حرق الكنائس !
أ.د. حلمي محمد القاعود
ظل الاعتداء على الكنائس وسيلة من وسائل النظام المستبد الفاشي لتشتيت اهتمام الناس عن جرائمه التي يرتكبها في حق الشعب مثل تزوير الانتخابات أو فرض قانون الطوارئ أو تمرير ارتفاع الأسعار ، ولا باس أن يكون ضحية هذه الاعتداءات بعض المتدينين المسلمين الذين تتم ضدهم عملية تعذيب رهيبة لا يملكون بعدها إلا الاعتراف بما يريد المجرمون في أمن الدولة أو الأجهزة الأمنية المعنية بالأمر . ولعل حادثة كنيسة القديسين في أواخر عهد مبارك كانت نموذجا لهذا الإجرام الذي فاق الحدود ، حيث تم تعذيب الشهيد - إن شاء الله - سيد بلال ، حتى لفظ أنفاسه ودفن بليل ، وحرم أهله وجيرانه ومحبوه من تشيييع جنازته ، ثم نال معذبوه البراءة بعد إعادة المحاكمة .
في مجازر رابعة والنهضة ومسجد الفتح ، استغل الأشرار انشغال الشعب بدفن الشهداء ، وتم الاعتداء علي مجموعة من الكنائس في أماكن شتي من الوطن بالإحراق أو التشويه ، وكانت المفارقة أن شخصا واحدا لم يصب بأذى لسبب بسيط وهو أن أحدا لم يكن موجودا بهذه الكنائس !
الاسلام يرفض القتل والعدوان ويحرم إيذاء الآخرين ؛ ولكن صحف البيادة والقنوات الفاجرة والاذاعات الكاذبة لم تتورع عن اتهام الإخوان المسلمين بالعدوان علي الكنائس ، وتبع ذلك تشويه الإسلاميين عموما ، وتصويرهم في صورة المتعصبين المتطرفين الذين يكرهون الآخر ولا يقبلون التعايش معه ، وهو ما يفهم معه ضمنا أن الإسلام لا يتعايش مع غيره من العقائد والشرائع ، ويلح المجرمون في أجهزة الدعاية الضخمة ليل نهار على هذه الأكذوبة الفجة بما يحول قضية الكفاح ضد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي من أجل الحرية والديمقراطية إلى قضية صراع طائفي وخلاف ديني ويخدم الادعاء الرخيص الذي اخترعه الانقلابيون القتلة بأنهم يحاربون الإرهاب، مع أنهم هم الإرهابيون الحقيقيون الذين قتلوا أكثر من ثلاثة آلاف بريء وأصابوا أكثر من عشرة آلاف واعتقلوا آلافا يصعب حصرها حتى الآن ، فضلا عما ارتكبوه من جرائم بشعة بإحراق الضحايا بعد قتلهم أوتعذيبهم أو ما سماه روبرت فيسك طبخ الضحايا !
لوحظ ان بعض رجال الدين النصارى أعلنوا أنهم استنجدوا بالجيش والشرطة والمطافي لإنقاذ الكنائس التي تحترق ، ولكنهم لم يجدوا أدنى استجابة ، مما يعني أن الأمور لها بعد آخر ، وغاية أخرى .
لقد أكد القس أيوب يوسف راعي كنيسة مار جرجس بالمنيا، أن البلطجية هم الذين أحرقوا الكنائس في المنيا، بينما كان الشيوخ ينادون بحمايتها في خطب صلاة الجمعة. وقال في مداخلة هاتفية له مع إحدى القنوات الخاصة : إن الأحداث التي تقع في قريته لا صلة لها بالإسلاميين بل بمن قال إنهم بلطجية يستغلون الأحداث الجارية للنهب والسلب. وأضاف الأب يوسف أن البلطجية اعتادوا الاعتداء على الكنائس منذ الأحداث التي أعقبت الثالث من يوليو/تموز( يقصد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي ) ، مؤكدا أنهم نهبوا ديرا أثريا عمره ألف وخمسمائة عام.. كما ذكر أن كنيسته وجهت نداءات كثيرة للشرطة والجيش لحماية الكنائس من البلطجية لكنهم لم يلقوا أي تعاون!
وقد نشرت صحيفة "الوول ستريت جورنال" اﻷمريكية تصريحات للأنبا مكاريوس بالمنيا؛ أشار فيها إلى أن الحكومة الحالية ( يقصد حكومة الانقلاب العسكري ) تستخدم المسيحيين لتبرير هجومها على اﻹخوان المسلمين.
