الضربة الأمريكية المتوقعة ، قراءة منحازة للثورة
الضربة الأمريكية المتوقعة ،
قراءة منحازة للثورة
د. محمد أحمد الزعبي
أولاً : قراءة لموقف البعض من التدخل الخارجي في سورية :
تنطوي غالبية مواقف وآراء من وقفت على وجهات نظرهم حول الضربة الأمريكية المنتظرة على المواقع العسكرية للنظام السوري ( نظام عائلة الأسد ) على موافقة مبدئية ، ضمنية أو صريحة ، على هذه الضربة . بيد أن قراءة ماوراء الكلمات والسطور ، تسمح للمرء أن يشير إلى وجود تباين ما بين هذه المواقف والآراء ، أبرزها ، أن الاختلاف
الأساسي الذي وقفنا عليه بين هذه الآراء والمواقف ، يدور، من جهة ، حول حجم وأهداف ونتائج وتاريخ هذه الضربة الأمريكية المتوقعة ، ومن جهة أخرى حول دور كل من الداخل والخارج ، سواء في تفجيرها 2011 أو في دعمها ، أو في محاولة الالتفاف عليها وخنقها ، وبالتالي خنق كافة ثورات الربيع العربي من خلال خنقها .
أما بالنسبة للحالة الأولى ، فإن البعض يريدها ضربة قوية تؤدي إلى تغيير فوري لنظام عائلة الأسد ، والذي هو بنظرها نظام أقلية عسكرية طائفية استولت على السلطة بقوة السلاح ، وهي تستمر بالحكم منذ مايزيد عن الأربعة عقود بفضل هذا السلاح ، وبالتالي فإنه لا يمكن إزاحتها عن السلطة إلا بقوة السلاح . وبما أن سلاح النظام أقوى من سلاح المعارضة ، فلا ضير من أن تستعين المعارضة ، بـ " الآخر " من أجل إنهاء هذه المذابح البشعة التي يمارسها نظام عائلة الأسد ضد الشعب السوري منذ ثلاثين شهراً ، والتي كانت مذابح أطفال ونساء ومدنيين عزل بصورة أساسية .
ولكن البعض الآخر يريدها ضربة " تأديبية " محدودة ، لتقليم أظافر النظام ، والحد من قدراته العسكرية الفتاكة ، ولا سيما الطيران بنوعيه والصواريخ بأنواعها ، والبراميل المتفجرة ، وكافة الأسلحة المحرمة دولياً وعلى رأسها السلاح الكيماوي ، وترك مسألة إسقاط النظام ، وتصحيح المسار، للثورة السورية وللجيش السوري الحر، وللشعب السوري نفسه . إن المسكوت عنه في هذه الرؤية ـ حسب تقديرنا ـ هو أن أصحابها ، لايريدون أن يقال مستقبلاً أن الثورة قد عجزت عن إسقاط النظام ، وأن " الآخر"هو من أسقطه ، وهو ماقد يترتب عليه مستقبلاً نتائج سلبية تتعارض مع الأهداف الوطنية والسياسية التي قامت من أجلها ثورة آذار 2011 ، ولاسيما أن " النخوة " لم تدب في أوصال هذا السيد " الآخر " إلاً في الربع الساعة الأخيرة ، التي بات فيها انتصار ثورة الشعب السوري على نظام بشار الأسد ، قاب قوسين من الانتصارأو أدنى ، رغم فداحة الثمن الذي دفعه هذا الشعب ، في كافة المدن والقرى السورية ، والذي مازال يدفعه صباح مساء ، للوصول إلى شاطئ الحرية والكرامة .
وأما بالنسبة للحالة الثانية ، فإن أصحابها يرون أن ثورة آذار 2011 قد خرجت من أيدي من فجروها ، وباتت في أيدي الدول الفاعلة الكبرى سواء على المستوى العالمي ( أمريكا ، أوروبا ، روسيا ، ...) ، أوعلى المستوى الإقليمي (إيران ، تركيا ، ...) أوعلى المستوى العربي ( السعودية ، مصر، ... ) .
