بعد مجزرة الكيميائي بالغوطة

د. بشير زين العابدين

هل بدأت العمليات العسكرية لإسقاط النظام؟

د. بشير زين العابدين / باحث سوري

تؤكد تقارير أمنية غربية أن عملية إطلاق صواريخ تحمل رؤوساً كيميائية على الغوطة الشرقية، يوم الأربعاء 21 أغسطس 2013، قد نفذت بناء على أوامر مباشرة من قبل ماهر أسد شقيق الرئيس السوري.

ويأتي استخدام السلاح الكيميائي على خلفية التطورات العسكرية التي طرأت في غضون الأسبوعين الماضيين، ومن أبرزها:

1- الإعلان عن إنشاء غرفة عمليات أمريكية لتنفيذ خطة تشارك فيها دول عربية وغربية لفرض منطقة عازلة بعمق 40 كم جنوب غربي سوريا، وتشمل محافظات: جبل العرب وحوران والجولان، وعاصمتها درعا.

وتشير المصادر إلى وجود خطط لتمكين الائتلاف الوطني من إدارة هذه المنطقة ونشر قوة من مقاتلي المعارضة قوامها 3000 مقاتل يتم تدريبهم من قبل القوات الخاصة الأمريكية في معسكرات بالأردن، وقد أسندت هذه المهمة إلى اللواء الأمريكي المتقاعد جون رايت (57 عاماً).

وكان رئيس الأركان الأمريكي، مارتن ديمبسي، قد زار غرفة العمليات التي أعلن عنها للمرة الأولى في 17 أغسطس، وتقع في موقع محصن تحت الأرض شمال الأردن، ويعمل فيها 273 ضابطاً أمريكياً يتولون مهمة فرض منطقة حظر الطيران.

كما يوجد فيها قسم للاستخبارات المركزية الأمريكية التي ستوكل إليها مهمة تنسيق عمليات الرصد والاستطلاع، ويوجد في الأردن نحو 1000 مقاتل أمريكي وسرب طائرات من طراز (F-16) ومنصات صواريخ باتريوت لحماية العاصمة الأردنية والقوات الأمريكية من أي هجوم قد يشنه نظام بشار.

2- رصد الاستخبارات السورية دخول قوة مؤلفة من 250 مقاتل من المعارضة عبر الأردن في 17 أغسطس للبدء في تنسيق عمليات كتائب المعارضة لإنشاء المنطقة العازلة، ومن ثم دخول فرقة أخرى مكونة من 300 مقاتل يوم الإثنين 19 أغسطس، حيث بسطت هذه الفرقة سيطرتها في حركة خاطفة على قرى: البريقة وبير عجم على الحدود مع "إسرائيل"، وعلمت الاستخبارات السورية عن وجود تحضيرات لإرسال مجموعة ثالثة يوم 20 أغسطس.

3- البدء برفع الحظر عن تصدير صواريخ حرارية مضادة للطيران إلى كتائب المعارضة لأول مرة منذ اندلاع الصراع، حيث أشار تقرير (Jane's Intelligence) أن الحكومة البريطانية أصدرت في 20 أغسطس إشعاراً برفع الحظر عن تصدير الأسلحة لسوريا ابتداء من 21 أغسطس، مما يمهد لإرسال أسلحة نوعية تساعد المعارضة على تأمين منطقة حظر الطيران، وظهرت في تلك الأثناء مقاطع فيديو إسقاط المعارضة طائرة (MIG-22) باستخدام صواريخ صينية حرارية من طراز (FN-6 man).

4- الإرباك الذي تسببت به حملة المعارضة في محافظة اللاذقية والتي أطلق عليها "تحرير الساحل"، حيث سيطرت هذه الكتائب على مجموعة من القرى شرقي مدينة اللاذقية، وأدى فرارا عناصر «جيش الدفاع الوطني» و«اللجان الشعبية» الذين كانوا يقيمون الحواجز في القرى إلى هجرة جماعية لسكان تلك المناطق.

في حين وقعت مجموعة كبيرة من الموالين للنظام في أسر كتائب المعارضة أبرزهم رجل الدين العلوي بدر غزال، وتحدثت مصادر عن تهديد ضباط من جيش النظام بارتكاب مجزرة في حق أهالي اللاذقية إذا تعرض الشيخ غزال لأي مكروه، لكن ذلك التهديد لم يردع إحدى الكتائب عن قتله يوم الثلاثاء 20 أغسطس ونشر صورته مقتولاً في وسائل التواصل الاجتماعي.

