بيني وبين ضياء الدين الخاقاني شريعة الاخوة
غازي القصيمي
(الذكرى السنوية الاولى مايس 2009)
لا يمكن التفكير فكريا في ضياء الدين الخاقاني بمنطق الهوية وعدم التناقض، من هنا يأتي منطق المفارقة أو نحو المفارقة في شخصية هذا الأديب الصديق الراحل .
ضياء الدين الخاقاني من مواليد 1933بمدينة المحمرة العربية عاصمة امارة كعب ايام زمان الى الشرق من المدينة التوأم لها البصرة الفيحاء. حصل على الإجازات كثيرة ولكن من الملاحظ لم يستفد منها وقد كان استاذا لجامعة البصرة، ومعهد التاريخ العربي.
يعتبر ضياء الدين الخاقاني احد أهم المفكرين العراقيين ومن الشعراء والبحاثة الملهمين ومن ادباء الامة المظلومين المعاصرين الذين ينشغلون على واجهات عدة منها :
واجهة الفقه والعلوم الدينية وايضا واجهة تأليفية تنطلق من مساءلة التراث الأدبي، وواجهة تتعلق بالتحريك كمثاقفة للتعريف بثقافات العرب والاسلام وتبسيطها أدبيا أو فكريا للآخر وبالأخص في قضية هي من أهم القضايا العربية ولكنها مظلومة من هذه الامة كقضية الأحواز من جهة، ومن جهة أخرى موضوع البلاغة عند الامام علي كرم الله وجهه والذي كان يعتبره الرائد في البلاغة العربية ومؤسس لقواعدها على اساس الروايات المؤكدة، ومجسد منطقية المصطفى(ص)، والقرآن الكريم، وكانت لدينا سجالات فكرية في ذلك، واعتقد المعتقدون اننا سنتحول بعدها الى أعداء ولكن لم يحدث ذلك لارتقاء العلاقة بيننا.
له عدة مؤلفات سواء في الادب أو في الفكر اذكر منها:
أجوبة الامام علي – عليه السلام - الفلسفية، مخرج من الطائفية الى اسلام علي -(ع)-، وأيضا الادب في الاحواز، وكذلك موسوعة الشخصيات الفكرية والدينية في تسعمائة سنة من تأريخ الاحواز( المشعشعيين والكعبيين)، والتي أكملها في القاهرة، وكذلك تاريخ نساء شهداء الاحواز، فضلا عن بحث قيم عنونه باسم العلماء بين المحمرة والحجاز والبحرين والنجف، الى جانب اشعاره القيمة العاطفية والوطنية والقومية والاسلامية وهناك العالمي منه على ما اعتقد .
فضياء الدين الخاقاني لا يتوانى عن خلق مفاهيمه الخاصة والتي تساهم في إغناء الحقل المعرفي عربيا وبالاخص بالعراق وانتعاشته كمفاهيم الإسرار الفكرية ومنطق المفارقة.
ان حياة ضياء الدين الخاقاني حوارية متكاملة عبر حياة الصداقة معه غير متكلف بخلق أجيال لما سمي بالادب اليقظ كجمعية أسست في النجف ورأت أيضا لوقت محدود آثارها في السعودية، ودلالة الاخوة تجمعنا أحلى صداقة وصدفة فريدة مشمولة بالإبداع والعطاء، لم يتكللها شائبة، ومن ضمنها صديقنا المستشار الاديب السعودي محمد علي الهجري والذي كان من خريجي النجف وجامعة الكوفة في الستينات.
ضياء الدين الخاقاني كان أبي النفس، وكما يقال كنت أنا بامكانياتي مستشارا لخادم الحرمين الشريفين ومن الوزراء والمسؤولين السعوديين أن ألبي له الكثير من الحاجات، بكن فيكن، ولكنه كان ذائبا بالعراق وقضاياه وضحية أيضا لقضية معقدة كقضية الاحواز يداريها كأنها الطفل الصغير، معتقدا أن العراق لا يخلو من النجاة ولا من جيل متنور سينهض به رغم الانشغالات العراق السياسية والمعقدة والتي وصلت الى ما وصلت عبر عمر العراق الحديث.
