الأخطار التي تهدد سوريا داخليا وخارجيا

«عليك يا سوريا السلام ونعم البلد هذا للعدو» قالها هرقل وهو يغادر سوريا بعد هزيمته النكراء أمام جيش المسلمين الذي انتصر على الروم في معركة اليرموك في العام 636 م.

وبقيت سوريا نعم البلد لكل الأعداء الذين حاولوا غزوها، لأنها كانت دائما الأرض التي تطلعت كل القوى بالسيطرة عليها لخيراتها، وموقعها الذي يضم مقدسات الأديان التوحيدية، ولكونها بلدا حضاريا وذا ثقافات متعددة، ومكونات اجتماعية مختلفة. فهي عرفت الفرس، والرومان، واليونانيين، والعرب، والبيزنطيين، والصليبيين، والمغول، والتتار، والمماليك، والعثمانيين، والفرنسيين، ولكن اليوم وبعد تقطيع أوصالها وسلخ فلسطين، ولبنان، والأردن منها تقع فريسة قوى متعددة تبحث جميعها السيطرة عليها، أو احتلال أراضيها، أو تجزئتها. والأخطار التي تتهدد سوريا اليوم تأتي من الداخل أيضا وربما كانت أشد خطرا من الخارج.

تتمثل الأخطار الداخلية بمجموعة عوامل تجعل الوضع الداخلي السوري على صفيح ساخن، خاصة وأن النظام المخلوع خلف وراءه مجموعة كبيرة من الألغام الاجتماعية، والطائفية، والعرقية القابلة للانفجار، وزج البلاد في أتون حرب أهلية. فهناك مجموعة كبيرة من فلول النظام لا تزال تمتلك الأسلحة وتقوم بهجمات ضد قوات الأمن للنظام الحالي، عدا عن مجموعات كانت تعمل لصالح النظام ويستخدمها في تنفيذ أعمال مختلفة من قتل، وتهريب أسلحة ومخدرات، وترهيب الناس، كميليشيا محسن الهيمد التي واجهت قوات حفظ الأمن في مدينة الصنمين في منطقة حوران. كما أن هناك اللواء الخامس بقيادة أحمد العودة في نفس المنطقة الذي دخل في مفاوضات مع الحكومة الحالية، وهناك بعض فلول النظام في منطقة الساحل التي تقوم بهجمات متكررة على قوات حفظ الأمن، وهناك من يطالب بالانفصال عن الدولة الأم، وفي منطقة دير الزور التي تضم أيضا بعض الجماعات المسلحة التي ترفض تسليم اسلحتها وتهاجم قوات الأمن. لكن الخطر الأكبر يكمن في منطقة جبل العرب في الجنوب، وفي منطقة شرق الفرات في الشمال، في الجنوب في منطقة جبل العرب تسعى إسرائيل لفصله عن سلطة دمشق عبر ضخ أموال ( وعدت بضخ مليار دولار لتحسين أوضاع المنطقة ككل) من ناحية، والسماح للسكان بالعمل في إسرائيل مقابل أن يقوم الدروز بالمطالبة بحكم فيدرالي وحكم ذاتي، وقد قام رئيس وزراء دولة الاحتلال بتهديد السلطة الحالية وحذرها من إرسال قوات إلى الجنوب، وقد قامت مجموعة من الضباط بتشكيل مجلس عسكري برئاسة طارق الشوفي لحماية جبل العرب، وقد شهدت مدينة جرمانا ذات الأكثرية الدرزية مواجهات مسلحة مع قوات الأمن أسفرت عن قتلى وجرحى.

