هياكل كثيرة، أرقام كبيرة، ونتائج هزيلة
عثمان أيت مهدي
مع بداية كلّ سنة دراسية تجند وزارة التربية بالجزائر موظفيها لإنجاح الدخول المدرسي، منتهجة سياسة ذر الرماد على العيون بتقديم أرقام بالملايين عن عدد التلاميذ في الأطوار الثلاثة، ثمّ عددهم في كلّ طور، بعدها تنتقل إلى ذكر عدد المؤسسات المنجزة لهذه السنة والتي تفتح أبوابها خلال هذا الموسم، لكن، لم تتوقف وزارتنا يوما لإبراز عيوب المدرسة والتعليم التي يتخبط فيها الأستاذ والتلميذ معا، ولا عن عدد التلاميذ الذين يتسربون سنويا، ولا عن أسباب هذا التسرب.
إنّ المتأمل في الأرقام التي تعلنها وزارتنا يكتشف حقيقة حجم العبء الذي تحمله الوزارة على عاتقها، فخلال هذا الموسم 2013/2014 سيلتحق بالمؤسسات التربوية 8.470.007 تلميذ، من بينهم 321.978 تلميذ جديد، أي بزيادة 3,95 بالمائة مقارنة بالموسم الدراسي الفارط. واستقبال 462 مؤسسة تربوية جديدة، من بينها 254 مدرسة ابتدائية، ليصل عدد الابتدائيات إلى 18344 مدرسة، 99 متوسطة ليرتفع عددها إلى 5210 متوسطة، مقابل استقبال 109 ثانوية جديدة ليبلغ عددها 2092 ثانوية عبر الوطن، يضيف الوزير بأنه سيتم استقبال 267 مطعما مدرسيا، مما سيسمح بالتكفل لما يزيد عن 50 ألف مستفيد جديد من الوجبات المدرسية، وكذا استقبال 167 نصف داخلية و13 داخلية.
وبخصوص تكييف المؤسسات التربوية لولايات الجنوب، أكد وزير التربية بأنه قد تم اقتناء وتوصيل وتشغيل 3900 جهاز تكييف في 145 مؤسسة مدرسية، من بينها 38 مدرسة، 86 متوسطة و21 ثانوية، ورصد غلاف مالي يقدر بـ 5.4 مليارات دينار لصيانة واقتناء أجهزة التدفئة لفائدة 709 مدرسة ابتدائية، 324 متوسطة و155 ثانوية.
وأكد الوزير بأنه قد وضع تحت تصرف جميع المؤسسات التعليمية 60 مليون كتاب مدرسي، مجددا تأكيده بأن أكثر من 4 ملايين تلميذ يستفيدون من مجانية الكتاب، وهم تلاميذ السنوات الأولى والتحضيري، وتلاميذ الأسر المعوزة، وأبناء العاملين في القطاع.
إمكانات ضخمة، وأرقام معتبرة لا تقوى كثير من دول العالم على استيعابها، إنها بحق مجهودات جبّارة لا تنكرها إلا العين المصابة بالرمد.
لكن، هل ترافق هذه الأرقام و المجهودات المبذولة عدد الناجحين في نهاية التعليم الثانوي والانتقال إلى الجامعة؟ وهل الناجحون يمتلكون مؤهلات علمية للولوج إلى الجامعة؟ هل أهداف التعليم الأساسي والثانوي تتحقق في العدد الناجح في نهاية كلّ سنة دراسية؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى وقفة متأنية لإبراز أهم ما تخفيه هذه الأرقام الكبيرة وهذه المنجزات العظيمة.
يتفق جلّ الفاعلين في المؤسسة التعليمية على أنّ منظومة التعليم بالجزائر أصابها الوهن وأصبحت لا تقوى على مسايرة التطور الحاصل في مجال التربية والتعليم في العالم. الأرقام التي تقدمها الدولة عن نسب النجاح في امتحانات شهادة التعليم المتوسط وشهادة البكالوريا سياسية أكثر مما هي نسب عن نسبة نجاح المنظومة التربوية، بحيث أصبحت لا تعكس تماما مستوى التلاميذ، حتى راح البعض يتهكم عن النسب المرتفعة بقولهم: نتائج مرتفعة ومستوى ضعيف. المتحصل على البكالوريا بدرجة جيد يجد صعوبة كبيرة في كتابة فقرة إنشائية دون أخطاء إملائية أو نحوية أو تعبيرية. ومعظم طلبة الشعبة العلمية يتحصلون على البكالوريا بفضل المواد الأدبية، كالأدب العربي، اللغة الفرنسية، التاريخ والجغرافيا والعلوم الشرعية.