5- تفشي حالة السخط في صفوف الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة التي ينحدر عناصرها من القرداحة والقرى المجاورة لها، والتي أسفرت حملة المعارضة فيها عن تهجير أهاليهم، وقتل الكثير من زملائهم في المواجهات.

وكان ضباط جيش النظام قد تنفسوا الصعداء إثر عمليات "حزب الله" في القصير وحمص وبدأ ينتابهم الأمل بالسيطرة على مناطق أخرى شمال البلاد، إلا أن حملة "تحرير الساحل" المباغتة قد هددتهم في عقر دارهم، وأرغمتهم على وقف جميع العمليات العسكرية في حمص، وسحب ألوية كاملة من إدلب وطرطوس، والزج بنحو 17 ألف مقاتل إلى اللاذقية دون تحقيق إنجاز يذكر.

كما تم إيفاد وزير الدفاع ووزير الإعلام إلى المنطقة بهدف رفع معنويات القوات المقاتلة دون طائل، إذ تشير المصادر إلى قيام قائد ميليشيات "جيش الدفاع الوطني" في اللاذقية هلال أسد (أبو سليمان) وغيره من ضباط النظام بإرسال أهليهم إلى لبنان خوفاً من تعرضهم للمصير الذي لقيه زملاؤهم ممن قتل في المواجهات.

وبناء على هذه التطورات، أيقن النظام السوري أن نقطة الصفر قد حانت بالفعل، وأن العمليات قد بدأت لتنفيذ هجوم شامل من الجهة الجنوبية الغربية لفرض منطقة عازلة، كما بات من الواضح لدى النظام أن مهمة فريق الأمم المتحدة لا تتعدى تقديم المبررات القانونية للتدخل العسكري، خاصة وأن الأسلحة الكيميائية كانت قد استخدمت بالفعل في قرية "خان العسل" في شهر مارس الماضي.

ولم يكن من الوارد في أولويات القيادة السورية إعطاء مؤشرات إيجابية لفريق الأمم المتحدة في ظل تسارع الأحداث، وسقوط مطاري منغ وكويرس العسكريين بيد المعارضة، مما أدى إلى انكشاف فرق النظام وصعوبة تأمين غطاء جوي لعملياته غربي البلاد، بل وجدت بعض الأطراف في القصر الجمهوري أن المبادرة بإتباع إستراتيجية الردع هي الصورة الأمثل للتعامل مع المستجدات، وضرورة التلويح بإمكانية إشعال المنطقة من خلال شن عمليات تختلف في نسقها ونوعيتها عن نمط المواجهات الدارجة منذ بداية الصراع.

ويأتي هذا التغيير في توجهات النظام السوري مع تردد الأنباء باستحواذ ماهر أسد على القرار العسكري، خاصة بعد ما تعرضت له الفرق المدرعة الثالثة والرابعة من خسائر فادحة في العمليات الأخيرة بحوران وحمص واللاذقية.

وتلقي مجموعة من التقارير الغربية بالمسؤولية على ماهر أسد في اتخاذ قرار توجيه ثلاث ضربات نوعية في غضون ثلاثة أيام، هي:

إصدار أوامر بإطلاق صواريخ تحمل رؤوساً كيميائية على الغوطة الشرقية مساء يوم الثلاثاء 20 أغسطس؛ حيث تشير المصادر إلى أن ماهر أسد أسند إلى اللواء 155 التابع لإدارة الصواريخ مهمة قصف الفرقة المقاتلة التي قدمت من الأردن وتمركزت في الغوطة الشرقية بالسلاح الكيميائي بهدف إبادتها بالكامل.

وذكر تقرير أمني أن قائد الفرقة الثالثة، اللواء سليم بركات، أعطى تعليمات بخلط كمية قليلة من مادة السارين مع كمية من غاز أعصاب غير سام تم تصنيعه في إيران، ونفذ الهجوم فجر يوم الأربعاء مما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المواطنين في الغوطة الشرقية والمعضمية وجوبر.

إطلاق 4 صواريخ غراد على إسرائيل يوم الخميس 22 أغسطس، من قبل جهة مجهولة في جنوب لبنان، وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية لم تحدد الجهة المسؤولة بعد، إلا أنها تعتقد أنها نفذت من قبل "الجهاد الإسلامي" أو "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وتتضمن العملية رسالة رمزية بقدرة النظام على استخدام أسلحة كيميائية في العمق الإسرائيلي إذا ما اضطر لاستخدام إستراتيجية الردع.