وأضاف أن الحكومة تحاول استخدام الهجمات على الكنائس للضغط على المسيحيين الغربيين؛ حتى يدعموا الحكومة المعينة من قبل الجيش. وأبرزت الصحيفة تصريحات عدد من المسيحيين والمسلمين أكدوا فيها أن من هاجموا الكنائس خاصةً في المنيا من البلطجية الذين تستخدمهم اﻷجهزة الأمنية التي لم تدافع عن الكنائس ولم ترد على طلبات اﻹغاثة، سواء هي أو اﻹطفاء.
والغريب أن عقيد الشرطة الهارب عمر عفيفى يعلن من مهربه في أميركا أن الملياردير الإرهابي نجيب ساويرس وراء حرق الكنائس فى مصر ، ويطلب من متحدث الرياسة أن يسكت ويفهم أن موضوع حرق الكنائس مسجل ، والعالم كله يعرف الموضوع ومن وراءه ، وذكر كلاما آخر يتعلق بمسألة التمرد الطائفي في مصر . ثم أشار إلى أن عملية الحرق توقفت بعد أن أعلن مسئولية ساويرس وكانت 48 ساعة قد مرت دون أن يقع حادث واحد لكنيسة واحدة .
في مقابل افتعال هذه الحوادث ووضوح طبيعتها الإجرامية فإن تواضروس رئيس الكنيسة يصر على تجريم المسلمين وتأييد المجازر التي قام بها الانقلابيون القتلة ؛ فقد أصدر بيانا يؤكد فيه وقوف الكنيسة القوي مع الشرطة المصرية والقوات المسلحة وسائر مؤسسات الشعب المصري في مواجهة جماعات العنف المسلح والإرهاب الأسود ( يقصد جموع المسلمين الرافضين للانقلاب) في الداخل والخارج. وذكر في بيانه أنه يستنكر بشدة ما سماه المغالطات الإعلامية التي تنتشر في الدول الغربية ، ويدعوها إلي قراءة حقائق الأحداث بموضوعية ، وعدم إعطاء غطاء دولي أو سياسي لهذه الجماعات الإرهابية الدموية وكل من ينتمي إليها ، لأنها تحاول أن تنشر الخراب والدمار في بلادنا العزيزة ".
هذا البيان العدواني الذي يرى المسلمين إرهابيين دمويين وتفوح منه رائحة الشماتة الرخيصة الخسيسة في قتل ألوف المسلمين وإصابتهم ، لم تفلح محاولاته الإنشائية في التخفيف من قوة نفاذها عبر كلماته المتعصبة .
ومما يعزز هذه النزعة التعصبية الشامتة ما قاله الإرهابي ساويرس حيث ذكر أن من الصعب إجراء مصالحة مع فصيل تلطخت يداه بدماء أبناء الشعب المصري(؟؟)، في إشارة منه إلى أنصار جماعة الإخوان المسلمين حيث ألصق بهم عمليات القتل والحرق والتخريب . هذا المتمرد الطائفي يكذب ويحمل الضحايا المسلمين مسئولية قتل أنفسهم ، ويعلن وكأنه مالك الدولة وصاحبها أنه لن يسمح للمسلمين بالمشاركة السياسية أو حتى المصالحة ؟ أرأيتم كيف يفهم المتمردون المعادون للإسلام طبيعة العلاقات الوجودية داخل الوطن الذي تسكنه أغلبية ساحقة من المسلمين في ظل أقليه متمردة متعصبة تريد أن تتحكم في رقاب العباد ؟ إن بطرس غالي الذي جعلته مصر وزيرا لخارجيتها وأمينا للأمم المتحدة ،يبعث برسالة لهذه المنظمة يزعم فيها أن 30 يونيو كان ثورة متكاملة الأركان ضد حكم فاشي – أي حكم الإسلاميين . منتهى التعصب والكراهية من شخص يفترض فيه أنه يملك تجارب تسعين عاما تجنح به إلى التسامح والمودة ، ولكنه يمضي في طريق التعصب والندامة .
تمنيت من تواضروس وساويرس وبطرس أن يقولوا للمتعصبين كفوا عن تعصبكم ، وإيذائكم فالقناصة كانوا على سطح كنيسة مارجرجس في شارع مراد بالجيزة يقومون بقنص المتظاهرين السلميين وضربهم بالرصاص المباشر فى رءوسهم وصدورهم، وقد سقط منهم عشرات الشهداء والمصابين، وذلك في اثناء مسيرة مسجد الاستقامة التي انتفض فيها المصريون في جميع المحافظات رفضا لمجازر فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
وفي سوهاج قامت قوات الشرطة وعناصر مسلحة داخل إحدى الكنائس باطلاق الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع على الآلاف من المتظاهرين العزل.
بعد ذلك تتهمون المسلمين بإحراق الكنائس؟!