إنّ ارتباط الطالب بالمقرر لا يخرج عنه قيد أنملة، والاعتماد شبه كلي على الدروس الخصوصية تسمحان للممتحن بتجاوز عقبة الامتحان بكل سهولة، لكن، استفادته واستيعابه للمواد غالبا ما يتوقف عند نهاية هذه العقبة، وكأن الطالب يقرأ لأجل امتحان محدد في الزمان والمكان، لا لأجل أن يملأ حقائبه بالعلم والمعرفة التي تضمن له مستقبلا، وتؤهله لانتزاع درجات ومناصب علمية جديدة.
ثمّ إنّ عملية الغش في الامتحانات الرسمية أصبحت شيئا مألوفا، رغم تشديد الحراسة، فالطلبة مصممون على التحدي كما وقع في بكالوريا 2012/2013 شعبة الآداب والفلسفة، حيث قام الكثير من الطلبة وفي عدة مراكز للامتحان بعملية نقل جماعي لم تعرفه الجزائر منذ الاستقلال.
معظم الطلبة ينحدرون من أسر لا تولي أهمية للدراسة، ولا تمتلك مكتبة بالبيت، شغلها الشاغل هو توفير لقمة العيش، ومأوى للأبناء، تدفع ثمن الدروس الخصوصية، لكن، دون متابعة ولا مراقبة، لأنها تعتبر دراسة أبنائها ليست أولوية كالخبز والحليب والصحة وغيرها.
الأقسام المكتظة، وتحميل الأستاذ ما لا يطيق، وحشو ذهن الطالب بمواد وبرامج طويلة، تملأ كلّ وقته ولا تسمح له بالفراغ للراحة وتجديد النشاط، كلّها من أسباب تدني المستوى، وفي كثير من الأحيان انحطاطه وابتذاله، رغم النسب العالية للنجاح كما يريد الوزير أن يوهمنا.
نعود إلى نسب التسرب المدرسي التي يمكن اعتبارها رهيبة مقارنة بنسب النجاح. إذا افترضنا أنّ 321.978 تلميذ جديد يلتحقون لأول مرة بالمدرسة، ونسبة النجاح في نهاية التعليم الابتدائي هي: 90 % مما يعني أنّ نسبة عشرة من المئة ستغادر المدرسة، وبتعبير آخر سيبقى من هذا العدد في التعليم المتوسط ما يقارب: 289780.20، بعد المرحلة المتوسطة سينتقل إلى الثانوي ما معدله: 60 % أي حوالي: 173868.12 هذا العدد يجتاز عقبة البكالوريا بنسبة أقل من خمسين في المئة، أي حوالي: 78240.65، وبالتالي يكون عدد المتسربين من المدرسة هو: 321.978 - 78240.65 = 243737.35 والنتيجة هي: عدد المتسربين ثلاثة أضعاف عدد الناجحين أو أكثر، (مع تساهلنا لنسب النجاح المقدمة من طرف الوصاية).
هذا هو حال التعليم بالجزائر الذي يحاول الكثير من المسؤولين والمربين إخفاءه، يتكلمون عن العدد الهائل المقبل على مقاعد الدراسة ويغفلون عن الأعداد الكبيرة المتسربة نهاية كلّ سنة دراسية. ومن قال بأنّ المدرسة تنتج الأميين، لم يكن على خطأ، لأنّ الأرقام تعبر عن ذلك بصدق وشفافية.
فمتى يعاد النظر في عيوب منظومتنا التربوية، وفي طريقة التعليم، وبناء أكثر للمؤسسات التربوية المجهزة بالأدوات التعليمية الضرورية؟ لأنّ ما توفره الدولة حاليا، لا يعدو أن يكون مبان بالأسمنت لاستقبال التلاميذ. ورغم الجهود المبذولة يبقى التعليم يشكو نقصا فادحا في هذه الهياكل. لقد وصل الاكتظاظ في بعض المؤسسات إلى ستين تلميذا في القاعة الواحدة.
أختم هذا المقال بسؤال شارل ديغول عن التعليم بفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية: هل التعليم بفرنسا بخير؟ قيل له: هو بخير. قال شارل ديغول: إذن فرنسا بخير. طالما أنّ التعليم بخير فالبلاد بخير، والعكس صحيح.