ما يجب أن تعرفه المرأة المسلمة بمناسبة الثامن من مارس
ما يجب أن تعرفه المرأة المسلمة
بمناسبة الثامن من مارس
محمد شركي
يكثر الكلام عن النساء عندما يحل الثامن من مارس في كل أصقاع العالم . ومن ضمن هذا الكلام أحاديث عن مظالم نسائية ، ومن ضمنه أيضا أحاديث تجرم جهات بسبب هذه المظالم ، ومن ضمنها دين الإسلام الذي يجد أصحابه أنفسهم مضطرين للدفاع عنه مع أنه لا ناقلة له ولا جمل في ما يتهم به من ظلم في حق المرأة. والمرأة المسلمة بهذه المناسبة نوعان : نوع مستلب الفكر والهوى لا يكلف نفسه عناء معرفة وضيعة المرأة في دين الله عز وجل ، ونوع على علم بهذه الوضعية ولكنه لا يحدث ما يحدثه النوع الأول من ضجة إعلامية تستهدف الإسلام ظلما وعدوانا . وعندما نعود إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لنستنطقهما في شأن المرأة لا نجد فيهما شيئا مما يلفق للإسلام من تهم ظلم المرأة . وقد لا تعرف المرأة المسلمة أن المساواة الشكلية التي يتشبث بها من يزعمون مؤازرتها لا تتعلق بغبار المساواة الحقيقية في الكتاب والسنة . فالمساواة في الإسلام بين المرأة والرجل تتحقق على مستوى التكريم ، ذلك أن الله عز وجل عندما كرم البشر بالسكن في الجنة لم يخص الذكر دون الأنثى بل سوّى بينهما في ذلك مصداقا لقوله تعالى : (( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة )) وإذا كان الله قد قضى بالمساواة بين آدم وزوجه في سكن الجنة فلا يمكن أن تختل هذه المساواة بعد نزولهما على سطح هذا الكوكب . ولم يقتصر التكريم على آدم وزوجه حواء بل شمل ذريتهما ذكورا وإناثا مصداقا لقوله تعالى : (( ولقد كرمنا بني آدم )). وكل من يشكك في تسوية الإسلام بين الذكر والأنثى في التكريم وجب عليه مراجعة إيمانه لأنه إن قال بعكس ذلك فقد كذّب بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . وتتحقق المساواة المتكافئة بين الذكر والأنثى في التكليف مصداقا لقوله تعالى : (( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) فالتكليف في هذه الآية وهو عبارة عن أمر ونهي موجه لآدم وحواء على حد سواء . ويترتب عن التكليف المحاسبة والجزاء وفيهما مساواة بين الجنسين أيضا مصداقا لقوله تعالى : (( فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين )) فالله تعالى سوّى بين آدم وحواء في إخراجهما من الجنة . وعمم الله تعالى قاعدة التسوية بين الذكر والأنثى في التكليف والمحاسبة والجزاء على بني آدم ذكورا وإناثا مصداقا لقوله تعالى : (( ومن يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا )) والآية تنفي وقوع الظلم على جنس من الجنسين لوجود عدالة تزن بمثقال النقير . وإذا كان التكريم لا يختلف بين الجنسين فإن التكليف يراعي ما بين الجنسين من اختلاف في الطبيعة الخلقية وقف قاعدة إلهية عادلة قوامها : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) . ويشكل على كثير من الناس اختلاف التكليف بين الذكر والأنثى ، فيعتقد البعض أن الأمر يتعلق باختلال المساواة بينهما ، والحقيقة أنهما يستويان في التكليف مع مراعاة طبيعة كل منهما ، وهي طبيعة يتوقف عليها الوسع والقدرة والطاقة . وهكذا نجد تكليف الأنثى في عبادتي الصلاة والصيام على سبيل المثال يراعي طبيعتها الخلقية وما يسمح به وسعها، فلا تكلف بالصلاة والصيام في أحوال الحيض والنفاس والحمل والإرضاع . ولو أنها كلفت بذلك لما تحققت المساواة بينها وبين الذكر. وينسحب على التكليفات الأخرى سواء كانت عبادات أو معاملات ما ينسحب على عبادتي الصلاة والصيام ، فهي حسب الوسع المرتبط بالطبيعة الخلقية . ومما يشكل على البعض فيما يترتب عن التكليف من حقوق خاصة بكل جنس، ويعتبر ظلما في حق الأنثى بالنسبة إليهم نصيبها في الإرث مصداقا لقوله تعالى : (( للذكر مثل حظ الأنثيين)) دون مراعاة اختلاف التكليف بين