الضربة العسكرية المحتملة للنظام الأسدي

أهداف معلنة وأخرى خفية

عبد الرحيم صادقي

[email protected]

ننطلق من مسلمة مفادها أن أي تدخل غربي سواء أعسكريا كان أو سياسيا في شؤون العرب والمسلمين لا يكون إلا بدافع حماية الهيمنة الغربية ولاسيما الأمريكية، ولأجل الحفاظ على ميزان القوى كما هو، وكما تريده الهيمنة الأمريكية على الصّعد كلها. ومن البلادة الاعتقاد أن الغرب يتدخل سياسيا أو عسكريا نصرة للمظلومين أو طلبا لإحقاق الحق وإزهاق الباطل. وكيف يكون الأمر كذلك والغرب نفسه من نصّب عملاءه لتسيير أعماله في الوطن العربي الكبير بعد استقلال صوري. وجُلّ مشكلات إفريقيا الاقتصادية والسياسية وحروبها التي توصف بالعِرقية نتيجة استعمار استنزف خيرات البلدان وثرواتها، ولم يدع لأهلها غير التبعية والانبهار.   

ولذلك لا نرى الحديث عن ضربة عسكرية محتملة للنظام السوري إلا مندرجا في هذا الإطار العام، وقائما على مسلمة الهيمنة والتحكم. فما أهداف هذه الضربة العسكرية التي يعتزم الغرب توجيهها للنظام السوري؟ نُجمل الأهداف ما ظهر منها وما بطن فيما يلي:   

1-  حفظ ما تبقى من ماء الوجه بعدما تجرأ النظام السوري على استعمال السلاح الكيميائي في الغوطة، وهو ما كان يعُدّه الأمريكيون خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه. فلا ريب أنها فرصة للأمريكيين لكي يعملوا على ترقيع شعارات: "المنتظم الدولي" و"حقوق الإنسان" و"السلم العالمي"... تلك الشعارات الكاذبة التي بدا للعالم أنها لا تُرفع إلا في الزمان الذي يحدده الأمريكان، وفي المكان الذي يرتضونه.

2-  إقناع الحلفاء والخصوم على السواء بنجاعة التدخل العسكري بعد الفشل الذريع الذي لحق الأمريكان في أفغانستان والعراق، فيما سموه كذبا وبهتانا "الحرب على الإرهاب". أما الخصوم فلإقناعهم أن العصا الأمريكية ما زالت ذات جدوى، وأنه لاشيء يثني الغطرسة الأمريكية عن جبروتها وإرهابها العالمي، فهي تُقْدم متى تشاء، وتُحجم متى تشاء. وأما الحلفاء فلإقناعهم أن أمريكا تمسك بزمام الأمور وأنه لا داعي للقلق أو الخشية على قدرة الحلف الأطلسي على إنجاز مهامه، أو التشكيك لحظة في جدوى الخيار العسكري. وأنه وإن غدا من العسير التفكير في تدخل عسكري ميداني، فزمام المبادرة لا يزال بأيدي الغرب عبر ضربات جوية خاطفة، ذكية وغير ذكية، المهم أن تؤتي أكلها الذي يريده أسياد العالم.

3-  توجيه ضربة للكتائب المجاهدة التي يبدو أنها لا تعير اهتماما لمخططات الغرب ومصالحه، وتصرّ على مواصلة جهادها وفق رؤيتها وتخطيطها. قد تتوجه الضربات لمخازن السلاح وميادين التدريب، وقد تستهدف القادة العسكريين ورموز الثورة. ثم يُفسَح المجال لفيالق عسكرية لا ترى غضاضة في الهيمنة الغربية لتُعيد تأثيث المشهد العسكري على الأرض. ولقد يبدو أن التدخل العسكري الغربي تأخر في مواجهة المجاهدين، لكن نظرة عامة على المشهد تؤكد أن الغرب لم يغفل لحظة من لحظات القضية السورية، وأنه كان يراهن على رجحان كفة النظام، فإن لم يحصل فعلى الحلول السياسية التي تُبعد بشار الأسد من المشهد وتُبقي على جوهر النظام الأسدي الذي يتقن لعبة الممانعة المنبطحة التي تغرّ الأصدقاء وتُفرح الأعداء. لكن يبدو أن دوائر التجسس الأمريكي خلصت إلى أن النظام الأسدي يوشك أن يقع تحت ضربات من يصفهم بالمتطرفين والإرهابيين، ولذلك صار القرار الأمريكي أكثر ميلا إلى الحل العسكري الذي يرضي الأطراف كلها، بما في ذلك الطرف الروسي والإيراني، ما دام أن مصلحة الجميع تلتقي عند القضاء على جبهة النصرة والكتائب المجاهدة الأخرى.

4-  إطالة عمر نظام عالمي قائم على الهيمنة والاحتكار، والتدخل العسكري، والعنف المادي والرمزي، عبر إشعال مناطق تَوتّر تصلح لضخ دماء جديدة في عروق اقتصادٍ رأسمالي يختنق، ولا شك أن سوق الأسلحة تنتعش حينها، وأن أموالا تتهيأ لبناء ما دُمّر، في انتظار تدمير جديد. تلك هي الدائرة المفرغة التي تطيل عمر الاستبداد العالمي، وتجعل قوى الاستكبار تَمنّ على المستضعفين منحة المساعدات وحريةً على جرعات.

من المسلّم به أن الغرب يخشى أن تنفلت زمام الأمور من بين يديه، فتتحول المنطقة إلى أرض مشتعلة يدفع الصهاينة ثمنها غاليا، وهو ما كان متيقِّنا أنه لن يقع ما دام النظام الأسدي قائما، ولا حرج عليه أن يرفع شعار الممانعة بعد ذلك. المهم أن تظل الممانعة موجهة إلى أولئك الطامحين في تعكير صفو الصهاينة وتهديد أمنهم. لا يخشى الأمريكان غير عزمٍ على ثورة تمتد من بلاد الرافدين إلى النيل ابتغاء قطع رِبق العبودية وكسر الهيمنة الأمريكية، ثم تكون ثورة تُلهم العالم بأسره فيهبّ طلبا للحرية والانعتاق، طمعا في تأسيس نظام عادل يسوء الطغاة، لكنه حتما يسرّ العالمَين.