دونالد ترامب ضد الولايات المتحدة الأمريكية

لا يمكن أن يُترك لترامب الانفراد برسم وتنفيذ سياسة للعالم، لأن أمريكا صانعة لتاريخ العالم كله، ومن ثم يجب أن يسعى العالم كله إلى مواجهة أعظم مشكلة تواجه عالمنا كله وليس جزءاً منه فقط. فقد تَبَيَّن أن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة فائقة، تستفيد دون وجه حق من موارد واقتصاديات العالم كله ليس بالقدر الذي تَمُد وتَوَفِّر وتمنح، لكن بقدر ما تتحكم في آليات الثروة والمال، على طريقة المُرابين والمضاربين وشياطين المال والأعمال الذين تنبذهم السياسة في أنبل معانيها. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من هذا الفصيل الفاسد الذي تأباه السياسة الوطنية، ويزداد فسادا إذا امتدت سياسته إلى العلاقات الدولية واقتصادية العالم كله، فهو ربيب الصهيونية وأخلاقياتها الضارة.

التلازم بين شخصية ترامب والفساد والتوتر والعيب والفوضى تلازم عضوي وهيكلي إلى حد التماهي التام، الأمر الذي يستدعي بالضرورة والواجب أن تنخرط كل الوحدات السياسية التي تستأنس في قرارة نفسها، بأنها حالة فاعلة في القانون الدولي والنظام العالمي الراشد، وتتطلع إلى ما هو أفضل وأحسن، أن تبادر إلى محاربة سياسة ترامب ومجموعته المشكلة على هيئة عصابة المال غير النافع، والأعمال غير المجدية لانعدام البعد الإنساني فيها، ولافتقارها إلى الجانب الأخلاقي الذي يلح عليه القانون الدولي، والوضع العالمي المتجه إلى الاحتكام إلى المبادئ والعدل والمعاملة المنصفة، وإلا ضاع العالم كله، بسبب السياسة الداخلية لشخص جاء من صلب الفساد الأمريكي، عندما كان مجد الولايات المتحدة الأمريكية يصنع من جهد واجتهاد وعرق الأجانب، الذين حلّوا بالقارة الأمريكية التي كان يُطلق عليها، العالم الجديد.

صحيح أن ترامب يستطيع أن يوقف عمل المنظمات الدولية، خاصة منها هيئة الأمم المتحدة، لكنه ابدا لا يستطيع أن يحل مشاكل العالم، بقدر ما أنه يضاعف من أوارها ويزيد من لهيبها

في سياسته الداخلية، أو الوطنية الفائقة والزائدة عن اللزوم، يسعى دونالد ترامب وحلفاؤه، إلى تفكيك نظام الفيدرالية، قوام سياسة أمريكا مع العالم، لأن هذا هو التاريخ الذي يجب ألا تتنكر له، ليس الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل كل القارات الأمريكية، خاصة أن الثروة والغناء والجاه والقوة، تمت في سياق مبدأ «أمريكا للأمريكيين».. أي كل أمريكا وجزرها، لم يكن حينها يعرف ويعترف بالوطنية لأمريكا الشمالية البيضاء أو النقية… فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية صناعة السود والجاليات والديانات المضطهدة الفارة من أوروبا والمهاجرين من قارات العالم كافة، إلى حد انعدام الأصول والجذور والخصائص.. تلك هي ظاهرة أمريكا في العصر الحديث والمعاصر.. لكن يأتي اليوم دونالد ترامب بسياسته المالية وتصرفاته الشاذة، المناهضة لتاريخ أمريكا ويسطو على مصيرها ليحوله إلى وجهة أخرى، لا تناسب لا أمريكا ولا العالم. كل ما شهده العالم في تاريخه الحديث والمعاصر، شهدته أمريكا في داخلها، تفاعلت معه بكل ما تملك من قُدُرَات ومُقَدِّرات وما يمكن أن تستوعبه من الخارج. وكان لخروجها إلى المشاركة في الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية هو إعادة الفضل إلى أصحابه، الذي لا ينقص من رصيد ورأسمال وخير أمريكا في الوقت ذاته.. غير أن السياسة الاحتكارية والمرابية، خاصة بعد مخالطة المال الصهيوني للاقتصاد الأمريكي، فلم يعد العالم يقوى على سياسة الجمهوريين الذين تتوتر أعصابهم للهيمنة على كل العالم عبر نظرة عنصرية ورؤية سادية عدمية، لا تعرف مبادئ ولا أصولا ولا أخلاقا.

