الإرهاب "السنّي" في خدمة الإرهاب "الشيعي"
الإرهاب "السنّي" في خدمة الإرهاب "الشيعي"
د
. حمزة رستناويأولاً : في البداية لا بد من ذكر نقاط أساسية كمدخل للمقال:
- الإرهاب هو أي عمل عنفي يذهب ضحيته مدنيين ابرياء , و غالبا ما يكون لأسباب عقائدية – سياسية , و بغض النظر عن الدوافع هو عمل مُدان و غير مشروع , و يستوجب المحاسبة ضمانا لحقوق و حرية الأفراد و المجتمعات.
- إنّ أي عقيدة - سواء كانت دينية أو غير دينية - قابلة لتفسيرات و فهوم متعددة , أكثر أو أقل حيوية , تتراوح بين الانفتاح و الانغلاق ,بين العنف و السلم . و لا يوجد من ناحية المبدأ عقيدة أفضل أو أرقى من غيرها بالمطلق , بمعزل عن الشرط و التحديد الاجتماعي التاريخي , و بنفس المنطق يصح الحديث عن " ارهاب سنّي "" ارهاب شيعي " " ارهاب يهودي "" ارهاب مسيحي – بوذي – هندوسي - ماركسي..الخ"
- مقارنتي بين الارهاب " الشيعي " و الارهاب " السني " لا يعني بحال من الاحوال أن الشكل الارهابي هو الشكل الوحيد الممكن للتسنُّن أو التشيّع , بل إن كليهما قابلان و بقوة , لفهوم و تفسيرات أكثر انفتاحا و حيوية ينبغي علينا استلهامها و تشجيعها في هذه الفترة العصيبة من التاريخ.
-إن الارهاب أو العنف ليس بجوهر ثابت أو طبيعة مخصوصة لأي عقيدة أو مجتمع كان , و لكنه طريقة تعبير قاصر عن مصالح الكينونة الاجتماعية التي يرتبط بها الارهاب و العنف وفقاً لصيرورة احتمالية نسبية.
- المقارنة التي سوف أسوقها , هي قراءة – تي - في الواقع السياسي لما بعد الثورة الخمينية 1979 م و حتى تاريخه .
*
ثانياً : في الارهاب "الشيعي " :
اعتمد نظام الأسد "الاستبدادي – الطائفي " الارهاب كوسيلة لقمع المجتمع السوري , و ضمان الاستمرار في السلطة داخليا , و كوسيلة لإرهاب الخصوم و المنافسين خارجيا . و نجد تعبيرات الارهاب الأسدي في سلسلة المجازر الجماعية ما قبل و ما بعد الثورة , و في القصف العشوائي للتجمعات السكنية , و في التفجيرات المفخخة , و كذلك في اغتيال المعارضين و الناقدين لسياساته داخل و خارج الحدود..الخ. و لكن لماذا نصنّف ارهاب نظام الاسد بأنّه ارهاب " شيعي " ؟!
السبب في ذلك أن غالبية المجازر و الاعمال الارهابية التي ارتكبها تمت بدوافع حقد و انتقام طائفيّ من قبل علويين ضد أخوتهم السنّة " ابتداء من مجزرة تدمر 1980 م و حماة 1982 م و ليس انتهاء بمجزرة البيضة 2013 م ".
وإضافة إلى ارهاب النظام الأسدي نجد تعبيرات أخرى للإرهاب "الشيعي " يمارسها النظام الايراني و حزب الله و المليشيات الشيعية المدعومة من ايران و حكومة المالكي , و القاسم المشترك فيمن سبق أنها أعمال ارهابية تتم بدوافع حقد و انتقام طائفي ,من شيعة ضد سنّة , لكونهم أبناء قتلة الحسين أو انتقاما لاضطهاد تاريخي سابق , و بغض النظر عن الدوافع على مستوى المنفّذين و الأدوات هي أعمال غايتها السلطة و امتيازاتها.
طبعا هنا أستثني حرب حزب الله في جنوب لبنان للقوات الاسرائيلية , فهي مقاومة مشروعة للاحتلال و ليست ارهابا , فالإرهاب هو احتلال اسرائيل أراضي الغير.
*
ثالثاً : ما خصائص الارهاب "الشيعي " موضوع القراءة:
هو ارهاب مُنظّم برعاية دول و أنظمة , يخدم مصالح الهيمنة الايرانية على منطقة الشرق الاوسط , و يخدم مصالح دفاع النظامين الاسدي و الايراني عن مصالحهما و استمراريتهما في الحكم.
هو ارهاب مُبرمَج لخدمة أهداف سياسية واضحة , ارهاب غير مقصود لذته يتبعه تسويات سياسية تحقق الهيمنة أو الاعتراف بالدور السوري و الايراني بالمنطقة. بكلمة واحدة هو ارهاب عاقل لمصالحه الاستكبارية .