وفي عباراته أجد هذا اللون من الهم العربي والفكري:
( .. لفظة العرب لفظة ملتبسة، يصعب تحديدها كمّيا وزمنيا، أي يصعب تحديدها عمريا وسنيا، بمقياس الالاف السنين ومنذ نبي الله اسماعيل بالتحديد حسب النص النبوي .. لكن ما مصداقية مفهوم العرب في تاريخ الفلسفة الفكرية العربية، ككلّ المفاهيم التصنيفية والإجرائية؟ .. فهو مفهوم تقريبي، ولا قيمة لمقاربته إن لم تكن قيمته إشكالية .. تجمع بين هذه الحقبة وتلك وتتداخل أزمنتها وتتشابك .. ولا تغطي مرحلة تاريخية محددة ومعنية بدقة ووضوح .. يا للزمن العربي ولأجياله .. دائري لولبي متقاطع يراوح مكانه وزمانه لا يتقدم كثيرا .. عود شبه أبدي، قد ينطبق كليا على فوج بكامله، وقد يتآلف مع زمرة من هذا الأخير دون آخر، وقد لا يعني جمهورا عريضا ممن يتعاطون للفكر كمدرسين ومكونين أو كمناضلين اختاروا المجتمع النضالي ومسؤولياته بعد أن انبثقوا من معطف الاسرار والنضال السري ومقاوماتهم التي لم تنتج سلاما لاجيالهم ليبقى السؤال متى؟ الجيل المقصود وسط هذا الالتباس والقلق والاضطراب هو ذلك الذي حافظ ولازال يحافظ على شعلة الفكر وهاجة إبداعا وترجمة وعملا، واِنْ كرهه الناس بفعل دعاية الجهلة والدجالين .. شعلة الفكر لدى العربي تنقدح وتنبعث من اهتمامات تهم الإنسان العربي في ذاته وجسده وفي حاضره ومستقبله. من هذا المسبار يعتبر ماضي الفلسفة العربية الإسلامية ومثلها الادب وايضا الثورات أمامه وليس وراءه. وتغدو الموضوعات الفكرية القديمة منها التراث واسقاطاته، الهوية وازماتها، والاسلام وفرقه المتطرفة الطائفية، والجديدة من الحداثة ومجاهيلها، الغير والغائه، والجسد وشهواته..، موضوعات محايثة ومصاغة صياغة جديدة ذات طابع فارقي، يميز حساسية العرب ما داخل سياق عامّ دون اتفاق وصراعات دون توفيق. لتضيع مواقعنا داخل هذا الجيل، ولا تعكس أعمالنا تجربة فكر حقيقية حتى الثورات التي تحققت ادمتنا أكثر مما أدمانا من ناضلنا ضده ومنه الاستعمار .. ).
ضياء الدين الخاقاني، ينتمي إلى ذات السياق العام للثورة العربية المجيدة في الحجاز منذ القرن العشرين اي بداياته بروحية اسلامياتها تحت اثار النجف وثورة العشرين الخالدة من جهة وثورة الاحواز والمحمرة عند اغتصابها تقريبا بنفس التاريخ، وهو سياق متعدد الاهتمامات والانشغالات والمحتذيات والحساسيات، يصعب عليه أن يتموقع فيه، فهذه مهمة النقد النضالي والادبي. وبعيدا عن كل تواضع مزيف، يبدو لي خريطتها عند ضياء الدين الخاقاني وادبياته كالبراري والصحاري، يمكنها أن تضيق بالواحد رغم شساعتها كما في قضية الاحواز العربية المغتصبة، وكما يمكنها أن تتسع رغم ضيقها، كقضية فلسطين الأهم في هذا الفضاء، إن ضاق أو اتسع هو العمل الجاد، والاستمرارية، والمحافظة على نار و نور الحياة والفلسفة العراقية وهّاجة لانه عاشها بكل وجدانه دون اهتمام بانظمة العراق الحاكمة وكأنه يلبي طلب الامام علي بن ابي طالب، بعدم الاهتمام بالحكام ولكن عليه الاهتمام بالانسان وخدمته.
هذه القيم نبراس يعكس عمق التجربة الفلسفية وحقيقتها لدى هذا الجيل من العرب ومن ضمنه العراق.
فصدق تجربة الفكر والادب العربي عن ضياء الدين الخاقاني تؤكده أخلاق التعامل مع الغير قبل أخلاق الذات وان كانت هي انعكاس لها، وتؤكّده حكمة العراقيين دوما بعد الاحتفال بالحاضر، كما يدعمه إحساس عارم بالفقدان والقلق من تجربته الاحوازية، هذه الفلسفة النضالية الجديدة أو المغايرة تحيط بها مفاهيم خاصة بها اتعبته مثلما اتعبت اهلها ومستعمرها الفارسي وحيرة العرب ايضا وضيعت العالم في اشكالية لا توجد لها حل سوى الانفصال وعودة دولة كعب أو المشعشعيين مثلا، نحتت إبان تجريب إمكانية التفلسف النضالي.