النظام المخلوع خلف وراءه مجموعة كبيرة من الألغام الاجتماعية، والطائفية، والعرقية القابلة للانفجار، وزج البلاد في أتون حرب أهلية

لم تتقبل فلول النظام من عساكر وضباط المنتمين معظمهم للطائفة العلوية الهزيمة التي منيت بها في أقل من أسبوع بسقوط نظام استمر زهاء نصف قرن ونيف بني على الطائفية، ودولة المخابرات، والفساد، والمحسوبيات، والاغتيالات السياسية، والمجازر الجماعية، واضطهاد الأكثرية السنية واستخدام كل الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيميائية لقتل أكبر عدد منها، وتهجير الملايين إلى خارج تراب الوطن، ونزوح ملايين آخرين هدمت بيوتهم بالبراميل المتفجرة ليسكنوا مخيمات لسنين طويلة. بعد السقوط المدوي للنظام لجأ معظم هؤلاء للعراق، ولبنان وقاموا بالتخطيط بقيادة ضباط الفرقة الرابعة التي كان يترأسها ماهر الأسد بالهجوم على قوات الأمن في مناطق متعددة من الساحل السوري معقل الطائفة العلوية ممولين ومسلحين من إيران، ومن ميليشيات عراقية، وبدعم من قوات سوريا الديمقراطية الكردية بهدف الانقلاب على الثورة، والنظام الجديد، وشق صف الشعب السوري، والانفصال عن الدولة المركزية، وحسب مصادر متعددة بأن هذه العملية تمت باتفاق مشترك بين أكثر من جهة إيرانية، وروسية وربما عربية من الخارج. ورغم فشل المحاولة ومقتل عدد كبير من عناصرها إلا أن الأخطار كامنة.

منذ بداية الثورة في العام 2011 قام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بقيادة صالح مسلم بالنأي بنفسه عن الثورة (المجلس الوطني الكردستاني الذي تأسس في العام 2011 التحق بالثورة وبالمجلس الوطني السوري في بداية الثورة) وقام بالتنسيق مع النظام بالاستيلاء على مساحات واسعة من شرق الفرات بعد أن انسحبت قوات النظام منها طوعيا، وتم تشكيل ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي ومع الهجوم السريع «لداعش» واحتلال مساحات واسعة من سوريا تدخلت قوات أمريكية وبنت قواعد في المناطق المسيطر عليها من «قسد» ودعمتها لمحاربة «داعش» وتمكنت مع قوات التحالف من هزيمة «داعش» والسيطرة على ربع مساحة سوريا الواقعة شرق الفرات والتي تضم معظم آبار النفط والغاز، والأراضي الزراعية الخصبة، وأعلنت الاستقلال الذاتي.

الأخطار الخارجية تكمن أولا في دولة الاحتلال التي تسعى علانية لتغيير الشرق الأوسط حتى لو لزم ذلك بالحرب كما صرح المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي، وقد قام جيش الاحتلال بخرق اتفاقية فصل القوات الموقعة في العام 1974 واحتل عدة مناطق في منطقة القنيطرة، وقمة جبل الشيخ، وتتمركز في أكثر من نقطة على الأراضي السورية، كما قامت بتدمير المنشآت العسكرية البرية والبحرية في عدة مراكز على الأرض السورية دون وازع، وقامت الإدارة الحالية بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة بهذه الانتهاكات الصارخة على الرغم من تصريحات الإدارة السورية بأنها لا ترغب في الدخول بأي مواجهة عسكرية مع أحد. وتأتي كل هذه الانتهاكات في ظل حكم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب التي لم تظهر أي اعتراض على الاعتداءات الإسرائيلية وكأنها توافق ضمنيا على هذه الانتهاكات، خاصة وأن ترامب كرر ضرورة توسيع الرقعة الجغرافية لدولة الاحتلال التي يرى بأنها صغيرة مقارنة بمساحة العالم العربي. في الدرجة الثانية تأتي أمريكا التي بنت قواعد عسكرية في سوريا وتدعم قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تحتل حوالي ربع مساحة سوريا، كما تحتل في الجنوب السوري في منطقة التنف التي بنت فيها قاعدة عسكرية أخرى. ولا تزال القوات التركية التي تدعم الإدارة الحالية في سوريا تتواجد في أكثر من نقطة في شمال غرب سوريا.

وتبقى إيران الخاسر الأكبر من جراء سقوط النظام السوري الذي كان يؤمن خطوط الإمداد لحزب الله في لبنان، ولم تعترف حتى الآن بالوضع السوري الجديد، وتسعى بطرق مختلفة لقلب النظام في دمشق لعودة نفوذها إلى سوريا بدعم فلول النظام البائد.

وسوم: العدد 1120