف إيران قال إن كثيراً من الإخوان قد تشيع، وإن كانت المواجهة مع الشرع، قال إنه كان شاهداً على بيعته للمرشد العام! والنموذج المثالي على الحالة الأخيرة، هو ثروت الخرباوي، الذي يتجدد مع الحدث، ويضبط ايقاعه مع المرحلة!
البحث عن الخلاص الفردي: ماذا عن الفكرة؟
«مراجعات» مع استقباله لشخصيات غير معروفة، لا يكون متأكداً من أنهم تابو وأنابوا بالفعل، أم يبحثون عن الخلاص الفردي، من مفرمة الاستدعاءات الأمنية، والاعتقالات المتكررة، والحالة في مجملها خلاف مع أشخاص في الجماعة، هم في المستوى الأدنى من حيث التنظيم، أو دون ذلك، فماذا عن الفكرة نفسها؟!
لدى الأجهزة الأمنية صاحبة الاختصاص قاعدة أنه لا يوجد اخواني سابق، انما يوجد اخواني أكثر انتهازية، أو اخواني ترك الجماعة أو تركته لانكشافه، أو بحثاً عن الخلاص، وفي زمن هذه الأجهزة، لم يكن هؤلاء ضمن أي حسابات للمواجهة، فلما دخلت على الخط أجهزة أخرى، بل ودول الإقليم، تم استخدام هؤلاء عن جهل، وبرعوا هم في تجاوز ماضيهم، حتى تظن أنهم أبناء الدولة المدنية الحديثة، ولا تهتم اللجان الإلكترونية للإخوان بهؤلاء على أي مستوى، فلسوابقهم فلن يكونوا مؤثرين ولن تنال دعايتهم من «الصف»!
ما هي القيمة الدفترية لشخص طردته الجماعة، لأنه سرب أوراقاً قبل موعد نشرها، ليظهر على الشاشات وكأنه لم يكن اخوانياً في يوم من الأيام؟!
وما قيمة مختار نوح في المواجهة، عندما يقدم نفسه كما لو كان الدكتور رفعت السعيد، ومشكلته في البدء والانتهاء تنظيمية، وكان في ممارساته في مرحلة التمكين، عنواناً لعيوب الجماعة، والهيمنة على نقابة المحامين الأمر الذي ترتب عليه سنوات طويلة من تأميم هذه النقابات وفرض الحراسة عليها، فالآن وقد كان رمزاً للصورة السلبية للإخوان؟! أتفهم مسألة تطور أفكار المرء وتغير انحيازاته، لكن على ألا تكون هذه من ضمن حسابات مرتبطة بالمصلحة الخاصة، ثم لا يعيش الدور كما لو كان الشيخ علي عبد الرازق، أو سعيد العشماوي، ألم يكن مختار نوح يعنون مذكراته القانونية كمحام بعبارة «لا حكم إلا لله»؟! ألم يرفع هذا الشعار في مواجهة منصة القضاء الجالس عليها المستشار العشماوي، والرجل له موقف من تأويلاتها أورده في بعض كتبه، ورد عليه من فوق المنصة على النحو الذي ذكره، ولم يوقف هذا الجدل، إلا رؤية هيئة الدفاع تغليب «المصلحة العامة» على «مصلحة مختار في حب الظهور»، فانبروا لوقف الجدل، اعتصاماً بعدالة القاضي النزيه، وهو ينظر قضية عشرات المعتقلين الإسلاميين وقد أفرج عنهم جميعاً!
الطعن في حسن البنا
بعد الانقلاب العسكري، كان هناك رأي داخل النظام الجديد بتقليد الحالة الأردنية، وبإنشاء جماعة اخوانية موالية للسلطة، تقول إن الآخرين خرجوا على أفكار حسن البنا، بقيادة كمال الهلباوي، ومختار نوح، وثروت الخرباوي، وآخرين، ويبدو أن عقلاً لم ترهقه الأحداث هو من أقنع السلطة بالعدول عن هذه الفكرة، وضررها أكبر من نفعها، واللافت هو الاندفاع من كثيرين بعد أن فرغوا من الحالة الراهنة للنيل من حسن البنا نفسه، وهو تصرف لم يحدث في أي مرحلة من مراحل المواجهة منذ دولة العسكر الأولى، وأحد برامج الهواة، وليس برنامج «مراجعات»، ينال من شخص البنا، وهو أمر من شأنه أن يخسرهم المعركة قبل أن تبدأ، فالدعاية الصحيحة أن الجماعة الحالية خرجت على أفكار البنا، ولم تعد تعبر عنه، لكن هل تصلح الدعاية في عمومها في مواجهة الإخوان؟!
في المواجهات القديمة، ومنذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كان الإعلام بيد السلطة، ولم تقصر في استخدام المواجهة الإعلامية ضد الإخوان، من إذاعة الاعترافات، إلى التشهير والتشويه، إلى استدعاء علماء دين في المواجهة، وماذا كانت النتيجة؟ بعد سنوات على ذلك، تحول الإخوان إلى الرقم الوحيد في الحياة السياسية المصرية. وبالمناسبة لماذا لا تعرض قناة «ماسبيرو زمان»، لمقابلات حمدي قنديل مع المعتقلين الإخوان في عهد عبد الناصر، والتي اعتذر عنها، ومن باب التذكير بهذه المواجهة؟! أزمة الضيوف الجدد لبرنامج «مراجعات» أنهم كانوا في مستويات أدنى تنظيمياً، فلم يكن لهم في العير ولا في النفير، في جماعة تقوم على التسلسل التنظيمي وعلى السمع والطاعة، ورأينا كيف لقرار خطير كالترشح للانتخابات الرئاسية يتم الحصول على الموافقة عليه بالإيحاء حيث أوحى بذلك المهندس خيرت الشاطر، فرج الله كربه!
والسؤال بعيداً عن البرامج ومقدميها، والقنوات والقائمين عليها، هل تعتقد الدول المالكة لهذه القنوات فعلاً النجاح في تحييد الإخوان بهذه المعالجة، أم أن الهدف هو المكايدة؟!
وسوم: العدد 1120