امكانية ضياء الدين الخاقاني انطلقت من الإنسان وميّزت فيه بين الفرد والكائن، ومنحته صفة العلّة التأسيسية، لكل ما يلمس، في الوقت الذي كان من انصار الثورة في ايران ومن مستشارين وداعمين السيد الخميني عندما كان في النجف، تبين ان عامل الحسم فيها الاحواز مضافا له وطنيته العراقية بعدم الذهاب ابعد لاكتشافه اخطاء ايران وعدم الايفاء بالتزاماتها الدينية والاخلاقية من الثوار ومنهم الاحوازيين الذين كانوا عمودا مهما للثورة العظيمة الايرانية والتي بالنتيجة خذلت العرب حقا والمسلمين عموما وهذا راي لا اريد الخوض به الان للمشاكل التي تعيشها ايران متمنيا ان تنتبه الى ذلك وتصحح الاخطاء قبل فوات الاوان ورايي هذا راي أدبي وليس سياسي . لخمسة عشر سنة وكان هناك ايض
ولابد ان اشير كنا ننتظر كما هو مخطط زيارة السيد الخميني الى السعودية لاطلاق خطاب الوحدة الاسلامية كما كان هناك مشروع زيارة الى العراق لالقاء خطاب الضيافة للعراق لخمسة عشر سنة وكان هناك مشروع دعمته المملكة والعراق دعما للثورة الايرانية بجعل ايران عضو مراقب في الجامعة العربية وحصل هذا في مؤتمر القمة في تونس الذي افتتحه العراق عام 1979 كونه رئيسا للدورة السابقة في العراق حيث وجه العراق دعوته لايران بالحضور كما دعم عضويتها في عدم الانحياز بكوبا وقدم العراق المقترح في وسط كثير من المعترضين، وطالما تناقشنا انا واخي الخاقاني الذي كان متحمسا على ذلك ومطلعا على هذه الامور لقربه من القيادة العراقية والسيد الخميني قائد الثورة الايرانية، ولكن ما حدا مما بدا، ليكون ثمن الضيافة حربا طاحنة بين العراق وايران، ليبقى امثالنا من المتحمسين للاخوة والسلام متسائلين حائرين.
ان ضياء الدين الخاقاني بذلك يتنقل تأسيس العالم لينتقل من الوجود إلى الحاضر عبر ممارسة السؤال:
أية إشكالية يطرحها الوجود الذي يحقق نفسه فيه؟
إن صدق استراتيجية التفكر الفلسفي هذه هي إمكانية لابتكار الذات والوجود حتى تغدو جسدا ورغبة وفقدانا وتغدو غيرية ولغة وإسرارا.
ارتبط اسم ضياء الدين الخاقاني بمفهومين هما الإسرار العراقية النضالية لارتباطه بمسؤوليها ومنهم الرئيس صدام حسين وان كانت متوترة لانتماءات الخاقاني الفكرية القريبة الى الدين والتي يتحجج بها دائما اخلاقيا، ومنطق المفارقة مع الاسرار الجهادية الايرانية لعلاقته بمسؤوليها ومنهم السيد الخميني والتي توترت فيما بعد لمبدئية الخاقاني، ولا اخفي كنت اعمل لربطه بالاسرة الملكية لخادم الحرمين كلما سنحت الفرصة، ولكن ولكن .. كان ضياء الدين الخاقاني بكل خلقه ووقاره ذائبا بالعراق، ليحتار الصديق قبل العدو كيف يحدد مجال عمل هذين المفهومين العراقي والايراني وربما ادخل عليه السعودي او اي اطار اخر، وهل يمكن اعتبارهما نواة لمشروع فلسفي متكامل توافقي كان يعمل عليه ولكن السياسة والمصالح والحروب والانانية نحرت هذا المشروع؟
لأجد ما يشبه العلاقة بين السياسة والبلاغة ضمن بحثه الفريد رحمه الله لمفهوم البلاغة في نهج البلاغة للامام علي بن ابي طالب حسب رايي مثل هذا التوضيح لمفارقات هذه الاشكالية من العلاقة وكأنه الخاقاني قصدها بالتعبير ولكن بشكل غير مباشر:
( .. المفهوم العربي يشكّل عدّة الفكر اللغوية والتواصلية، وضرورتها تمليها حالة أو حدث يفتقد للتحديد والتسمية، ان كنت عربيا وان لم تكن مسلما وان كنت غير عربي ولكن لابد ان تشعر بالعربية وليس مجرد نطقا لتتوفر لديك هوية الاسلام .. اما ان كنت تتكلم العربية ولكن لا تشعر بالعربية فانت لا يمكن ان تكون مسلما، هذه هي الاشكالية الفكرية التي وقعت فيها ايران وايضا العرب في معالجة هذا الامر، ذلك هو فضاء مفهوم الإسرار وتلك هي ضرورته. وهو من الكلمات الأضداد في اللغة العربية يشير إلى حالة أو حدث الظهور او الضمور في النفس الفكرية العملية. فعلى المستويات هناك وجودنا مضمر لغة وظاهر كحدث وعلى المستوى آخر ظاهر كلغة ومضمر كحدث. لا يمكن والحالة هذه التفكير عميقا في العرب بمنطق الهوية وعدم التناقض، من هنا منطق المفارقة أو نحو المفارقة لا بد ان يكون الاسلام غير عربي وهو بدء التحريف. وهو منطق لا يقل أهمية عن الأنماط الأخرى من المنطق في تنظيم الفكر، والفكر الفلسفي على الخصوص) .
