إذا لم يستح منك القاتل

كاظم فنجان الحمامي

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

إلى الشهيد الشاب أحمد بن عبد الكريم بن فيصل بن نجم بن بدر العلي

الذي سقط مضرجا بدمه في اليوم الأول من هذا الشهر المشئوم

من دون أن يعرف هوية قاتله

كانوا يأتوننا متنكرين بعيونهم المبرقعة ووجوههم المقنعة فيغتالوننا في الغفلة, لكنهم اليوم يأتوننا بوجوه مكشوفة وعيون مبحلقة فيطلقون علينا النيران وجهاً لوجه, من دون أن يستحوا منا, ومن دون أن يعبئوا بمصير أهلنا, وكانوا يتسللون إلينا تحت جنح الظلام فيختبئون في العتمة لينالوا منا حينما تسنح لهم الظروف المؤاتية, لكنهم اليوم يأتوننا في الصباح الباكر, فيقتلوننا على قارعة الطريق تحت ضوء الشمس وأمام الجموع الغفيرة من الناس, وكانوا يطلقون علينا رصاص الغدر من مسدساتهم الكاتمة, لكنهم اليوم ينفذون فينا حكم الإعدام في الفضاءات المفتوحة, فيمطروننا بوابل من بنادقهم المجلجلة بأصواتها المرعبة, وكانوا يأتوننا فرادى, لكنهم اليوم يأتوننا أفواجاً, فيزهقون أرواحنا بدم بارد, ثم يمضون في طريقهم بخطوات ثابتة من دون أن يخشوا أحد. .

لقد توقفت عجلة الحياة في العراق, وأصبحت في حكم المعطلة والمنتهية إلا أدوات الجريمة التي يتقنها ويتعامل بها الذين لا يستحون من الله, وها هي خلايا القتل والتدمير تمارس هوايتها عندنا, وتتفنن في صناعة الموت وتصديره إلى الأسر الآمنة المسالمة. .

قالوا: أن دم المسلم على المسلم حرام, لكنهم كانوا يكذبون على أنفسهم, ويصرون على الكذب لأنهم لا يستحون من الناس, ومن لا يستحي من الناس, لا يستحي من الله, فتباً لمن لا يستحي من الناس, ولا يستحي من الله, وصدق القائل: إذا لم تستح افعل ما شئت. .

كم من الأبرياء يدفعون حياتهم في كل شبر من أرض العراق, تارة يقتلوننا بالجملة في الأسواق والمساجد والكنائس والمدارس بعبواتهم المتفجرة وأحزمتهم الناسفة, وتارة يعذبوننا ويمثلون بأجسادنا ويقطعون رقابنا من دون أن نرتكب ذنباً أو نقترف إثماً, حتى صارت مدننا ساحة حرب يستأسد فيها صبيان الشوارع, فيقتلوننا بلا اكتراث. .

صاروا يخرجون علينا من حيث لا نعلم, وينقضون علينا من حيث لا نتوقع, فيطلقون علينا النار, ثم يعودون خلسة إلى أوكارهم كما الأشباح, وكأنهم يريدون تحويل العراق إلى صومال جديدة. .

هكذا نحن يا ولدي أحمد, كتبت علينا الأقدار أن نذوق الموت غصة بعد غصة, وكتبت علينا أيامنا البائسة في العراق أن نواجه المصاعب بصدور مفتوحة ورؤوس مرفوعة وقلوب دامية, حتى إذا حان أجلنا صحونا من رقدتنا وانتبهنا إلى عدالة الله, هو المنتقم الجبار, وإليه يرجع الأمر كله. .

اللهم لا راد لقضائك, ولا معقب لحكمك, لا نسألك رد القضاء, ولا نقول إلا ما يرضيك ربنا, ولكنها قلوبنا التي يفجعها الموت إذا ما جاء بطلقة غادرة تودي بحياة عزيز لدينا. .

اللهم يا رحمان يا رحيم, يا واسع المغفرة, اغفر لشهيدنا, وارحمه وعافه واعف عنه, وأكرم نزله, ووسع مرقده, واغسله بالماء والثلج والبرد, ونقه من الذنوب والخطايا, كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس. .

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.