الجنسين، ذلك أن الذكر لم يحز مثل حظ الأنثيين في الإرث إلا لأنه مكلف بالقوامة مصداقا لقوله تعالى : (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) فالتكليف بالقوامة وما يتعلق بها من إنفاق خول للذكر ضعف حظ الأنثيين في الميراث ، ولا يمكن القول بأن في ذلك ظلما للأنثى، وهي التي لا تكلف بالقوامة ولا بالإنفاق ، والعدالة بين الجنسين في التكليف هي مراعاة وسع كل منهما حسب طبيعتهما الخلقية . والقائل بالظلم في الميراث بين الجنسين كالقائل بالظلم بينهما في الطبيعة الخلقية ،وهذا منتهى الوقاحة مع الخالق سبحانه ونعالى . والغريب أن يعترف الذين يدعون مناصرة الأنثى بخصوص حظها من الميراث باختلاف طبيعتها الخلقية في اللعب واللهو إذ لا يسوّى بينها وبين الذكر في عدو ولا لعبة كرة ولا في قفز أو رمي ...بينما لا يرون حرجا في التسوية بينها وبينه في الأعمال التي لا تناسب طبيعتها الخلقية بهدف الطعن في عدالة نصيبها في الميراث . والذين يطالبون بمساواتها مع الذكر في الميراث يحتجون بممارستها لما يمارسه الذكر من أعمال مع أن شرع الله عز وجل لم يكلفها ما كلف الرجل من تكاليف . ومما يعتبره المتحاملون على الإسلام استنقاصا من شأن المرأة باعتبار طبيعتها الخلقية المقتضية لطبيعة سيكولوجية خاصة بها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء " . ومع أن الحديث الشريف جاء في سياق الاستوصاء خيرا بالنساء ،فإن المتحاملين على الإسلام يتخذون منه مطية للطعن فيه والادعاء الباطل بأنه يعتبر المرأة ضلعا أعوج . وعند تأمل الحديث جيدا نجد الأمر يتعلق بتشبيه ، وهو عند أهل العلم بالبلاغة إلحاق أمر المشبه يأمر المشبه به في معنى مشترك هو وجه الشبه ، وشتان بين اعتبار المرأة ضلعا أعوج وبين تشبيهها به . ووجه الشبه في هذا التشبيه بين الضلع والمرأة أن لكل منهما طبيعة يخطىء من يعتبرها عيبا ويروم تصحيحه . فالضلع وهو عظم من عظام الجنب المتصل بالقص أو بغيره من الأضلاع المعروفة بالسائبة به عوج في أعلاه ليقوم بدوره في القفص الصدري وهو حماية ما بداخله من أعضاء ، ولا يمكن اعتبار عوجه عيبا بل طبيعة ، ومن رام تقويم هذا الاعوجاج فيه كسره ،وعطل وظيفته. وكذلك المرأة لها طبيعتها السيكولوجية والنفسية الخاصة بحكم طبيعتها الخلقية، ولا يمكن اعتبار ذلك عيبا يقتضي التقويم أو التصحيح . وللمرأة أحوال نفسية خلال حيضها ونفاسها وحملها أثبتته الدراسات العلمية كما أثبته الدين ، لهذا لا يجب اعتبار هذه الأحوال عيوبا . ولا يستقيم معنى التشبيه في هذا الحديث إلا بهذا الفهم ، ولا يستقيم قول المغرضين المتربصين بالإسلام أنه يهين المرأة ويستخف بها ويعتبرها ضلعا أعوج . ومعلوم أن المرأة باعتبار طبيعتها الخلقية كانت عبر التاريخ البشري الطويل هدفا للاستضعاف من طرف الرجل بحكم طبيعته الخلقية التي تتميز عن طبيعتها بالقوة . ولقد حرص الإسلام على منع استضعافها بسبب ذلك ، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أحرّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة " وهو يدعو بإلحاق الحرج والإثم الكبير على من يضيع حق هذين الصنفين من المستضعفين بحكم طبيعتهما الخلقية . واعتبار المرأة كاليتيم ضعفا في هذا الحديث يعكس حرص الإسلام على محاربة استضعافها بسبب طبيعتها الخلقية وهو استضعاف تكرسه العديد من الثقافات بما فيها تلك التي تتبجح بإنصاف المرأة ، وتدعي أنها تناصرها وتحميها . وأخيرا على المرأة المسلمة في مناسبة الثامن من مارس أن تتحرى الدعوات الباطلة التي تستهدف دينها بشكل فاضح وتلفق له تهما هو براء منها براءة الذئب من دم يوسف كما يقال . ولئن سايرت المرأة المسلمة خصوم هذا الدين فيما يلفقون له من تهم باطلة ،فإنها تغامر بإيمانها وتتجاسر على شرع ربها المنزه عن كل ظلم وكل عيب . ومن قالت في دينها ما يقوله خصومه وجب عليها أن تراجع إيمانها.