إننا مع موافقتنا ، على وجود علاقة جدلية ( تبادل الأخذ والعطاء عمودياً وأفقياً ) أكيدة بين الداخل والخارج في أي صراع سياسي ، ذي بعد استراتيجي ( في الحالة السورية : إسرائيل والنفط ) ، لابد أن نشير إلى أن مثل هذه العلاقة الجدلية ، عادة مايكون الداخل فيها ( وليس الخارج ) هو العامل الحاسم . إن العامل الداخلي هنا ، والذي سيحسم الصراع في سورية ، إن عاجلاً أو آجلاً ، لصالح الثورة ، هوالدماء الزكية الطاهرة لـ 150000 شهيد ، وملايين المهجرين والنازحين والمفقودين والمعتقلين ، وليس صوارخ سكود ( الروسية ) أو كروز ( الأمريكية ) ، مع تقديرنا الكامل لكل الجهود المادية والمعنوية ، العربية والأجنبية التي وقفت وتقف إلى جانب ثورتنا ، وتحاول حماية أطفالنا من وحشية وهمجية نظام عائلة الأسد وشبيحته في الداخل والخارج وما بينهما .
ثانياً : قراءتنا الخاصة ، لموضوع التدخل الخارجي في سورية :
1. لانجادل في أن كافة شعوب الأرض ، ومنها شعبنا السوري ، إنما تقف إلى جانب المظلوم ضد الظالم ،
2. لانرى أنه من المنطقي ، ولا من العدل ، أن يجادل البعض ، داخل سوريا أو خارجها ، في : على من تقع مسؤولية إراقة الدماء في سورية منذ 18.03.2011 وحتى لحظتنا هذه ؟ .
إن مجازر الصنمين و الحولة والبيضا وداريا وجديدة الفضل والتريمسة وحلفايا وبابا عمر والحراك و... و... وأخيراً وليس آخراً مجزرة الكيماوي الأخيرة والكبيرة في الغوطتين ( مجزرة فجر 21.08.2013 ) ، لاتدع مجالاً لا للشك ولا للالتباس ولا للتردد ، في أن النظام الطائفي الحاكم في دمشق وشبيحته ، بقيادة عائلة الأسد ، هوالمسؤول الأول والأخيروالوحيد ، عن هذه الدماء ، وعن هذه المجازر. إن كل من يشك أو يشكك بهذه الحقيقة الموضوعية ، لابد وأن يكون شريكاً للنظام في جرائمه ضد الشعب السوري ، وأن يكون وعيه المريض والزائف حول هذه المسالة الواضحة ، إنما سببه هذه المشاركة ( المباشرة أو غير المباشرة ) ، المدانة وغير الأخلاقية ، وغير الإنسانية .
3. لانجادل أيضاً في أن المجتمعات الغربية المتطورة ، هي مجتمعات متقدمة على مجتمعاتنا تكنولوجياً وديموقراطياً
بيد أن مانجادل فيه عن معرفة وعن حق ، هو أن هذه المجتمعات إنماوظفت وتوظف تطورها التكنولوجي في كثير من الحالات لخدمة بعض المسؤولين الكبار،المستبدين والفاسدين في بلداننا العربية ، ومنها بلدنا سورية ، في قمعهم لشعوبهم ، وفي تغييبهم للديموقراطية وصندوق الاقتراع . إن ما تلمسه شعوبنا ، ولا سيما شعوب ثورات " الربيع العربي " فيما يتعلق ببعض تلك الدول المتطورة تكنولوجياً ، وفي العديد من الحالات ، هو أن ألسنتها فقط هي مع هذه الشعوب ، أمّا سيوفها فهي ليست في ذات الإتجاه ، وهي (أي الشعوب العربية ) تتمنى على هذه الدول المتطورة ، أن تكون ألسنتها وسيوفها في موقع وفي موقف واحد .
4. وبالنسبة لدمشق " أم الربيعين " ، فإنها تتمنى بدورها أن يكون تغييرالدول الكبرى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، لموقفها من نظام بشارالأسد الديكتاتوري والفاشي ( قاتل الأطفال ) تغييراً حقيقياً وملموساً ، بحيث تصبح ليست ألسنة قادة هذه الدول الكبرى فقط مع ثورة آذار 2011 ، وإنما مواقفهم الجادة والجدية أيضاً ، وذلك تمكيناً لهذه الثورة من الوصول إلى مجتمع العدالة والمساواة والديموقراطية ، مجتمع الحرية والكرامة ، ذلك المجتمع الذي غيبه نظام عائلة الأسد ( الأب والإبن ) وشبيحتها الداخليين والخارجيين ماينوف عن الأربعة عقود ، بأقل الخسائر الممكنة .
5. إن ماتريده شعوبنا من الدول المتطورة تكنولوجياً وديموقراطياً ، هو أن لاتضع العربة أمام الحصان ، فالتكنولوجيا يجب أن توضع في خدمة الديموقراطية والشعوب ، وليس الشعوب والديموقراطية في خدمة التكنولوجيا ، ورحم الله الشاعر العربي القائل :
فوضع الندى في موضع السيف في العلى مضر كوضع السيف في موضع الندى.