أسمع كلامك يعجبني..
د. محمد أحمد الزعبي
في الأمثال الشعبية الدارجة " الكلام مافي عليه جمرك " ، أي أن من يشاء يستطيع أن يقول مايشاء مجاناً بل وأن يتراجع غداً عما "غرّد " به هذا اليوم ، وأيضاً مجاناً ، طالما أن الأمرلايعدوأن يكون مجرد كلام ، والكلام ليس عليه جمرك ، كما يقول المثل الشعبي .
خطرت لي هذه الفكرة ، وأنا استمع اليوم ، عبر إحدى الفضائيات ، إلى أن مجلس العموم البريطاني قد رفض مشاركة إنكلترا في التحالف الدولي لـ " فرك إذن " بشار الأسد ، بسبب استخدامه يوم 21 آب الجاري الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً ضد المدنيين من سكان الغوطتين الشرقية والغربية المحيطتين بالعاصمة السورية دمشق ، حيث ترتب على استخدام هذا السلاح الكيماوي أكثر من 1400 شهيد ، معظمهم من الأطفال ، إضافة إلى آلاف المصابين ، الذين غصت بهم المستشفيات الميدانية ( محدودة الأجهزة الطبية ، والأطباء ، والأدوية ) ومستشفيات منظمة " أطباء بلا حدود " الأمر الذي أدى إلى وفاة بضع مئات منهم ، حسب ماأعلنت عنه رسمياً تلك المنظمة العالمية ، ذات الصبغة الحيادية سياسياً ، والإنسانية أخلاقياً.
لايساورني الشك ، في أن جميع القادة الكبار في الدول المعنية بـ " فركة إذن بشار الأسد " بسبب تجاوزه الخط الأحمرالمحرم دولياً ، يعرفون جيداً الموقف الحقيقي لمؤسساتهم التشريعية من مسألة توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد في سورية ، ويعرفون جيداً أيضاً أنهم لايستطيعون تجاوزإرادة مؤسساتهم المنتخبة ديموقراطياً ، وبالتالي شعوبهم ، ويعرفون جيداً أيضاً وأيضاً أن شعوبهم لايمكن أن تقبل منهم لادور المتفرج الصامت ولا دور كلامهم المجاني ، الذي لايتعدى سياسة " الضحك على الذقون " وإعطاء بشار الأسد فرصة الفتك بمزيد من الأطفال ، ومن النساء والشيوخ في سورية ، سواء ذبحا بالسكاكين ، أو قنصاً بالرصاص الحي ، أوحرقاً بالنابالم ،أو قتلاً بالقنابل العنقودية والبراميل ، أوخنقاً بغاز السيرين .
إن ماينبغي قوله لهؤلاء القادة العالميين الكبار، وعلى رأسهم حكومة " وعد بلفور " العتيدة ، والتي أمطرت المعارضة السورية طوال أكثر من سنتين بالوعود المجانية ( حتى لانقول الكاذبة ) ، التي لم تكن لتزيد واقع الحال ، عن كونها " شيك بلا رصيد " : ومتى كانت الشعوب ياسادة ( وبالتالي الهيئات المنتخبة ديموقراطياً ) ، مع قتل الأطفال الصغار النائمين في أحضان أمهاتهم ، بغاز السيرين المحرم دولياً ؟! . ويبدو أن الإستشهاد ببيت أبي العلاء المعري ( هذا كلام له خبيء معناه ليس لنا عقول ) يصبح ضرورياً هنا ، بالرغم من الفارق بين خبيء أبي العلاء ، وخبيء كامرون وهيغ ! .
إن أحداً لم يعد يجهل الدور المشبوه والمدان وغير الأخلاقي والمدفوع الأجر، الذي تمارسه العديد من وسائل الإعلام العالمية والشرق أوسطية ، في تشكيل الوعي الذرائعي الزائف للرأي العام العالمي ( المجتمع الدولي ) ، وفي زرعها في عقول البعض ،أن طفل اليوم هو إرهابي الغد ، وبالتالي فإن قتله اليوم ، هوأقل تكلفة من انتظاره حتى يكبر غداً !. نعم نحن نعرف ذلك ، ولكن المطلوب أن يعرف الآخرون أننا نعرف .
ومن جهة أخرى ، فإن أصحاب السيادة من الدول " المتطورة " يعرفون جيداً ، أن الدول " المتخلفة / النامية " لاتصنع حتى سكين المطبخ ، و إنها إنما تستورد كافة أنواع الأسلحة ، بما في ذلك السلاح الكيماوي ، من ترسانة صناعاتهم العسكرية ، وبالتالي فإن مسؤولية قتل أطفال العالم عامة ، وأطفال سورية خاصة ، بهذا السلاح أو ذاك ، إنما تقع بداية عليهم ، ومن ثمّ على الأنظمة المستبدة والفاسدة ، التي تشتري هذه الأسلحة الفتاكة منهم ، ومن ثم تستعمله لقمع معارضيها الداخليين ، دون تفرقة بين أعزل أومسلح ، صغير أوكبير ، رجل او امرأة .
