القصة الكاملة للجامعات الوهمية والشهادات المزيفة
دكاترة البيئة:
القصة الكاملة للجامعات الوهمية والشهادات المزيفة
تزايدت أعداد الذين يستخدمون لقب «دكتور» في علوم البيئة والتنمية في المنطقة العربية. وإذا كان بعض هؤلاء حصلوا على اللقب عن جدارة، بالبحث العلمي الدؤوب في جامعات حقيقية، فقد راجت أخيراً الشهادات الوهمية من «جامعات» وهمية. وقبل أن تصبح البيئة والتنمية المستدامة موضوعاً رائجاً، كانت هذه الشهادات تتركز في الآداب وإدارة الأعمال، ومنها دكتوراه في الأدب العربي حصل عليها سياسي معروف من جامعة في أرمينيا!
عبد الهادي النجار
في السادس من شهر أيلول (سبتمبر) 2013 منحت كليّة التربية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية الكلب «كيرش» درجة ماجستير فخرية، لحضوره جميع الجلسات الأكاديمية مع صاحبه الكفيف كارلوس، وهو نال درجة الماجستير في العلوم باختصاص «علم الإرشاد».
هذه الحادثة تطرح تساؤلاً حول صوابيّة ما قامت به جامعة مرموقة كجامعة جونز هوبكنز بمنح كائن غير بشري درجة علميّة وإن كانت فخريّة، ولكنها ليست المرّة الوحيدة التي يحصل فيها حيوان على درجة علمية. فالموثّق حتى الآن هو حصول عشرات الحيوانات كالقطط والكلاب على شهادات جامعية باختصاصات مختلفة، مثل الماجستير في إدارة الأعمال والتخصص في علوم التغذية والبكالوريوس في العدالة الجنائية، حتى أن أحد الكلاب حصل على شهادة دكتور في الطب. وللمفارقة، فإن هذه الدرجات لم تكن مجرّد شهادات فخريّة كتلك التي حصل عليها الكلب كيرش، بل شهادات «علميّة» شأنها شأن تلك الشهادات التي حصل عليها الكثيرون من مطابع الوهم. ذلك أن أصحاب هذه الحيوانات الأليفة أرادوا تكريمها بشيء من الدعابة.
مطابع الوهم
مطابع الوهم، أو باللغة الإنكليزية Diploma Mills (مصانع سك الشهادات)، هي عبارة عن «جامعات» وهميّة لا تملك أية منشأة أكاديمية على أرض الواقع، وهي تقوم بمنح الشهادات خلال مدة قصيرة من دون تقديم تعليم أكاديمي حقيقي يماثل ما تقدّمه الجامعات المعتمدة. وتكون في غالب الأحيان مجرّد عنوان على الشبكة الإلكترونية، وقليل منها يستخدم عنواناً بريدياً.
هذه الجامعات الوهميّة لا تملك كادراً تعليمياً حقيقياً، كما أن الاختبارات التي تجريها ـ إن وجدت ـ هي اختبارات شكلية عبر الإنترنت. وهنا يجب التفريق بين مطابع الوهم والجامعات «الافتراضية» الموثوقة التي تعتمد نظام التعلُّم عن بعد، وهي تملك مؤسساتها وكادرها الحقيقي، وتتبع عادةً لجامعات عريقة معروفة وتجري امتحاناتها في مراكز تابعة لها وليس عبر الإنترنت.
مطابع الوهم لا تملك اعتماديّة من جهة رسميّة أو معترف بها، وإن وجدت هذه الاعتماديّة فتكون من جهة وهميّة مثلها لا وجود رسمي لها أيضاً على أرض الواقع. وقد تكون مرخصة (licensed) لتوهم زبائنها بوجود كيان قانوني لها، ولكن هذا الترخيص عبارة عن ترخيص تجاري لا يمنحها أيّة صفة أكاديميـة. وعنوانهـا على الإنترنت ينتهي عادة بـ com. المعبّر عن نشاط تجاري، وليس edu. أو ac.uk مثلاً المعبّر عن نشـاط أكـاديمي تربوي. حتى edu. أمكن التحايل عليها في بعض الحالات، كما في جامعة أتلانتا الدولية الوهمية https://www.aiu.edu وجامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية المشكوك في أمرهاhttp://www.ust.edu.
