وما زال شهداء الغوطة ينظرون وينتظرون

أما من مخرج من هذا العجز ؟!

زهير سالم*

[email protected]

كان مشهد أطفال الغوطة مبعثرين على الأرض السورية قاسيا إلى الحد الذي يُشعر الإنسان أن مباني اللغة أعجز عن التعبير عن حجم قسوته ، وعن طبيعة النفس البشرية التي أمرت به ، والنفوس التي نفذته ، والأخرى التي تواطئت بالصبر عليه .

الأقسى من وقعة الإبادة تلك هو ما تمثل في قلوب أولئك الذين رأوا في الجريمة واقعة عابرة ، ربما أشبه بانقلاب قطار يستدعي بعض الأسى والأسف و بعض التنديد والاستنكار ..

وأول ما يفتقد المواطن السوري ردة الفعل المكافئة من أطر قوى المعارضة السورية المنظمة . الائتلاف الوطني ومن يشارك فيه أو يخرج عليه . هذه المعارضة التي لا ترى أصلا أن ردة الفعل الحيوية في سياقها هي فعل سياسي ، ينبغي أن يدرس ويحسب ويأتي مكافئا في حجمه وشدته حجم الفعل . وعلى رأي نيوتن ( مساو له بالمقدار ومعاكس له بالاتجاه ) . وعندما نقول مساو له بالمقدار لا نعني أنه من جنسه في العدوان على النفوس البريئة ، وفي الخروج على قواعد الأخلاق الإنسانية .

حتى الآن لم يجد شعبنا من رد فعل على الجريمة النكر التي أطّ لها ضمير كل إنسان حي ، غير الضجيج والضوضاء . هؤلاء القادة خطبوا صرخوا انتفخت أوادجهم احمّرت منهم الحدق ، وكل ذلك محمود منهم ، ثم أداروا ظهورهم للمشهد في انتظار ما يفعله الآخرون . هل حقا أنهم لا يستطيعون فعل غير الذي فعلوا ؛ أم أنهم يبخسون أنفسهم حقها ، وقواعدهم قيمتها ؟!

 تتساءل : هل دعا أحد من هؤلاء الذين يمسكون بقرار المعارضة في الائتلاف وفي المجلس الوطني وفي كل التجمعات السورية ، إلى لقاءات طارئة لوحدات صنع القرار بسبب موقعة الإبادة التي شنت على شعبنا ؟! هل وضع أحد ، من القائميين القاعدين الحالين المرتحلين الداخلين الخارجين ، موضوع  رد الفعل الوطني العملي على الجريمة النكر على جدول عمل جلسة طارئة تبحث إمكاناته وآفاقه ؟! أظنهم ظنوا أن الأمر لا يستحق ؟! وأن قليلا من الضوضاء يكفي ، وأن ما ستفعله الولايات المتحدة أو دول العالم الحر لهم سيكون كافيا . وهكذا صرخوا ما وسعهم الصراخ ثم جلسوا فكهين ، فمرت الجريمة النكر دون عقاب ، غير القليل من الصداع لبشار ومن الضوضاء حوله سيدفع الشعب السوري ثمنها مما يعجب بعض المستفيدين ..

لا أحد يدعي أن ما يمكن أن ترد به المعارضة السورية على الجريمة المنكرة هو وصفة جاهزة في جيبه . ولكن التفكير الهادئ لأصحاب القرار مستفيدين من خبرة أصحاب الخبرة ؛ يمكن أن يضع بين أيدي السوريين ثوار وسياسيين ألوانا من ردود الفعل المكافئ الرشيد . ساعات يقضيها أصحاب الشأن في التفكير في شأنهم خير من هذه الدوامة من الدوران على أبواب الآخرين . فهل نحن نطلب من أصحاب القرار الكثير ؟!

أيها السوريون ...

  لقد كانت ردة الفعل الدولية والإسلامية والعربية على وقعة إبادتكم كما تلاحظون . مناورة ومراوغة وتوظيف . لم تستحق حرب الإبادة التي شنت عليكم فوأدت المئات من أطفالكم مظاهرة واحدة في عاصمة من عواصم هذا العالم ، أو من حزب من أحزاب أمتكم الإسلامية منها والعلمانية . بل إن من هذه الأحزاب من لم يمنعه حياء عن أن يصدر بيانات مدمجة في الدفاع عن القاتل المجرم وعصاباته ..

أيها السوريون التعاطف لا يشترى وحين تقرؤون الشماتة في أعين الأقربين دينا وعقيدة وانتماء فماذا تنتظرون من الأبعدين ؟!

أليس غرورا أن تنتظروا من الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي أن يتخلى عن كأس لذته للدفاع عن طفل لا يربطه به رابط . وأنتم ترون أن موت هذا الطفل عجز عن تحريك حتى الذين توسدوا أمركم ...

أيها السوريون هذا أوان الشد فشدوا .

وما يزال شهداء الغوطة ينتظرون وما تزال أعينهم المطفئة ترنو إليكم أنتم من قريب فهل تستجيبون  ...؟!

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية