أفكار قابلة للنقاش ..

عقاب يحيى

البعض يتناول المواقف الراهن على أساس خلفيات ثابتة، أو محاولة استجرار التاريخ، والأطلال.. أو سحب مواقف سابقة على ما يجري، فنغطس في التعميم الذي تشبعه نفوس غاضبة أشبعها المجرم حنقاً، واندفاعاً عاطفياً..

ـ شخصياً : قلتها، وكتبتها من عقود.. ان البعث صار ممسحة لكل قذاراتهم نظام الاستبداد والفردية، والمواطن العادي، وحتى شريحة واسعة من المهتمين، والسياسيين.. لا ترى سوى الظاهر على السطح في ممارسات نظام الطغمة.. قبل الثورة، وفحشاء مابعدها، وانكشاف السواتر التي كانت مخفية على البعض..وهي ترى في تضحيات جسام قدمها بعثيون معارضون، امضى بعضهم ربع قرن في المعتقلات، ومثيلها وأكثر في الملاحقة والمطاردة والمنافي.. شيئاً جانبياً طالما أنه لم يثمر، أو أمراً لا يخرج عن صراعات البعث الداخلية المحكومة.. بآفاقه، وتياراته..

ـ أعلم أن تناول الوضع بموضوعية يحتاج وقفات شجاعة، ونقدية، وجريئة، ونقاشات مفتوحة، ودراسات مستفيضة يضيق بها عالم الفيسبوك، او بضعة مقالات منتوفة ..

لقد مارست من عقود فعل وكتابة رأيي النقدي بالجوهر والفكر والممارسة، ودعونا إلى عمل تياري عريض يمكن أن يستفيد من جميع التجارب دون نسخها، وأن يتجاوز اسباب مصائبنا وهزائمنا التي تتجاوز البعث تحديداً.. غلى عموم بنى المجتمع، والفكر السياسي، والأحزاب.. وموقع الحرية فينا وفي تعاملنا، والقضايا الوطنية والقومية وموقعها من كل ذلك، ومن الصراع مع الصهيونية، والهيمنة الخارجية الكثيفة، والدين وحدوده، والأحزاب الإسلامية والأسلمة، ومعنى العلمانية، وفصل الدين عن السياسة.. وكثير من قضايا تطرح نفسها بثقل على الثورة السورية بعيداً عن الواقع الصارخ الراهن الذي يجعل جلّ الاهتمام منصبّاً على اليومي والأحداث ..

  ******

عاطفياً.. حاولنا مراراً التفريق بين الدولة والنظام. بين سورية الوطن، العشق، الحلم، المآب، الهدف . المنطلق . السكن . الحضن . الانتماء....وبين النظام.. ولعلنا ناقشنا نظرياً، وفلسفياً أفكاراً تفصيلية عن الفروق والتخوم.. لكن نظام الاستبداد والفئوية سحق الدولة تماماً. كوّرها، ولفّها ليضعها مثل الفطيرة بين أنيابه النهمة، فالتهم معظمها بعد التطويع، والتشويه.. حتى صار تعميم سورية الأسد يلقى نوعاً من الواقعية فيما فعله النظام، وفيما يفعله وريث العته.. وصار السؤال مشروعاً، وكبيراً بين فئات واسعة من السوريين الذين اشتهروا بوطنيتهم، وقوميتهم على امتداد تاريخهم، ورفضهم لي نوع من أنواع التدخلات الخارجية.. فكيف منها العسكرية، وكيف إن جاءت من أمريكا المعروفة بعدائها لهم، ودعمها غير المحدود لعدوهم التاريخي : إسرائيل ؟؟...

ـ السؤال المطروح بإلحاح اليوم : اين هو الوطن السوري؟؟.. وما هو الانتماء إليه؟؟ وما هي الحدود بينه وبين طغمة استباحت كل شيء.. وحولت الجيش ومؤسسات الأمن والدولة كلها إلى أدوات في حربها الإبادية المعلنة على الشعب .. وبالتالي : فالضربات المرفوضة بديهياً، ومبدئياً، صار مرحباً بها لأنها عند العديد تستهدف عدوهم، ولعلها تنتقم لهم، وتريحهم منه..

ـ تلك متغيرات.. احدثتها الطغمة بممارساتها الدموية، والفئوية.. وهي اليوم واقع قائم يجب الاعتراف به بعيداً عن الصراخ، والانفعال.. لأن كل الذي يجري، وسيجري. كل التداعيات.. هي نتاج فعل الطغمة، وحصاد ما تقوم به ..

  ****

بالعودة إلى اماني البعض بإعادة البعث ـ بأية صيغة ـ ورغم ان ذلك من حق أي مؤمن به، ورغم أن القادم محمّلاً بكل الحقوق والاحتمالات، بما فيها حق بعثيي النظام ـ غير القتلىة ـ ان يكون لهم إطارهم السياسي في دولة الديمقراطية والتعددية وفقاً لما ينص عليه قانون الأحزاب، وحرية التحزب والاعتقاد.. فاعتقادي.. ان الثورة التي هي تغيير جذري للواقع لا بدّ ان تصوغ مفاهيماً جديدة، وتولّد قوى جديدة.. ربما تنبت من رحم الماضي، أو أطرافه، ومن تجاربه.. ودروسه.. لكنها من المفروض ألا تكون نسخة عنه، أو ترقيعاً له .