ولأجد في مشاريع ضياء الدين الخاقاني بصدد المشروع المتكامل، فلم يعد هذا المفهوم يعني بالضرورة الاكتمال ولا النسق بين اي جهة واخرى لأشعر احيانا يمكن تطبيقها مثلا اذا وعى العالم بين اسرائيل وفلسطين والعرب عموما، رغم انف كل المفكرين والمناضلين اهل ربطات العنق او العمائم أو العقال .
فمشاريع ضياء الدين الخاقاني هو الارتماء والقفز هناك، هو الميل نحو أفق ما، ولكن من كان يستحق، وقد ابعدتنا مشاريع الحروب لسنوات لنفتقد هوية المقاومة مع الاسف ولنتبنا الغزو والعدوان والاعتداء ومن ثم الارهاب ولتضيع قضايا مثل فلسطين بحجج مثل تصدير الثورة بالدعوة الايرانية أو عودة الفرع الى الأصل بالدعوة العراقية، وكلاهما كانا وبالا على العرب والمسلمين مع الاسف، ما هذا الكلام؟
كان ضياء الدين الخاقاني وبهذه الدرجة من الوفاء لبلده وللقضايا التي حملها هو مساهمة فردية أو ثنائية في عمل جماعي من أجل الأمة، أو بشعور من أجل أمل كوني نحو عالمية انسانية .
المشروع هو شروع في بداية صحيحة نحرتها الحروب ومساهمة أولية قتلتها التبجحات والبطولات الزائفة. لذا يمكنني تأطير ضياء الدين الخاقان في ما أنا بصدد كتابته الان في خانة المساهمة لزيادة ضحايا الادباء والمفكرين المبدعين الذين قتلتهم السياسة الانانية ومدعو الدين الدجالين في المحتفل الفلسفي الفكري النضالي والجهادي.
تشكلت لي رفقة أخي ابو بهاء ثنائية فلسفية وقعت أعمالا مشتركة أغنتني افكارا متميزة ومراسلات اختلفت عن اي مراسلات وان قلت لقاءاتنا الى ما قد حلت في الامارات والكويت واليمن واهمها القاهرة، وبالاخص مع صديقنا المشترك السيد طالب الرفاعي وديوانه العامر وبعد ان كنت ارتعب من اسمه ليسهل الأمر لي الخاقاني ويقربنا لاكتشفه رجل دين نجفي متنور لم التق الا بالقليل منهم، والأغرب كان من مؤسسي المعارضة العراقية وبالأخص حزب الدعوة المعروف، والخاقاني ليس معارضا، فادهشتني مثل هذه العلاقات حتى تقوية العلاقة بعد زواج السيد الرفاعي من اختنا وابنة الاخ الشيخة السعودية الاخت سميرة رجمها الله، فوجدته في احاديثه مخلصا للخاقاني اسوة بصديقنا المستشار السعودي الاديب واحد اركان الادب اليقظ المبدع الحداثي محمد علي الهجري، وهكذا تواصلنا، اما العراق وبالبصرة فاجملها ولكن نادرة على اصابع اليد مرة او مرتين .
هل يمكنك بعد ذلك أن يتم تعين المنطق الداخلي لهذه التجربة، أي الكتابة البينية، هل يكتب أحدنا من خلال الآخر، او عن الاخر؟
كيف يمكن تحديد هوية النص ومن ثم شخصيتنا الذي توقعناها معا؟
الرفقة مع العزيز ضياء الدين الخاقاني ليست صدفة ولكنها من أحلى الأحداث بعمري، رفقة نفترق فيها كثيرا لنؤكد اللقاء على الحب الاخوي، اين انا منها وقد شابت علاقات البلدين الدم ولكن تلك هي السياسة فكان دمنا مع بعضنا أكثر اصالة وتجذرا من دم المشوب بالماء للسياسيين.
وتقريبا منذ البداية لعلاقتنا كان عملنا مندمجا وليس مشتركا سواء في مجال الادب أو في مجال البحث في عالم العرب وعالم فارس نفتش عن التلاقي ولكن وجدنا سبحان الله تراث من الافتراق الذي كانت الشعوب ضحيته بأيدي اسياد فارس كلما مد لهم العرب ايديهم يعضوها عبر التاريخ واني ابرء المذهب العظيم لاهل البيت من تصرفاتهم عبر التاريخ.
كنت مع الخاقاني يكتبني وأكتبه، يحللني واحللهه. مسيرتان انصهرتا في شخصية مفاهيمية واحدة لهذه الامة من جهة امة شمولية كالاسلام ومن جهة امة ذات خصوصية كعرب لروح الانسانية والاسلام، ومن جهة كونية انسانية نعرف انفسنا لها باننا انسانيون.
كان هدفنا الموجه في التعريف بأعلام كانت مغمورة لهذه الامة وادبياتها وثقافتها اكثر مما نعرف انفسنا فتم محاربتنا، فقد كان لي ظهر افتخر به في بلدي المملكة السعودية اعلى الله مقامها، ولكن وجدت ان ضياء الدين الخاقاني لا سند له في بلده في الوقت الذي العراق جمجمة العرب وقطب العالم وسند البشرية لا يسند ابنائه وكأنه لا يفتخر بهم، هذه حيرة شغلتني كثيرا ولم اجد لها جوابا، واردت اسنده باصرار فبخل على نفسه هذا الخاقاني، وهذا ما أكده لي صديقنا المشترك الوجيه الكويتي الحاج زيد الكاظمي من انني سافشل في محاولاتي لانه قد حاول قبلي كي يثبته في الكويت مستشارا ثقافيا أو اعلاميا فلم يفلح، وكما حاول رحمه الله الشيخ القاسمي في امارة الشارقة ولم يفلح، في الوقت الذي كان الشيخ شخبوط في ضيافة العائلة الخاقانية بالمحمرة بعد هجرته من الامارات العربية المتحدة وبتوسط من الشيخ وايد الاب رحمه الله، وبسبب قرار الوحدوي الشجاع لشيخ الامارات .
فأبقينا ارتباطنا دائميا بانسانيتنا وعروبتنا وديننا وبلدنا وامتنا برغم الازمات والاختلافات التي شكلت انشغالا أساسيا لدى القاصي والبعيد من معارفنا ومسؤولينا.
بعد هذه التجربة في الحياة الادبية تبدو لي الآن أمرا مستحيلا، والخاقاني قد رحل تتجاذبه فينا اختصاصات وقضايا ورهانات عدة، منها سعيت ان يفتح الاحوازيين مكتبا لدعم الاحواز واختارت المملكة العربية السعودية ممثلا واحد ولكن تعقيدات العراق وشروطه نحر المشروع وكان رد فعل جلالة خادم الحرمين انذاك رحمه الله الزعل حتى مني في الوقت سعيت ان يجد للخاقاني وظيفة في السعودية بعد ان رفض الاشراف على السفارة العراقية في الرياض فادهشني رده وحسبته ضغوطا عليه من حكومته كوني خبرت هذا الموضوع ضده وبالاخص في المشاريع المشتركة التي اردنا تنفيذها في الثمانينات وانا سفير المملكة في لندن، حيث كانت ساحة العمل البصرة وكانت له علاقة بالشهيد الشاب القيادي الشيخ فهد الصباح رحمه الله وكلما كنا نجتمع بالبصرة وبالاخص في جانب الزراعة والمياه والموانيء ومشروع نهر البصرة لامتداده الى الكويت ومصنع تعليب الاسماك المشترك للخليج العربي في الفاو والمدينة الصناعية والمدينة الرياضية والمدينة العلمية ووو.. ومشروع القطار السريع الى الكويت كنواة لقطار خليجي بدء من البصرة والكويت انتهاء بدول الخليج العربي، فضلا عن برامج الخليج المشتركة كسلامتك وافتح يا سمسم وغيرها الثقافية والتربوية ومصرف العراقي الكويتي السعودي، وكان المشروع هو مصرف الخليج الكبير لدول الخليج العربي، وكانت الاضافة الفكرية تاتي من ضياء الدين الخاقاني، ولكن كنا نجد في الاجتماعات ان هناك مرشحين غير ما نرغب بهم واناس غير كفوئين ومسؤولين عراقيين مع الاسف ليسوا من اهل الاختصاص وقد ابعد ضياء الدين الخاقاني وليتحول الاجتماعات من بيته في البصرة والذي كان الشهيد فهد الصباح يصر عليه والذي كان مرتبطا به بعلاقة متينة وكانا يخططان لتحويل البصرة الى معلم ثقافي رياضي وفي توأمة مع الكويت، لنتحول الى فندق شط العرب ومن المؤسف نحرت كلها وبالأخص ذلك المشروع العظيم الذي خطط له الخاقاني مع المختصين لتحويل البصرة الى بندقية العرب بربط الانهر واكمال نهر البصرة وربط الانهر ببعضها حتى شط العرب وانشاء نواضم عليها تفيد البزل والسقي والصيد والكهرباء في عشرات الانهر الرابطة بين نهر البصرة وشط العرب، لتكون الانهر حافظة للمياه عند انحسار المد بفعل النواظم وليكون لها مردودها الاقتصادي والسياحي والزراعي، وكان المهندس الصديق العراقي مدير الموانئ العراقية الاستاذ عدنان القصاب متحمسا لها ويخطط ليل نهار لهذا المشروع.
اقول من المؤسف مثل هذه المشاريع تنحر ولا تكتمل مثلها مثل المشاريع الاخرى لهذه المدينة المحبوبة البصرة الفيحاء التاريخية التراثية الحضارية، ولكي لا تموت كما اماتت السياسة المحمرة التاريخية، وكانت هذه المشاريع في البصرة ثغر الخليج العربي الباسم فائدتها لعموم العراق والخليج العربي.
ولا اطيل في أسفي فكل ما فات قد مات ولكل زمان دولة ورجال ونحن ابناء اليوم ولكن أشعر الأخطاء تتكرر ولا يوجد عبرة بالزمن والتجارب، وبعيدا عن الشائعات والاعلام المزور اعرف بحكم معلوماتي ان العلاقات العراقية الخليجية وبالاخص مع السعودية على احسن ما يكون وبعد مبادرة المملكة باطفاء اكثر من 80 بالمئة من ديون العراق، ومساعدة العراق لبناء بناه التحتية بملايين الدولارات بعد التغيير السياسي العسكري الذي حصل في العراق عام 2003 ولا اريد ان اعلق برأي حول هذا الحدث الاخير لانني لست قادرا على الاستيعاب له كي اكون منصفا في التعبير .
والاسف الأكبر ان ضياء الدين الخاقاني قدر رحل ولا أدري هل ينفع ان أقيمت تلك المشاريع في غيابه، اعتقد ستسر روحه وان لم يكن جسده يعيشها لانه عشق العراق وآثر الدفاع عنه ولو على سعادته والاهتمام بقضية كقضية الاحواز المظلومة عبر التاريخ كما يقال اكثر من اهتمامه بنفسه .. معقول .. هذه عدم العقلانية والتي اشبهها بالتهور من رجل عظيم جعلتني اتمسك به ..
اني تعاونت مع اخي الخاقاني استشاريا على بعد في كل من اشرافه على ميناء اليمن ومصفى الصومال وفي اليمن ايضا ومشاريع اخرى لتتقوى علاقاتنا الادبية اكثر مما هي سياسية. كنت ايضا اراسله لما انشره في جريدة الرياض السعودية وبالاخص في الاطارين الاجتماعي والادبي .
وكما قلت قد نشأ لنا مشروع لسكك حديد مشتركة ما بين العراق والسعودية بعد عام 1973 ولكن من الاسف لم يكن الوعي بمستوى هذه المسؤولية الحضارية لجهات عدة منها المسؤولين عليها، رغم اهتمام جلالة الملك فهد الذي كان اميرا انذاك، وما بعدها فكرنا بربط مشترك للطاقة الكهربائية والنتيجة نفسها خلال السبعينات.
ولكن من المدهش في الثمانينات وانا وزير صحة وجدت ان هناك حربا عشواء ضد ضياء الدين الخاقاني وكلما رشحته بالاسم لالتقيه في اي مشروع في العراق أرى مسؤولي العراق يرشح انسان لا ارغب به حتى تعبت من الطلبات .
ولا اعرف ربما هذا البلاء ايضا اصابني في بلدي بعد ان كنا نتحاور في قصيدة ابي فراس الحمداني لارى نفسي من وزير الى سفير في بريطانيا، لولا محبة امير الاخلاق انذاك والملك الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد طيب الله ثراه ليحافظ عليّ .
وما ان اصبحت وزيرا للمياة كنت ارغب ان احي النهر الثالث او ما قيل عنه نهر البصرة بتمويل سعودي وبمشاركة عراقية كويتية ولكن كان سيف العذل قد سبقنا وحلت كارثة الغزو .
ارسلت للخاقاني ديواني الشعري الثالث معركة بلا راية عام 1970، وكان قد علق عليه وكانت هناك معركة ضدي من ان الديوان ضد الدين والاخلاق ورغم انتصاري في المعركة ولكن كان تعليق صاحب السمو الملكي ولي العهد انذاك الامير عبدالله بن عبدالعزيز والملك الوفي للاخلاق والاخوة فيما بعد اكثر ما شد انتباهي واملي بحزم هذا البلد الله يحفظها حيث قال وهو يعلق على علاقتي بادباء العراقيين وبالاخص ضياء الدين الخاقاني:
ان العراقيين لا يتركون الاخلاق وان القصيمي متأثر بهم وان صديقه الخاقاني من اهل الشرف والدين والاباءة.
ومن اسباب هذا الموقف، ان جلالة الملك يشهد الى عم ضياء الدين الخاقاني الشيخ محمدطاهر الخاقاني الذي كان يزورنا وعمل علاقات جيدة ادت الى تعزيز العلاقة بالزعيم الديني الكبير في النجف السيد محسن الحكيم، فاراد الامير انذاك اقامة استقبال رسمي كلما ياتي الشيخ محمدطاهر الخاقاني رحمه الله وكان لديه مريدون في الطائف والحجاز، فهم الامير بقرار ان يستقبله حرس الشرف لانه دائم الزيارة الى السعودية واذا بهذا الشيخ الجليل:
يقول اذا اجبرتوني سوف اقطع من السعودية .
كما نقل لي الشيخ المدني بالبحرين من ان هذا الشيخ الجليل كان له نفس الموقف في زيارته للبحرين عندما طلب منه زيارة امير البحرين انذاك، وقد كان لي راي شخصي حول هذا الموضوع واني احتفظ به من انه رجال الدين وبالاخص الاعلام منهم والاجلاء كان لابد ان يجسروا الفجوة مع الامراء والسياسيين كيما لا تحرم البلدان والساسة من تقويمهم لمسيرة هذا المسؤول او هذا الحاكم وان يتحملوا خطورة التبعات فهذا واجبهم الشرعي، ولكن لكل منها رايه واني ارى هذا الراي .
فان هذا الشيخ الرائع هو والد زوجة اديبا الخاقاني، وهو أيضا الزعيم العربي الكبير، والشريك الفعلي للثورة الايرانية، وكان الامير انذاك وخادم الحرمين الحالي رعاه الله على علم بئِبائه وخلق هذه العائلة، وانهم حميريون عشائرهم تسكن الناصرية من ال جويبر ولهم السيادة الدينية لمنطقة الاحواز لمدة تسعمائة سنة ما بين المشعشعيين والكعبيين الى يومنا هذا والناصرية في العراق وبعض اقطار الخليج العربي ومنطقة القطيف والاحساء، وقد لعب هذا الشيخ الجليل الامام الخاقاني رحمه الله على انجاز كبير، والذي علق عليه العلامة السيد طالب الرفاعي في القاهرة واتبنى تعليقه، لو كان لهذا الانجاز الاستمرار لما شاهدنا طالحها وفاسدها وشاذها يوغل في الفتنة والتكفير، وهو التشجيع والتهيئة والاعداء لزيارة الامام السيد محسن الحكيم الى السعودية والصلاة الجامعة الموحدة في الحرمين الشريفين بامامته، كما حصل في احد السنوات للامام الخاقاني.
كما لضياء الدين الخاقاني اخ رائع هو الشيخ سلمان الخاقاني المفكر الاديب العلامة والفقيه الدمث الخلق.