*
رابعاً : في الارهاب "السنّي"
ظهر الارهاب المستند إلى الايديلوجيا السنّية عالميا عقب هزيمة القوات الروسية في أفغانستان 1989 م و سطوع نجم تنظيم القاعدة و التنظيمات المتفرعة عنها, و قد كانت أحداث 11 أيلول 2001 م التي اعتبرها أسامة بن لادن "غزوة نيويورك " هي العلامة الفارقة في مسيرة هذا الارهاب , و قد سبقها عمليات مثل تفجير مترو باريس 1995 م , و قد تلاها الحرب الامريكية في أفغانستان و احتلال العراق 2002 م , و من ثم كثير من التفجيرات التي استهدفت مرافق عامة أو مصالح غربية كتفجيرات مدريد 2004 و تفجيرات لندن 2005 م ..... وصولا إلى تفجيرات القاعدة في العراق التي راح ضحيتها مدنيين أبرياء سنة و شيعة و أجانب و انتهاء بالهجوم على القنصلية الامريكية ببنغازي في 11 أيلول 2012 م و تفجيرات مارتون بوسطن في 17 نيسان 2013 م المتهّم بها مسلمان شيشانيان متأثرين بأفكار القاعدة و الجهاد.
طبعا أستثني هنا أي عمليات تستهدف أهداف عسكرية لقوات الاحتلال الامريكي في افغانستان و العراق من تعريف " الارهاب السنّي " فهي مقاومة و أعمال مشروعة.
- إن أعمال الارهاب "السني " في السياق التاريخي المعاصر قام بها أفراد أو جماعات تتبنّى الايديلوجيا السنّية المتطرفة , و لم تكن بتخطيط أو لخدمة أنظمة "سنّية حاكمة " , لا بل إنّ هذه الاعمال الارهابية كانت تستهدف بشكل مزدوج المصالح الغربية عبر العالم و كذلك مصالح الأنظمة "السنّية " الاستبدادية الحاكمة ,أو المجتمعات الشيعية المعادية لها , و هذه الاعمال بمجملها جاءت كرد فعل انفعالي على الاحساس بالظلم و القهر الذي يتعرض المسلمين "السنّة " – كجماعة مثالية متصلة عابرة للتاريخ و الجغرافيا.
- لنتساءل الآن ما استفاد المسلمون "السنّة " و مجتمعاتهم من هذه الأعمال الارهابية , ما نتائجها العملية منذ حوالي ربع قرن إلى الآن ؟
هل الإرهاب هو الأسلوب الجيد لمواجهة التحديات السياسية و الحضارية التي يتعرضون لها ,بما يشمل قوى الهيمنة الغربية و الايرانية و الانظمة الاستبدادية؟
أم أنها جاءت بنتائج عكسية ؟!
لقد استخدمتها الانظمة الاستبدادية لتبرير القمع على المجتمع ككل , و ليس على الارهابيين فقط ؟
استخدمها الغرب كذريعة لاحتلال أفغانستان و العراق و الصومال ,و التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية و الاسلامية و اختراق السيادة الوطنية الهشّة أساسا كما في اليمن و المغرب العربي و غيرها.
*
خامساً : ما خصائص الارهاب السنّي موضوع القراءة:
-هو ارهاب أفراد و جماعات و ليس دول .
- ارهاب لا يخدم سياسات دول "سنّية " و هو غير موظّف في اطار استراتجيات و مشاريع سياسية قابلة للتحقيق .
-هو ارهاب عشوائي , عدمي ,غير غير عاقل لمصالح المتورطين به , حيث أن هذا الاسلوب في الرفض و المقاومة يزيد المجتمعات و الدول "السنّية " ضعفا و شرذمة على الصعيد الداخلي ,و يجعلها أكثر عرضة للهيمنة الخارجية.
ماذا استفادت القاعدة و المسلمين "السنّة " من هجوم 11 أيلول 2001 م , و أظن أنّ 12 عاماً من تاريخه و حتّى الآن قادرة على تقييم النتائج ؟!
ما الدافع لتفجيرات مدريد – لندن - باريس..الخ الانتقام ربما!
ضجة اعلامية ربما ؟!
الشهادة و ضمان الجنة مع الحوريات و الغلمان ربما ؟!
إنها أفعال عدمية غير منتجة سياسيا , خلا الضرر المضاعف على أصحابها و المجتمعات "السنية " المقيمة في الغرب . بالتأكيد يمكن تفهم الاسباب البعيدة لهكذا أعمال ارهابية كالتهميش و ضعف سياسات الاندماج في المجتمعات الغربية, و لكن هذه العمليات الارهابية تزيد الامر سوءا ,و لا تساعد في حل هذه الاشكالات , لا بل انها تزيد العنصرية تجاه المسلمين في الغرب , و هم أساسا ضحاياها في مجتمعاتهم الأصلية.