تفجير سيارتين في طرابلس يوم الجمعة 23 أغسطس موقعتين مئات القتلى والجرحى، واعتبرت بعض المصادر الأمنية أن النظام السوري قد قام بهذه العمليات الثلاث للتأكيد على قدرته في نشر الفوضى على مستوى الدول المجاورة في حال تعرض سوريا لهجوم خارجي.

جدير بالذكر أن اللواء 155 يحتوي على مخزون كبير من الترسانة الكيميائية، ويضم كتائب إطلاق: 51 و52 و77 و97 دفاع جوي، بالإضافة إلى كتيبة هندسة، ويتبع لإدارة الصواريخ التي تتألف من ثلاثة ألوية.

وقد أسهم الحرس الثوري الإيراني في تزويد ألوية هذه الإدارة بالغازات السامة وبمنظومات صواريخ "سام" و"سكود"، في حين أسندت مهمة حماية اللواء مؤخراً إلى الفرقة الثالثة التي تخضع لإمرة القصر الرئاسي مباشرة، ويتولى قيادتها اللواء سليم بركات الذي ينحدر من القرداحة، وقد بدأ حياته العسكرية ضابطاً في سرايا الدفاع، لكنه تمرد على رفعت أسد فيما بعد، ويتمتع بركات بحس طائفي في إدارته للواء وتعامله مع سكان المناطق التي تخضع لسلطته.

وقد تحدثت مصادر فرنسية عن تفشي حالة من الغضب على المستوى الإقليمي إزاء المواقف الأمريكية؛ إذ إن الاستخبارات الأمريكية كانت تراقب جميع مواقع الأسلحة الكيميائية السورية على مدار الساعة، وقد رصدت بالفعل نشاطاً غير عادي في مقر اللواء 155 بالقطيفة قبل 20 دقيقة من إطلاق السلاح الكيميائي، إلا أن واشنطن لم تتحرك لإيقاف المجزرة، بل سمحت للنظام بتنفيذها، وأتاحت لسلاح الجو السوري الوقت الكافي لشن عمليات قصف مكثف للمنطقة مدة 5 أيام لمحو آثار الجريمة ومنع أي جهة من الوصول إليها.

ولتخفيف حالة الغضب والاحتقان؛ أجرى الرئيس أوباما ووزير خارجيته اتصالات مكثفة مع زعماء دول المنطقة للتأكيد على أن الإدارة الأمريكية ستعاقب النظام على فعلته لا محالة، وطلب الرئيس الأمريكي من زعماء الدول المجاورة التريث وعدم القيام بأي إجراء حتى تتمكن واشنطن من التنسيق مع حلفائها لشن عملية عسكرية تتناسب مع حجم الكارثة.

لكن هذه الإجراءات لم تخفف حالة السخط التي سادت معظم دول المنطقة، وأسهمت في زعزعة ثقة قادة هذه الدول بقدرة الإدارة الأمريكية على التعامل مع الأزمة، وبمدى استعدادها لإلحاق أذى فعلي في بنية النظام:

فعلى الرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية جديتها في معاقبة النظام؛ والتصريحات النارية التي أطلقها وزير الدفاع الأمريكي؛ إلا أن موقف رئيس هيئة الأركان المشتركة "ديمبسي" لم يكن منسجماً مع التوجهات المعلنة لإدارة أوباما، حيث حذر من مغبة التورط في الصراع في سوريا، وشكك في مصداقية المعارضة وقدرتها على احترام المصالح الأمريكية وصيانتها.

وفي مقابل إرسال أربع مدمرات تحمل صواريخ "كروز" قبالة السواحل السورية؛ لم تكن هناك مؤشرات واضحة على أن قيادة الأسطول السادس تحضر بالفعل لعملية عسكرية كبيرة؛ حيث يرى البعض أن إرسال المدمرات الأربع قد جاء كتحرك رمزي فحسب، بل كان الهدف الفعلي من تلك المناورة: التغطية على سحب حاملة الطائرات الوحيدة (USS Truman aircraft carrier) في شرقي البحر الأبيض المتوسط، والتي عبرت قناة السويس باتجاه البحر الأحمر بعيداً عن المنطقة، وذلك يوم الخميس 22 أغسطس، أي بعد مرور يوم على مجزرة الغوطة، مما يدل على أن الإدارة الأمريكية ترغب في القيام بعملية قصف جوي محدود ولا تنوي التورط في عملية عسكرية واسعة النطاق.

