ليلة انهارت فيها الدعوة السلفية!

منذ فترة طويلة، لم نشاهد «سهرة تلفزيونية»، كسهرة قناة «الجزيرة مباشر»، قبل أيام، ولعل هذه الفترة بدأت بطوفان الأقصى، وتوقف البرامج لحساب تغطية الأحداث، مع محللين مقررين على المشاهد، حتى مللناهم وملونا، وعافهم المشاهد وعافوه.

ولأن القلوب تمل، فأحياناً أهرب إلى «ماسبيرو زمان»، ساعة وساعة، والقناة المصرية تكرر أيضاً برامجها ومسلسلاتها، على نحو قد يمثل كسلاً مطاعاً من القائمين عليها، وقد تكون الأزمة في مكتبة التلفزيون، التي تم تخريبها لصالح جهات خارجية، و»العربية» تذيع برامجها على منصات التواصل، ثم تعيد بثها على الشاشة، مثل حوارها مع رئيس مصلحة السجون المصرية في مرحلة الثورة، مع تواطؤ بين المذيع وضيفه الذي يقدم نفسه على أنه كان مثالاً للعدالة مغمضة العينين، مع الغمز واللمز في الرئيس محمد مرسي، ومع بعض المحاور عن المساحات الشائكة!

فإذا استبعدنا التواطؤ، فربما كان الحوار لم يتم الإعداد له جيداً، وربما السبب يرجع إلى المبالغة الشديدة في اعتناء بعض المذيعين بضيوفهم، وشيء من هذا حدث بين إعلامي «الجزيرة مباشر» أحمد طه، وضيفه خالد الذكر المهندس عبد المنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية، في السهرة الموعودة، يوشك أن يسبق اسمه بلقب حضرة صاحب الفخامة وإمام السلف والخلف عبد المنعم بك الشحات!

وفي كل مرة تذكر فيها «الفخامة» لا بد أن ننسبها لصاحبها المحامي محمود عطية، فهو من خلع على الجنرال السيسي لقب «فخامة الرئيس»، وأسرف في استخدامه، حتى صار من المعلوم منه بالضرورة، وهو اللقب الذي شاع في البرية، فصار هو المعتمد رسمياً، فالسيسي في اعلامه هو «فخامة الرئيس»، والسيسي إذاخاطب ضيفه فهو «فخامة الرئيس» ماكرون، وحقوق الملكية الفكرية محفوظة لعطية، وقد كان المعتمد في الخطاب منذ ثورة يوليو/تموز 1952، هو «سيادة الرئيس»!

ما علينا، فقد كانت «السهرة» ضمن برنامج «المسائية»، حول الجدل المثار، عن قضية الجهاد في غزة، والثورة في مصر قائمة ضد بيان للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، جرى تأويله والخروج به عن حدوده، والأمر، لا تنقصه سوء النية، عندما يتحرك مفتي الديار المصرية، فيرد على ما تصوره فتوى بفتوى، تنص على أن الجهاد لا يكون إلا تحت راية، وهذه الراية تمثلها الدولة الشرعية، وانبعث الشيخ ياسر برهامي فندد بفتوى اتحاد العلماء، وصال وجال في توهمه بأن الاتحاد دعا الطيارين في مصر والأردن بعدم الالتزام بأوامر القيادة والذهاب لغزة.

وكان هذا هو موضوع النقاش في حلقة برنامج «المسائية»، الذي استضاف الدكتور سليم العوا، والدكتور الشيخ محمد الصغير، وفي الجانب الآخر كان المهندس عبد المنعم الشحات، وأدار الحوار الإعلامي أحمد طه!

الأسئلة الوجودية الثلاثة

وكانت الحلقة مناسبة مهمة، للوقوف على الترقي الوظيفي للشيخ ياسر برهامي، و(هو طبيب أطفال غير مشهور في تخصصه هذا) فلم يعد نائب الدعوة السلفية، كما عرفناه لسنوات طويلة، فقد صار الرئيس، ليحل هذا إشكالاً كبيراً، بتجاوز واحد من ثلاثة من الأسئلة الوجودية!

وقد تمدد برهامي في الفضاء طولا وعرضاً مع تقديمه إعلامياً بنائب رئيس الدعوة السلفية ليكون السؤال: ومن يا ترى، يا هل ترى، رئيس الهيئة المباركة!

وهناك شخص ممل أسرفت «الجزيرة» في استضافته وهو لا يقول شيئا له معنى، ويفتقد العنوان «تايتل»، فقرر من تلقاء نفسه أن يكون «نائب رئيس مركز الاتحادية لدراسات شؤون الرئاسة»، ومعلوم أن كثيراً من المراكز التي تصطحب ضيوف الفضائيات وهمية، فقد كان السؤال الوجودي الثاني ومن يكون رئيس المركز المذكور؟!

أما السؤال الوجودي الثالث فعند تقديم الزعيم الطلابي الكبير أحمد البقري في موقعه «نائب رئيس اتحاد طلاب مصر» فقد صار السؤال ومن يكون رئيس اتحاد شباب مصر؟!

من محاسن الصدف أن الفتى رئيس اتحاد شباب مصر، غير المعروف، والذي يفتقد لشهرة البقري، حصل مع ابن الدعوة السلفية البار بوالديه ياسر بكار، على منحة من جامعة هارفارد للحصول على الماجستير، وفي حفل التخرج، صافح الفتى السلفي المختفي عن الأنظار وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، التي قالت إن الشاب السلفي هو من طلب مصافحتها والتقاط صورة تذكارية معها، فأنعم وأكرم به فتى يليق بالدعوة السلفية وتليق به!

