الشعب السوري والغرب: بين الرغبة و الريبة!!
في الكيماوي القاتل:
وليد جداع
مضى على الشعب السوري في محنته أشهر مديدة، بدأها بسلمية نقية باهرة ، لا يريد إلا حرية بعد قهر، وكرامة بعد إذلال، وانعتاقا من سيطرة أسرة مافيوية متسلطة، أرهقته واستنزفته وجعلت سورية في ذيل قائمة البلدان النامية. وكان ما كان من جبروت النظام وقمعه وعدم استجابته. وتحولت انتفاضة الشعب السوري إلى عمل مسلح مقاوم ومحرر كأنه حرب تحرير شعبية من استعمار أو أدهى وأشق من استعمار. فكان أن تغيرت الصورة تماما ، وانتقلت الثورة من حال سلمية محضة يشارك بها جموع الشعب، من كتاب ومثقفين وفنانين وشباب ونساء ، إلى عمل مسلح يقوم به ضباط وجنود منشقون، وشباب سوري ترك دراسته وعمله وانتقل إلى الكتائب والألوية والفرق، في عمل عسكري بحت، له بيئته واحتياجاته ومعطياته الخاصة به. والمقاومة المسلحة، والعمل العسكري المقاوم للسلطات، وحروب التحرير من الأنظمة القمعية، على ما يعرف التاريخ، وعلى ما تدل التجارب الإنسانية السابقة، يحتاج إلى ما هو ما هو مختلف تماما عن العمل السلمي الخالص.
وهو في حالتنا السورية خاصة، حاجة المقاومة- إضافة إلى ما توفره من مصادرها المحلية- إلى دعم خارجي بالمال والسلاح، وحاجة إلى حدود مفتوحة مع جيران يقدمون ملاذا لملايين المهجرين السوريين، وأمانا من القتل والإرهاب والاعتداء على الأعراض، وحاجة إلى غطاء عسكري وإمدادات طارئة في الأزمات، وحاجات أخرى كثيرة يعرفها المسلحون وقياداتهم في كل زمان ومكان. على أن حاجة الشعب السوري إلى المال والسلاح وأنواع أخرى من الدعم، استجلبت بطبيعة الحال، حالات من التدخل الخارجي ، ورغبات معينة للداعمين مشروعة أو غير مشروعة، وارتهان في بعض الأحيان لإرادات الآخرين في تقديم السلاح أو عدم تقديمه ، وتقديم المال اللازم لاستمرار الحياة أو إمساكه. مما جعل المعركة ليست فقط بين شعب سوري مقاوم،ضد نظام حاكم دموي، بل بين إرادات إقليمية ودولية منخرطة بشكل أو بآخر في المشكلة السورية التي أضحت(مسألة كونية) حقيقية، دون أن يخل هذا بنصاعة كفاح الشعب السوري ونبل مقاصده وجدارته بالنصر .. والحق الذي أجمع عليه المتابعون والمراقبون ، أنه لولا إرادة سورية شعبية جبارة، وتضحيات هائلة بالرجال والمال وكل ما هو غال ونفيس، لكانت الانتفاضة السورية أثرا بعد عين، ولا سيما لما أظهره النظام الغادر من بطش بالشعب، وانتقام منه بكل أنواع المهلكات. وعلى صعيد التدخلات الخارجية، وفي مجال الغرب بالذات، كان الشعب السوري محاصرا دائما بين الرغبات في نوع من التأييد الإنساني والعسكري وإنجاده بالسلاح والخبرات والدعم المباشر في بعض الأحيان.. والأطر النفسية التقليدية التي خالطت كيانه منذ أزمنة بعيدة، أهمها الريبة في الغرب ونواياه، ولا سيما بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، ثم بسبب ما اعترى التدخلات الغربية المعاصرة المشهودة من مآس ومهلكات ، في العراق وأفغانستان وغيرهما من بلدان. وهو في ريبته هذه ، وياللمفارقة الغريبة،لا يرى من سبيل لمواجهة حكومة بلده الطاغية إلا بعون خارجي من مظان الشك والريبة نفسها! فقد أدار( الشرق) ظهره له،وانخرط الروس والإيرانيون في دعم استراتيجي هائل للنظام القاتل في دمشق. ولم يبق أمامه-خلافا لبعض العرب مشكورين- إلا الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، تنصره وتؤازره بطرق ملتوية شتى ولمآرب شتى...إنها لمسألة شائكة حقا ، أن الإيرانيين والروس وبعض البلدان العربية تمد النظام المجرم في دمشق بالمال والسلاح والدعم السياسي بغير حساب ،في حرب ضد شعب سوري مقهور ومحاصر بالدبابات والطائرات والشبيحة والميليشيات... بينما هذا الشعب السوري ، المحارب من أجل حريته وإنسانيته ليس له إلا أن ينتظر دعما مقابلا شحيحا مترددا خجولا، من جهات غربية هي موضع ريبته وشكه ابتداء!
