أيها السوريون أما آن للنزيف أن يتوقف ؟
أيها السوريون أما آن للنزيف أن يتوقف ؟
شادي الخش
في إندفاع مليء بالأمل ، مُشبّع بالتوق الى الحرية وإلى الحياة الكريمة ، وبعد صمتٍ دام أربعة عقود عانى فيها السوريون صنوف الإستبداد والظلم والقهر ، مُستمدة العزم من جيل سوري جديد رفض الصمت ، وقرر أن وقت التغيير حان فأنتفض مطالبا به ، وبدون إستعداد أو تنظيم مُسبق أو مخططات مبنية على معرفة وتقدير الإمكانيات الذاتية أو دراسة لقدرة الخصم ، وبغياب مؤسسة سياسية معارضة واضحة الملامح محددة الأهداف والرؤى والمشروع ، مع إتكال واضح على الغير ، تحركت المعارضة السورية راسمة خطاها وفق مسيرة من سبقها ، واضعة آمالها على مشاهد استحضرتها من ثورات تونس ومصر وليبيا بدون أية معطيات تساعد على وضع المقاربات بين هذا وذاك ، مُحملة بوعود من دول وأشخاص استمروا بالتلاعب بها وتشتيتها وإضاعة أي فرصة حقيقية عليها لترتيب اوراقها عبر دفع البعض ضد البعض والإيحاء بالدعم ، مستغلة الأهواء والمصالح الشخصية وضعف الخبرات وقلة الإمكانيات مضت هذه المعارضة تحاول خوض غمار التمثيل السياسي لثورة هي الأعقد في التاريخ الحديث.
وفي نيةٍ مبيتة ومخططات تم إعدادها مسبقا ، ومعرفة لإسلوب التعامل وخبرات تشكلت عبر أكثر من أربعين عاما من التمرس بوسائل القمع وارتكاب المجازر والإحتكام للقوة عند بروز أي ملامح معارضة أو مطالب بالتغيير ، وبدعم من قوى وتحالفات دولية ، جابه النظام السوري انتفاضة الشعب مُدركا لمكامن الخطر فيها ونقاط القوة التي عليه اجتثاثها أولا ، زارعا افخاخه وألغامه الطائفية ، دافعا بكل ما أمكنه نحو تسليح الثائرين عليه ، مستحضرا كل ما لديه من وسائل تدفع نحو المزيد من الدمار والقتل ، ومستخدما دبلوماسية مدعومة من مجموعة متوافقة من المتشابهات في العالم ، عارفاً بصراع التوازنات والمصالح ، لاعبا على كل الحبال والأوجه ، غير عابئ بالعدالة الدولية أو بالحقوق الإنسانية لمعرفته بحقيقة الأمر ، واجه هذا النظام شعبه بالحديد والنار.
ووفق ترتيبات ومخططات دولية تسيرها منظومة العالم الجديد ذو القطب الأوحد الذي قرر إعادة رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط ، وإعادة إستعماره على أساس نظريات هيمنة جديدة مبنية على قاعدة “ لا خسائر فقط أرباح “ ، وتشكيل اسواق جديدة ومخططات إعادة إعمار تنقذ العالم المتحضر من الإنهيارات الإقتصادية التي تلاحقت منذ عقدين من الزمن ، مهددت عمالقة الإقتصاد العالمي وكبريات منظوماتها بالإفلاس ، وبعد مجموعة من الحروب الخاسرة ومهزلة الحرب على الإرهاب التي فضحتها مجريات الامور ، والتكاليف والخسائر التي تكبدتها هذه الدول فقط لإستمرار وضع شعوبها في حالة التأهب ، وإستمرار الإيحاء بوجود القاتل المتربص الذي يحتاج للملاحقة والحرب عليه قبل وصوله إليهم ، والتي تبرر بالتالي مزيد من الضرائب والإنفاق على الآلة العسكرية وتغطية العجز بالميزانيات ، نتيجة المنافسة التي شكلها القطب الآسيوي ، والسياسات العدائية التي انتهجتها الإدارات المتلاحقة لهذه الدول تجاه أغلب دول العالم المستهلكة ، إضافة لسياسة الإفقار المتعمد عبر إفراغ خزائن دول العالم الثالث بشكل ممنهج في صفقات الأسلحة ومتمماتها بإثارة القلاقل والحروب والتهديدات الوهمية لأمنها ولأمن أنظمتها ، والتي أدت بالتالي لإفقار شعوب المنطقة وإنعدام قدرتها الشرائية لمنتجات هذه الدول مما أدى لخسارتها لأسواق إعتمدتها منظومات الإستعمار في القرن الماضي كأسواق إستهلاكية لمنتجاتها ، مانعة عنها أي وسيلة للتطور وإنتاج البدائل.