إن الأثمان البخسة لسلع مثل ( النفط ، الغاز ، القطن ، الكاكاو ، القهوة ، المطاط ، الخ ) ، إنما تعطيها دولكم وشركاتكم عابرة القارات ، وعابرة القيم والأخلاق ، لدولنا النامية باليمين ، ثم تستردها بالشمال ، وذلك بتزيدها لهذه الدول بالبضائع والسلع المصنعة الباهضة الثمن ، والتي من بينها ، بل وعلى رأسها الأسلحة بمختلف أشكالها وصورها ، ومنها السلاح الكيماوي الذي قتل به " زبونكم " المستبد والفاسد ، بشار الأسد أطفال الغوطتين فجر يوم الأربعاء 21.08.2013 .
إن ملحمة أطفال الغوطتين إنما تقع مسؤوليتها الأخلاقية ، من وجهة نظرنا ، على كافة الأطراف الداخلة في صنع وفي بيع وفي شراء وفي استخدام هذا السلاح الكيماوي المحرم دولياً ، وأيضاً على من شجع أو سكت على هذا الاستخدام ، ولكن ــ وبطبيعة الحال ــ بنسب مئوية متفاوتة ، بحيث تتركز المسؤولية الكبرى والأساسية هنا ، على من استخدم هذا السلاح ، ألا وهو بشارحافظ الأسد ، الذي يمكن للمرء أن يطلق عليه بكل راحة ضمير إسم : " المجرم ، قاتل الأطفال ".
إن إدانة بشار الأسد ، في استخدامه للغازات السامة في الغوطتين ، هي إدانة أخلاقية مزدوجة، من جهة لأنه
استخدمها من حيث المبدأ ضد معارضيه ، ومن جهة أخرى لأن هؤلاء المعارضين هم أبناء الشعب السوري الذي ينتمي إليه !!.
أما سدنة الديموقراطية في العالم ، فيبدو أنهم فيما يخص نظام بشار الأسد كانوا ( وربما مايزالون ) يبحثون عن أية ذريعة تبرر لهم سياسة " النأي بالنفس !!" ، أو سياسة ( بطيخ يكسر بعضه / عرب يقتلون عربا ) وذلك على عكس موقفهم في االعراق الشقيق عام 2003، حين اكتفوا يومها بتصديق كذبة صريحة ، من أحد عملائهم ، للمشاركة الفعّالة في غزو ذلك البلد " النفطي " ، وإسقاط نظامه ، الذي لم يكونوا راضين عنه ، لأسباب كثيرة ومختلفة ومعروفة . إننا بالتأكيد لانريد لبلدنا ( سورية ) مصيراً مؤلماً ومؤسفاً كمصيرإخوتنا في العراق الشقيق ، ولكن مانريده لبلدنا ــ وبالتأكيد المزدوج ــ هو " الحرية والكرامة " .
إن المعارضة السورية وجيشها الحر ، لايريدون منكم ، ياسادة " المصنع والمدفع" سوى موقف جاد و حقيقي يضع حدّاً لجنون عائلة الأسد ، الذي دمر سورية ، بشراً وشجراً وحجراً ، وقضى على الزرع والضرع ، والذي ابتدأ عام 1980 ( مذبحة سجن تدمر ) وانتهى ( هذا إذا انتهى ) في 21 آب 2013 باستخدام أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً في غوطتي دمشق ، مروراً بمجزرة مدينة حماة 1982 ، وبمجازر كافة المدن والقرى السورية ، منذ 18 آذار 2011 ، وحتى هذه اللحظة ( 3.9.2013 ) ، والتي بات عدد ضحاياها يحسب بمئات الألوف ، وليس بعشراتها . كل هذا وأنتم تبيعون الشعب السوري ( منذئذٍ ) كلاماً لايسمن ولا يغني ، كلاماً مجانياً ، ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ، وينطبق عليه المثل الشعبي المعروف عندنا ( وربما عندكم أيضاً ) " الحكي مافي عليه جمرك !! " .
فياأيتها الدول المتطورة تكنولوجياً ، إن بشار يقتلنا ، بخطوطكم الحمر ، وبتهديداتكم ذات الوجهين ، وبأسلحتكم الفتاكة ،وبمراقبيكم ومندوبيكم الأمميين . إن مانريده منكم ، أيها السادة ، هو فقط أن تكفوا عنا شر هذه الخطوط الحمر ، وهذه التهديدات ذات الوجهين ، وهؤلاء المندوبين والمراقبين ، وهذه الأسلحة الفتاكة ، التي تتساقط على بيوتنا وأطفالنا صباح مساء ، من الجو والبر والبحر، ونحن ( المعارضة السورية والجيش السوري الحر) نتكفل بما سيبقى من " خارطة الطريق " التي نعرفها وتعرفونها ، ألا وهو إسقاط ديكتاتورية عائلة الأسد ، ورميها في مزبلة التاريخ ، وذلك تنفيذاً لمطلب شباب ثورة آذار 2011 " الشعب يريد إسقاط النظام ".