السمة المميّزة لهذه المطابع أنها توهم المتقدّم، أو بمعنى أصح تساير طموحه في النظر إلى خبراته الحياتيّة على أنها كافية لمنحه الشهادة التي يرغب بها من دون الحاجة لأي تحصيل أكاديمي إضافي. وهنا يجب أن نعلم أن بعض الجامعات الحقيقيّة يمكن لها أن تعتمد الخبرات الحياتيّة كمؤهل للقبول فيها خلال المرحلة الجامعيّة الأولى، وربما تقوم بحسم بعض الساعات استناداً إلى هذه الخبرات، ولكن هذا الحسم لا يزيد بأيّ حال من الأحوال عن ساعات فصل دراسي واحد. أما في المراحل المتقدمة كالماجستير والدكتوراه، فإن الجامعات الحقيقيّة لا تأخذ أي اعتبار للخبرات الحياتية، حيث تعتمد في منح شهاداتها على كفاءة الطالب في تحصيل التعليم الأكاديمي الذي تقدمه.
معظم الشهادات التي تمنحها مطابع الوهم تقع ضمن نطاق العلوم الإنسانيّة والإداريّة كعلوم إدارة الأعمال والحقوق والتغذية والتربية والأديان والإعلام، وما يُسمى «هندسة النفس البشريّة» و«علم الفلك» (التنجيم)، وقد أُضيفت إليها أخيراً «البيئة والتنمية المستدامة». ونادراً ما تكون هذه الشهادات في الاختصاصات العلمية التطبيقيّة كالعلوم الطبيّة والهندسية، لأنه يسهل اكتشاف زيفها من خلال الضعف العلمي التخصّصي لمن يحملها.
شهادات وهميّة
في اختصاصات بيئيّة
تعتمد علوم البيئة على نطاق واسع من الاختصاصات، كعلوم الأرض والأحياء والهندسات بمجمل اختصاصاتها والعلوم النظريّة كالتاريخ والإحصاء والإدارة والإعلام. وهذا الامتداد الشامل لعلوم البيئة يفتح الأبواب واسعةً أمام الراغبين بالحصول على شهادات وهميّة في الاختصاصات البيئيّة، والأمثلة في هذا الشأن كثيرة جدّاً.
تقدّمت إحدى السيّدات لشغل وظيفة لدى المنتدى العربي للبيئة والتنمية استناداً إلى درجة ماجستير من جامعة «بوكستون» البريطانية. وبعد التحرّي ثبت أنها جامعة وهمية لا وجود لها على أرض الواقع. السيدة تقدمت بوثائق مصادق عليها من وزارة في بلد عربي، تبين منها ما يأتي: «الجامعة» مسجلة كشركة تجارية في مدينة بريطانية. غرفة التجارة في المدينة صادقت على توقيع مدير الشركة. هيئة التجارة الحكومية المختصة صادقت على توقيع غرفة التجارة. وزارة الخارجية صادقت على توقيع هيئة التجارة. السفارة صادقت على توقيع وزارة الخارجية. الوزارة في البلد العربي المعني صادقت على توقيع سفارة بلدها. بعد هذه المجموعة من التواقيع، تبدو «الشهادة» صحيحة ومؤثرة. لكن التواقيع لا تعني تصديقاً على المحتوى، وهذه هي الثغرة التي ما زال ينفذ منها بعض مانحي الشهادات الوهمية. غير أن بعض مصانع الوهم يقتصر وجودها على الإنترنت، ولا تستطيع حتى تقديم خدمة المصادقات على التواقيع.
بعد البحث بشكل معمّق عن «جامعة بوكستون» تبين أنها موقع على الإنترنت يدّعي أن الجامعة قد تأسست عام 1991. إلا أن تقييمنا يُظهر أن هذه الجامعة الوهمية ظهرت على الإنترنت عام 2002 واختفت تماماً في منتصف العام 2009. أما العنوان الحقيقي لإدارة الموقع فهو على الأغلب في سنغافورة، مع الاعتماد على صناديق بريدية مؤجرة في المملكة المتحدة والبرتغال.
كما تبين أن جامعة بوكستون هي إحدى واجهات موقع InstantDegrees.com شأنها شأن جامعة كانتربوري Canterbury University التي تتخذ المملكة المتحدة كعنوان وهمي لها (وهي غير جامعة «كنت» العريقة في مدينة كانتربوري البريطانية أو جامعة كانتربوري النيوزيلندية)، في حين أن الموقع الفعلي لهذه الجامعة الوهميّة هو في جزر سيشيل.
وبالتوسع أكثر ظهر لنا موقع InstantDegrees.com كمفرخة للجامعات الوهميّة التي تتاجر في الشهادات، مثل جامعة أمستيد Amstead University التي تتّخذ الولايات المتحدة عنواناً وهمياً لها والتي منحت عام 2005 شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال لكلب في مقابل 180 دولاراً أميركياً، مع كشف بالعلامات!
لن نتوسع كثيراً في استعراض طابعات الوهم التي تتبع لموقع InstantDegrees.com ولكن يكفي أن نشير إلى أن الحصول على شهادة وهميّة بدرجة الماجستير من هذه الجامعات يكون عادة في حدود 150 دولاراً أميركياً، أما درجة الدكتوراه فهي لقاء 200 ـ 800 دولار أميركي، وذلك في أي اختصاص يرغب به المشتري، وستصله الشهادة إلى بيته خلال خمسة أيام فقط. (انظر الدردشة التي أجرتها «البيئة والتنمية» مع «جامعة نيكسون»).
دكتوراه وهميّة في البيئة
والتنمية المستدامة
«جامعة نيكسون» Nixon University هي من المنضوين الجدد إلى بائعي الأوهام، وقد منحت مؤخراً شهادات الدكتوراه في العلوم باختصاص البيئة والتنمية المستدامة. وعند التدقيق في شهاداتها، وجدنا غياب أي تفصيل للمسميات كالبلد الذي صدرت عنه الشهادة أو أسماء لموقّعين عليها والمعلومات التفصيلية الخاصة بحامل الشهادة، وحتى تاريخ إصدارها.
أما موقع الجامعة NixonUniversity.com على الإنترنت فهو موقع حديث نسبيّاً تم إنشاؤه في منتصف عام 2012، واسم النطاق الخاص به مسجّل لغاية منتصف عام 2014، مع وجود حماية تحجب معلومات الاتّصال بالشخص الذي قام بتسجيل اسم النطاق.
تمّ البحث عن اسم الجامعة ضمن قوائم لدينا تضمّ أسماء نحو 500 جامعة وهميّة، فلم نجد أيّة معطيات تخصّ «جامعة نيكسون»، وذلك لأنها حديثة الولادة. ولقطع الشكّ باليقين كان لا بد من محاورة «إدارة» موقع الجامعة بحجّة الرغبة في الحصول على شهادة الدكتوراه.
تبيّن من الحوار «الإلكتروني» أن لا عنوان لهذه «الجامعة»، والاتصال بها ممكن عبر البريد الإلكتروني فقط، وهي عرضت علينا خلال المحادثة الحصول على شهادة دكتوراه في البيئة لقاء إرسال سيرة ذاتية عن الخبرات الحياتية والشهادات السابقة، وذلك عبر الإنترنت بلا حاجة لأن تكون مصدّقة. أما التقييم فيتم خلال ثلاثين دقيقة يُعطى الجواب بالقبول بعدها، فترسل «الشهادة» خلال عشرة أيام، لقاء دفع مبلغ 874 دولاراً. ووجـدنا أن هناك حسماً للمتقدمين من الدول العربية تحت اسم «منحة»، بقيمة 75 في المئة، فيصل السعر إلى 218 دولاراً ـ لقاء الخدمة السريعة! (نص الحوار في الإطار أعلاه).
إذاً هذه الجامعة تمنح شهاداتها لأيّ كان وفي أيّ اختصاص وخلال عشرة أيّام فقط. يكفي أن تقوم بإرسال وثائق خبرة في أيّة لغة كانت عبر البريد الإلكتروني، بغض النظر عن صدقيّتها، لتحصل على شهادة دكتوراه مقابل 218 دولاراً بعد الحسم!
بكالوريوس وهميّة
في الهندسة النوويّة!
عـام 2005 تمكّـن «المواطن السوري» محمّد السعيد من الحصول على درجة الماجستير في الكيمياء والهندسة البيئيّة من جامعة «سانت ريجيس» وذلك بهدف تسهيل حصوله على فيزا لدخول الولايات المتّحدة. وقد عرف عن نفسه في اتصالاته مع الجامعة الوهمية على أنه «إرهابي» يحتاج إلى تأشيرة أميركية!
وحيث أن محمّد السعيد ليس بمواطن سوري على الإطلاق، بل هو شخصية وهمية اصطنعتها الأجهزة الأمنيّة الأميركيّة، فقد كانت النتيجة إلقاء القبض على الشبكة التي أصدرت هذه الشهادة الوهمية في مدينة سبوكين الصغيرة التي تقع في ولاية واشنطن.