في ظل كل هذا وذاك ، يقف الشعب السوري الآن وحيدا مضرجا بدماءه مُصرا على الإستمرار بمعركته لنيل حريته ، والوصول لبناء دولته المنشودة ، في مشهد كئيب يُظهر تخازلا دوليا وعربيا واضحا ، وفي ظل إستمرار نظام الأسد في إرتكاب جرائمه دون أي رادع أو حساب لقانون أو لمجتمع دولي.
أمام هذا كله تبدو اليوم المعارضة السورية محبطة مرتابة حائرة يصدمها الواقع الذي بدا أكثر قبحا من أي وقت مضى ، هذا في ظل إستمرار تشتتها وعدم إمكانيتها بعد لكسر الطوق وإعلان ثورتها الخاصة ، والوصول إلى الإعتماد على النفس والإمكانيات المتوفرة ، لوضع برنامجها وتوحيد فصائلها والإتفاق على مشروعها الوطني الموحد ، منطلقة من مصارحة حقيقية للنفس وللشعب لوضع النقاط على الحروف والبدء بمرحلة يتم فيها تصحيح الاخطاء وفرز الأشخاص والكيانات والقوى على أساس الإنتماء للوطن وفقط للوطن ، يتم من خلاله رفع الغطاء عن كل المُشوِِهين للثورة وللشعب السوري من سياسيين أو عسكريين أو فصائل دخيلة على مجتمع وطبيعة الشعب السوري.
إننا الأن بأمس الحاجة للعمل سريعا ، وبأمس الحاجة لصحوة حقيقية ، تنقذ ما تبقى من وطننا وشعبنا ومستقبل ابنائنا ، ونحتاج للإبتعاد عن الخطاب المبتور والفكر المبتور والعقل الموتور ، ونحتاج لتصحيح الصورة المشوهة التي حاول النظام وبعض القوى الغريبة عن مجتمعنا وبعض الجاهلين ومن لهم مصالح في تشويه صورة المجتمع السوري والشعب السوري بها.
إن كل مواطن في هذا الوطن يحتاج إلى الخلاص ، بغض النظر عن موقفه السياسي أو إنتمائه لأي طرف كان ، الكل أمام مصيبة ضياع الوطن والكل أصابه الحيف ويبحث عن الخلاص ، وهذا الدم النازف على إمتداد وطننا ينزف من الجميع ويؤلم الجميع لأنه دم سوري يسفك بأياد سورية.
وهنا يأتي دور الخطاب الجامع والسياسات الوطنية الصادقة ، التي يمكن التعبير عنها بمشروع وطن يمثل كل أبناء الوطن ويتبناه ويسعى لتحقيقه كل أبناء الوطن.
فمن لايزال ينتظر الحل السحري والعدالة الدولية ومنظومات حقوق الإنسان ومجلس الأمن والبيت الأبيض وتغيّر مواقف موسكو وبكين ، ومن لازال يعتقد بأن إيران وروسيا وكل حلفاء النظام ساعين لمصلحة سوريا والشعب السوري ، ومن يراهن على ان نظام الأسد من الممكن ان يستمر بحكم سوريا بعد كل ماجرى ، ومن يُصّر على تبني فكرة أن شرذمة من التكفيريين وشذاذ الآفاق تُعدُّ ببضعة عشرات او مئات ستتمكن من فرض إرادتها على الشعب السوري ويفاضل بينها وبين نظام قاتل مجرم ، فإنه يراهن على مزيد من سفك الدماء ومزيد من الخراب والدمار لوطنه.
أُكرر دعوتي للجميع من أبناء سوريا الشرفاء ، بغض النظر عن أي إنتماء سياسي أو فكري أو ديني ، لكسر الحواجز والوصول إلى تفاهمات تُنهي مانحن فيه من مأساة ، هذ المأساة التي لن تنتهي إلا بحلين لا ثالث لهما إما بتكاتف أبناء الوطن كلهم والبدء بالعمل لإنقاذ سوريا وشعبها ، أو بالإصرار على الإستمرار بما نحن فيه حتى دمار ماتبقى من وطننا وتشريد وقتل ما تبقى من شعبنا
مازال الشعب السوري رغم كل ما جرى قادر على استرداد المبادرة وصياغة مستقبله بمشيئته فلا تدعوها للآخرين لأنهم إن صاغوها ابدا لن تكون لصالح سوريا او السوريين.