خدعة "دور الأزهر".. ومحاولة صناعة كهنوت جديد
خدعة "دور الأزهر"..
ومحاولة صناعة كهنوت جديد
أنس حسن
المدير السابق لشبةكر "رصد" الإخبارية
أكره نغمة "دور الأزهر" ووجوب احتكاره للفتوى .. فهذا جهل بطبيعة الإسلام الذي لا يعترف بمؤسسة لها الحق في تفسير الدين أو فرض "اعتدال" تدعيه، إنهم اليوم يلبسون مسوح الحملان، وغدا تخرج لهم أنياب الذئاب، قولبة الإسلام في مؤسسة أمر بالغ الخطورة.
وإن السعي "العلماني" الحثيث لفرض دور -احتكاري- للأزهر في حياة المسلمين لهو أمر "مشبوه"، أو على أقل تقدير خضوع للنموذج الغربي المسيحي في قولبة الدين في مؤسسة، إن أي مؤسسة في الوجود يسهل اختراقها وتوجيهها!!
أما الدين فسيظل فوق كل مؤسسة وكل شخص، ويجب ضمان حرية كل فرد في الوصول للنص وفهمه والتعامل معه طالما جمع علوم التعامل مع النص!!، إنما نقول إننا نترك للأزهر مسؤولية المنبر والفتوى والتفسير!! هذه صناعة مؤسسة كهنوت جديدة !! حتى وإن ادعى الاعتدال.
المشكلة أنهم لا يدركون أن في الإسلام -وهو ما يختلف فيه عن النصرانية- القداسة تكون للنص لا للتفسير، وبالتالي فالفتوى لا تحمل أي قدر من القداسة وصاحبها ليس له أي قدر من القداسة.
وعليه، فلو لدينا حياة إسلامية صحيحة، تكون الفتوى هي بمثابة محاولة تفسير النص المقدس قابلة للنقد والطعن والرفض، وليست صكا ينفذ فور صدوره، وعليه فلا خوف مطلقا إلا من حصر الدين في مؤسسة أو احتكار السلطة لتفسيره، دون ذلك فنحن أمام حياة مفتوحة متفاعلة بالاجتهاد والنقد ولا قداسة لقول ولا لقائل.
وإذا تحجج البعض بأن المجتمع يقدس الفتوى، ولذلك يجب أن نحصرها في مؤسسة!!، فهو يصنع كارثة، لأنه يعترف بالخلل، ولكنه لا يصححه بل يريد أن يبني عليه مؤسسة كاملة قائمة على باطل عند المجتمع، إنه تكرار لكوارث العصور الوسطى.
وما يجب العمل عليه هو نشر الوعي بأن لا قداسة إلا لنص، وأما التفسير فهو عملية عقلية بشرية خالصة تُقبل أو تُرفض أو تُناقش بمقدار ما اقتربت من المنطق والاستدلال الصحيح، ولا قداسة للتفسير ولا للمفسر.
تدخل الدولة في تنظيم الدين وفرض شكل علمي محدد أو مرجعية محددة محاولة لصنع مؤسسة كنسية للإسلام لها حق التفسير والتطوير في الشريعة!!،
لقد وجه الله الخطاب لـ"العالمين"، وظل خطابه للجميع أفلا يتدبرون القرآن .. أفلا يتفكرون .. أفلا يعقلون، وظلت حرية تداول النص ومحاولة تفسيره والاجتهاد عليه أمر مكفول لكل فرد، وإن أكبر المخاطر هو صناعة هالة من القداسة حول مؤسسة يُدعى لها مرجعية ليست من حقها أو سلطة تدعي دعم تلك المؤسسة، فالمرجعية في الإسلام للنص والسوابق التاريخية لتفسيره، وحتى السوابق التاريخية ليست لها قوة النص ويمكن نقدها ورفضها.
الدين لا يُنظَم من قبل الدولة ولا تحتكره مؤسسه، وتفسيره حق مشاع لكل من جمع علوم اللغة وأصول الفقه حتى وإن سعى لذلك بمفرده، وتعريف الدين في الإسلام يختلف عن تعريف الدين في غيره "Religion"، فالدين في المفهوم العربي هو حالة تتلبس بالمرء في رؤيته للخالق ورؤيته للكون، وبالتالي فهو نظرة تحكم عالم الأشياء كما تفرض رؤية للغيبيات، وهو علاقة أفقية ورأسية، وبالتالي فمحاولات علمنته لن تنجح إلا بإلغاء الدين نفسه، وهو أمر مستحيل وعلى الباحثين التعامل مع الإسلام بمفهوم جديد مختلف عن بقية الأديان إذا أرادوا فهم عمقه وأبعاده الجديدة كليا عن ما سبقه.
الإسلام في حقيقته علاقة بين أتباعه وبين الدنيا بقدر ما هو علاقة بينهم وبين الخالق، هذه منظومة الإسلام لا يمكن تفكيكها أو القفز من فوقها.