والمسألة السورية من حيث علاقة الشعب السوري بالغرب، وهي أبدا ليست علاقة النظام الحاكم في دمشق بالغرب، جزء من علاقة عربية-غربية ملتبسة وشائكة منذ زمن بعيد! إن الغرب دون أدنى تردد في التصريح ، ودون تلعثم أو تلاعب بالكلمات: إنه على استعماريته السابقة ومواقفه من الصراع العربي الإسرائيلي، ومؤازرته غير الخفية لأنظمة حكم مكروهة من الشعوب..إن الغرب هذا (حاجة) علمية وتقنية وإنسانية وعسكرية أحيانا، لا يمكن الاستغناء عنها. بل من الخطأ الفادح التفكير بالاستغناء عنها أو تجاهلها! إن الغرب بلا تردد موطن التقنية الأبرز في العالم على كل صعيد. وهو يمتلك أفضل الأنظمة السياسية والاجتماعية التي تضمن لشعوبه الكرامة والحرية والرفاه، وهو أكثر من يعطي للإنسانية خدمات وابتكارات ... ونحن في الحالة السورية النازفة المؤلمة، بحاجة إلى هذا الغرب (المريب) على وجه التحديد.فهو الوحيد ربما الذي يستطيع أن يلجم إن أراد أو بلغت مصالحه، هذا النظام الإرهابي في دمشق، وهو الوحيد الذي يكافئ استراتيجيا مواقف روسيا والصين وإيران وباقي حلفاء الأسد الاستراتيجيين –الحاليين- وهو الوحيد، من غير بعض العرب، الذي يقدم للشعب السوري ما يعينه حقيقة في معاركه ضد قوات الإجرام والقتل من آل الأسد وحلفائهم.على ما يصاحب هذا الغرب في مواقفه من مثالب وشكوك والتواءات.
يذكر الشعب السوري جيدا ، أن المجتمع الدولي كله تقريبا، تقاعس عن نصرته في مقاومته المشروعة لهذا النظام المجرم في دمشق منذ البدايات. ويذكر الشعب السوري جيدا، أن المجتمع الدولي كله تقريبا ، لم يكترث بالقدرالمطلوب لأكثر من مائة ألف شهيد قضوا على أيدي سفاحي دمشق، إلى جانب مئات آلاف آخرين معتقلين ومفقودين. ويذكر الشعب السوري جيدا أنه كان يتلقى براميل النار وقذائف الدبابات والصواريخ وهجمات الطائرات الحربية، ولا مبادرة من أحد غربا وشرقا، لنصرة هذا الشعب والوقوف معه. بل تجاهل لمحنته ، وترسيخ لمبدأ مشبوه ومدان في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة...وهو لهذا (يرتاب) حقا في المواقف الغربية من الضربة المحتملة لقوات النظام في دمشق! فالحق أنه كان لموقف دولي حاسم ضد المجرم الأسد، في البدايات، أن يتكفل بتقليل معاناة الشعب السوري إن لم نقل إنهاءها. وكان لإرادة دولية تتحلى بالحس الإنساني ان تأخذ على يد المجرم الأسد، فتمد الشعب السوري بأساليب الانتصار وأدواته ، أن تنهي المواجهة بأسرع مما حصل بكثير، وتوفر على الشعب السوري الدماء والدمار والخراب.. ولكن شيئا من هذا لم يحدث، وترك الشعب السوري يقتل ويهجر ويعتقل ويذل ويهان ويستباح على أيدي مجموعة مجرمة من أبناء سورية وحلفاء لهم دمويين في قم وطهران وحزب الله! وها نحن أخيرا ، نحصد مزيدا من القتل بالسلاح الكيميائي الفتاك والمحرم دوليا، على يد النظام المجرم نفسه. ويقتل من أبناء الشعب السوري الآلاف بالغازات السامة . ثم تبدأ الأسئلة التي تجتر محنة الشعب السوري، وتعيد إنتاج المواقف المتخاذلة من محنةالشعب السوري: هل التدخل متوافق مع النظام الدولي أم لا؟ وهل هو مفيد للشعب السوري أم قد يصيبه ببعض الإصابات العشوائية هنا وهناك؟ وكيف نجعله ضربة تأديبية للنظام دون إسقاطه؟ وهل يحتاج التدخل لمجلس الأمن الدولي أم يمكن للولايات المتحدة القيام به وحدها...ثم سؤال أكثر ريبة وإدهاشا: هل نضرب النظام ضربة قاصمة تنهيه وتخلص الشعب السوري منه، أم نكتفي بضرية تأديبية، تحافظ على النظام المجرم وتمده بشحن معنوي جديد بدل إضعافه...كل هذه الأسئلة المطروحة بصورة مهينة للشعب السوري المكافح، تجعل المسألة أكثر ريبة وأقل مدعاة للاقتناع بأن الغرب بالذات يرغب في مساعدة الشعب السوري، إن لم نقل يرمي إلى مد زمن المعركة وإطالتها واستنزاف قوى الشعب السوري المقاوم.
لكن هذه الريبة التي تحاصرنا، تحتاج إلى بعض المراجعات الدقيقة والمؤلمة بآن! هل الغرب جمعية خيرية (تفزع) لإغاثة لهفتنا وملهوفينا ، جراء تمادي بشار الأسد وعصاباته في الإجرام؟؟؟ ولماذا يرسل الغرب وأمريكة قواتهم إلى ساحة معركة ، لتنصر شعبا مقهورا ضد ظالم قاتل، فقط نصرة للإنسانية المكلومة؟؟؟ ولماذا يتعين على الغرب بالذات أن ينتصر للشعوب التي تلعنه وتشكك في مقاصده ونواياه؟؟ بينما الروس وحلفاؤهم ، كشأن الاتحاد السوفييتي سابقا، يقتل بخفاء ودهاء، ويحظى في النهاية بالثناء والمديح، فهو نصير الشعوب المقهورة وسندها، بينما هو لا يفعل في الغالب إلا أن يلهث وراء مصالحه، ولو كان فيها خراب وقتل ودمار...إننا إذا اقتنعنا بأن الغرب فقط هو من يستطيع مساعدتنا بشكل فعال، فإن علينا أن ننتظر ثمنا يتعين علينا أن ندفعه. وإن علينا أن ننتظر من هذا الغرب مراعاة مصالحه أولا ، ويأتي من بعد ذلك الانتصار للمبادئ الإنسانية وحقوق الشعوب في التحرر والاستقلال. نعم إن للتدخل الغربي ثمنا ينبغي أن يدفع، وقد يكون ثمنا باهظا أحيانا، لكن علينا أن نتأمل جيدا بين ثمن ندفعه للغرب مرة أو اثنتين، وبين قضاء عمر مديد جديد تحت حكم آل الأسد، من حافظ إلى بشار إلى حافظ صغير جديد يتلقى دروس الديكتاتورية والإرهاب منذ يفاعته و(نعومة) أظفاره!
وإن علينا أن نتأمل جيدا تلك الأحاديث البائسة عن ضربة توجه إلى(سورية)! أين هي سورية اليوم! هل هي حوامات الأسد التي تلقي براميل النار المحملة بالقتل والحرائق والدمار؟ أم السوخوي التي تقصف المساجد والكنائس والبيوت على رؤوس الناس؟ أم الدبابات ت-72 الروسية المشؤومة التي سحبت من جبهة الجولان لتتجول في أزقة المدن السورية وقراها فتكتسح البيوت وتدمر السيارات وتقتل الحياة والأحياء؟؟ سيضرب الغرب (الجيش السوري)! هل بقي لدينا في سورية جيش سوري وطني حقا لنحتفي به أو نخاف عليه، أم أن لدينا جيشا أسديا خالصا، يقتلنا ويقتل أهلنا ونساءنا وأطفالنا؟؟ سيضرب الغرب القيادات(السورية)! هل تستحق هذه القيادات المجرمة التي شردت نصف سكان سورية وألجأتهم إلى الفيافي والقفار وبلدان الجوار وسائر أرجاء الأرض، أن نذرف دمعة عليهم ، ولو اكتووا بنار الغرب والشرق والشمال والجنوب!
علام نذرف الدمع في سورية إن ضرب الغرب –حقا- بعض مراكز الاتصالات والسيطرة ومخازن السلاح؟؟ هل في هذه كلها إلا زمر دموية تفتك بالشعب السوري وتستبيح عرضه وشرفه وكرامته؟؟ وهل بين القيادات ومراكز السيطرة والاتصالات وكل الفعاليات الأسدية المجرمة من يستحق أن نأسف عليه أو نذكره بخير، ونحن نحن ، من اكتوى بناره وذاق المر على يديه على أجيال؟؟
يريد الشعب السوري تدخلا دوليا شاملا متفقا عليه من الدول كافة، لتخليصه من النظام المجرم في دمشق إن استطاع. ويريد الشعب السوري المقتول المقهور المهجر ، ضربات ساحقة للمجرم الأسد وعصابته من أية قوة دولية، إن تعذر الإجماع الدولي. ويرتاب الشعب السوري في الوقت ذاته بذلك البطء الشديد وعدم الاكتراث عالميا بمحنته التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها أقسى محنة في العالم اليوم، ويرى في هذا البطءء إسهاما غير مباشر في دعم الأسد وعصاباته. وهو من جهة ثانية، لا يرى في الضربات مادامت موجهة لقيادات النظام ومراكز قوته وإدارته للحروب ضد الشعب السوري، ضربة لسورية، بل يراها ويريدها ضربة للأسد السفاح وزمرته. وهو، جاءت الضربة، أم تأخرت، أم لم تأت أبدا، ماض في طريقه نحو الحرية، مجاهد من أجل كرامته وإنسانيته، يدفع ثمنا غاليا وسيدفع ، ليتخلص من حكم آل الأسد ومناصريهم وعملائهم. إنه لطالما ردد السورين من يفاعتهم أن للحرية ثمنا باهظا يدفع، وأن الحق في الحياة والحرية والكرامة هو أهم حقوق الإنسان.
وليد جداع
المشرف على الحركة الدستورية السورية