الفتى بكار، من الظواهر التي ارتبطت بثورة يناير، وكان يتنقل بين الفضائيات، ويقضي ليله كله بين استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي، وفي وقت القيلولة فهو إما ضيف على «بي بي سي»، وإما ضيف على «الحرة»، أو «سكاي نيوز»، و«العربية»، وقد يكون ضيفاً عليهم جميعا باعتباره من أهل الحظوة، فلما وقع الانقلاب أحيل للتقاعد المبكر!

وهذه الظواهر تحتاج لدراسة نفسية لنهايتها الأليمة، لكني أعتقد أن فتى الدعوة السلفية المدلل سينجو من الحالة بحصوله على درجة الدكتوراة، ومن رافقوه رحلة الصعود الإعلامي يعيشون التخبط، ويسيرون بظلمات في بحر لجي، إذا أخرج الواحد منهم يده لم يكد يراها!

الهمز واللمز من الشحات

ما علينا، وقد عرفنا أن ياسر برهامي قد ترقى وظيفياً فهذا أمر مهم، وقد استدعي من الأجداث ليقف هذا الموقف ضد المقاومة وضد اتحاد علماء المسلمين معاً ليمثل جبهة مساندة للشيخ نظير عياد، مفتي الديار، على النحو الذي خصصت له الجزيرة مباشر فقرة، فقد تبوأت مقعدي أمام الشاشة الصغيرة، ولأن الشحات كان ينوب عن شيخه برهامي، قدس الله سره، فقد حصل على وقت مضاعف، ومارس الهمز واللمز في الشيخ محمد الصغير، وفي مثل هذه الحالة فماذا عساك أن تفعل؟!

عن نفسي تعرضت لهذا الموقف، مع ضيف في أكثر من حلقة، عن الذين يعارضون من الخارج، والذين يعيشون في قطر، والذين تركوا بلادهم، فلما كانت الليلة الموعودة، أخذت الحوار إلى حيث ينبغي بقولي لهذا المتحدث: إن لحم أكتافك يا هذا من قطر. لكن مقام المشيخة يمنع من هذه المواجهة مع همز غير ممسوك، وإن كان الصغير شيخاً معمماً إلا أنه لا ينقصه الدهاء، إنه من سلالة الشيخ صلاح أبو إسماعيل (والد حازم)!

وقع الشحات في شر أعماله، عندما ادعى الحكمة بأثر رجعي، وكيف أنه نصح الجماعة الإسلامية بالتخلي عن العنف عندما حاصروا مديرية أمن أسيوط في 1981، ليجهز عليه الشيخ محمد الصغير بالقاضية التي أفقدته اتزانه، فارتسمت على وجهه البلاهة، بقول الشيخ: إن المهندس الشحات من مواليد يناير/كانون الثاني 1970، أي كان عمره في وقت أحداث أسيوط عشر سنوات!

الأمر الثاني عندما قال المهندس الشحات إن الشيخ الصغير يحرض الأفراد على الجهاد، وهو في تركيا، فلماذا لا يبدأ بنفسه؟ فأثبت أنه من عوام الناس، ولا تثريب عليه، فهو مهندس، وليس بالأوصاف التي أسبغها عليه أحمد طه بالمجان، يوشك أن ينهل من تراث ضيفه السابق محمود عطية، فيصف ضيفه الحالي بـ «فخامة الشيخ» عبد المنعم الشحات.

لقد رد عليه الشيخ الصغير برد أهل الذكر، بأن عدد الغزوات التي شارك فيها الرسول بنفسه تمثل نسبة قليلة بعدد الغزوات في عهده عليه الصلاة والسلام!

ورد عليه برد أهل السياسة بأنه مستعد للسفر لغزة إذا فتحت الحدود، شريطة ألا يعتقل. والكلام لكي يا جارة، فمن يغلق المعبر، ومن يملك سلطة اعتقاله إذا ذهب لغزة؟!

وأدرك الشحات أن يزج بالسلطة المصرية في أزمة فاعتصم ولم يعلق على هذه الدفوع.

وقد تبين أن فتوى برهامي هي ضربة عشوائية، فبيان اتحاد علماء المسلمين بفتح باب الجهاد ليس موجها للأفراد، ولكن للحكومات، وهز الدكتور العوا قلاع القوم وهو يقول إن المقاومة لا تحتاج إلى مشاورة أحد وأنه يصدق حركة حماس عندما قالت إنها لم تشاور أحداً ولا إيران، وليس منطقيا أن تشاور والمقاومة لم تبدأ مع طوفان الأقصى، ولكن منذ 1948.

وتبين كذلك أن لبرهامي فتوى في سنة 2009 تعليقا على عدوان إسرائيلي على غزة تتناقض مع فتواه الحالية، حيث تنص على أن نصرة الكفار على المسلمين ردة وعداء للإسلام، وإذا كنا قد علمنا اختلاف الفتوى باختلاف المكان والزمان، فنحن الآن إزاء قاعدة جديدة هي اختلاف الفتوى باختلاف الحكام، ومن مبارك إلى السيسي!

لقد أسرف أحمد طه في الأوصاف التي خلعها على الشحات، فهو «فضيلة الشيخ»، و»فضيلة الدكتور»، ثم يجمع فيصير «فضيلة الدكتور الشيخ»، وفي نهاية الحلقة جمع بين كل ألوان الطيف «فضيلة الدكتور الشيخ المهندس»، بيد أنه كان يجره بذلك للتهلكة، فوقع في شر أعماله مرة أخرى عندما قال بردة وكفر من يساعد إسرائيل، وهنا أمسك طه به متلبساً بهذا القول ومرة أخرى تعود البلاهة لوجه ضيفه الكريم، حيث حاول أن يتراجع لكن سبقت كلمة العذاب!

لقد كانت حلقة موفقة.

وسوم: العدد 1123