هل صناعة الموت حرفة عربية بامتياز؟
عثمان أيت مهدي
خلال أسبوع تحصد ماكنة الموت في الدول العربية الآلاف من الأرواح، لم تميز فيهم بين الصغير والكبير ولا بين الرجل والمرأة ولا حتى بين الرضيع والشيخ الهرم. قامت خلالها وسائل الإعلام ببثّ صور الموتى جثثا متناثرة هنا وهناك، في مصر، سوريا، الجزائر، لبنان، اليمن، العراق.. شهدها المواطن العربي والغربي والعالمي على حدّ سواء.
ذكرتُ بعض ما وقع بسوريا لأحد زملائي، فقال: كذلك سيفعل بنا حكامنا إن صرخنا يوما، أو سرنا في مظاهرة ضدّ النظام. إنّها رسالة للشعوب العربية، لمن تخول له نفسه معارضة سيّده أو شتم ربّه الأعلى. قلت: إن كانت الحرب مشتقة المعنى من الحرَب كما قال أبو تمام، فإنّ ما وقع في مصر لا يدعو إلى ارتكاب كلّ هذه المجازر دون معنى؟ إنها عبثية بامتياز. قال: الأنظمة العربية ومن يحوم في فلكها نائمة على كنوز قارون وفرعون فلا يقبلون أحدا أن ينافسهم في هذا الكنز العظيم. إنّها أنظمة فاسدة تستمدّ حياتها من توريط أكثر عدد ممكن من المسؤولين في قضايا الرشوة والنهب وتبديد المال العام، وعند ذلك يتورط الجميع وتصبح حياتهم مرهونة بأوامر سيّدهم ووليّ نعمتهم.
قلت إن كان الأمر كما تقول في سوريا ومصر، فما هو سبب تفجير السيارات المفخخة في أماكن آهلة بالسكان من الشيعة والسنة؟ قال: كذلك ليبينوا للعالم أنّ صراع العرب فيما بينهم أمر داخلي، لا شأنَ للأجنبي فيه. وحين ترتفع أصوات الصحافيين وتحمّل إسرائيل وزر ما نعيشه اليوم على خلفية أنّ الاقتتال بين العرب، مهما كانت مذاهبهم أو ديانتهم أو انتماءاتهم، المستفيد الأوّل فيه هو إسرائيل، تظهر الحقيقة غير ذلك، لأن المستفيد الأوّل قبل إسرائيل هي الأنظمة العربية المتعفنة التي تأكل مع الذئب وتبكي مع الراعي.
إنّ العالم العربي مهيأ لانقسامات كثيرة وصراعات طويلة، لأنّ شعوبه غير متجانسة طوليا وعرضيا، ومهيأ أكثر للاقتتال وسفك الدماء للجهل الذي ضرب أطنابه في الأوساط الشعبية، بين من يقتل ليدخل الجنة، ومن يقتل لرد الاعتبار، ومن يقتل دفاعا عن مكتسباته، ومن يقتل لأنه تحصل على مبلغ من المال، ومن يقتل لأنه جائع والقائمة طويلة.
يمثل الاقتتال في العالم العربي النسبة الكبيرة ممّا يحصل في العالم، حتى أصبحت نشرات الأخبار تفتتح بمجزرة في بلد عربي وتختتم بسيارة مفخخة في بلد عربي آخر. والشعوب التي كنّا نعتبرها في يوم من الأيام متوحشة تعيش في أدغال إفريقيا والأمازون خطت اليوم خطوات كبيرة في عالم الحداثة والتطور.
إنّ نظرة سريعة وخاطفة لشعوب العالم نجدها في معظمها غير متجانسة وتحيا حياة الإخاء والتعاون والمصير المشترك. بلد مثل سويسرا لا تتعدى مساحته ولاية من ولايات الجزائر يحيا ويتعايش بداخلها السويسريون الفرنسيون والسويسريون الألمان إلى جانب أصول الشعب السويسري القديم، وما يقال عن الهند أشدّ وأعظم، في بلد متعدد الديانات والمذاهب واللغات، إلا أنّه يتزعم العالم في صناعة السينما والبرمجيات.. وكذلك الصين وأمريكا وغيرها من دول العالم.
فما سببُ هذا الاقتتال العربي العربي؟ إنّ الرأس المدبّر لكلّ ما تعانيه الشعوب العربية هو النظام الجاثم على رقاب الناس، النظام الذي يملك أدوات استمراره، وهي: الجيش ووسائل الإعلام والثروات الباطنية للأراضي العربية. إنّ أسطوانة إسرائيل، والدول الإمبريالية، والاستعمارية والأيادي الأجنبية، والعملاء والخونة وغيرها من الألفاظ التي ابتدعها النظام العربي لينوّم به الشعوب أصبحت اليوم باطلة ولا معنى لها. فالسبب الأوّل هو النظام العربي، ويليه الجهل الذي تفشى بشكل رهيب في العقول الضعيفة والأسر الفقيرة.
النظام العربي استثمر في صناعة الموت، فبنى مصانع في كلّ بلد وولاية وقرية وحيّ، أمّا موظفوه فهم الجهلة وأشباه العلماء الذين يسهل تسييرهم وتوجيههم.