جولة في عالم المعقول واللامعقول
جولة في عالم المعقول واللامعقول
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
القاضي: لماذا سرقت الحديد من الميناء ؟
يجيب اللص قائلاً سيدي القاضي أنا لم أسرق الحديد من الميناء , وإنما كنت أقف على شاطئ البحر , فوجدت كتلة سوداء تدفعها الأمواج باتجاهي ولما اقتربت تلك الكتلة من الشاطئ نزلت إلى الماء فوجدتها قضباناً من الحديد,وقمت بتجميعها و حملتها على عربة النقل التي كانت لدي , وتحركت بها باتجاه السوق لبيعها هناك , ولكن الشرطة ألقت القبض على واتهموني بسرقة الحديد , فأنا بريء ياسيدي القاضي , فقال القاضي للمتهم وهل سمعت أو شاهدت ان الحديد يعوم على وجه الماء , فقال المتهم نعم شاهدت ذلك , فقال القاضي ومتى وأين ؟
الحالة التي ذكرتها أعلاه جرت حقيقة في إحدى المحاكم في اللاذقية , عندما ضبط أحد اللصوص الصغار وهو يسرق بعضاً من قضبان الحديد من الميناء , وعندما سأله القاضي أجاب كما اسلفنا أعلاه
لنناقش الأمر بصورة أدق وأعمق , فقد حصل قبلها أنه تم سرقة (بلدوز )من الميناء , وصور أحدهم الحادثة بصورة ساخرة (للبلدوز) وهو يتسلق الأسلاك الشائكة والمحيطة بالمرفأ لتعبر عليها إلى المجهول
إن القاضي لن يصدق المتهم في دفاعه عن نفسه وإن صدقه فهذا يعني أن القاضي في تصديقه وتبرئته للمتهم ناتج عن سببين لاثالث لهما , إما ان القاضي مرتشي أو مجبر على حكم البراءة من قوى أعلى منه كالذي كان يحصل في بلادنا بضغط من المخابرات أو أحد المقربين , أو عن طريق الرشوة فيبرأ بذلك الظالم ويتهم المظلوم والحق يصبح باطلاً والباطل صار حقاً بنظر هذا القاضي , أما الاحتمال الثاني ووجوده لاينطبق على رجل متعلم في أنه صدق المتهم واقتنع أن قضبان الحديد تطفو على الماء وإن صدقه فالغباء حليف القاضي هنا
فلو أسقطنا الحالة أعلاه على الأرض السورية والمحنة القاسية التي يمر فيها شعبنا السوري الجريح والمحطم والمدمر من قبل حاكم ظالم مجرم مستبد قد أباد الحرث والنسل ولم يُبق في سورية مكاناً إلا ووصلته وحطت عليه مصائب متعددة من هذا المجرم وأعوانه , وانقسم الشعب السوري لفئات ثلاثة , الأولى ضد هذا المجرم وأعوانه , والثانية مجرمة ومؤيدة له , والثالثة تدعي الحياد
فالشيطان عند المعتقدين بوجوده هو رمز الشر ورمزاً للخطيئة والسوء معاً وعند من يعبدون الشيطان يعتقدون بأن الله غفور رحيم والشيطان شرير بطبعه فيعبدونه وقاية لشره وغدره,فلو وضعنا بشار الأسد في مكان الشيطان بسوئه وإجرامه وقذارته , فيكون أمامنا وجوه مختلفة في اسقاط الحالة السابقة ,
فلو أخذنا البوطي على سبيل المثال , نستطيع الحكم عليه من خلال دعواته وخطبه وبما أفتى فيه من فُتيا يحض فيها على الوقوف مع الشيطان معتبراً الشيطان المجرم هنا , بأنه على الحق ويمثل الفئة القليلة والمظلومة , والوقوف معها هو السبيل المنجي في الدنيا والآخرة , وبالتالي يمكن الحكم عليه من خلال ماتقدم ,أن البوطي كان يؤمن بالله ويعبد الشيطان تقيا وخوفاً من شره , وكل من يقف معه ويسمع له ويشد على يديه فهو من أتباعه ويعبد مايعبد البوطي , وعندما مات البوطي أو قتل , وضعت مسرحية موته في دراما إيمانية من قبل معبوده وأعوانه في زمرة من الشياطين والأبالسة , ليخرج من عبائته كل مدعي أنه مؤيد للحق وللثورة فأصبح يدافع عن العابد الزاهد لإبليس , ونسي أن هذا العابد الزاهد قد مات وهو في أشد إخلاصه للشيطان المعبود عنده وعند مواليه , فالذي يدافع عن البوطي كذلك القاضي في الحالة التي تنطبق عليه إن صدق اللص في ادعائه ذلك , في أن قضبان الحديد تطفو على وجه الماء , أو تعبد الشيطان في السر ومتوارية داخل العباءة الثورية
والفئة التي تعبد الله حقاً وهدفها الخير للجميع وقفت وقالت الله ربي والشيطان عدوي , فهي ضحت وتضحي بكل غال ونفيس في سبيل إزالة الشيطان وأعوانه المتمثلة ببشار الأسد والأبالسة الصغار الذين هم حوله .
والفئة التي تقف على الحياد فهي تعبد الشيطان ساعة وتعبد الله ساعة وفي النهاية إن انتصر الشيطان فيكون ربها وإن انتصر الحق فهي معه وهي الطائفة المنافقة.