لنأتي الى العراق فقد اجبرت عمليات القاعدة و مشتقاتها الامريكان على الانسحاب , حسنا , هل كان لدى هذه الجماعات تصور سياسي او استراتيجية لبناء وطن كريم أو دولة العراق , ما نتائجها هذه العمليات على سنّة العراق تحديدا قبل غيرهم ؟!
-ماذا استفاد الليبيون قبل غيرهم من الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي , و هم يتلمسون طريقهم لناء الدولة الديمقراطية الوطنية التي طالما ضحّوا من أجلها و حلموا بها ؟
ماذا الدافع و ماذا استفاد الشيشان و المسلمين السنة من تفجير مارتون بوسطن , سيشاني مقيم في الولايات المتحدة , قدمت له هذه الدولة اقتصاديا و انسانيا ما عجزت روسيا و بلده الشيشان عن تقديمه , هارب من الاستبداد الروسي , يقوم بتفجير و قتل مدنين ابرياء امريكان , وفقا لقناعات عقائدية فهم كفار ؟!
او انهم يدعمون و اسرائيل و اليهود ؟! هل ثمة هدف سياسي يبرر ذلك ؟!. لو كان التفجير ضد مصالح روسية لكان الامر مفهوما , ما تأثير هذا التفجير و أمثاله على المسلمين الامريكيين السنّة ؟!
انه ارهاب عدمي , نوع من الانتحار الذاتي , و السقوط الاخلاقي , و الغباء السياسي ليس أكثر
*
سادساً : ما العلاقة بين الارهاب "الشيعي " و الارهاب "السني " ؟
أزعم أن الطابع العام للعلاقة بينهما – خلال العقود الثلاثة الماضية - هو توظيف الارهاب "الشيعي " للإرهاب "السنّي " سياسيا ,لتحقيق مشروع الهيمنة الايرانية على المنطقة العربية , و اقتسام النفوذ مع الصهاينة و أمريكا.
أليست الحرب على الارهاب ,و الارهاب , و الارهابي , و التكفيريين هي من أكثر الكلمات استخداما في الخطاب السياسي لدى النظام السوري و المالكي و ملالي طهران ؟! و الإرهابي في نظرهم هو الخصم العقائدي التاريخي أي "السنّي الذي يرفض وصايتهم ".
التحالف الايراني السوري يسوّق نفسه للعالم و الغرب كنقيض للإرهاب "السنّي" الغير منضبط و المهدد لمشاريع الهيمنة الغربية. و عقب الاحتلال الامريكي للعراق قام النظام الاسدي,بدعم القاعدة "السنّية " و مشتقاتها بغية افشال المشروع الامريكي في الشرق الاوسط "الجديد " , و قد ساهم الارهاب "السنّي " عن غير قصد بإخراج العراقيين السنة من المعادلة السياسية ليثنى للأحزاب الطائفية الشيعية حكم العراق بالوكالة عن النظام الايراني.
في سوريا الان الارهاب "الشيعي " يرتكب مجازر غير مسبوقة في التاريخ الحديث , برعاية و ضوء أخضر غربي عالمي , إنّه ارهاب يتفهم مصالح اسرائيل و الغرب , له حدود يقف عندها , يضغط باتجاه اقتسام الكعكة معهم.
-ألم يستفيد النظام الاسدي و يهلل لتفجير القنصلية الامريكية في بنغازي , ألا تخدم هذه التفجيرات النظام الاسدي , حيث توصل رسالة مفادها , أيها الغرب لا تدعم الثورة السورية ضدي , فهؤلاء الثوار ناكرين للجميل لا تثق بهم , فحالما يسقطوا نظامي سيوجهون اسلحتهم تجاهك و تجاه اسرائيل , أيها الغرب لا تسلّحهم دعني اقضي عليكم , فهم اعداؤكم و أعدائي.
- لنتساءل ما لحكمة من اعلان جبهة النصرة عن الولاء لتنظيم القاعدة و الظواهري و الثورة السورية تعاني أسوء الظروف , ألم يهلل و يحتفي النظام السوري لذلك , ليثبت للعالم مزاعمه بأنه يواجه الارهابيين.
*
سابعا : هامش أخير
لستُ من دعاة او مبرري الارهاب , أو قتل حتى نحلة , و لكنها كانت مجرد قراءة شخصية في سلوك نمطين من الارهاب , ينبغي التعامل و التخلص منهما لصالح بناء أوطان كريمة , على قاعدة الدولة المدنية الديمقراطية ,دولة المواطنة و المساواة .
-الاسلام الحيوي الحضاري هو الاسلام الذي يؤكد على مقاصد الشريعة في صون النفس و الدين و العقل و النسل و المال , و يدفع البشر لمحاربة الظلم و الطغيان.
"أورينت نت"