وقد بيّنت قواعد بيانات هذه الشبكة أن عدد من حصل على شهادات وهميّة منها يقارب العشرة آلاف شخص من 131 دولة، بينها معظم الدول العربيّة. ومن المدهش أن عدداً ممن حصل على هذه الشهادات قد استغلّها أسوأ استغلال. فأحد المواطنين الأميركيين على سبيل المثال حصل على بكالوريوس في الهندسة النوويّة ومـاجستيـر في إدارة الأعمال أتاحتا له العمل في إدارة محطّة للطاقة النوويّة في ولاية مينيسوتا الأميركية!
وبالرغم من إزالة بيانات الأشخاص الذين حصلوا على شهادات شبكة سبوكين عن الإنترنت، فقد تمكّنت مجلة «البيئة والتنمية» من استرجاع هذه البيانات كاملةً، وقامت بتحليلها، فتبين لها ما يأتي: عدد الشهادات الوهمية المباعة من شبكة سبوكين وحـدها هو 9612 شهادة، وعدد المؤسّسات التعليميّة الوهميّة التي اخترعتها هو 215 مؤسسة تعليمية، وعدد الدول العربيّة التي ذُكرت كعنوان إقامة لأصحاب شهادات هذه الشبكة هو 15 دولة عربيّة. ونحتفظ بلائحة مفصّلة بأسماء الذين حصلوا على الدرجات الوهمية، وبعضهم في مراكز عليا.
هذا يخصّ شبكة وهميّة واحدة من بين مئات الشبكات المشابهة، لا يزال معظمها يعمل حتى الآن في طباعة عشرات آلاف الشهادات الوهميّة سنوياً. وهي تجارة قدّرت السلطات الأميركية مداخليها بآلاف ملايين الدولارات سنوياً.
أما عن الأعداد الكاملـة لمن حصلوا على شهادات وهميّة في العالم العربي فلا يمكن بأي حال من الأحوال حصرها. وعلى سبيل المثال، أشار عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور موافق الرويلي عن رصده قائمة اسميّة بسبعة آلاف شخص يحملون شهادات وهميّة في المملكة العربية السعودية وحدها، بينهم مسؤولون في القطاعين العام والخاص واستشاريون ومدرّبون، حتى أن أحدهم يحمل درجة «بروفسور» بشهادة من جامعة تُدار من داخل سجن اسمها جامعة كولمبس Columbus University.
صناعة الوهم
من المدهش أن هذه الجامعات قادرة على تزويدك بشهادات مصدقة من جهات حكوميّة. ففي اتصال هاتفي قمنا به مع أحد مكاتب التمثيل في السعوديّة، أخبرنا مدير المكتب أن الشهادة التي سنحصل عليها ستكون مصدّقة من وزارة العدل ووزارة الخارجيّة الأميركيّتين، ولاحقاً سيتم تصديقها من السفارة السعودية في واشنطن. ولكن هل هذا الأمر ممكن؟
فعليّاً يمكن لشخص يملك بعض الخبرات في تصميم مواقع الإنترنت إلى جانب خبرات قانونيّة أساسيّة أن يقوم بإنشاء جامعـة وهميّـة وإصدار شهادات أكاديميّة وتصديقها قانونياً، وذلك بكلفة تأسيسية لا تزيد عن ألف دولار أميركي.
إذا علمنا أن التحصيل الأكاديمي هو الاستثمار الأعلى كلفة الذي يقوم به الشخص بعد الاستثمار في شراء المسكن، فإننا نتحدّث هنا عن جريمة منظّمة ببلايين الدولارات تهدد الأسس العلمية والأكاديمية في جميع الدول على حد سواء، كما أنها تشكل مخاطر كبيرة على سلامة البشر فرادى وجماعات.
وبالرغم من الإجراءات الخجولة التي اتخذتها بعض الدول العربية في الحد من ظاهرة الشهادات الوهمية، فإن هذه الظاهرة لا تزال تنتشر وتتوسّع لعدم وجود العقوبات الرادعة، حتى أننا أصبحنا نجد جامعات غير معتمدة موجّهة خصيصاً للدول العربية، كالجامعة الأميركية في لندن American University of London وهي ليست أكثر من صندوق بريد ومجيب صوتي مؤجر لدى شركة سيتيبوكس CitiBox في لندن لقاء مبلغ سنوي قدره 385 جنيهاً استرلينياً (612 دولاراً). وقد قامت وزارة التعليم العالي السعودية بالتحذير من هذه «الجامعة» من بين خمس «جامعات» وهمية أخرى، وإقفال مكاتب تمثيلها في المملكة (انظر صورة التعميم). لكن هناك الآلاف غيرها، في جميع دول المنطقة.
