تسعة وتسعون سببا مشروعا لرفض الضربة على سورية ولحظة خوف لطفل سوري تلغيها جميعا
تسعة وتسعون سببا مشروعا
لرفض الضربة على سورية
ولحظة خوف لطفل سوري تلغيها جميعا
زهير سالم*
تقول العرب: ويل للشجي من الخلي. السجالات التي تدور اليوم بين الكثير من السياسيين والنخب والمثقفين حول توجيه ضربة دولية أو أمريكية إلى بشار الأسد أو نظامه أو عصاباته أو إلى بنية الجيش السوري أو الدولة السورية حسبما يحب كل فريق أن يعبر، تمتلك أسبابها الموضوعية ومشروعيتها الدينية والسياسية والقومية والوطنية النظرية بالنسبة للكثيرين ؛ إلا بالنسبة إلى السوريين ولأقل بشكل أدق بالنسبة إلى الضحايا من السوريين فهي مجرد كلام يُمضغ أو يُلاك.
إن ما يفصل السوريين الضحايا عن كل أولئك من الحكومات والقيادات والشخصيات هو علاقة ( الشجي بالخلي )، بحيث يبادر الأول إلى تصنيف الثاني في خانة الشيطان الرجيم الذي لا يُقبل منه صرف ولا عدل ويرد عليه كل قول ويتهم على كل تحفظ. ولا يحدث ذلك لأن ما يقوله ( الوعاظ المترددون والمشككون ) هؤلاء مختلف عليه في أصوله أو في فروعه، أو في منطوقه أو في مفهومه ؛ بل لأن هناك خلافا حادا في الحال والمقام فيما يمكن أن ندعوه ( أفق اللحظة ) التي يعيشها أولئك وهؤلاء..
ينظر المواطنون السوريون الضحايا إلى الأمر من موقع أناس قيدت أيديهم وأرجلهم وأضجعوا على النطع في مساقات الذبح وبدأ جزارهم يذبحهم واحدا بعد الآخر كبارهم وصغارهم، رجالهم ونساءهم، بالغيهم وأطفالهم، ووسط حيرة الآخرين واندهاشهم وترددهم واستنكارهم الذي لا يغير من الحقيقة شيئا تمتد ( يدٌ ) يد مجهولة أو منكّرة لإنقاذهم، أو لإبعاد السكين عن ودج ضحية منهم فيسمع هذا المسكين من ينادي على هذه اليد لا..لا، يجب أن نسأل أولا من أنت ؟! وما غايتك ؟ وماهي أهدافك ؟! ولماذا تفعل ذلك ؟ وماذا ستصنع بهؤلاء بعد أن تنقذهم من سكين الجزار، ويضيف بعض المتسائلين وهل أنت طاهر من الحدثين الأكبر والأصغر ؟! ويدور الجدل ويثور الغبار، وليس بين سكين المجرم وبين قطع ودج وليد ما يكفي لعشر هذا الذي يدور..
حين يجادلك البعض وقد رتب أولوياته عن الثورة السورية على مستوى الداخل وماهي مصلحة أتباع الملل والنحل والأقوام. ليؤكد لك أن مصلحة كل فرع مستقلة بذاتها هي مقدمة على مصلحة الأصل..
وحين يجادلك البعض وهو يعيد ترتيب مصالح الدول أو المجموعات في الإقليم ماذا سيحدث في العراق أو في الأردن أو في لبنان إذا استعاد الشعب السوري قراره...؟!
وحين يجتمع قوم للصلاة والصيام والقيام والدعاء مثنى وفرادى ألا يسقي الله شعوب شرق المتوسط قطرة مطر وأن يأخذ البلاد والعباد بسنين كسني يوسف لئلا يستفيد إسرائيلي من قطرة مطر ....
حين تسمع كل هذا أو بعضه تدرك أن هناك خللا قد أصاب قواعد التفكير في تقدير ( حكم اللحظة ) وبعده وضروراته وأبعاده وأن الأمة ما زالت ترسف في عصر غربة العقل والدين..
في لحظة شحذ سكين المجرم على الودج تكون الأولوية الأولى والوحيدة هي لمن يأخذ على يد المجرم، وينقذ روحا بريئة من الإزهاق ولتذهب كل العنعنات وأصحابها إلى الجحيم. إن أي محاولة لتجاوز ذلك أو الالتفاف عليه أو تأخيره أو التشكيك فيه هو شراكة في الجريمة بل هو انغماس فيها...
للكثير مما يقال في الخطاب السياسي من موقع المتكئين على الأرائك وجاهته العقلية أو السياسية أو القومية أو الوطنية الفراغية، ولكن طفلا سوريا واحدا يسأل: هل سأصبح على غاز أو على ذبح أو ردم تتجاوزها جميعا.
كل طفل سوري وطفلة سورية تؤرقهم اليوم لحظة يتساءلون فيها: أنا عايش عمو...أنا عايشة عمو.. وكل إنسان في حلمهم يصلح ليكون ( عمو ) مهما كان دينه وعرقه وجنسيته. عمو الذي ينقذهم ليس من الحلم بل من واقع دام ليدخلهم من جديد في حلم الطفولة الذي يليق.عار بشار الأسد اليوم يجلل العالم ويتغشى وجه الإنسانية فلا تمنع الإنسانية من تيمم إن لم يكن وضوء.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية