ألاعيب الغرب في الثورة السورية
د. موفق مصطفى السباعي
إن أولى أبجديات الحياة البشرية هي أن تعرف من هو عدوك .. ومن هو صديقك ...
إن الذين لا يعرفون هذه الأبجدية الأولية .. لن يعرفوا شيئاً في الحياة .. وسيحيون حياة ضنكاً .. كلها شقاء وتعاسة .. وكلها تخبط وتيه .. وضياع وحيرة ..
كٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَـٰطِينُ فِى ٱلْأَرْضِ حَيْرَانَ .. الأنعام آية 47 ..
وسيبقون خاضعين خانعين لسيطرة وهيمنة الأعداء .. يتلاعبون فيهم كيف يشاؤون .. يضحكون عليهم .. يكذبون عليهم فيصدقونهم .. يخدعونهم بمعسول الكلام ليرضوهم .. ومن وراء ظهورهم .. يطعنونهم بخناجر مسمومة .. فيها مقتلهم ..
إن الذين يظنون أن أعداءهم سينصفونهم .. ويساعدونهم .. ويخلصونهم من مآسيهم وآلامهم لوجه الضمير الإنساني .. ولوجه الحرية والديموقراطية ..
هم يعيشون في العالم الأدنى .. أولئك الذين ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم غشاوة ..
فهم لا يفقهون طبيعة العلاقات البشرية .. ولو زعموا أنهم يحملون شهادات عالية جدا في السياسة والإعلام وأخواتها .. ولو زعموا أنهم مسلمون يصومون ويصلون ..
إن الغرب وتوابعه.. زعم وأعلن منذ الأيام الأولى للثورة السورية .. أنه يقف مع الشعب .. وأنه يؤيد مطالبه في الحرية وأخواتها .. وأخذ يطلق التصريحات تلو التصريحات .. بالدعم والمساندة والمؤازرة لأماني الشعب وتطلعاته الكريمة .. ويندد ويستنكر .. ويشجب تصرفات الأسد .. ويتوعده وينذره بالقصاص والحساب العسير .. والشر المستطير ..
ثم يعود ويهدأ .. ويخاطب المجرم باللين والحب والمودة .. ثم يعود يزأر ويزمجر .. ويطالبه بالرحيل الفوري .. ويصفه بأنه فاقد للشرعية .. ويطالب مجلس الأمن بالإنعقاد مرات تلو المرات لبحث القضية السورية .. ويتبارى زعماء الغرب في الكلمات الهادرة الصادحة .. الصارخة ضد بشار ..
ويدعو إلى مؤتمرات صداقة الشعب السوري زاعما أنه يريد مساعدته .. ويتنافس الممثلون والمهرجون في تسجيل المبالغ المالية الكبيرة لمساعدة الشعب السوري المسكين ..
ولكن ما إن ينتهي الحفل الإستعراضي .. الفولكلوري .. وإذا بالكلمات والأموال تذهب أدراج الرياح .. وتتبخر إلى السماء السابعة .. وكأنه لم يحصل شيئ ..
مضى عامان ونيف .. والغرب ذو التاريخ الأسود الكالح .. بحروبه الصيليبية المقيتة .. وإستعماره البغيض المشين .. يضحك على الشعب السوري .. ويتاجر بدمائه .. ويتسلى بمشاهدة قتلاه .. ويتمتع برؤية دمار بلاده .. ويتلاعب بمشاعره ..
فطورا يُمَنيه بتقديم السلاح غير الفتاك أو غير القاتل .. وطورا يعده بضربات جوية لمواقع بشار .. وطوراً أخرى بإقامة حظر طيران .. وإنشاء ممرات آمنة أو منطقة عازلة ..
وصدقه مع كل أسف .. ومع كل لوعة وحرقة .. بعض السوريين الجاهلين .. الذين لم يقرأوا قول الله تعالى كما ينبغي أن يُقرأ ...
وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ البقرة آية 120
فأخذوا يصرخون بأعلى صوتهم .. بل ويستغيثون .. مطالبين الذئب الغربي .. بالتدخل السريع للإنقضاض على الأسد .. وإفتراسه وتقطيع جسده إربا إربا ..
ولما لم يفعل – وهو لن يفعل – أخذوا يسبون ويشتمون كل من في المعارضة ..
ويتهمونهم بالخيانة والتقصير .. والإهمال .. وتضييع الأمانة .. وتفويت الفرص الكبيرة .. لتحقيق النصر الكبير على الأسد الصغير ..
بل ذهب بهم الجنوح في خيالاتهم المريضة .. إلى حد إختلاق الأكاذيب والروايات الخيالية حولهم .. دون خوف من الله ولا وجل .. ولا تقدير للمسؤولية .. ولا شعور بأن هذه التصرفات الهوجائية .. تزيد في تمزيق صف المعارضة .. وتُفرح العدو .. وتُحزن الصديق ..
وأخيراً جاءت الأخبار المدهشة والصاعقة للغافلين .. والسطحيين والبسطاء من الناس ..
وهي أن أميركا وروسيا تتقاربان في الرؤية حول سورية .. وتعملان معاً على حل القضية سلمياً.. بالحوار بين المافيا الأسدية والمعارضة .. ولا حل غير هذا !!!
يعني بالعربي الفصيح أن طوال 26 شهراً من الذبح والقتل .. كان الغرب يبيع الثوار سمكاً في الماء .. ويكذب عليهم .. ويخدعهم .. ويضحك على ذقونهم ..
لكن العاقلين .. والمؤمنين الصادقين .. والمبصرين الواعين .. والمجاهدين المخلصين .. والمفكرين بنور الله تعالى .. والذين قرأوا كتابه كما هو يريد .. وفهموا قوله كما فهمه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم :
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا۟ عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا۟ فِيكُمْ إِلًّۭا وَلَا ذِمَّةًۭ ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَٰهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَـٰسِقُونَ التوبة آية 8
لم يجدوا في الأخبار الأخيرة شيئاً جديداَ .. ولا شيئاً غريباً .. ولا مختلفاً عما عرفوه وخبروه عن طبيعة هذا الغرب المستكبر .. العدو اللدود الأول للعرب والمسلمين منذ قديم الزمان ..
ولكن هل من العدل والإنصاف .. أن نضع كل مصائبنا ومشاكلنا وهزائمنا على أعدائنا ؟؟؟!!!
وأن نكتفي بلعنهم وسبهم .. ولومهم وعتابهم لتقصيرهم في مساعدتنا .. وكأنهم هم أولياء أمورنا والمسؤولون عنا !!! وننسى أنهم أعداؤنا .. وأنهم لا يعملون إلا بحساب الربح والخسارة بالنسبة لهم وليس لنا .. لأنه لا يهمهم الإنسان المسلم أو العربي في شيئ ..
بل إن قتل كلب واحد عندهم .. يشكل مصيبة أكبر بكثير من قتل ألف مسلم أو عربي .. بل يُعتبر هذا عمل همجي شنيع .. يستحق فاعله أقسى العقوبات !!!
وإنه لمن الحق والعقل أن نعترف بأن شعبنا – سواء منهم المعارضة السياسية أو المقاتلين على الأرض – كان لهم دور غير قليل في تخويف الغرب من تقديم أية مساعدة لهم !!!
وذلك بإعلاناتهم المسبقة والمتكررة عن تحقيق إنتصارات كبيرة .. وعن إقترابهم من الإنقضاض على بشار .. وعلى أنهم سيقضون على النصيريين قضاءً مبرماً .. وسيقيمون دولة الإسلام .. ودولة الخلافة .. ومرتبطون بالقاعدة .. وشيخهم الأكبر الظواهري – المغضوب عليه من الشرق والغرب - وهم المساكين لا يؤمنون على أنفسهم حتى في الأرض التي حرروها ..
بل وصل فيهم التمادي إلى حد إطلاق شائعة كاذبة بقتل بشار .. ووعدوا الناس بنشر الفيديو الخاص بذلك ..
هذه التصرفات التي يمكن تصنيفها تحت بند الإعجاب بالنفس .. والإغترار بالقوة .. التي سبق أن وقع بها المسلمون أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين .. فجاء الخطاب الرباني مزلزلا ومحذرا أشد التحذير من الإغترار بالقوة البشرية التي هي سبب لكل هزيمة :
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴿٢٥﴾ التوبة آية 25
أعداؤنا يعملون تحت جنح الظلام .. ومن وراء ستار .. ولا يتكلمون إلا بعد أن ينفذوا ما خططوه .. بل أحيانا لا يتكلمون إلا بعد وقت طويل .. أو لا يتكلمون أصلاً ..
بينما شعبنا البسيط .. المغرور يسارع إلى الكلام قبل أن يعمل .. ويتوعد ويهدد .. ويزمجر وينفخ .. قبل أن يخطط .. وقبل أن يعرف ماذا يريد أن ينفذ .. فينبه الأعداء .. ويستفزهم .. ويستدعيهم ليقضوا عليه .. ويخربوا كل خططه ...
متى الثوار يعتبرون ؟؟؟
ومتى يستفيدون من الفكر القرآني .. ومما يتصرف به الأعداء ؟؟؟