شيء عن المال والسلاح والواقع ..
شيء عن المال والسلاح والواقع ..
عقاب يحيى
حين فُرض حمل السلاح على الثورة السورية .. انفتحت أبواب الحاجة للمال.. قطرات.. فأكثر.. وبما وضعها في موقع العاجز عن تأمين مستلزماته ذاتياً.. وكان رأس المال المحلي والإقليمي والخارجي جاهزاً للتسلل، والنفاذ.. وكل يعمل لمصالحه، وأجنداته ..فتشابكت الأوراق، واختلطت الأمور.. ثم جاءت مرحلة أماء الحرب، وتوجه البعض نحو "الغنائم" هدفاً رئيساً..قبل التفكير بالمهام الساس التي نهض العمل المسلح لأجلها : مواجهة النظام وفق خطط مدروسة..
ـ في البداية، وعلى مدى أشهر الثورة السلمية كان عرساً سورياً مفتوحاً تنهمر فيه المشاعر والإرادة بغزارة الأمل الكبير بالانتصار.. ولم تكن التكلفة كبيرة.. فكان المتطوعون والمتبرعون يقدمون المستلزمات للمظاهرات.. وغيرها وهي ممكنة.. لكن مع انفجار الإقبال على التسلح اختلفت المعادلة تماماً، ولم يعد بمقدور الجانب ىالذاتي، ولا التمويل المحدود النهوض بالتكلفة التي اتسعت، وحتى بعض رجال العمال الوطنيين عجزوا عن تحمل أعباء باهظة.. اتسعت أكثر فأكثر حتى صارت كالغول الذي يلتهم الكثير، ويفتح شدقيه على المزيد.. وكانت عديد الأطراف الإقليمية والخارجية جاهوة، وكانت مشاريع البعض المسبقة بتكوين ما يشبه الإمارات الممولة ذاتيا.. جاهزة للترجمة عبر فكرة" الغنائم"، ووضع اليد على عديد الثروات الاستراتيجية وغيرها، وبالتواطؤ، والتفاهم، والتحاصص أحيانأً مع الطغمة كنظام، أو مع بعض مافياته.. فاختلط الحابل بالنابل.. وبات العمل المسلح رهين الجهات الممولة، والموردة للسلاح.. وبات أمر وحدة الموقف، وتوحيد السلاح تحت راية واحدة شبه مستحيل لخضوعها لقرار صاحب المال والتسليح..
ـ هكذا.. وعبر امتداد الصراع وشموليته، وما تعرفه البلاد من حرب تدميرية شاملة يقودها نظام يستبيح كل المقدرات والثوابت.. فلت الزمام على الأرض، وتوزع القرار بين مئات الكتائب، والألوية، والتنظيمات المسلحة.. حتى إذا ما قامت "هيئة الأركان" ضمن الظروف التي ولدت فيها، واستبعاد، وابتعاد آلاف الضباط المحترفين المنشقين، وتصدّر عديد قيادات الكتائب من غير المحترفين ، وباسم الثوار والثورية.. فإن دورها ما كان بمقدرة توحيد وضبط وتنظيم العمل المسلح، وأحيانا لم يتجاوز دورها دور الموصّل، او ساعي البريد، في حين أن مقدرتها على التحكم بالقرار والأرض جزئية جدا، وعديد القوى المسلحة لا تعترف بها مرجعية لها، ولا تأتمر بأوامرها..
ـ ناهيكم عن بروز ظاهرة التشدد المتطرف وعنوانها "داعش" واخواتها وبنات عمها.. والتي هي اليوم الظاهرة الأبرز خطورة في الواقع السوري، الذي يهدد جوهر الثورة واهدافها.. ويقود غلى نتائج كارثية على كل صعيد..
ـ لقد نجحوا ـ مجموعة الأطراف المختلفين ـ في خلق ودعم، وتصدير القوى المتشددة، إلى درجة التمكن، ثم استخدامها عنواناً لتشويه الثورة، ومشجباً لتعليق تردد وتخاذل المجتمع الدولي عن تقديم اللازم : دعماً للثورة..
ـ اليوم تواجه الثورة السورية إشكاليات كبيرة داخلها.. وهي مضطرة لخوض صراع قد يصل حد استخدام السلاح مع تلك القوى المتطرفة التي تضع في برنامجها قوى الثورة بالدرجة الأولى، بما يعني مزيد الانشغال والاستنزاف، وتوزيع الجهد، وتوجيه كثيره نحو تلك القوى بدل أن يوجه ضد العدو الأساس.
ـ والأحطر أنه ومع هذه التطورات.. فإن انزياحات مهمة لا يمكن إخفاؤها نشهدها في حواضن الثورة.. إما إحباطاً ويأساً، أو تساؤلات مشروعة عن مصير الثورة وحقيقة وجودها حالياً، ومصير البلاد ومستقبلها ..بتضافر العاملين : الداخلي المتمثل بنظام فئوي مجرم من جهة، وقوى متطرفة خارج سياقات تاريخ البلد وطموحات شعبه واهدافه ووحدته الترابية والمجتمعية والوطنية من جهة ثانية، وصفقات دولية كبيرة يبدو الظاهر منها أنه على حساب ثورة الشعب وحقوقه، بينما قد يكون المخفي أعظم، واخطر..
ـ ويبقى السؤال الذي يوجهه كثيرون : ما العمل ؟؟ وهل نكتفي بالفرجة والتنظير والسلبية.. ام على الوطنيين جميعاً من مختلف التيارات والاتجاهات أن يلتقوا للنهوض بالواقع، ومواجهة التحديات والأعباء الثقيلة ؟..
ـ وهل يمكن لمشروع مؤتمر وطني جامع أن يكون المدخل وبداية المخرج ؟؟..