وألمحت بعض المصادر الإقليمية إلى أن تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف -بأن روسيا لن تتدخل في أي صراع عسكري يندلع في المنطقة- على أنه نوع من رد الجميل لواشنطن التي صمتت خلال الأشهر الأربعة الماضية عن الحملة التي شنها "حزب الله" في القصير وحمص بدعم من موسكو التي أسهمت فيها بالمعدات والذخيرة والتقنيات المتطورة.

ولم تبد واشنطن إزاء التدخل الخارجي المعلن من قبل ميليشيات موالية لإيران من العراق ولبنان أي موقف يذكر باستثناء بعض عبارات الشجب الخجولة، ويبدو أن موسكو باتت مقتنعة بأن واشنطن لا تريد القيام بعمل عسكري شامل ضد نظام بشار، بل تصب عملياتها المرتقبة في إستراتيجية استنزاف طرفي الصراع من جهة، والتمهيد لمؤتمر "جنيف2" من جهة أخرى.

وأشارت مصادر عسكرية أمريكية إلى أن أوباما يدرس خياراته العسكرية التي تنحصر في: استهداف مقر اللواء 155 الذي انطلق منه الهجوم على الغوطة الشرقية، أو استهداف مقرات تخزين الأسلحة الكيميائية الثلاثة في: دمر بريف دمشق، والسفيرة غربي حلب، والقطيفة بجبل القلمون، إلا أن تباطؤ الإدارة الأمريكية في تنفيذ وعودها باتخاذ هذه الإجراءات المرتقبة لا يتناسب مع حراجة الموقف الإقليمي، وتشديد دول الجوار على ضرورة توجيه ضربات خاطفة ومفاجئة لدرء خطر الحرب الكيميائية عنها>

فقد أتاحت الأيام الماضية (التي أمضتها الإدارية الأمريكية في "إجراء المشاورات" مع حلفاء واشنطن) لفرق النظام أن تنفذ تعليمات بالانتشار الكيفي في مناطق متعددة ومفتوحة في البلاد تجنباً لقصف محتمل، في حين أكدت واشنطن أن عملياتها المرتقبة لا تهدف إلى إسقاط النظام.

تنسجم هذه المواقف الأمريكية "المترددة" مع ما سربته بعض معاهد الفكر حول وجود توجهات غربية لفض الاشتباك بين النظام والمعارضة على أساس ثلاث مناطق: شمالية شرقية تخضع للمعارضة وعاصمتها حلب، ومنطقة وسطى وغربية تتبع للنظام وعاصمتها دمشق، وأخرى جنوبية بعمق 40 كم وعاصمتها درعا لحماية دول الجوار، وذلك تمهيداً لمؤتمر "جنيف2" الذي سيقر خطة التقسيم تلك.

وتأتي هذه التسريبات في ظل حديث بعض القوى الإقليمية عن ضرورة المحافظة على البنية التحتية للدولة السورية متمثلة في المؤسسات الأمنية والعسكرية لنظام بشار، وذلك لعدم ثقة هذه الدول بتوجهات المعارضة وبقدرتها على تشكيل جسد سياسي أو عسكري موحد يمكن الوثوق به لحفظ الأمن وحماية الحدود ومنع انتشار الصراع على المستوى الإقليمي.

وبالتزامن مع الخطط الغربية لتوجيه ضربات صاروخية ضد النظام؛ تتحدث مصادر مطلعة عن عدم قناعة مجموعة من دول المنطقة المؤيدة للثورة بالاقتصار على معاقبة النظام من خلال القصف الصاروخي، بل تخطط هذه الدول لشن عمليات عسكرية رديفة على الأرض، وذلك في ظل أنباء باتت مؤكدة عن: وجود خلافات عميقة داخل القصر الجمهوري حول إدارة الأزمة، وتفشي السخط وروح التمرد في صفوف جيش النظام الذي أُنهك خلال الأشهر الأربعة الماضية دون تحقيق نتائج تذكر على الأرض، إضافة إلى رغبة بعض كتائب النظام المتمركزة في مواقع إستراتيجية بالانشقاق إذا أمنت لها الأجواء للقيام بذلك.