ومما يساهم في انتشار هذه الظاهرة أن عدداً كبيراً من المشـرّعين والوجهاء وأصحاب المناصب التنفيذيّة العليا والوجوه الإعلاميّة المعروفـة هم ممن اعتمدوا على الشهادات الوهميّة كسبيل للوجاهة والكسب المادي. هذا يجعل التصدّي للشهادات الوهميـّة أو حتى إثارتها قضيّـة رأي عـام على درجة كبيرة من الخطورة، يتفاداها الكثيرون باستثناء بعض الناشطين، بينهم مجموعة للتوعية عبر موقـع تويتر تحت اسم «هلكوني#». ولكن ألا تستحق المخـاطر المرعبة التي تخلّفها الشهادات الوهميّة بذل جهد أكبـر يتجـاوز العمل الفردي وينتقـل إلى مستوى السلطة العليا، لوضع حدّ لها ممن بأيديهم الحل والربط؟
أخيراً، لا يمكن أن نتجاهل معضلة مرادفة بدأت تغزو البلدان العربية، هي الطفرة غير المسبوقة للجامعات الخاصة التي تتوخى الربح، وبعضها يعمل بلا قيود ورقابة حقيقية. فالملكية الفردية لمستثمرين، هم في الوقت عينه رؤساء «الجامعات» ومجالس إدارتها، تتعارض مع أبسط شروط العمل الجامعي. لا بد من تطهير المجتمع العلمي العربي من هذه الظواهر، إلا إذا كان المقصود إنشاء «جامعات» وهمية محلية توظف حاملي الشهادات الوهمية كأساتذة! ■
كيف تؤسّس «جامعة»
1 قم باختيار اسم مميّز للجامعة التي تريد إنشاءها، وليكن مثلاً جامعة داميز الدولية Dummies University International واختصاراً DUI.
2 صمّم موقع الجامعة. يمكنك الاستفادة من قوالب تصميميّة جاهزة تستطيع الحصول عليها مجّاناً، ولا تتعب نفسك بالكتابة إذ يمكنك استنساخ محتويات موقع إنترنت لجامعة حقيقيّة أو وهميّة.
3 احجز اسم نطاق واستضافة للجامعة على الإنترنت، وليكن مثلاً DummiesUniversity.com بكلفة سنويّة مقدارها نحو 75 دولاراً. النطاقات com. وorg. وeu. وco.uk. مثلاً متاحة للجميع وتوجد سهولة في حجزها، أما نطاق أكاديمي مثل ac. أو edu. فثمة صعوبة في حجزه، ولكن من ينتبه؟
4 خطوة اختياريّة: لنزد جرعة الوهم قليلاً، فنقوم بتسجيل جامعتنا DUI كشركة تجاريّة في الولايات المتحدة ونحصل لها على سجل تجاري بكلفة 200 دولار أميركي، وهذا ممكن عبر الإنترنت. وهكذا أصبح بإمكاننا أن نكتب على موقع الجامعة أنها «مسجّلة» أو «مرخّصة» من دون أي تبعات قانونية لذلك.
5 خطوة اختيارية: مزيد من الوهم. لنقم بإنشاء موقع إنترنت أو أكثر باسم نطاق يحمل اللاحقة org. باسم جهة اعتماد وهميّة ذات اسم برّاق مثل Pan Arab Accreditation Council وذلك لقاء 25 دولاراً أميركياً، مع الإفادة من حيز الاستضافة لجامعتنا الوهميّة. وهكذا أصبحت جامعتنا «معتمدة».
6 والآن لنقم عبر الإنترنت باستئجار دارة اتصال هاتفي وفاكس وصندوق بريد في إحدى الولايات المتحدة الأميركيّة لقاء مبلغ لا يزيد عن 200 دولار سنويّاً. وبالتالي أصبحت جامعتنا أميركيّة 100 في المئة وتملك عنوان اتصال في الولايات المتحدة.
7 لقد أنفقنا حتى الآن 500 دولار أميركي، ويمكننا أن نخصّص 100 دولار للترويج عبر الإنترنت و400 دولار أخرى لشراء طابعة وتصنيع لصاقات وختم نافر لزوم الشهادات، وأصبح كل شيء جاهزاً.
8 بعد أن يقوم أحدهم بالاتصال بنا للحصول على شهادة أكاديميّة، سنطلب منه تسديد مبلغ، وليكن مثلاً بين 100 و800 دولار أميركي، حسب السرعة والمصادقات المطلوبة عبر PayPal أو طرق الدفع الإلكتروني شبه المجانية على الإنترنت.
9 نقوم بطباعة الشهادة وختمها، ثم نقوم كخطوة اختيارية بتوقيعها أمام الكاتب العدل الذي يصادق على صحة توقيعنا. أي أن المصادقة هي على صحة التوقيع وليس على صحة الوثيقة، وهذا بالفعل هو دور الكاتب العدل في أي مكان في العالم.
10 خطوة اختيارية: نقوم بمصادقة صحة توقيع الكاتب العدل لدى غرفة التجارة ووزارة العدل ثم وزارة الخارجية ثم السفارة، وهنا أيضاً المصادقة هي على صحة التوقيع وليس على صحة محتوى الوثيقة/الشهادة وفي أي مكان في العالم.
11 نرسل الشهادة إلى طالبها عبر صندوق البريد الأميركي. ولاحقاً يستطيع صاحب الشهادة تصديق توقيع السفارة من وزارة الخارجية في بلده كإجراء روتيني.
12 هكذا نكون قد حقّقنا ربحاً صافياً، في حين حصل الزبون على شهادة مليئة بالتواقيع والأختام الزاهية، ولكنها وهمية.
(راجع وثائق إضافية في موقع المجلة على الانترنت www.afedmag.com)
دردشة إلكترونية مع «جامعة نيكسون»
البيئة والتنمية: حصلتُ على درجة الماجستير من جامعة بواتييه الفرنسيّة، وأفكّر في الحصول على درجة الدكتوراه. ما هي إمكانيّة ذلك عن طريق جامعة نيكسون؟
جامعة نيكسون: ما نفعله هو أننا نقوم بالنظر إلى خبراتك الحياتية بما في ذلك خبراتك في العمل وتحصيلك العلمي السابق، ثم نقوم بتحويلها إلى ساعات جامعيّة، فإذا كان عدد هذه الساعات يحقّق عدد الساعات المطلوبة للشهادة فإننا نمنحك إيّاها، وهكذا نقوم بتسجيلك مع وثائقك لدى الجامعة وجهات الاعتماديّة، ومن ثم نضمن أن نرسل لك الوثائق في غضون عشرة أيّام عمل.
البيئة والتنمية: ما هو الوقت الوسطي الذي يستغرقه تقييم واعتماد ومنح شهادة الدكتوراه؟ وما هي الكلفة؟
جامعة نيكسون: إن الوقت اللازم لعمليّة التقييم لا يزيد بأي حال من الأحوال عن 30 دقيقة، والكلفة هي 874 دولاراً أميركياً.
البيئة والتنمية: هذا وقت قصير جداً. مذهل!
جامعة نيكسون: يمكنك أن تستلم الشهادة بعد عشرة أيام أو اثني عشر يوماً.
البيئة والتنمية: قرأت في الموقع أنكم تقدّمون منحاً دراسية للمقيمين في دول الخليج العربي، فهل هذا يشملني باعتبار أنني أقيم في دولة خليجية؟
جامعة نيكسون: بالتأكيد هذا يشملك حيث ستحصل على حسم حتى 75 في المئة.
البيئة والتنمية: الشهادة هي للوجاهة (بريستيج) أليس كذلك؟
جامعة نيكسون: نعم، ولكن يمكنك استخدامها في أي مكان ولأي غرض.
البيئة والتنمية: هل يجب عليّ إرسال وثائق خبراتي الحياتية عن طريق البريد السريع أو يكفي إرسالها عبر البريد الإلكتروني؟
جامعة نيكسون: عبر البريد الإلكتروني فقط.
البيئة والتنمية: حسناً. سأقوم بمسح الوثائق على شكل ملفات صور ثم أرسلها في ملف مضغوط إلى بريدك الإلكتروني. سوف يستغرقني الأمر بضعة أيّام لتجميع الوثائق. لا حاجة لتصديق هذه الشهادات أليس كذلك؟
جامعة نيكسون: ما عليك إلا هو أن ترسلها بالبريد الإلكتروني مع الإشارة إلى اسمي.
البيئة والتنمية: شكراً لك. سؤال أخير: هل يمكنني الدفع باستخدام بطاقة الاعتماد؟
جامعة نيكسون: بالتأكيد. أهلاً بك.
(أجريت هذه المحادثة في 5 أيلول/سبتمبر 2013)