سواء علينا أضَرَبتموه أم لم تضربوه
مجاهد ديرانية
في "العقد الفريد" (وغيره من كتب الأدب) أن المغيرة بن شعبة دخل على زوجته فارعة الثقفيّة وهي تتخلل حين انفتلت من صلاة الغداة (أي وهي منصرفة من صلاة الصبح)، فقال لها: إن كنتِ تتخلّلين من طعام اليوم إنك لجشعة، وإن كنت تتخللين من طعام البارحة إنك لبشعة. كنتِ فبِنْتِ (يريد أنه طلّقها، يقال: "بانت المرأة" إذا انفصلت عن زوجها بالطلاق). فقالت: والله ما اغتبطنا إذا كُنّا ولا أسفنا إذ بِنّا. وما هو لشيء مما ذكرت، ولكني استكت فتخلّلت للسّواك.
وتروي كتب الأدب قصة مشابهة وقعت بين معاوية بن أبي سفيان وزوجته ميسون بنت بحدل الكلبية.
* * *
تذكرت هاتين القصتين وأنا أتابع أخبار التحرك الدولي الذي زعموا أنهم سيردّون به على عدوان سفاح سوريا الكيماوي، فتارةً يُقْدمون وتارة يُحْجمون، ويوماً يتسرّعون وآخر يتريّثون، ولاحظت أن كثيرين من أهلنا ربطوا قلوبهم بذلك التحرك المزعوم، فهم يترددون بين اليأس والأمل ويراقبون "بورصة السياسة" كما يراقب صاحب الملايين "بورصة المال"! فقلت في نفسي لمنافقي المجتمع الدولي مقالة فارعة للمغيرة وميسون لمعاوية: والله ما اغتبطنا لقيامكم ولا أسفنا لقعودكم، ولو ظننتم أننا توكلنا عليكم إنكم إذن لواهمون وإنّا إذن لمشركون.
لا والله ما توكلنا قط إلا على ربنا ولا اعتمدنا إلا على أنفسنا، ولقد ارتكبنا خطأ عظيماً ثم تبنا منه وأقلعنا عنه فلم نكرره بفضل الله، فقد رجونا ذات يوم أن يتدخل الغرب لإنقاذ سوريا فرفعنا في جمعةٍ لافتات تقول: "التدخل العسكري الفوري مطلبنا" وفي جمعةٍ غيرها: "الحماية الدولية مطلبنا"، ثم انكشف الوهم وزالت عن العيون الغشاوة، فمزقنا اللافتات القديمة ورفعنا محلها لافتات جديدة تقول: "واثقون بنصر الله" و"العناية الربانية مطلبنا" و"إخلاصنا خلاصنا".
لقد خدعتمونا ذات يوم فانخدعنا، ثم تهتّك الستر وتكشّف السر وعلمنا أنكم والنظام شركاء في قتلنا، فصرخنا في وجوهكم "أمريكا، ألم يشبع حقدك من دمائنا؟" و"المجتمع الدولي شريك الأسد في مجازره". واتضح لنا الطريق أخيراً فأعلنّاها للدنيا: "وكفى بالله نصيراً"، ثم استفتحنا الشهر الأخير بجمعة "إن ينصركم الله فلا غالب لكم"، وختمناه بجمعة "وما النصر إلا من عند الله".
لقد استرجعنا أخيراً نَشيدَ الثورة الذي ردّدناه من يومها الأول "ما لنا غيرك يا الله"، وما زال هو نشيدنا إلى اليوم، ولن نضيعه بعد اليوم إن شاء الله.
* * *
يا منافقي العالم: أنتم في وادٍ ونحن في وادٍ غيره. اضربوا السفاح أوْ لا تضربوه؛ لم ننتظر ضربتكم من قبل ولسنا ننتظرها من بعد، نحن ضاربوه ونحن مُسقطوه بإذن الله.
لقد احترف السفاح الكذب فلم يَصْدق في حياته كلها إلا في كلمة واحدة، فإنه قال إن أي قوة خارجية لن تُسقط نظامه. هذه صدق فيها (وهو الكذّاب الأشر)، ولكنه لم يكمل الجملة: لن تسقطك -أيها السفاح المجرم- قوة خارجية، ولكنك ساقط لا محالة بقوة داخلية، فإن ثوار سوريا الأحرار هم مُسْقطوك وهم قاتلوك بإذن الله العليّ العظيم.