الإعلام الغربي والثورة السورية
ليست حربا أهلية ولا طائفية ولا تطرفية
ناديا مظفر سلطان
أستطيع القول أن حقيقة الثورة السورية لم تصل بعد إلى الإنسان الغربي وخاصة في أمريكا
كي يدرك أنها ليست حربا أهلية ولا اقتتالا طائفيا ولا توجها تطرفيا.
الثورة السورية ليست حربا أهلية
وهل يعقل أنه من يبيع الأرض ويبيد الزرع ويهلك النسل ويدمر المدن ويطمس الحضارة ، ويذبح الطفولة ، هل يعقل أن يكون من زمرة الأهل ؟ هل يعقل أن يكون بشار وأبوه من قبل ومن والاهم من زمرة الأهل؟
لقد توسل نبي الله نوح عليه السلام إلى ربه يوما ، متشفعا لإبنه لأنه من "أهله " ، عسى أن لا يهلكه الطوفان فقال:
"إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين "45 هود
، فجاء الرد من الله سبحانه حاسما ، ينهاه عن مثل هذا الطلب ، بل ينهاه عن مجرد إطلاق صفة "الأهل " على ابنه ،
"قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح "46 هود
في بداية الثورة ، هدد زبانيتهم ، أصحاب الثورة ، فقالوا : الأسد أو نحرق البلد ،
فهل من تهون عليه البلد بماضيها وحاضرها ومستقبلها ، هل يمكن أن ينتمي لأهلها؟
يحكى أن امرأتين اشتكتا يوما إلى القاضي ، كل منهما تدعي أنها أم لطفل رضيع ، فحكم القاضي أن الحل الأفضل هو ، أن يقطع الطفل إلى نصفين ، فتأخذ كل امرأة نصفا . فقبلت الأم المزيفة ، بينما رفضت الأم الحقيقية رأفة بولدها. فظهر الحق وزهق الباطل.
والثورة السورية ليست اقتتالا طائفيا
إنها ثورة الطيب بكل صوره الأصيلة على الخبيث بكل أقنعته الزائفة . وهي ثورة الحق بكل لغاته على الباطل بكل افتراءاته وترهاته.
بالأمس اقتربت مني "لي " ، جارتي اليابانية ، سألتني : هل صحيح أن الحرب في سوريا هي "حرب طائفية "، بين السنة و الأقليات ؟ هكذا تصل أخبار الثورة إلى مسامع الغرب.
في بدايات الثورة التقيت صدفة ب "علي العراقي" ، قال لي : يشهد الله أنني بقلبي معكم ! أنا عاتب على ربي لأنه خلقني شيعيا ".. !
بينما ومنذ أيام التقيت "مها السورية " التي تنتمي إلى عائلة سنيَة عريقة ، سددت نظراتها إلي بتحد صفيق ، وأخذت تتشدق وهي تمط كلماتها ما استطاعت بلهجة استفزازية
"أنا أموت ببشار ، وأموت بحسن نصر الله !! "
الاسلام ينهى أن ننتصر للمسلم إن كان خائنا ونظلم غير المسلم إن كان على حق ، إنه التوجيه الإلهي الذي ينهانا عن خلط الأوراق .
في سورة النساء ينتصر الله سبحانه لليهودي ويدافع عنه لأنه صاحب حق ، ويعاتب نبيه لأجله ، ويثبت التهمة على المسلم .!!!
القصة تحكي أن رجلا من الأنصار سرق درعا لأنصاري آخر ، فاتهمه صاحب الدرع عند رسول الله . فعمد السارق إلى الدرع ، فأخفاها في بيت رجل يهودي، وقال لقومه ذلك. فذهبوا إلى رسول الله يطلبون منه أن يعذر صاحبهم ويجادل عنه أمام الناس.
فقام الرسول فبرأه ، فأنزل الله آيات تبين للرسول حقيقة الحدث. فأمر الرسول بالدرع فأتي بها فردها إلى صاحبها ، وهرب السارق فلحق بالمشركين في مكة .
