هل انتهت الصفقات بين الأسد وإسرائيل أم ليس بعد؟

"فورين بوليسي":

هل انتهت الصفقات

بين الأسد وإسرائيل أم ليس بعد؟

يتحدث البعض عن "صفقات ما" بين الكيان الصهيوني وعصابة الأسد قبل الثورة زادت من ثقة الكيان الصهيوني بحاكم دمشق إلى يومنا هذا، ولا يمكن الجزم بصحة الأمر، فالمعلومات شحيحة وأكثر ما كتب تخمينات واستنتاجات..

لكن ثمة تساؤلات محيرة وألغاز عالقة، بدءا من عملية مقتل مغنية قائد عمليات حزب الله، حيث تشير مصادر إلى تورط سوريا في مقتل مغنية كجزء من الصفقة..

وفي هذا السياق، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا مطولا القائد العسكري عماد مغنية، يتضمن معلومات مهمة واستنتاجات عن ملابسات مقتله.. وقد أعده "مارك بيري"، وهو كاتب أمريكي متخصص في االشؤون لعسكرية والاستخبارات، وتحليل الشؤون الخارجية..

وقد كشف في مقاله أن مسؤولي حزب الله رفضوا بعد الاغتيال بشدة كل طلبات السوريين بمعاينة جثمان مغنية، ومنعوا ضباط أمن بشار من دخول الغرفة التي كانت توضع فيها الجثة.

وقد أرسلت إيران وزير خارجيتها إلى سوريا في غضون ساعات لتهدئة التوتر، لكن من دون جدوى، حيث لم يشهد تشييع مغنية حضور أي مسؤول سوري رفيع المستوى.

وشعر "حزب الله" بغضب عارم عندما عين بشار صهره آصف شوكت مسؤولاً عن التحقيق في مقتل مغنية، في حين كان "حزب الله" ينتقد التراخي الأمني الذي أظهره شوكت، والذي كان حينها مسؤولاً بشكل شخصي عن سلامة مغنية.

ونقل الكاتب عن مسؤول إسرائيلي أمضى 3 عقود داخل مراكز القرار، أن تل أبيب نفذت مع سوريا صفقتين (قالها بصيغة غير مباشرة):

الأولى تخلي دمشق عن طموحها النووي عبر السماح بقصف موقع الكبر في 2007 (وبعض الاستنتاجات تشير إلى صفقة حتى في الغارات الأخيرة)، والثانية تخليها عن مغنية والسماح باغتياله.

ويقول الكاتب في الفقرات الأخيرة من مقاله حول ملابسات مقتل "عماد مغنية":

بعد حرب 2006.. كان لحزب الله مشاكله الخاصة مع دمشق. وكان زعماء الحركة يشعرون بمرارة إزاء قرار سوريا في فبراير 2007 لفتح قناة للاتصالات مع إسرائيل عبر تركيا، وكذا إزاء قرار الأسد إرسال المسلحين الإسلاميين السنة من "فتح الإسلام" إلى مدينة طرابلس اللبنانية، حيث أشعلوا صراعا مريرا في مخيم للاجئين الفلسطينيين في مايو 2007، والذي حصد مئات الأرواح.

خطوة سورية في طرابلس أغضبت قادة حزب الله، الذي اتهم الأسد بالسعي عمدا إلى زعزعة استقرار الحكومة اللبنانية على حسابهم. "إننا نعرف من المسؤول عن حرب طرابلس.."، كما قال لي مسؤول في حزب الله في ذلك الوقت.

وصلت العلاقات بين دمشق وحزب الله إلى مستوى منخفض في سبتمبر عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية المفاعل النووي السري السوري تحت الإنشاء في شمال البلاد، ورفض نظام الأسد الرد عسكريا. وقد اتهم قائد في حزب الله كبار، تحدثت إليه سريا، سوريا بأنها "تداعب وتمازح الصهاينة".

وشكل اغتيال مغنية في دمشق الإهانة الأخيرة لحزب الله. في العلن، ظهر "محور المقاومة" بصورة جبهة موحدة، وأعلن عن تصريحات متطابقة بشأن عملية القتل. ولكن في السر، وبخ حزب الله سوريا على اغتيال مغنية، وأشار إلى تراخي الأمن وعدم كفاءة الجنرال آصف شوكت، الذي كان شخصيا مسؤولا عن سلامة مغنية.