ما نريد أن نؤكده في الفقرة السالفة هو أن الحالة الوطنية التي يتفاعل معها ترامب، ليست قابلة للتمرير على صعيد العلاقات الدولية. صحيح أنه يستطيع أن يوقف عمل المنظمات الدولية، خاصة منها هيئة الأمم المتحدة، لكنه ابدا لا يستطيع أن يحل مشاكل العالم، بقدر ما أنه يضاعف من أوارها ويزيد من لهيبها، ليس لمجموعة الدول التي تشكل النظام الدولي فحسب، بل لأمريكا بالذات، ولعلّ أحد تجليات سياسته الرعناء، أن الإعلان والتصريح والقول لا يمتد إلى الفعل، وأن النتيجة دائما تأتي على خلاف ما يقول ويذيعه على الناس.. ولن يلبث، في مدة قصيرة جدّا أن يحصد بصورة سلبية جدّا نتائج سياسته، لأن كل العالم يتفرج عليه كمهرج سياسي، وكرجل دمية يعبث ويبدد أموال أمريكا والعالم على السواء.

الزمن الذي وصل فيه ترامب إلى سدة الحكم في أمريكا هو زمن فائق، وكانت فيه الولايات المتحدة قوة فائقة، على حد تعبير الخبير الاستراتيجي ووزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين. نعم، هذه القدرة والسلطة العظيمة هي التي آلت إلى ترامب الفاشي الجمهوري، لكي يعبث بها ويهدد بها العالم، دون أن يتفطن إلى أن الجهة التي يهددها هي التي صنعت أمريكا، ليس بداية من اللغة الإنكليزية ولا انتهاءً إلى تعدد الأصول والجذور والألوان والأجناس والقارات والمستعمرات والشعوب. وهذا التاريخ التعددي المتنوع والمختلف، هو الذي يريد أن يقضي عليه الرئيس الأمريكي الحالي لتدمير الوطن والعالم في الوقت ذاته.. لأن في تعبير الأخير والمطاف النهائي، أن أمريكا كيان قائم بسبب وجود العالم، وليس العكس، وعكس ما يتصرف الجمهوري ترامب.. ويجب الوقوف على صورة موسوليني وربطها بصورة ترامب.. فالرئيسان على مزاج واحد.. غير أن الرئيس الأمريكي أكثر فتكا لأنه جاء في عصر سريع جدّا، اللحظة تتفوق على الحادثة ويكاد الفعل يسبق القول.

يجب ملاحقة سياسة ترامب، الذي وصل إلى السلطة على خلفية محاولة الانقلاب، شهر يناير 2001، وهو اليوم يدير سياسته، غير المُحْكمة وغير الحكيمة، من وحي الفوضى وليس النظام، على ما عهدته الأنظمة العريقة في الديمقراطية، مثل أمريكا نفسها التي سعت منذ قرنين إلى التخلص من السياسة الفاسدة، والجانب المظلم من التاريخ إلى ما هو مشرق، خاصة النضال من أجل الديمقراطية والإبداع والابتكار وتحقيق المشاريع وصناعة المجد والحياة.. نعم هذه هي أمريكا التي لا يحبها دونالد ترامب، ولا يرغب في أن يزاحمه أحد في احتكارها والتلذذ السادي والفاشي في التصرف فيها، بناء على قواعد النِّرد والمَيْسر ودوائر ودُور القُمار ومَراتع الموضة ومَجَالس النساء وعصابات الفساد والأجناس المارقة.. بل الإرهاب والعنف وصناعة السلاح وشبكات تسويقه. ترامب يستند إلى تاريخ أمريكا كله ليمارس سياسة بليدة ليست من صلب ولا معدن الإنسان الأمريكي، الذي جاء إلى أمريكا من أجل العالم كله وليس من أجل أن تحتكره النَّزَعات والعِصابات الصهيونية والعنصرية والسادية وليس أخيرا العَدمية واللاأخلاقية.

عندما خَلا الجو لأمريكا، في أعقاب انهيار الإتحاد السوفييتي والمجموعة الاشتراكية، من أجل أن تسعى إلى سياسة عالمية تتوكأ على الحق والعدالة والحرية في كل العالم، لم تفعل ذلك، بل ذهبت عصابة الحزب الجمهوري إلى مسار آخر وهو، التوجه نحو الإرهاب والعنف والمال الفاسد، كل ذلك في عهد الرئيس بوش الابن وعصابته، مطلع القرن الواحد والعشرين، وكانت نتيجة الفورية لهذه السياسة هو الحدث المشهدي العظيم ليوم الحادي عشر من سبتمبر 2001. واليوم في عالم الاحتمال والانتظار والتوقع، يجري الحديث عن نوعية الضربة المرعبة التي يجب أن تتلقاها أمريكا نظير صنيع ما يقوم به أعظم مارق في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

وسوم: العدد 1122