هؤلاء جميعا لم يأخذوا من الدنيا سوى ثوب الاخلاق والزهد لما في ايدي الناس فكانوا اغنى البشر بخلقهم وعفافهم، رحمهم الله جميعا كما اسأل الله سبحانه ان يرحم ابن اخي ضياء الدين وهو الشيخ حامد الخاقاني الذي كان لاشتشهاده بعيدا عن والده خارج العراق وهو في ريعان الشباب اثره البالغ على صديقي الخاقاني وانا اقرأ قصيدته التي ارسلها لي في رثاء ابنه حامد لاستكشف نقطة ضعف طالما كنت افتش عنها لدى صديقي القوي الشكيمة فوجدتها في هذا الحزن والرثاء، فارسلت اليه على وزنها وقافيتها قصيدة رثائية اخوانية جوابية .
وعندما تدهورت العلاقات السعودية البريطانية بسببي وبسبب قصيدة الشهداء الفلسطينية 2002 وكنت سفيرا، وكانت سببا لنقلي اتصلت بضياء الدين الخاقاني فرد علي ضاحكا : بالعافية تعال الى البصرة اضيفك باجة.
واتذكر عندما تم استشارتني الجهات الامنية في المملكة بخصوص وساطة الشاعر السيد مصطفى جمال الدين لعائلته في مدينة رفحا السعودية فاني بدوري استشرت ضياء الدين الخاقاني لاستفسر عن السيد مصطفى جمال الدين فكان رد الخاقاني:
عزيزي .. هل من المعقول تستفسر عن ابا ابراهيم هذا العلم الانساني العراقي الرائع والذي قلة ممن تنجبهم النساء عليك اخي ان تقف الى جانبه ليشعر ان مواقفه التي لا تعد ولا تحصى لمنفعة الناس لم تذهب سدى وان امتنا بخير ..)..
وعندها تم الاتصال بالسيد بحر العلوم الزعيم الديني السياسي المعارض انذاك واخرون لتسهيل امر نقل عائلة جمال الدين الى سورية، فخصصت الحكومة السورية طائرة خاصة لنقلهم الى السعودية .
ان هذا الموقف ذكرني عندما استهدف سمو امير الكويت انذاك رحمه الله لاعتداء ارهابي اتهمت به ايران، وتمت ايضا تفجيرات ارهابية ضد سفارات غربية، فتم اعتقال شخصيات عراقية مهمة في الكويت كالعلامة الخطيب الوائلي والعلامة جمال الدين وغيرهم، لاجد اخي ضياء الدين متحمسا باتصالاته بي وبالحاج زيد الكاظمي واخرين وعائلة ال درويش والصفار في الكويت لمعالجة الموقف وبالفعل قمت باتصالاتي لحسم الموضوع وتم نقل المحتجزين الى دول عدة واغلبهم توجهوا الى سورية الحبيبة .
هذا هو خلق اخي وصديقي ضياء الدين رحمه الله.
واذكر هنا عندما عشت المؤامرة ضدي في اقصائي من رئاسة منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو عام 1999 وتفضيل المرشح الياباني كوشيرو ماتسورا، اصدرت روايتي دنسكو، التي أنتقدت فيها هذه المنظمة الدولية من خلال قصة مرشحين من عدة قارات يتنافسون للفوز برئاسة منظمة تسمى دنسكو.
جائتني رسالة من أخي الخاقاني فسررت كثيرا لانه لم يشاطرني المي الا القليل، وفرحت اذ شعرت ان هناك من يتذكرني .
وفي ايامه الاخيرة وصلتني رسالة منه من النجف حيث فارق الحياة رحمه الله مثلما الرسالة بذاتها افرحتني المتني ايضا بمحتواها، حيث ان ابا بهاء، يذكرني عبر ما يذكر من مأسي الارهاب بالعراق والتطاحن الطائفي والعنصري، بما حذرت به شخصيا في مقالاتتي وتصريحاتي التي سببت لي عداء مستمية ومستديما بعد احداث 11 ايلول/سبتمبر وما حذرت به من مصطلحات مذمومة كصراع الحضارات، مدينا في الوقت نفسه زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن الذي وصفته بانه ارهابي ووحش بشري، وكنت قد قلت في حديثي للبي.بي.سي :
نخشى ان تتحول هذه الحرب على الارهاب، التي ندعمها بلا اي تحفظ، الى حرب لاميركا والغرب على الاسلام.
واعتقد هذا ما حصل بالفعل
واخيرا رحم الله اخي وعزيزي ضياء الدين الخاقاني واسكنه فسيح جناته هذا الخلوق العلم العالم الاديب
وانا لله وانا اليه راجعون