في أعقاب تفجير، وفقا لأحد كبار الإسلاميين اللبنانيين، رفض مسؤولو حزب الله في دمشق بشدة جميع الطلبات السورية لمعاينة الجثة، ومنعوا ضباط أمن بشار من دخول الغرفة التي كانت توضع فيها الجثة. وقد أرسلت إيران وزير خارجيتها في غضون ساعات من عملية الاغتيال لتهدئة التوترات، ولكن من دون نجاح. وفقا لمصدري الإسلامي الكبير، لم يحضر أي مسؤول سوري رفيع المستوى لتأبين مغنية، كما غضب حزب الله عندما عين الأسد شوكت رئيسا للجنة التحقيق في الحادث...

بالتأكيد، لدى مسؤولي حزب الله شكوك حول من كان مسؤولا عن اغتيال مغنية، والذي يتضمن المشتبه بهم المعتادون والسوريون. وتكلم شخص رسمي بصراحة عن ذلك بينما كان يجلس تحت صورة للمغنية في مكتبه في بيروت خلال صيف عام 2010. وقال: "الصهاينة قتلوا الحاج رضوان" قال، ثم تجاهل الأمر، واستطرد: "أو وكالة مخابراتكم المركزية الخاصة"، أنا لا أوافق: "لا يمكننا تنظيم جنازة من سيارتين"، التفت لي رافعا صوته. "لا استطيع أن أقول لك من قتل عماد مغنية، لأنني لا أعرف".. وأضاف: "لكن أستطيع أن أقول لك هذا: إذا كنا نحن المسئولين عن أمنه، بدلا من السوريين، فإنه سيكون على قيد الحياة اليوم".

في النهاية، قادتني الشائعات المستمرة حول تورط سوريا في مقتل مغنية لزيارة أحد العارفين به في إسرائيل في أوائل العام 2009، وهو الرجل الذي أمضى ثلاثة عقود قريبا من أعلى المؤسسة السياسية الإسرائيلية.

بدأت المناقشة خارج الموضوع، سألته عن آراء اولمرت حول الفلسطينيين. بعد ذلك، تحولت المناقشة تدريجيا إلى العلاقات بين إسرائيل وسوريا والمحادثات غير المباشرة التركية التي تستضيفها. اضطررت إلى أن أكون صريحا: هل علاقة الإسرائيليين مع سوريا في حالة تحسن مع وضع حد لبرنامجها النووي ووفاة مغنية؟

رد علي صديقي وهو ينظر إلي من وراء مكتبه كما تسللت ابتسامة عبر وجهه، قائلا: "لا أستطيع التحدث عن ذلك، لكنني بالتأكيد لا يمكن الحديث عن هذا معك"، وأضاف: "أنت تعرف، كان لدينا قطعتان من الأمتعة مع سوريا، أما الآن فليس لدينا".

وبعد ثلاث سنوات تقريبا من اغتيال مغنية، اشتعلت في مارس 2011 الانتفاضة السورية في درعا. وبعد بضعة أشهر، أرسل نصر الله الدفعة الأولى من مقاتلي حزب الله لمساعدة الأسد للبقاء في السلطة. وقد أثار هذا القرار الشقاق بين كبار قادة حزب الله، الذين ظلوا يشعرون بالمرارة حول وفاة مغنية. ولكن نصر الله فرض إرادته. "لا أحد في حزب الله يذكر سوريا، لا أحد يتحدث عن سوريا"، كما قال لي مؤخرا "تيمور جوكسل"، وهو من قدامى المحاربين من بعثة الأمم المتحدة في لبنان وخبير في شؤون حزب الله خبير، وأوضح: "حسن نصر الله فقط".

وبعد ذلك بعام، ضرب الثوار قلب نظام الأسد، ففي 18 يوليو 2012، وقع انفجار هائل في مقر مجلس الأمن القومي السوري في دمشق، قُتل خلاله وزير الدفاع وثلاثة من كبار القادة الأمنيين ومسؤولين في الاستخبارات، بما في ذلك الجنرال شوكت...وعندما شُيعت جنازة شوكت بعد ذلك بيومين، ولم يحضر أي من مسؤولي حزب الله جنازته.