"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولاتكن لخائنين خصيما "
هل هناك أعظم وأرقى من هذا التوجيه ؟
والثورة السورية ليست تطرفية
خلال حمى الصراع والجدل بين أنصار أوباما ومعارضيه في الأيام الفائتة ، بثت ال س ب س الكندية فيديو لجهاديين ينفذون الإعدام ببعض من مجرمي النظام وكان التعليق عليه إذا سقط حكم الأسد فهذا هو البديل وهؤلاء المتطرفون "الجهاديون"هم من سيحكم سوريا .
لم يسمع العالم قط بغياث مطر ، الذي يصادف اليوم العاشر من سبتمبر ذكرى استشهاده ، كعلم من أعلام الثورة ، ورمز فريد وراقي من رموز التظاهر السلمي.
كانت وصيته اذكروني كلما غرستم شتلة ياسمين ، فقد كان يوزع الماء والورد على الشبيحة مناديا إياهم يا إخوتي ، فسجن وعذب حتى الموت وسرقت أعضاؤه.
لم يعرض الإعلام الغربي قط صور أو أفلام عن مجازر النظام في البيضة أو الحولة أو التريمسة أو الكلاسة ، كتلك التي يعرضها اليوم عمن وصفهم ب الجهاديين ، بل إن الصور التي عرضت عن مجزرة الكيماوي كانت لبعض المصابين وليس للأطفال الملتفين بالأكفان بالمئات في مشهد تقشعر منه الأبدان لفظاعته.
إن التطرف كسلوك يمكن أن يصدر من أي طائفة ، ولكن ما نسمعه عن التطرف ضد الإسلام لا يعدو أن يكون فقاعة صابون سرعان ما تضمحل ، أما ما يصدر عن بعض المسلمين كتطرف فهو كفيل أن تدق له الطبول وتقرع الأجراس حتى لا يمحى من ذاكرة التاريخ... ترى كم في ذاكرة الشعب السوري من مجازر ساهم فيها تقاعس القريب وتآمر الغريب ؟.
في الواحد من يوليو عام 2009 أقدم الألماني أليكس ديبليو على طعن مروة الشربيني المصرية الأصل ، الصيدلانية ، و التي كانت حامل ، 18 طعنة في بطنها وصدرها وظهرها في خلال 3 دقائق ، بعد أن وصفها بالإرهابية لارتدائها الحجاب.
عجبا من هو الارهابي منهما؟
والغريب أن مسرح الجريمة كان في أكثر الأمكنة عدلا وأمانا ، ألا وهي محكمة دريسدن ، و الأغرب أن الجاني تابع مهمته فطعن الزوج " علي عكاز" عدة طعنات أيضا بعد أن أجهز على زوجته .
ترى كم عدد الناس الذين بلغهم هذا الحدث؟
الإسلام يحض على العدل وأن العين بالين والسن بالسن ولكنه ينهى عن التطرف وقد وصف الله أمته أنها الأمة الوسط ، تلك التي تعمل دون مبالغة أو شطط أو إكراه .
حكاية الثورة رغم بساطة مطلبها وسلمية بدايتها وتفرد مسيرتها ومثالية مؤسسيها أمثال غياث مطر ، لم تصل إلى أسماع الغالبية العظمى من الناس وخاصة في أمريكا ، وأن هنالك وراء البحار قوما ثاروا على العصابة التي تحكمهم لفسادها وظلمها ، وليست على الطائفة التي تنتمي إلها وأن هدف الثورة كان حرية وكرامة ،وأن شعار الثورة كان سلميا ، ثم أرغمت على السلاح دفاعا بعد أن بلغ السيل الزبى ، والقلوب الحناجر.
.. إنها ثورة كرامة وحرية . وإن عرفت تحت هذا العنوان سوف يهرع الكثير للانضمام تحت لوائها من كل الطوائف والألوان والانتماءات المذهبية .
الثورة السورية أرقى من أن تنحدر إلى مستوى طائفي ضحل المعنى ، وأعظم قيمة من أن يفرّط بها فتسرق ، و تتحجم ، لتصبح ثورة متطرفين ، وأعقل وأرشد من أن تضلَ عن مسارها الأصيل ك "ثورة حرية كرامة"
مثل قديم يقول "كل لسان إنسان "
الإنسان السوري اليوم ضائع بين شريد ولاجئ ومعتقل أو قتيل ، وجيل ناشئ يغرق في ظلام الأمية والجهل ، فما أحوجنا لمضاعفته بألسنة تتقن الخطاب مع الغرب .